الفصل الثاني

1524 Words
لفح الهواء البارد وجه ياغيز فأغمض عينيه و تنفس بعمق..ما حدث معه اليوم أغرب من أن يستطيع عقله استيعابه..يثمل و يخرج من الحانة ..يجد نفسه أمام وكر دعارة..يعاشر فتاة عذراء..و يشعر بالخزي و العار لأنه فعل ذلك..على الرغم من أن الصدفة البحتة هي التي لعبت دورها..لكي تجعل منه أول رجل يلمسها..لكنها رغم خجلها و تجاوبها البدائي معه..كانت مستسلمة لمصيرها..و راضية به..فمالذي يجعل فتاة عذراء تتواجد هناك..و مالذي يجعلها تقبل بأن تعمل بائعة هوى..عقله يعجز فعلا عن فهم ذلك..بقي واقفا للحظات أمام الباب..ثم تحرك مبتعدا بعد أن هز كتفيه بلا مبالاة ..رن هاتفه و هو يقود السيارة..وضعه على مكبر الصوت و قال" افندم مارت" أجابه" مرحبا ياغيز..أعتذر..كنت مشغولا جدا اليوم..لذلك لم أجب على اتصالاتك..هل أنت بخير؟" صمت ياغيز قليلا قبل أن يجيبه" أحاول أن أكون بخير" سأله" نولدو؟ ماذا جرى؟ نبرة صوتك أقلقتني" رد" لا أعلم..مارت ..هل أنت في المنزل الآن؟" أجاب" نعم..تعالى..أنا أنتظرك" قال" تمام كارديشيم..غيليوروم..قادم" ..بعد دقائق..كان يجلس قبالة مارت الذي يسكن شقة صغيرة في بناية راقية وسط مدينة اسطنبول..سأله ياغيز" هل أنهيت مراسم توقيع كتابك الجديد؟" أجاب و هو يبتسم" ايفيت..و الأصداء رائعة..الحمد لله..أشعر أنني أسير في الطريق الصحيح..أحقق حلمي بأن أصبح روائيا مشهورا" ربت ياغيز على كتف صديقه و قال" فرحت كثيرا..أتمنى لك كل النجاح..أنت تستحق ذلك" عبس مارت و قال" أنا آسف صديقي..حدثتك عن نجاحي و نسيت الوضع الصعب الذي تمر به..نسيت أن أسألك..هل من جديد؟" هز رأسه بالنفي و أجاب" لا..أعتقد أنني سأضطر لمواجهة أبي و اعلان افلاس الشركة عما قريب ..لقد فشلت..هذه صارت حقيقتي" وضع مارت يده على يد صديقه و قال" لا تيأس..حاول من جديد..ابحث عن الخطأ و حاول اصلاحه..جد طرقا جديدة و اتبعها..لا تستسلم لاحساس الفشل..انه يدمر كل طاقتك الإيجابية و يوقف عقلك عن العمل....لا تفعل ذلك.." ابتسم ياغيز و قال" و هل تعتقد أنني لم أفعل ذلك؟ لكن كل شيء يعا**ني..الحظ السيء يلاحقني..و يعرقل خطواتي..كأن الحياة مصرة على وضعي في موقف لا أحسد عليه" نظر إليه مارت و سأل" و دويغو؟ أين هي من كل هذا؟ ألا تقف إلى جانبك و تدعمك؟" قطب ياغيز جبينه و تجهم وجهه و هو يجيب" لقد تأثرت علاقتنا بالمحنة التي أمر بها و تخاصمنا..لم نتحدث مع بعض منذ يومين..و لم نلتقي..انها غاضبة مني ..وتتهمني بأنني لا أهملها و لا أهتم بها..تريدني أن أرافقها إلى حفلات أصدقاءها و إلى رحلاتهم الترفيهية ..و أنا لا مزاج لي لذلك..كنت أعتقد أنها ستتفهمني..و ستعذرني..لكن..كما تعلم..انها مدللة ..و لم تتعود أن يرفض لها طلب" مرر مارت أصابعه خلال خصلات شعره الكثيف و تأفف بصوت مسموع قائلا" أوف يا..ليس هذا وقت دلالها..كان يجدر بها أن تساندك و تساعدك على تجاوز ما أنت فيه..لكن..أشعر أن بك أمر آخر..هل هناك ما يزعجك غير الأوضاع المعلومة؟" وقف ياغيز و أخذ يذرع الغرفة جيئة و ذهابا..ثم استند بجسده على زجاج الشرفة و قال" نعم..لقد فعلت اليوم فعلة شنيعة..و الندم يأكلني من الداخل " زم مارت شفتيه و سأل" أنت؟ فعلة شنيعة؟ .لا أعتقد ذلك أبدا..أخبرني لنرى" سرح ياغيز بنظره تجاه أضواء مدينة اسطنبول المتلألئة و أجاب" لقد عاشرت بائعة هوى" نظر إليه مارت للحظات ثم انفجر ضاحكا بصوت مسموع..التفت إليه ياغيز و رمقه بنظرة غاضبة..لكنه لم يتوقف عن الضحك..سأل ياغيز" مالمضحك في الأمر؟" رد مارت" أنت غريب حقا..ما تعتبره فعلة شنيعة هو أمر عادي..يحدث أحيانا مع أي واحد منا..فلماذا تعتبره كذلك؟ هل يؤنبك ضميرك لأنك خنت خطيبتك؟" هز ياغيز رأسه بالنفي و قال" ليس ذلك..انها الفتاة التي عاشرتها..تخيل..بائعة هوى..عذراااااء..هل تستطيع استيعاب ذلك؟" حملق مارت في ياغيز للحظات ثم قال" غريب..لكن..ربما..كان هذا يومها الأول..و شاءت الصدفة أن تكون أول رجل في حياتها" قال" هو ذلك..لكن..أليس غريبا أن تكون فتاة عذراء في ذلك المكان؟ لوهلة شعرت أنها لا تنتمي إلى هناك..مثلي تماما..ما فاجأني هو أنها كانت مستسلمة و راضية بما هي فيه..لا تعي خسارتها..أو ربما..تعتبر تلك الخسارة هينة أمام خسارات أخرى أورثتها لها الحياة..أوف يا الله..أشعر أنني سأجن" اقترب مارت من صديقه و ربت على كتفه و هو يقول" معك حق..صراحة..الأمر غريب..دعك من ذلك الآن..و اخلد إلى النوم..لقد تأخر الوقت..التعب باد على وجهك..ليلة سعيدة" هز ياغيز رأسه و استلقى على الأريكة.. بالكاد نام ياغيز ليلتها..كلما أغمض عيونه تجلت صورة تلك الفتاة أمام عينيه..لم يكن يعرف لها اسما..و حتى لو أعطته اسمها..فلربما يكون ذلك اسما مستعارا تستعمله خلال ساعات العمل..هي لحظات خاطفة عاشرها فيها..أدرك على اثرها شناعة ما فعله..لم يكن يؤمن بالصدف..بل كان يؤمن أن كل ما يحدث لنا في هذه الحياة كان يحدث لسبب ما..فمالسبب الذي جعله يلتقي بها..و مالسبب الذي جعله يكون أول رجل في حياتها..أول رجل يلمسها و يكون السبب في فقدان عذريتها..لا يعلم..كلها أسئلة لا يجد لها اجابة..استيقظ بصعوبة على الساعة الثامنة صباحا..كل جسمه يؤلمه..عيونه محاطة بهالات سوداء دلت على أرقه..تمطى في فراشه للحظات قبل أن يخرج منه..لم يجد مارت في المنزل..وجده قد جهز له قهوة تركها بقربه و معها ملاحظة كتب فيها"صباح الخير أخي..أتمنى أن تقضي يوما جيدا..أنا في معرض الكتاب..مر لبعض الوقت اذا استطعت..يوم سعيد" ابتسم و ارتشف رشفة من قهوته ساعدته على فتح عيونه جيدا..رن هاتفه معلنا وصول رسالة نصية اليه..فتحها و حملق فيها للحظات غير مصدق ما يراه..خبر سعيد بعد كل تلك الأخبار السوداء التي تتالت عليه ..لا يكاد يصدق..لقد ارتفعت أسهم شركته..شركة ايجمان للمعلوماتية في البورصة..ابتسم بسعادة و أخذ يقرأ الرسالة من جديد..أمر جيد و ايجابي أن ترتفع أسهم الشركة رغم الوضع الصعب الذي تمر به..ترى هل سيتبدل حظه السيء جيدا ؟ هل ستنتهي مأساته و خساراته؟ هل آن الوقت لكي يحقق أحلامه و يستعيد ثقته بنفسه؟ و لماذا أو لمن يدين بهذا الحدث السعيد؟ هل هو مجرد حظ؟ أم أمر آخر؟ ..لا يهم..المهم أن يستغل الوضع و يعكف على تطوير المنتج و تلميع صورة الشركة في السوق..أنهى قهوته بسرعة ..استحم و غير ملابسه و خرج..على مكتبه في الشركة..وضع مفاتيح سيارته و هاتفه عندما دخلت سكرتيرته ألما ( ديميت أوزدمير) و قالت" صباح الخير سيدي " أجابها" صباح النور ألما" وضعت قهوته على مكتبه و قالت" سيدي..هناك شخص يريد أن يلتقيك..هل ادخله؟" سأل" و من يكون؟" أجابت" انه باحث في مجال التكنولوجيا..يدعى مراد سيزن" رفع ياغيز حاجبه استغرابا ثم قال" أدخليه لنرى" ..دخل مراد ( بورا أولسوي) و صافح ياغيز و هو يقول" صباح الخير سيد ايجمان..هل لد*ك بعض الوقت لي؟" هز رأسه و هو يجيب" بكل تأكيد..تفضل" جلس مراد و جلس ياغيز أمامه..قال "ياغيز باي..أنا أدعى مراد سيزن..باحث و متحصل على الدكتوراه في مجال التكنولوجيا ..كنت في الولايات المتحدة الأمريكية..و عدت إلى تركيا منذ يومين..بصراحة..علمت بالوضع الصعب الذي تمر به الشركة..و أعتقد أنني أملك الحل" ..حاول ياغيز السيطرة على ضحكة سعادة همت بأن تنطلق من بين شفتيه..أيعقل أن يكون هذا اليوم هو يوم سعده..ابتسم و قال" مراد باي..معك حق..الشركة تمر بأزمة خانقة..لكن ..لا أستطيع أن أثق في كلامك بهذه السهولة..يجب أن أسمع أفكارك أولا..و بعدها نتفق" هز مراد رأسه و قال" بكل تأكيد..اخترعت نظام تشغيل جديد للحواسيب..و لدي براءة اختراع حصلت عليها في أمريكا..اضافة الى أنظمة تحميل و حماية خفيفة و ذات فاعلية أكبر..أريد أن أطبق هذه الأبحاث و الإختراعات على أجهزة لا تجد الرواج المطلوب في السوق..لكي أتأكد من نجاحها و اقبال الناس عليها..لذلك أتيت اليك..و هذه دراسة جدوى و كل الأوراق اللازمة لكي تتأكد من صحة كلامي" أخذ ياغيز الأوراق منه و تفحصها جيدا ثم سأل" و لماذا لم تطبق هذه الأنظمة في أمريكا؟ بما أنك درست هناك و تحصلت على الدكتوراه هناك أيضا" ابتسم مراد و أجاب" أردت أن أفيد بلدي و أبناءه بهذا الإختراع الجديد..سأترك لك الأوراق لتدرسها جيدا..هذا رقم هاتفي..اتصل بي متى أردت ..سأنتظر اتصالك..و شكرا على وقتك" وقف ياغيز يصافحه و يقول" تمام مراد باي..سررت بمعرفتك" رد" و أنا أيضا " ثم خرج..و فور خروجه حمل ياغيز الأوراق إلى ألما و طلب منها الاتصال بالجامعة الأمريكية لكي تتأكد من الأوراق و أن تدققها مع الشؤون القانونية..ثم خرج..ذهب إلى مارت الذي كان بصدد التوقيع على كتابه الجديد " عشق" ..انتظر فترة الاستراحة و أخبره بما حدث..فقال مارت بسعادة" ..جميل ..أعتقد أن الأزمة ستنف*ج قريبا..يجب أن نحتفل بذلك" ابتسم ياغيز و قال" سنحتفل بمجرد أن أنجح في اخراج الشركة من هذه الضائقة المالية..هيا عد إلى معجبينك..أنا ذاهب" عانقه مارت و ودعه..في سيارته..جلس ياغيز للحظات..يفكر في كل ما يحدث..و لسبب لا يعلمه..تراءت صورة تلك الفتاة من جديد أمام ناظريه..تقتحم تفكيره دون ارادة منه..فيها شيء يشده نحوها كمسحور لا يعي ما يفعله و لا يستطيع مقاومة ذلك السحر..وصلته رسالة على هاتفه من دويغو تقول فيها باختصار" مازلت غاضبة منك..و أنتظر أن تصالحني" أبعد الهاتف عن ناظريه و قاد سيارته بسرعة..إلى مكان..يعرفه جيدا..و يريد أن يكون فيه من جديد..
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD