" في الصباح.."
وقفت عند عتبة الباب واضعه اناملها أسفل عيناها كي تخبئ أثر الض*بة.. ثم تن*دت بعمق ودلفت إلى الداخل لتقف أمام مكتب ميار وقالت بهدوء :
-صباح الخير
رفعت عيناها عن الأوراق وقالت مبتسمة :
-صباح الجمال يا فطومة.. المتر كلمني وقالي أعلمك الشغل.. سعيدة جدًا بمساعدتك ليا
فاطمة بحزن محاولة إخفائه :
-أنا أسعد
تأملتها بدقة لتلمح لون أحمر داكن ممزوج باللون الأزرق من بين أنامل يدها.. قامت بسحب كفها فتفاجأت بهيئتها متسائلة في قلق :
-مين عمل فيكِ كده؟!
-بعدين يا ميار هقولك.. المهم هو أستاذ حازم لسه مجاش
شعرت أن ثمة شيء ب*ع حدث معها لهذا شعرت بالحزن من أجلها وأجابت :
-لاء هو مش جاي النهاردة عنده تحقيق..
أطرقت رأسها حزينة لكونها لن تراه اليوم في حين فتحت الأخيرة درج وأخذت ظرف أبيض لتعطيها إياه قائلة :
-ده ظرف من أستاذ حازم
أخذته تطلع إليه في تساؤل :
-فيه ايه؟
-لاء مش عارفه هو طلب اسلمه لحضرتك اول ما تيجي..
ثم أردفت بحماس :
-يلا حطيه في شنطتك وتعالي اعرفك على شغلك
أومأت بالإيجاب وقامت بوضع الظرف داخل حقيبتها.. في ذات الوقت دخل هاني ووقف يتطلع إلى فاطمة من أعلى لأسفل بإعجاب واضح.. ثم أخذته قدماه إليها ووقف خلفها مباشرةً متسائلًا :
-عندك قضية عندنا؟
التفتت إليه بلهفة وهي تشهق بخفه كما أنها تفاجأت من قربه الزائد منها وتراجعت للخلف قائلة :
-لاء طبعًا أنا بشتغل هنا
ميار بغيظ واضح :
-أستاذة فاطمة بتشتغل مع أستاذ حازم وأنا بقى هشوف شغل حضرتك
وضع يديه في جيبي سرواله وقال وهو مازال يتفرس ملامح فاطمة بنظرات جريئة :
-لاء خليكِ زي ما أنتِ تبع شغل حازم
تعلم جيدًا مدى وقاحته وأن لم تصده الفتاة من البداية سيتجرأ عليها بكلماته ونظراته.. زفرت وتحدثت بحده وهي تطلع إليه بحنق شديد :
-فاطمة استنيني في غرفة الاجتماع
أومأت موافقة والتفتت متجه إلى الغرفة.. تن*د بعمق ونظر إلى ميار بوجه محتقن متسائلًا :
-في حد سأل عليه؟
ردت بعدم قبول :
-لاء
***
" النادي.."
وقفت أمام غرفة المكتب تفرك في أصابع يديها بقوة حتى أبيضت اناملها وتزفر في توتر شديد واضح.. نظرت إلى باب الغرفة للحظات ثم تطلعت إلى الأمام وص*رها يعلوا ويهبط برهبة.. أخذت تلك الخطوة دون أن تفكر جيدًا واليوم حسمت قرارها وأخذت اسم ش*يقها التؤام من أجل أن تثبت نفسها كامرأة تعشق كرة القدم وأخذت الكثير من البطولات.. لكن لا أحد من الصحافة يلتفتون إلى المباراة النسائية..
أخذت تهدأ من روعها وأخرجت هاتفها من حقيبة يدها من ثم فتحت الكاميرا الأمامية وبدأت تطمئن على اللحية الخفيفة وحاجبيها التي جعلتها كثيفة قليلًا وايضًا عدسة عينيها.. بعد ذلك تحسست ب**كة الشعر الرجالي التي تصل إلى منتصف عنقها.. ثم وضعت الهاتف داخل الحقيبة ووقفت تتنظر..
خرج الرجل الذي كانت تقف بانتظاره ووقف أمامها يتحدث معها بصوت منخفض :
-خلاص الكابتن في انتظارك يا أستاذة كارمن.. خلي بالك من نفسك وأجمدي واتكلمي بثقة أرجوكِ ماتودناش في داهية
مسحت على ذراعه وهمست بنبرة اطمئنان :
-شكرًا يا عمو صلاح.. ماتقلقش
أومأ بالإيجاب ثم تركها وغادر.. أخذت نفسًا عميقًا وزفرته بهدوء ثم التفتت ودقت الباب ودخلت بعد أن آذن بالدخول مغلقة إياه خلفها.. رفعت عينيها إليه وتصنعت الملامح الجامدة وتقدمت نحو المكتب ووقفت أمامه.. ترك الأوراق التي بيده وجلس على المقعد الخاص به قائلًا :
-اتفضل أستاذ عُدي
جلست على المقعد المجاور إلى المكتب تطلع إليه بثقه.. قطب جبينه وقال مبتسمًا :
-أنا كابتن محمد
" يتميز بملامح الشاب المصري.. شعره أ**د وبشرته بنيه مثل عيناه البراقتان .. طويل القامة وعريض المنكبين كما يتميز بعضلات جسده البارزة.. تخرج من كلية التربية الرياضية واشتغل أكثر حتى أصبح أشهر كابتن ومدرب لاعبي كورة القدم للمبتدئين.."
تن*دت بعمق وتنحنحت ثم تحدثت بصوت مبحوح يشبه نبرة الرجال :
-اهلًا بحضرتك
-أستاذ صلاح قالي إنك اصلًا متدرب جاهز وجاي هنا تثبت نفسك مش اكتر
-صح يا كابتن
أومأ بتفهم ثم مد يده إليها قائلًا :
-ممكن البطاقة
حملقت به للحظات وبدأت تفتح سحابة حقيبة الظهر وتبحث عنها قائلة :
-الحقيقة البطاقة ضايعة بقالها فترة لكن معايا نسخة
أخذت النسخة المصورة ومدت يدها بها.. أخذها منها وتأمل الصورة والتي لم تكن واضحه ثم فحص بياناتها ليقول في دهشة :
-طالب في كلية الطب ما شاء الله..
ابتسمت إليه فقط فوضع البطاقة داخل مستند وهو يقول بجدية :
-ضروري تدور على البطاقة أو تطلع بدل فاقد
-حاضر يا كابتن
نظر إلى ساعة يده التي تدق العاشرة والربع صباحًا ثم نهض عن مقعده وهو يقول :
-طيب اجهز بقى يا بطل علشان في تدريب كمان نص ساعه
ارتدت حقيبة الظهر وهي تنهض قائلة :
-هغير هدومي
تساءل بتلقائية :
-عارف مكان غرفة الشباب؟
جحظت عيناها من تلقاء نفسها لكن سرعان ما تمالكت وتحدثت بتوتر :
-معلش هحضر التدريب من بكره
-مفيش مشكلة
أومأت بالإيجاب وهي تستأذن ثم اتجهت إلى الباب بخطوات واسعة وخرجت مغلقة الباب خلفها.. بعد لحظات عقدت بين حاجبيها تتأوه بخفه بفضل رباط الضغط التي تضعه حول ص*رها.. زفرت وهي تمضي في طريقها إلى الخارج
***
انتهى من التحقيق وأمر بحبس المتهمين أربعة أيام على ذمة القضية.. ثم أمر الكاتب أن يغادر الآن.. أغلق شاشة الحاسوب ونهض متجهًا إلى الباب وخرج مغلقًا إياه خلفه.. استند بظهره إلى المقعد يعصر جبينه بأنامله.. بعد لحظات صدح صوت الهاتف وفي ذات الوقت دق العسكري الباب ودخل قائلًا :
-في واحد اسمه عمرو عايز يقابل حضرتك
مسك بالهاتف يتطلع إلى شاشته التي تُضئ باسم حياة قائلًا :
-خليه يدخل
ثم أجاب على المكالمة وفي لحظة تبادل السلام دخل عمرو مغلقًا الباب خلفه.. أشار إليه أن يجلس وبالفعل نفذ رغبته بينما هو يستمع إلى حديث حياة :
-البنت سألتني عن عنوان شغلك وقولتلها.. قولت بقى أكلمك أعرفك علشان ماتزعلش
-تمام أنا هتصرف معاها
تحدثت محاولة إقناعه بها :
-يا حازم البنت دي طيبة وبنت ناس أدي لنفسك فرصة واعرفها
أومأ بالإيجاب وقال بجدية :
-حاضر لما اجي بإذن الله نكمل كلامنا
أنهى معها المكالمة ووضع الهاتف جانبًا متسائلًا :
-ايه الأخبار يا عمرو؟!
-الحقيقة يا فندم أنا شكيت أن الراجل اختار محامي من مكتب حضرتك علشان عارف إنك أنت المسؤول عن القضية كوكيل نيابة يعني
شبك يديه في بعضها البعض وتساءل بجدية :
-تقصد إنه مدان ؟.. وعلشان كده هو استعان بمحامي من عندي يبقى ه**به القضية؟
-اه طبعًا
ابتسم يحرك رأسه في كلا الاتجاهين بعد ذلك تن*د بعمق يتطلع إليه بجدية قائلًا :
-القاضي هو اللي بيحكم يا عمرو.. وفي شغلنا ده شهادة الشهود هي أساس كل شيء
-طيب يا فندم نفترض انه رشى الشهود
-وارد وبتحصل كتير.. لكن وكيل النيابة الشاطر مايدخلش حد مظلوم السجن.. وتقريبًا كده في مجتمعنا ده مفيش وكيل نيابة شاطر
تعجب من كلماته يومئ بالفهم ثم تساءل في حيرة :
-طيب والقضية دي رأي حضرتك مين الظالم ومين المظلوم؟!
وضع راحتي يديه على الأوراق التي أمامه قائلًا :
-الورق اللي قدامي بيقول انهم فعلًا متهمين بالسرقة.. اترافع عنه يا عمرو وانت واثق إنه فعلًا اتسرق
أومأ بالنفي عدة مرات في حيرة قاتلة وتحدث بحزن :
-بخاف أظلم حد.. بحتار بين الحقيقة والكذب
-يا عمرو لو كل محامي فكر زيك كده المحامين هينقرضوا
ضحك ضحكة خفيفة قائلًا :
-عندك حق يا فندم
***
" مساء اليوم.."
وقفت تقلب كوب " الشاي.." ثم تناولت اول رشفه بحرص كي تقيم السكر.. بعد ذلك خرجت وجلست على الإريكة تطلع إلى الأمام في شرود ممزوج بالحزن الواضح.. للمرة الأولى تشعر بألم الاشتياق ونبضات قلبها تؤلمها لكونها لم تراه اليوم.. تأوهت من الداخل فحقًا تشعر بانقسام ص*رها إلى نصفين..
نظرت إلى الهاتف وفكرت أن تتصل عليه لكنها سألت نفسها بماذا ستتحدث معه؟.. زفرت بضيق وتناولت الهاتف وكادت أن تفتح " الفيس بوك.." كي تشبع عينيها من رؤية ملامح وجهه لكنها تذكرت فصل النت عنها.. تركت الهاتف بعنف وبدأت تتناول المشروب..
أما كارمن فكانت تجلس على الفراش تتحدث مع صديقتها المقربة التي تدعى " مروة.." ردت عليها بنبرة قلق :
-هدخل غرفة الشباب ازاي يا مروة.. أنا اعصابي تعبت اول ما سألني
-بالشكل ده أنتِ هتتكشفي.. بقولك ايه يا كارمن كفاية لحد كده
تحدثت بإصرار :
-مستحيل يا مروة.. أنا هكمل
قالت محاولة إقناعها لكونها خائفة من الضرر الذي سيقع على صديقتها :
-اسمعي كلامي مش في كل مرة هتخلي بالك من نبرة صوتك.. كارمن لو حد كشف الحوار ده هتبقى مصيبة
-يا مروة شجعيني..
ثم أردفت بحسم :
-خلاص اخدت قراري أنا هكمل
بعد لحظات أنهت معها المكالمة وضمت قدميها إلى ص*رها.. دخلت فاطمة مغلقة الباب خلفها فاتبعتها كارمن بعينيها حتى دثرت نفسها بالفراش فتساءلت باهتمام :
-مالك يا فطومة؟!
التفتت إليها واضعه كفها اليسار أسفل خدها وتحدثت بحزن :
-مفيش أنا بس بفكر في الكلية
-يا حبيبتي مش خلاص هتشتغلي عند المحامي وأكيد مرتبك كويس
همت أن تتحدث لكنها تذكرت شيئًا قد نسيت أمره.. تركت الفراش متجه نحو الخزانة وفتحت إياها لتأخذ حقيبتها وأخرجت منها ذلك الظرف الأبيض.. تأملت الأخيرة ذلك الظرف وتساءلت بفضول :
-الظرف ده فيه ايه؟
جلست على حافة فراشها وهي تفتح إياه برفق قائلة فيه حيرة :
-مش عارفه بس هو من استاذ حازم
تفاجأت بالكثير من الأموال وورقه بيضاء.. أخرجت الورقة لتفحص كلماتها ببنيتيها " فاطمة ده نص مرتبك.. متأكد لو كنت سلمتك الفلوس بدون سبب كنتِ رفضتي وأنا عارف إنك محتاجة لفلوس.." وضعت الورقة جانبًا وأخرجت الأموال لتقدم بعدهم عقب انتهائها قالت في دهشة :
-ألفين ونص
نهضت الأخيرة عن فراشها وأخذت الأموال من بين يديها فقالت فاطمة بحزن :
-أستاذ حازم بيقولي ده نص مرتبي.. أكيد بيكذب
-ألفين ونص نص مرتبك؟!.. مش ممكن
أخذت الأموال وضعتهما داخل الظرف والورقة وقامت بوضعه داخل الحقيبة وهي تقول بحنق :
-بكرة هتكلم معاه وأرفض المبلغ ده.. لأنه مش من حقي
-لا بلاش رفض افهمي منه الأول
أومأت بالإيجاب ثم دثرت نفسها بالفراش مجددًا.. فأغلقت الأخيرة المصباح الكبير ومددت على فراشها.. فتحت فاطمة عيناها ثانية ويبدو عليها الحزن الشديد من فعلته تلك.. كما أنها خجلت منه كثيرًا وكيف سترفع وجهها إليه بعد أن علم بأنها تحتاج إلى المال.. لتتذكر عندما أخبرته بكل شيء البارحة فندمت أشد الندم على ما أخبرته به
***
" في الصباح.."
خرجت من الشقة مغلقة الباب خلفها والتفتت لتتفاجأ بابن عمها يقف عند باب المنزل.. خرجت شهقة من بين شفتيها واضعه كفها أعلى ص*رها.. ثم تمالكت وهبطت الدرج الصغير لتقف في مواجهته بدون خوف..
-فكرتي في كلامي؟!
ابتسمت ببرود وتحدثت بثقة :
-للأسف يا رامز مفيش مكان في راسي لكلامك
رفع حاجبيه وابتسم بخفه قائلًا :
-قلبك مات بقى
-أه مع كل ض*به قلبي بيموت.. أبعد عن طريقي يا رامز
اتجهت إلى الباب فقبض على مرفقها وتحدث بحسم :
-طريقك هو طريقي يا فاطمة
ثم ترك مرفقها فرمقته هي بنظرة غضب ثم تابعت السير بخطوات واسعة.. حتى وصلت إلى أول الشارع ووقفت لوقت ليس قليل حتى استقلت سيارة اجرة تنقلها إلى مقر العمل..
...... يتبع