الفصل الثاني

2046 Words
شادية فتاة جميلة و أنثى يحلم بها أي رجلٍ بائس مثله , يتمتع بها في البداية حتى تبدأ في انتاج الأطفال بكثرة و يسيرا معا بنفس طريق البشر جميعا  لكن ليس هو . شادية فتاة لم تكمل تعليمها الثانوي , ليس عن فقرٍ أو ظروفٍ صعبة , بل على العكس ظروفها المادية تعد ممتازة  لكنها هي من ب**ت بالعشر أنها لا تحب التعليم و تكفيها شهادة الإعدادية فضل و نعمة  أما هو فيريد فتاة جامعية مثله  ترى هل يطمع في الكثير ؟!  هل هو أناني أم أعمى عن رؤية وضعه الحقيقي  صحيح أنه لم يعمل بشهادته , لكن أبسط حقوقه في الحياة كمواطن صالح أن يتزوج فتاة جامعية مثله . ربما ليضع بؤسه على بؤسها فيكملا معا مسيرة الحياة بعقلية بائسة متكافئة . ابتسم خاطر وهو يدس كفيه في جيبي بنطاله متأملا الوجوه التي تخفي حكاياتٍ خلف الملامح المجهدة  "يلقبونه في المنطقة باسم  شهم الحي  و هناك طبعا سبب منطقي لحصوله على هذا اللقب  بخلاف فتح الأوعية المغلقة ! فهو ولله الحمد مرشح بطل أول في الدفاع عن الفتيات عند التحرش بهن  أكم من معركةٍ دخل بها . ضَرب  و ضُرِب دفاعاً عن فتاةٍ ضايقها أحدهم  يظن أهل الحي أنها شهامة فطرية لكن للواقع رأي آخر بدأ الأمر في السادسة عشر , حين وجد إلهام ابنة أم إلهام تصرخ متضايقة من شابٍ رقيع يمشي خلفها يمطرها بعباراتٍ فجة  و كأن مصباحا قد أضاء فوق رأسه بعبارة  إنها فرصتي  ليثبت رجولة أمام إلهام لعلها تنظر لي بعدها ببعض الحب و الهيام . يا سلام  و دخل يومها في معركةٍ مع هذا الشاب , يتذكر أنه أكل فيها ض*با لم يأكله حمار في مطلع ! و مع ذلك لم يتب معركة لأجل عيون سارة بنت أم سارة معركة لخاطر نهال بنت أم نهال و أخرى لفتاة غريبة على أول الطريق  وضعت في يده خمسة جنيهات شاكرة بعد انتهاء المعركة ! شعر يومها شعرت بالإهانة  لكنه أنفق الخمسة جنيهات , حلالًا بها . ثم بدأ أهل الحي يتخذونه مثالا في الشهامة. يجرون إليه أو ينادون من الطريق حتى يخرج من الشرفة  يا خاطر أدرك ابنة عم اسماعيل  يضايقها فلان   يا خااطر انجد ابنة الحاجة دلال يتحرش بها علان فيجري إلى المعركة بما يقدره الله به من سلاح , عصا مكنسة قديمة , لوح سرير خشبي . جنزير دراجة  و يقفز مقتحماً ساحة الحرب التي بدأت قبل وصوله  و يخرج فاقدا شيء ما كل مرة جيب قميص , زر بنطال , فردة حذاء  و بعض الكرامة   يا خاطر. هناك من اختطف حقيبة أم إبراهيم على دراجة بخارية  أفاق خاطر على هذا الصوت العالي من خلفه و في لمح البصر اكتشف أنها ليست ذكرى بل واقع  و ها هو يمر بجواره مباشرة و لأن الله حباه بردة فعل سريعة , انطلق يجري خلف اللص بكل قوته حتى أمسك به و أسقطه من على الدراجة التي وقعت فوقهما معا مما جعله يتألم بقوةٍ مغمضاً عينيه أنهضه الجمع بعد أن لحقوا به و أمسكوا باللص من تلابيب ملابسه  فنفض ملابسه من الغبار و اكتشف تمزق في ساق البنطال المهترئ من الأساس همس خاطر بغضب لنفسه وهو يتفحص التمزق  تبا لذلك  ما الذي جعلني أمثل دور الشهامة الآن ؟!  ماذا سأستفيد أنا من أم إبراهيم ؟! تباً تباً  تبا   خاطر يا ولدي  بارك الله فيك يا حبيبي  استدار خاطر مستديرا الى أم إبراهيم التي نبتت من تحت الأرض فجأة خلفه  فتدبر ابتسامةٍ قائلا بمحبة زائفة أم أبراهيم حبيبة الكل هل استعدتِ حقيبتك ؟  قالت السيدة و هي ترتجف حاملة كيس من خضروات السوق الباكر   نعم يا حبيبي و الفضل بعد الله لك  كان بها مبلغ الجمعية , حفظك الله لشبابك يا حبيبي ابتسم خاطر ابتسامة تكاد تكون ممتعضة بائسة مقهورة مكتومة  أما هي فقد أخرجت جزرة من الكيس الذي تحمله و ناولتها له قائلة  خذ يا حبيبي , لونك مخطوف خذ هذه ليس معي غيرها , مؤكد خرجت بلا فطور  أخذ خاطر الجزرة و نظر اليها بمزيدٍ من اليأس ثم ابتسم الى أم إبراهيم و هي تبتعد عنه داعية له بما أنه  شهم الحي  تن*د خاطر وهو يتابع طريقه يعرج قليلا بألم  ثم قضم الجزرة بلا شهية و دون غسل , عل جرثومة تفتك به و تريحه  و سار متمهلا يتأمل البشر وهو يتسائل بسخرية أين هن الفتيات اللاتي دافع عنهن خلال عشر سنواتٍ و أكثر ؟ لقد حضر زفاف معظمهن و خطوبة الباقيات  و تم رفضه من الجميع كزوج محتمل ! متذكرا تلك الفترة التي طالب والده فجأة بالزواج ! بعد قصة حبٍ قصيرةٍ فاشلة انتهت بزواج حبيبته آسفة مع اعتذار لطيف أرسلته مع طفل في الحي  اتجه الى الزواج التقليدي ما أن تعافى من جرح الحب و بدأت تلح عليه حاجاتٍ أخرى مختلفة  وكانت عاصفة و دبت في البيت و كأنه طلب الرذ*لة علناً و العياذ بالله  صراخ والده في البداية أن يرحمه و يعتقه لوجه الله لم يغب عن باله حتى الآن ثم ال**ت الطويل المتجهم  الى أن رضخ في النهاية مع تأكيد خاطر له بأنه سيبحث عن بنت الحلال الجامعية مثله و من نفس الوسط الاجتماعي و المادي لتأتي بحقيبة ملابسها و تشاركه غرفته الضيقة  على أن ينام شقيقه مكرم في الخارج كنوع من التكافل الأخوي  فيوما ما ستكون حالة مكرم مماثلة لحاله و يرجو إما الزواج أو الانحراف  ضحك خاطر و هو يهز رأسه سخرية من سذاجته  فبعد لفٍ طويل على بيوت العرائس خرج بمؤخرة عنق ساخنة تفلح لتسخين رغيف خبز  بعضهم رفضه بالذوق  و البعض الآخر طالبه حرفيا أن يلتف بشهادته الجامعية و ينام بجوار أقرب حائط  فهو في سوق الرجال لا يساوي شيئا دون شقة  تمليكاً أو حتى إيجار لكنه لا يملك التمليك و لا يملك إيجار الشهر  تن*د تنهيدة مضاعفة وهو يقف مكانه ينظر حوله الى مفترق الطرق الواسعة على بداية طريق حيهم مع أشعة الشمس التي بدأت تغشى عينيه بقوة  المهم أنهم يتم تصنيفهم كأسرة ضمن نطاق الأسر المستورة  مستورة في المأكل و علاج والده و دروس أخته و رصيد هاتفها و مصاريف تعليم إخوته  نعم إنهم أسرة مستورة  لكن بأحلامٍ تم دفنها منذ زمنٍ بعيد  فالأحلام لا تتماشى مع الستر من وجهة نظر هذا المجتمع  رفع خاطر ذقنه و استنشق نفساً أعمق قبل أن يقطع التقاطع جرياً. بادئا يومه كعامل توصيل في شركة شحن للطرود  بعد ليلة التحف فيها بشهادته الجامعية و تعالى شخيره  ....  أم البنات  في الواقع لديها بنتين فقط  لكنها عُرِفت في البناية و الحي بلقب " أم البنات " و كأنها طريقتهم في تحديد سبب ترك زوجها لها  لكن الحقيقة كانت مختلفة تماما  , البنتين لم يكونا السبب مطلقا   يارا الفطور جاهز , هيا تعبتِ قلبي  زفرت سلوان ببطء و هي تضع يدها على وجنتها منتظرة مجيء ابنتها  لقد وصلت البنت الى سنٍ صعب  كانت تظن المراهقة لن تبدأ قبل سن الخامسة عشر على الأقل  لكن المعاناة بدأت مع طفلتها مبكراً جداً .. لم تتخيل أن يعد سن الثانية عشر مراهقة ! في نظرها تبدو طفلة , لكنها على الأرجح ستظل طفلة في عينيها الى الأبد لكن ما بال التمرد الجديد الطارئ عليها و فرض الشخصية  و علامات الأ***ة و التقلبات الفكرية و الاختلاء بنفسها و مع صديقاتها على مواقع التواصل بالساعات ! لا تعلم كأم مبتعدة عن التكنولوجيا الحديثة ما الذي يمكن أن يكون شاغلاً ابنتها المراهقة على هذه المواقع و هذا في حد ذاته مرعباً بالنسبة لها  الا يكفيها ما تركه لها والدها من ألم  حتى تزيد ابنته من تعب قلبها ! حانت من عينيها التفاتة الى غرفة نومٍ على يمينها  بابها مفتوح جزئيا  فلمحتها من خلال ذلك الشق  بجسدها الرائع شديد الأ***ة و هي تقف أمام مرآة دولابها تنثر شعرها الأ**د كي تزيد حجمه ! فغرت سلوان شفتيها بألم و هي تراها و كأن الألم يحفر بداخلها نقوشاً كلما نظرت إليها  على الرغم من مرور سنواتٍ منذ أن اقتحمت حياتها الساكنة و خربت البيت  لكن يظل الألم نفسه  المثير للسخرية أن اسمها" درة "  و كأنها قلبت الضاد دال بمياعةٍ تناسبها  استدارت درة عن المرآة و هي تعدل من وضع قميصها الأبيض داخل تنورتها السوداء كزي موظفةٍ بسيطة في العلاقات العامة و تناولت أحمر الشفاه لتصبغ به فمها بدقة و ما أن رفعت وجهها حتى التقت عيناها بعيني سلوان الجالسة على أحد كراسي طاولة الطعام في منتصف الشقة  تلك النظرات الم**ورة ! استدارت درة عنها بقوةٍ و هي تلتقط حقيبتها و تخرج من الغرفة تاركة بابها مفتوحا دون اهتمام .تمشي بثقة  و ما أن مرت بسلوان حتى قالت برسمية  صباح الخير   لم ترد عليها سلوان كعادتها و ظلت تتطلع إليها مراقبة بنفس النظرات الحزينة  مما جعل درة تهز رأسها تعباً ثم فتحت حقيبتها لتخرج منها مبلغاً ماليا لتضعه أمام سلوان على الطاولة متابعة بجفاء أخبرتني يارا أننا نحتاج أغراضا للمطبخ  و أنتِ كالعادة لن تطلبي , لذا وفرت عليكِ عناء الطلب , هاك تفضلي  نظرت سلوان الى المال و شعرت بتمزقٍ حاد في ص*رها مما جعلها تلمسه بكفها عل الألم يخف  ابتعدت درة متجهة الى الباب قائلة بهدوء  أنا ذاهبة للعمل  أراكِ مساءًا  أيضا لا رد  زمت درة شفتيها و رمقتها بنظرةٍ أخيرة قبل أن ترفع رأسها و تغادر أمام عيني سلوان التي أخذت تراقب كل منحنيات جسدها و خطوتها القوية حتى خرجت من الباب فأفاقت من تأملها المرير على صوت صفقه  أخفضت سلوان عينيها ناظرة الى المال الموضوع على الطاولة بنظراتٍ نارية حارقة و كأن هذا المال ملعون  كيف وصل بها الحال الى هذه الدرجة ؟. لماذا قست عليها الحياة بهذا الشكل المريع ؟!  متى ستثور !  متى ستنفجر ؟ متى سترفض ؟! نهضت قافزة فجأة من كرسيها بعنف تشعر بأن الجدران تطبق على ص*رها , لا تعلم الى أين تتجه  حتى اتجهت الى ملجأها و كأنها تتخذ منه القوة التي تفتقد اليها ,  اتجهت الى غرفة ابنتها ففتحتها مقتحمة دون طرق كانت يارا تجلس على كرسي مكتبها و أمامها حاسوبها المفتوح  فرفعت وجهها ما أن اقتحمت سلوان الغرفة سائلة بقسوة  هل تتكلمين مع تلك الخبيثة كثيرا مؤخرا ؟!  للحظات لم يبد الفهم على عيني ابنتها يارا من تحت نظارتها الوردية المثلثة  فرمشت بعينيها قليلا قبل أن تقول ببساطة  أي خبيثة يا أمي ؟  من تقصدين ؟  ازداد الغضب و القهر بداخل سلوان فهتفت بعنف  لا تتظاهري بالغباء أمامي يا يارا  تعرفين من أقصد , و من في بيتنا سوى تلك المحتلة عديمة الأخلاق ! رمشت يارا بعينيها مجددا و قالت ببطء  تقصدين درة ؟!  لم أتكلم معها مطلقا كما أمرتِني  هتفت سلوان و هي تلوح بكفيها بانفعالٍ غير مبرر  لا تكذبي علي يا يارا  لقد ألقت لي ببضع قروش على الطاولة كي تذلني  و أنتِ منحتها الفرصة حين أخبرتها أننا نحتاج لأغراض للبيت  ظلت يارا ترمش بعينيها بتلك الطريقة التي تميزها ثم قالت ببطء أكثر و تردد ( لم يكن حديثاً من الأساس يا أمي  كانت في المطبخ حين دخلت لأشرب فسألتني لماذا ينقصنا الكثير من الأغراض  فأخبرتها ما سمعته منكِ حين قلتِ أننا ننتظر أول الشهر كان هذا كل شيء ثم تركتها و انصرفت صرخت سلوان بهياجٍ أكبر  و لماذا تخبريها ؟! لقد أعطاها هذا الفرصة كي تذلني و تلقي النقود أمامي ! فغرت يارا فمها قليلا ثم هزت كتفها قائلة ببساطة  أنا لا أرى أي ذل في الأمر  هي تشاركنا البيت لذا عليها أن تدفع   بهتت ملامح سلوان قليلا ثم سألتها بصوتٍ مهتز غير مصدق  لماذا تتكلمين بهذه البساطة ؟!هل تريدين قتلي ؟! حقا أتسائل هل تتمنين موتي ؟!  زمت يارا شفتيها و هي تخلع نظارتها لتضعها على سطح المكتب مسندة وجنتها الى كفها بيأس منتظرة انتهاء الدقائق اليومية الطويلة من التقريع و ما أن سكتت أمها حتى قالت بخفوت  يا أمي درة تدفع الكثير بالفعل  لماذا تتظاهرين بأن هذا لا يحدث ؟! شعرت سلوان و كأن ابنتها قد لطمتها للتو فتراجعت للخلف مبهوتة .... تهز رأسها و كأنها تعيش في عالمٍ من انكار الواقع المر الواضح للجميع . فأطرقت برأسها و هي تفكر للمرة الألف , أي ذنبٍ جنته كي ينتهي بها الحال مهانة م**ورة في بيتها و بين طفلتيها ! ظلت يارا تراقب أمها ب**تٍ يائس قبل أن تسألها بخفوت  هل أنتِ بخير يا أمي ؟ رفعت سلوان وجهها تنظر اليها بان**ار ثم سألتها بصوتٍ يفيض مرارة  هل يهمك حقا ؟! قالت يارا محبطة و هي تتلاعب بطرف أوراق الدفاتر على مكتبها  بالطبع أهتم لأجلك يا أمي لكن  صرخت سلوان فيها بعنفٍ حزين حين **تت يارا مطرقة برأسها  لكن ماذا ؟  انطقي  رفعت يارا رأسها قائلة بخفوت مترددة  أنا تعبت من جو البيت أصبحت أكره العودة اليه , أصبح مكان كئيب لا يشبه بيوت صديقاتي  كله حزن و شجار الا يكفيني سفر أبي و عدم سؤاله عنا منذ فترة طويلة ؟!  أنا أيضا لم أختر مجيء درة إلى هنا , و ليس ذنبي بقائها معنا  و ليس ذنبي زواج أبي بها  لكنه طلقكما سويا و رماني أنا و أختي روان معكما  فلما لا نحيا في بعض الهدوء , طالما أن وجودها أمر واقع  كانت سلوان تنظر اليها بصدمة فاغرة شفتيها حتى وجدت أن ساقيها غير قادرتين على حملها فجلست على حافة السرير بتعب مما جعل يارا تنظر اليها من تحت جفنيها مضطربة ثم تابعت بصوتٍ أكثر خفوتا  كنت أعلم أنكِ ستغضبين
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD