بنت البندر الفصل الأول

3035 Words
في جو عاطف ، وجو ملبد بالغيوم ، في سكون الليل ، وبالرغم من برودة الجو الذي يهدد بتساقط الأمطار ، في الدوار الكبير الذي يقبع به زيد ناصر الهلالي (رجل في عقده الخامس ، أسمر البشرة ، عيونه حذرة كالصقر ، يهابه الجميع ويخشاه ، أرمل توفت زوجته وهي تلد طفلها الأخير زين ) مع أبنائه الخمسة: أسامة زيد الهلالي (الابن الأكبر ، تخرج من كلية الطب البيطري ، يهتم بشئون العائلة ويديرها علي أكمل وجه ، شاب في نهاية عقده الثاني ، بالرغم من وهن جسده ونحافته ، إلا أنه شديد الطبع ، لا يعلم الرحمة ، متزوج من ابنة عمه فاطمة ، لا يحبها ولكنها التقاليد والعادات التي تبنتها الصعيد منذ أن خلق الله الأرض ، الابن الأول مكتوب لابنة عمه حتي ولو كانت تصغره بأعوام كثيرة ، لديه من البنات اثنتين ، لم يرزقه الله بالولد ولكنه سعيد وراضي بما كتبه الله له ...) بلال زيد الهلالي (يبلغ من العمر السابعة والعشرون ، شاب رياضي يهتم ببناء جسده طويل القامة ، شعر أ**د مجعد مع بشرة سمراء وعيون رمادية كوالده ، درس في كلية سياحة وفنادق ، رغم أنف الجميع وخاصة والده الذي كان يريده أن يدرس التجارة ولكنه رفض لشدة عشقه للطبخ ، فهو يطمح أن يؤسس عمله الخاص وينشأ سلسلة مطاعم تحمل اسمه ، يعشق جارته فريدة ، تلك الفتاة الرقيقة التي قلبت حاله عندما رأها أول مرة ، العند من أهم صفاته ، لا يقبل الهزيمة ، وهو علي خلاف دائم مع والده ، بسبب تلك الفتاة ..) محمود زيد الهلالي ( يبلغ من العمر الرابعة والعشرون ، في السنة النهائية بكلية الطب ، متفوق في دراسته ، جسده مثل جسد أخيه بلال ممشوق وشعره أملس قليلا ، ملامحه هادئة تصيبك بالارتياح عند رؤيته ، يكره النساء ، مر بتجربة قاسية ولا يريد أن يكررها ..) أشرقت زيد الهلالي ( معشوقة والدها لأنها نسخة من والدتها رحمها الله ، بيضاء البشرة وشعر أ**د مجعد وطويل ، عيون سوداء ، فهي المرأة المثالية التي غني لها العندليب ، تبلغ من العمر الثانية والعشرون ، أنهت دراستها الجامعية ، فهي حاصلة علي معهد فني تجاري بعد الثانوي التجاري، مخطوبة لابن عمها ممدوح عادل الهلالي ) زين زيد الهلالي ( الابن الأصغر لوالده يبلغ من العمر السابعة عشرة ، في السنة الأخيرة للثانوية العامة ، قصير القامة ، عيون سوداء كحيلة ، بشرة حنطية ، مرح يحب المزاح والضحك..) كانت هناك مواجهة صعبة للمرة التي لا نعلم عددها بين بلال ووالده ، إصرار بلال من الزواج بفريدة بالرغم من رفض والده مراراً وتكرارا ، لا يعلم زيد سبب تمسك بلال بتلك الزيجة ، ظل يفكر إلي أن ألحت تلك الفكرة علي عقله ، استشاط غضبا ثم قال بصوت جهوي ارتجفت علي إثره أبدان كل من وجد بتلك الغرفة ، أخذ يدب بعصاته الخشبية في كل خطوة يخطوها ليقترب من بلال ، ويقف أمامه ،ينظر داخل عيونه بقوة رعبته ، قائلاً: أنا هسألك سؤال واحد وتجاوبني عليه يا ابن زينة ، أنت عملت علاقة مع البنت دي ؟!! ابتلع بلال ريقه بصعوبة ، لا يعلم ماذا يقول لوالده ، أيخبره أنه تزوجها من ثلاث سنوات ، بعد استلامه عمله في الفندق الذي يعمل به مباشرة ، أم يكذب عليه وينكر .. عندما أطال بلال التفكير ، فطن والده لجاوبه ، ظل يدق علي الأرض بقوة ، ويدور يمينا ويسارا في كل أنحاء الغرفة ينظر هنا وهناك ، في عيون الموجودين كأنه يبحث عن نفي لتلك الفكرة التي تتوغل في عقله كالسرطان .. وقف أمام بلال ثم خبطته بعصاه بقوة وقال بصوت جهوري كزئير الأسد : ما ترد يا واد ولا البسة كلت ل**نك .. سكون خيم علي المكان ، كان بلال في قمة الرعب من والده ،فتلك المرة الأولى التي يري والده بتلك الحالة من الغضب ، ولكنه قرر المواجهة ، فلا سبيل غير البوح بما في ص*ره ، شق السكون بحروفه التي خرجت منه كالسهام ، كادت أن تؤدي بحياة والده : أيوة يا بوي أنا عملت معاه علاقة بس في الحلال ، فريدة مراتي علي سنة الله ورسوله ، بحبها ومش قادر أشوف غيرها ، أعمل أيه ، قولي أنت يا بوي أعمل أيه ، أنت اللي فضلت من غير جواز عشان بتحب أمي الله يرحمها ، رفضت أمر جدي لأول مرة في حياتك عشان بس تحافظ علي وعدك ليها ، وجاي تحاسبني أنا عشان بعمل زيك ، وبدافع عن حب حياتي ... قاطعته تلك الصفعة التي هوت علي خده من والده ، صعق الجميع وشعروا بالدهشة ، فتلك المرة الأولى التي يرفع بها والدهم يده علي أي منهم ، وخاصة بلال ، مدلله الوحيد .. قطع ال**ت صوت سقوط زيد بجسده علي الأرض إثر أزمة قلبية مفاجئة .. أصبح الجميع في حالة هرج ومرج ، تقدم منه محمود ليقيس له الضغط ، وجده يكاد معدوم ، أسرعوا جميعا إلي المشفي ليتم إنقاذ والدهم من موت محقق سببه الرئيسي هو بلال .. بلال الذي كان يجلس علي الأرض ويستند رأسه علي الحائط ودموعه تأبي ال**ود ، دموع قلب منفطر علي صاحبه ، لا يعلم كيف تجرأ ووقف أمام والده بتلك الطريقة، كيف طاوعه ل**نه علي إخراج تلك الكلمات القاسية ، ظل يض*ب الأرض بيده حتي كادت أن تن**ر .. أسرعت الممرضة لتعطي له إبرة مهدئة ، ولكن هيهات ماذا تفعل تلك الإبرة والقلب ينزف حزنا علي أب كان كالجسر في حياته الضائعة .. أراد أن يصرخ بصوته كله ولكن تراخى جسده وغط في ثبات عميق .. حمله أخويه ثم وضعاه في إحدى الغرف ليستريح قليلا ... كانت ليلة عصيبة علي الجميع ، وخصوصا علي أشرقت التي تعاني منذ وفاة والدتها ، لقد أصيبت بمرض نفسي منعها من الكلام لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر ، هي الآن تجول في المنزل بعيون زائغة خائفة من مستقبل مبهم لا تقوي لا مواجهته بمفردها ، عيونها هائمة تنظر في الفراغ ، جلست علي الفراش وظلت تحملق كالمجنونة في سقف غرفتها ، تري خيالات لأشخاص رحلوا ، تستمع لهمسات لا تميزها ولكن ذلك الطنين في أذنها يكاد يصيبها بسكتة قلبية كوالدها ، تحتضن جسدها متخذة وضع الجنين ، تضع إصبعاً في فمها كالأطفال وتضع يدها الأخري علي أذنها في محاولة منها لإسكات ذلك الصوت الذي تمقته . **ت قاتل في كل أنحاء المنزل عدا عقلها الذي ينسج آلاف الأحداث التي تقشعر لها الأبدان ... قررت أشرقت طلب النجدة من أحد إخوتها فهي لا تستطيع مقاومة هذا الصوت الهامس الذي يطالبها بالخلاص من تلك الحياة التي تبغضها .. أمسكت هاتفها لتتصل بأخيها زين ، كانت تتحدث معه بهستريا أشعرته بالخوف عليها ، ظل يردد باسمها بصوت عالي حتي انتبه أسامة له ، أقترب منه وسأله عن ما يحدث ، فأخبره زين أن أشرقت إتصلت به وكانت تبكي بطريقة غريبة ، استأذن من أخيه الأكبر للذهاب إليها ، أمره أسامة بضرورة الذهاب ، وأخبره أنه سوف يتصل به ليخبره إذا حدث جديد .. وقف أسامة أمام غرفة والده ، واستند برأسه علي الحائط ، قلبه يكاد يخرج من ضلوعه ، لا يعلم كيف سيظل صامدا بتلك الطريقة، لقد سأم تمثيله للقوة ، فهو يريد من يخفف عنه ، ولكنه للأسف وحيد ، وحيد بالرغم من إلتفاف الكثير حوله ، وحيد بالرغم من كونه متزوج ، ابتسم بسخرية حين تذكر تلك القابعة في منزله ولا تظهر أي اهتمام ، كأن ذلك الراقد علي فراش الموت ليس عمها الأخ الشقيق لوالدها ، تن*د بحسرة عندما تذكر أنه مجرد وسيلة لإرضاء رغبات ابنة عمه ، فهو بالنسبة له مجرد بنك ، أو بطاقة ائتمان ليس إلا .... بينما زين الذي توجه مسرعا إلي السيارة ليقودها إلي منزله ليتمكن من الاطمئنان على أخته الوحيدة أشرقت ، كاد أن يفقد السيطرة علي مقود السيارة أكثر من مرة ولكنه نجا بأعجوبة بفصل العناية الإلهية له .. دخل المنزل مسرعا ، توجه إلى غرفة أخته ، فتح الباب بدون أن يدقه ، وجدها ممددة علي الفراش متأخذة وضع الجنين ، عيونها جاحظة ، تتحرك بعشوائية ، هبت واقفة عندما رأته ، دخلت في حضنه وظلت تبكي بدون توقف ، شعر بالحرقة عليها وكذلك بالغيظ من تلك المدعوة فاطمة ، ابنة عمه وزجة أخيه ، ألا تعلم ما حدث ، ألا تعلم حالة أشرقت ، توعدها عندما ينتهي هذا الكابوس سيكون أول من ينفجر بها ... ******** في المشفي .. استيقظ بلال من نومه في حالة هياج لا يمكن السيطرة عليها ، ظل يدور في الغرفة وي**ر كل ما تطاله يداه ، دخل عليه أسامة ورفع يده ليصفعه ولكنه تذكر تلك الحسرة التي رأها في عينه بعد أن صفعه أبوه ، انزل يده ثم اقترب منه فاتحاً له ذراعيه ليرتمي بلال داخل أحضانه ويبكي والأطفال... ظل أسامة يهدهده كالطفل الصغير حتي سكن قليلا ، رفع بلال رأسه عندما فتح محمود الباب مسرعا وعلامات السعادة تزين ثغره ، أخبرهما بأن والدهم قد استيقظ وفتح عيونه وطلب أن يري بلال. . ضحك بلال وجري مسرعا حيث غرفة والده وتبعه أخويه ، وقف بلال أمام الغرفة ، ظل مترددا ولكنه حسم الأمر وفتح الباب ، شعر بالقهر عندما رأي والده مسطحا علي الفراش ومحاطاً بكل تلك الأسلاك الكهربائية .. تقدم إليه والندم يأكل قلبه وينهشه كذئب سعران لم يتناول الطعام شهرا ، تقدم منه يقدم قدما ويجر الأخري ، أغمض والده عينه في إشارة منه لاقتراب بلال أكثر ، تقدم بلال وجثا علي ركبتيه أسفل الفراش ، ثم أمسك بكف والده وبكي كما لم يبكي من قبل ، ظل يقبل يده ويعتذر له ، طلب منه والده أن ي**ت ويستمع إليه ، أخبره بصوت متقطع أن يعود إلي القاهرة ليحضر زوجته فلا يصح أن تبقي بمفردها في المنزل وخاصة أنها وحيدة ووالديها فارقا الحياة .. رفض بلال في البداية ولكنه رضخ لرغبة والده ، وذهب ليحضرها .. خرج بلال من الغرفة وجد أسامة ينتظر بالخارج هو ومحمود والقلق واضح عليهما ، ابتسم لهما بلال وطلب منهما أن يدخلا ليطمأنا علي والدهما ولكن طلب منهم ألا يجهدوه في الحديث ، أخبر أسامة أنه ذاهب إلي القاهرة ليحضر زوجته وأنه سوف يعود في المساء .. اتصل أسامة قبل أن يدخل علي أخيه زين ليطمأنه علي صحة والده ، ثم سأله علي فاطمة ، أخبره زين بغضب واضح منها أنها لم تسيقظ إلي الآن .. جز أسامة علي أسنانه بعنف ، ثم أغلق الخط متوعدا إياها بعقاب شديد ... دخل أسامة ليطمأن علي والده ، شعر بالراحة لرؤيته بخير ، وشعر بسعادة كبيرة عندما أخبره الطبيب أن والده حالته مستقرة وأنه سيخرج من المشفى في غضون يومين أو ثلاثة .. ******* أما في القاهرة .. كانت فريدة ترتجف خوفا علي بلال الذي لم يتصل بها ولم يطمأنها علي حاله ، ظنت أن والده فعل له شئ منعه من العودة مثلا أو أمره بتركها، صرخت في داخلها بقهر فهي تخشي أن يستمع إليها أحد ، شعرت بالفرحة عندما سمعت صوت مفتاح الباب يتحرك ، أسرعت لتتأكد مما سمعته ، بعيون دامعة تخفي خلفها شعورا بالقهر والخذلان استقبلته فريدة ،ظلت تحملق في وجهه الشاحب والمرهق من كثرة التعب ، علمت أنه مر بالكثير ، لم تعاتبه ولم تنبت بنصف كلمة ، فقط سارعت إلي حصنها المنيع ملاذها الوحيد التي لا تعلم غيره ، اقتربت منه ثم احتضنته بقوة ، شدد بلال من احتضانها ، أحكم قبضته عليها ، بطريقة آلمتها ولكنها تحملته لأقصي درجة ، صدمت عندما سمعت صوت بكائه ، كان يبكي كالطفل الذي فقد أمه ، سألته بخوف عن سبب بكائه ، ظنت أن والده قد حدث له شئ فهيئته كانت مزرية ، ولكنه طمأنها أنه بخير فقط تعب قليلا وتم نقله إلي المشفي ، أخذها ثم توجه للأريكة ،جلس عليها ليرتاح قليلا ، فاالليلة السابقة السابقة مرت عليهم كالدهر ، حكي لها بلال كل ما حدث وأخبرها برغبة والده في إحضارها إليه ... طلب منها أن تحضر له ملابس نظيفة ليتحمم ، فعلت ما أراد ، توجه إلي المرحاض ثم استحم وارتدي ملابس مريحة ، طلب بلال من فريدة أن تجهز حقيبتها وأخبرها أنهما سيرحلان بعد ثلاث ساعات ، بعد أن ينام قليلا . بالفعل دخل بلال الغرفة ليستريح بينما فريدة داخل غرفتهما تجهز حقيبتها للسفر إلي صعيد مصر ... ***** عودة إلي الصعيد .... بمجرد أن علمت أشرقت أن والدها قد استرد جزءا من عافيته ، أصرت علي الذهاب مع زين إلي المشفي لرؤية والدها ، وهددته إذا لم يصتحبها معه أنها سوف تذهب بمفردها .. رضخ زين لرغبتها وتركتها لترتدي ملابسها وذهب هو إلي غرفته ليبدل ملابسه بأخري نظيفة ... اصطدم زين بزوجة أخيه التي تسير في الممر وهي تتثاءب وتضع يدها علي فمها بطريقة مستفزة وكأنها لا تنتمي إلي هذا المنزل ، لم يشعر بنفسه إلي وهي يصرخ عليها بكل عنف متناسي أنها زوجة أخيه الكبير وأنه ليس عليه أن يصرخ عليها ... أسرعت فاطمة تركض خوفا من نظراته الحانكة عليها ، دخلت إلي غرفتها وأمسكت هاتفها لتتصل بأسامة تشكو له فعلة أخيه ، ولكنه لم يجاوبها وتركها للأفكار السيئة تتزاحم في عقلها ... ألقي أسامة هاتفه بضيق فهو لا يرغب في سماع صوتها الآن ... وصل زين إلي المشفي ومعه أشرقت التي بمجرد أن رأت والدها أجهشت بالبكاء داخل أحضانه ، لاحظ أسامة توترها ، عيونها الزائغة التي تنظر للفراغ ، أمسك بيدها ليبعدها عن والده حتي لا تتعبه من جديد .. أخذها خارج الغرفة ، كي يوضح لها خطورة الوضع وأن حزنها وبكائها سوف يتعب والدها أكثر ، كان يحاول أن يطمئن قلبها المفطور علي والدها ، كانت تبكي ب**ت ، تعلم بخطئها ولكن ماذا تفعل وهي تري نفس ما حدث لوالدتها يحدث مرة أخري ، شعور بالقلق والخوف من فقدان الأحبة أعظم المشاعر قسوة وألما ، قلبها لن يتحمل ذلك الشعور مرة أخري ، ففقدان والدتها مازال يؤثر عليها وعلي عقلها ، فهي تحلم دائما بما حدث ، تري تلك التفاصيل علي كل الجدران ، تشعر بها دائما ، تستمع لصوت أنينها وتعبها قبل أن تفارق الحياة ، من يحزنها أن لا أحد يبالي ولا أحد يهتم ، كل يدور في ساقيته لا ينظر للآخر ، ولا يهتم به ، أسامة دائما مشغول بالعمل ، وشئون العائلة ، فهو الكبير بعد والده ، وبلال لا يوجد شئ في عقله وقلبه إلا الزواج بتلك الحسناء التي يعشقها ، ومحمود لا يهتم سوي بدراسته فقط ، دراسة الطب كله حياته لا يهتم لغيرها .. أما زين ، فهو في أصعب مرحلة في حياته ، تلك السنة الفاصلة بين ما بحلم به والواقع ، لذلك فهو لا يهتم سوي بالدراسة ، لذلك هي وحيدة ،منعزلة ، حتي ممدوح خطيبها لا يهتم بها وبمشاكلها ، يريد فقط أن تدلله ولا يفعل هو ، أحيانا تشعر أنها بالنسبة له مجرد وسيلة للحصول على رضاء والدها عمه ، كبير العائلة ... اعتذرت أشرقت كالعادة ، من فعلها السئ ، فهي دائما مذنبة أمام أسامة ، الذي يري أن والدها يدللها كثيرا ، وأن ما تفعله ما هو إلا دلع بنات ماسخ بالنسبة له ... بينما في المنزل كانت فاطمة تتحدث مع أخيها ممدوح ، وغل الدنيا يسكن قلبها ، شعور بالشماتة سكن قلبها ونما بداخله وترعرع ، لقد قسي قلبها بشدة علي عمها وأبنائه ، لقد بثت والدتها الكره داخل قلبها وقلب أخيها ، كانت تتمني الموت لعمها انتقاما لوالدتها التي طردها عمها من المنزل لأسباب واهية ، لا قيمة لها ، لذلك تريد الانتقام وتنفيذ وصية والدتها الراحلة .. بينما ممدوح لم يريد الموت لعمه الآن ، ولكنه يريده أن يشعر بالقهر أولا ، ثم ضياع الأموال وتشرد الأبناء .. حقد وغل يملأ القلوب ، دنس طهارتها ، ولوث فطرتها التي فطرنا الله عليها ، فنقاء القلوب صفة لا يحافظ عليها إلا من سلم قلبه من حقد الدنيا ... ***** في القاهرة .. استيقظ بلال ، وارتدي ملابسه مسرعا ، طلب من فريدة أن تجهز نفسها وترتدي ملابسها حتي يتمكنا من الذهاب وبالفعل تم ما أراد ، أخذ الحقيبة ثم فتح الباب وخرجا سويا لقدر لا يعلمه إلا الله ،كان بلال يظن أنه فعل الصواب ، ولكن للقدر دائما الكلمة العليا ... استقل السيارة وجلست فريدة بجواره وبداخلها شعور بعدم الارتياح ، كانت صامتة واجمة لا تتحدث ، وكذلك هو ،فهو لا يمتلك القدرة علي فتح شفتيه وإخراج منها الكلمات .. توقف عند إستراحة في منتصف الطريق ، ترجل من السيارة ثم أخذ لهما بعض الشوكلاته وبعض من البسكويت ، ثم طلب كوبين من القهوة ،ثم أكمل رحلته حيث المجهول ... وصل بلال إلي المشفي ، دق باب الغرفة، ثم دخل إلي والده وخلفه تلك القزمة كما يطلق عليها دائما ، فهو كان يخفيها بجسده ،لذلك سأله والده: لماذا لم تحضر زوجتك يا بلال ؟!!! تحرك بلال خطوتين للجنب ، ظهرت فريدة التي تنظر أرضا ، ولكن في حركة سريعا انقضت عليها أشرقت كالأسد الذي ينقص علي فريسته لإلتهامها .. لم تستوعب فريدة ما حدث للتو ، وكذلك بلال الذي حاول مستميتاً أن يفك هذا الحصار الذي حاصرته أشرقت بجسدها علي فريدة التي تبكي ب**ت .. كانت أشرقت تسبها وتلعنها ، وتنعتها بأقبح الألفاظ ، استطاع أسامة وبلال أخيرا بالسيطرة علي أشرقت ، التي جلست علي الكرسي تتنفس بصوت مسموع . بينما رق قلب أسامة لفريدة التي مازالت تبكي وصوت نحيبها يقطعه إرباً... لم يحتمل البقاء ورؤيتها أكثر من ذلك ،لو بقي أكثر سوف تفضحه عيونه العاشقة لها ، استأذن والده ليذهب إلي الاستراحة ليحضر عصيراً لزوجة أخيه ولأخته أشرقت ،التي يحكم زين ومحمود الإمساك بها ، تنظر شرزاً مهددة بالانقضاض عليها في أي لحظة ... """تقدمي يا بنتي """ هتف بها الحاج زيد بصوت ضعيف ، حاول إخفاء عدم راحته لتلك الفتاة ، لا يعلم لما يظن أنها ستكون سببا في تفريق تلك العائلة .. اقتربت منه ببطء فهي طالما أحبته عندما كان يأتي لزيارة بلال في الشقة المقابلة لشقتها ،تلك الشقة التي كانت سبباً في عشقها لبلال . اقتربت منه وقبلت يده كالمعتاد وقالت بحب : ألف سلامة يا حاج ، إن شاء الله أنا وأنت لأ .. مطت أشرقت شفاهها وقالت بسخرية : أبتدي محن بنت البندر .. نظر لها نظرة ألجمتها وأخافتها ، كانت سبباً في التزامها ال**ت .. حاول الحاج زيد أن يبتسم لها فخرجت تلك الابتسامة باهتة خافتة يكاد لا يراها أحد ، ثم قال: بعيد الشر عنك يا بنتي .. رفع زيد نظره إلي بلال ثم قال له : خد مرتك وديها الدوار الكبير ،تبقي في غرفتك ،ومن هنا ورايح هيكون الدوار بيتها كيف مرتك أخوك أسامة ... تهللت أسارير بلال وانحني ليقبل يد والده .. أخذ بلال فريدة ليوصلها إلي منزل العائلة ... بينما كان أسامة يجلس تحت تلك الشجرة الكبيرة يتذكر كيف كانت مقابلته الأولي مع فريدة تلك الفتاة الصغيرة التي أسرته بجمالها وبراءتها ... ابتسم عندما تذكر أول مرة رأها فيها وهي ترتدي ملابس المدرسة ، وتزين رأسها بالحجاب ، تذكر شقاوتها وهي تجيب عليه أسئلته ، عن ذلك المنزل الذي سوف يسكن به أخوه بلال كاد يتعمق في الذكري ولكن أوقفه عقله عند حده عندما رأها تمشي بجوار أخاه وهي تمسك كفه بتملك ، فرت دمعة هاربة من عيونه مسحها سريعا حتي لا يراه أحد ... وصل بلال إلي الدوار الكبير حيث تجلس فاطمة زوجة أسامة علي الأريكة في وسط المنزل تشاهد التلفاز ،غير عابئة بما حدث لعمها من تعب .. وقفت عندما رأت تلك الفتاة ذات العيون الكبيرة تحدق بها في غل وحقد .... يا تري أيه اللي هيحصل .. والمواجهة بنهم هتكون إزاي ... دا اللي هنعرفه الفصل اللي جاي.. أتمني لكم قراءة ممتعة... دمتم سالمين....
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD