الفصل الثالث

1803 Words
لم ترد سلوان بل نظرت الى كفيها المتشابكين فوق ساقيها بوهن مما جعل يارا تقترب منها حتى جلست بجوارها على السرير و شبكت أصابعها في حركةٍ تشبهها تماما ثم قالت هامسة  لو كلامي معها يؤلمك لن أكلمها مجددا و لو أردتِ أن أعود لأعاملها بطريقة فظة كما اتفقنا فسأفعل لا تحزني أنا فقط أريد اخبارك أن خطة معاملتها بسوءٍ لن تنجح في إخراجها من البيت  لا أحد يخرج من بيته لأن جيرانه يعاملونه بسوء نظرت اليها سلوان بصدمةٍ صامتة ممتقعة و هي تسألها بصوتٍ ميت  بيته ! أصبح بيتها و نحن الجيران ؟!  أخفضت يارا وجهها و قالت بقنوط  أبي هو من قرر هذا , الذنب ذنبه هو حين ساد ال**ت بينهما تجرأت يارا على النظر الى أمها بطرفِ عينيها ثم همست بتعب هل أنت غاضبة مني يا أمي ؟ عضت سلوان على شفتيها للحظة و هي ترفع وجهها لأعلى رامشة بعينيها كي لا تبكي أمام ابنتها  ثم قالت بصوتٍ متحشرج حازم   اذهبي لتناول فطورك , هيا  و انسي ما قلته , كنت منفعلة قليلا فحسب  ظلت يارا بجوار أمها للحظات ثم همست بقنوط و هي تنهض من مكانها قائلة  سأدخل الحمام  ثم أتناول فطوري , لقد اقترب موعد حافلة المدرسة قبل أن تخرج يارا من غرفتها نادتها سلوان سائلة بقوة  فيما تقضين وقتك على الحاسوب يا يارا ؟ الفتت يارا اليها و هزت كتفها و هي تقول  مواقع التواصل و المشاهير عليها  حاليا هناك شخص أنا معجبة به و  نهضت سلوان فزعة و هي تض*ب ص*رها هاتفة  شخص معجبة به ! ض*بت يارا على فمها عدة مرات و هي تهتف مسرعة  ماذا فهمتِ يا أمي ؟! إنه رجل كبير في سن أبي أقسم بالله  يكتب منشورات تعجب النساء جميعا. إنه رجل مشهور على موقع التواصل يكتب روايات و منشورات و أنا أتابعه فقط مثل آلاف من النساء  ظلت سلوان تنظر اليها لاهثة غير مطمئنة  ثم قالت أخيرا بعصبية و هي تلوح بكفها  اذهبي هيا  و أيقظي شقيقتك عند خروجك من الحمام  أومأت يارا صامتة ثم خرجت بينما ظلت سلوان مكانها واقفة تفرك عظمة ص*رها بكفها غير قادرة على تحمل الظلم الذي تعيشه أكثر من هذا  كيف يجب عليها أن توفر بيت هادئ لطفلتيها و هي تشعر بكل هذا القدر من التعاسة و الظلم ! كيف يجب عليها أن تكون جبلًا بينما أقل كلمة حاليا تهزمها ! نظرت سلوان الى صورتها في المرآة و همست بوجع  تركتنا ضرتين في البيت و هربت  كلما كررت هذا الواقع بصوتٍ مسموع أرغب في الضحك عاليا , لكن الألم أكبر من قدرتي عليه لقد ضحك على وضعنا الجميع حسبي الله و نعم الوكيل حسبي الله و نعم الوكيل   تن*دت تنوي الخروج من الغرفة  لكن بعد خطوتين توقفت و التفتت تنظر الى الحاسوب المفتوح على مكتب ابنتها فعقدت حاجبيها قليلا و هي تعيد النظر الى الباب المفتوح لتتأكد من دخول ابنتها الحمام بالفعل , ثم أسرعت الى الحاسوب و جلست على الكرسي خلف المكتب هامسة بتوتر  لأرى ماذا تفعل خلف ظهري ! ابنتي في سن خطر و يجب علي أن أفعل كل شيء في سبيل حمايتها مهما كانت الوسيلة  خاصة و أن هناك حية في البيت قد تفسد أخلاقها عن قصد لتحرق قلبي  حركت موضع لمس الحاسوب ببطء كما تفعل ابنتها فهي ليست خبيرة إطلاقا في الحاسوب و التكنولوجيا الحديثة عامة  و مجرد تعاملها مع الهاتف النقال يعد تطورا ملحوظا ما أن أضاءت الشاشة حتى رأت موقع التواصل الأكثر شهرة مفتوحا  و هناك منشورا مرفقا به صورة رجل ما  مكتفا ذراعيه و يبتسم ابتسامة هادئة قد تجذب الكثيرات  عقدت سلوان حاجبيها قليلا و هي تتأمله بدقة  حسنا  ليس وسيما جدا الا أن له جاذبية خاصة بالكاميرا  أنيقا و ساعة مع**ه رائعة  فقط  هذه هي كل الملاحظات التي استطاعت جمعها عنه ! هل هذا هو من يعجب ابنتها ؟! لماذا ؟! اقتربت سلوان بوجهها من الشاشة و هي تقرأ المنشور الذي يعلو الصورة  كلام كثير جدا ! لا تحب القراءة و لا تستهويها  لتقرأ آخر عبارة  على ما يبدو أنه شخص ثرثار و ممل   كونك امرأة  فهذا يميزك يجعلك ملكة يا أي من كنت , لا تقبلي الخيانة متهمة نفسك أنكِ السبب , الخيانة داء من يرتكبها لستِ سبب الداء و لن تكوني الدواء  مطت سلوان شفتيها ممتعضة ثم قالت بخفوت  هل هذا هو من يعجبك كلامه يا يارا ؟! ما هذه التفاهة ؟!  كانت ترى التعليقات تتزايد أسفل بعضها  و هناك مكانا واضحا لوضع تعليق  انتابها غضب شديد لا تعرف سببه  و شعرت بأن أصابعها تحرقها مما جعلها تتهور و تكتب في خانة الكتابة  و ما أدراك أنت بالنساء و آلامهن ؟! لما لا تهتم بنوع ساعة مع**ك الجديدة أكثر فائدة لك !  ظلت تنظر للأزرار تقريبا هذا هو ما يسجل دخول التعليق  ضغطته و على الفور انتقل التعليق الى المنشور مكتوبا على ل**ن ابنتها و صورتها الخاصة ! اتسعت عينا سلوان بذهول و هي ترى أن ابنتها هي من كتبت التعليق و صورتها واضحة  فهتفت بعدم فهم ماذا ؟! كيف ,هل يظهر من كتب  و لماذا صورة ابنتي   يا للهي ! حاولت مسح التعليق , لكنها لم تعرف كيف ؟! كيف يتم مسح ما كتبته  أليس هناك الغاء مثل رسائل الهاتف   أمي  أمي تعالي أحتاجك  ارتبكت سلوان ما أن سمعت صوت ابنتها  فسارعت بغلق الحاسوب متمنية الا تكتشف ابنتها ما حصل  ثم نهضت منادية  آتية  ....  لديه مجموعة من ساعات المع**  شهد الجميع بأنها الأفضل  ترى أي واحدة يختار اليوم ؟!  ربما الجلدية ذات لون القهوة ستكون رائعة إنه مولع بالساعات و هي تمثل شغفا خاصا بالنسبة له  ثبت الساعة في مع**ه ناظراً الى شاشة هاتفه الحديث متأملا التعليقات بنظرة عابرة مبتسما  الى أن وجد تعليقا لفت نظره  للوهلة الأولى لم يدرك التعليق بأكمله لكن كلمتين أثارا انتباهه  فانحنى على الهاتف وهو يعيد التعليق ليقرأه بتمهل " و ما أدراك أنت بالنساء و آلامهن ؟! لما لا تهتم بنوع ساعة مع**ك الجيدة أكثر فائدة لك ! " انعقد حاجبيه وهو ينظر تلقائيا الى ساعة مع**ه بارتياب . ثم أعاد قراءة التعليق مجددا ! لم يكن هذا تعليقا معتادا من أحد متابعيه صحيح أن الكثير من مشاهير الميديا  يتعرضون للتنمر و الألفاظ الجارحة لكن صفحته تكاد تكون أدبية  لذا فنوع متابعيه راقٍ و محترم لم ير منهم سوءًا من قبل  الاعتراض لديهم عبارة عن مناقشة و حوار  ضاقت عيناه وهو يعيد قراءة التعليق عدة مرات  ثم حثه الفضول لفتح الصفحة الخاصة لكاتبة التعليق رغم أن صورتها واضحة كفتاة لا تتعدى العاشرة تقريباً!  لكن ربما كانت تضع صورة ابنتها  لكن ما أن دخل الصفحة حتى فوجئ بأنها بالفعل فتاة صغيرة تضع صورها معدلة بآذان و أنوف قطط و كلاب ! و صديقاتها يمزحن معها ! لكن الأسلوب ليس أسلوب فتاة في عمرها ! خاصة أنه بالفصحى !  ضاقت عيناه مجددا  ثم هز كتفه غير مهتما  ليس من المعقول أن يستاء رجلا في مثل عمره لمجرد تعليق عابر من بين المئات  مجرد كاره للنجاح  هذا كل ما في الأمر إنه مجرد كاره للنجاح أومأ لنفسه في المرآة بحزم وهو يعدل من قميصه  لكن انعقاد حاجبيه أخبراه أنه لا يزال  مستاءًا  و بشدة  لما توجد من تخاطبه بتلك الطريقة وهو الذي يحثها على الوقوف أمام ما قد يقهرها نفسيا ؟!  لما توجد من تستخف بآرائه المناصرة لها ؟! لما تعارض إحداهن  عامر علام داشاي  ؟! .... خرج من غرفته مسرعا يود اللحاق بموعده مع دار النشر للاتفاق على الكتاب الجديد  لكن و قبل أن يصل الى باب البيت حتى سمع صوت والده من خلفه يناديه  عامر انتظر أريد الكلام معك قبل خروجك  تشنجت أصابع عامر تلقائيا على مقبض الباب وهو يضغط شفتيه قبل أن يستدير بملامح جامدة ينظر الى والده  الطبيب علام داشاي  من أكبر و أمهر أساتذة تخصصه . و كان المفترض أن يكون عامر هو ولي العهد المنتظر للتخصص و المشفى و الاسم المتوارث العريق طبياً  لولا أن نبذ الطب و انحرف ممتهناً الكتابة  وضع عامر كفا على مع**ه الآخر لينظر صامتا الى والده الذي اقترب منه بملامح مهيبة قد تخيف الكثيرين  بها من الصلف و الغرور ما ورثه عائليا .. ممتزجا بما اكتسبه على مر السنوات علما و صيتا  تكلم علام قائلا بصوتٍ جاف لا يحمل الود الى أين أنت ذاهب ؟  ابتسم عامر بسخرية قائلا  وصلت الى السن الذي يسمح لي فيه بالخروج دون طلب الإذن بالتأكيد يا دكتور  انعقد حاجبي علام بشدة وهو يرد قائلا محتدا  لما لا تجب على السؤال ببساطة ؟!  سألتك مجرد سؤالا عفويا  ارتفع حاجبي عامر بسخرية أكبر قبل أن يهز رأسه مستهزئا  لكنه رفع ذقنه مكتفا ذراعيه وهو يجيب باختصار  ولو أنني أشك في كلمة عفويا تلك  لكن عامة , لدي موعد مع دار النشر  كان هذا هو دور والده ليهز رأسه ساخرا ثم لم يلبث أن قال بغضبٍ قديم لم يخبو بعد  دار النشر مجددا  الحياة تسابق الناجحين من حولك و أنت اخترت الفشل والوقوف محلك بكامل إرادتك ! ما الذي جرى لك ؟! أخبرني متى تنتهي تلك النزوة و ما علي فعله كي تعدل عنها و تعد الى طريق والدك و جدك الطب ليس حرفة كي تتركه و تعود اليه ما ان تستعيد رشدك  كل يومٍ تقضيه بعيدا عن المهنة سينتقص من مهارتك و سمعتك  متى ستعود الى رشدك ؟!   نظر عامر الى ساعة مع**ه بمللٍ ظاهر ثم رفع عينيه الى عيني والده القاسيتين الغاضبتين و تمهل ببرودٍ قبل أن يتكلم ببطىءٍ أكثر قسوةٍ من غضب والده الظاهر  آن الأوان لك أنت كي تقتنع بأنني لن أعود الى مشفاك و لن أعود طبيبا من الأساس اقتنع أنها ليست نزوة كي ترتاح و تلتفت الى عملك دون الحاجة لانتظاري   حينها لم يستطع الطبيب الشهير على الرغم من سنواتٍ و سنوات من اكتساب مهارة السيطرة على الذات و اتقان فن البرود من ضبط أعصابه أكثر  فبرقت عيناه بانفعالٍ مفاجئ قبل أن يهجم على ابنه الوحيد بغتة ممسكا بمقدمة قميصه بكلتا قبضتيه و هو يصرخ مهتاجا كالمجنون لقد صبرت عليك كثيرا  أفق الى عقلك أو سأقتلك بنفسي أنت ولدي الوحيد المنتظر له أن يرث مشفى تحمل اسم عائلتك منذ أجيال  نحن لا نتحدث عن شيء تافه مثلك , بل نتكلم عن اسم و صيت عشرات السنين لن أسمح أن يضيع بسبب حالة نفسية أصابتك فجأة أثرت على المتبقي من عقلك أفق أو سأقتلك بنفسي أفق يا مغيب يا أحمق اشتعلت عينا عامر للحظةٍ حتى أصبحتا تشبهان عيني والده في حربٍ تقودها النظرات النارية قبل أن يقبض على مع**يه بعنف و ينفض يديه عن القميص بقوةٍ ثم قال بعد فترة **ت مشحونة  المغيب هو من لا يعترف بالخسارة و أنت خسرتني فتقبل الأمر ارتفع حاجبا والده للحظاتٍ دون أن يبرد الغضب القاتم بينهما  فاستدار عامر لينصرف قبل أن يرمق والده بنظرةٍ أخيرة قاتلة  لكن و قبل أن يخرج من باب البيت حتى اختار والده أن يطلق الرصاصة الأخيرة قائلا  ما فعلته بك زوجتك ليس ذنبي كي تعاقبني عليه  لو كانت رأت فيك رجلا بما يكفي   **ت عن قصد ليترك الفرصة لعبارته الباردة أن تقتل ببطء  و بالفعل تحولت نظرات ابنه من نار الغضب الى جليدٍ أكثر خطورة .و قسوة  ثم رفع إصبعه في وجه والده بملامحٍ جعلت علام داشاي يتراجع للخلف خطوة بعينين متسعتين قليلا قبل أن يتكلم بصوتٍ خفيض بطيء  يجدر بك الا تذكر الأمر أمامي مجددا  كي لا أنسى كونك والدي فعليا  زم علام شفتيه وهو ينظر الى ابنه نظرة رفضٍ سوداء  لكنه آثر ال**ت في تلك اللحظة , حفاظا على هيبته التي قد تضيع في لحظة تهور على يدي ابنه الوحيد ! رمقه عامر بنظرةٍ أخيرة أكثر قتامة قبل أن يخرج صافقا الباب خلفه بصوتٍ ارتجت له جدران البيت .
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD