إنتهيت من ذلك حتى أرتديت قميصي الأزرق على بنطالي الأبيض والحذاء الأ**د ، أحب دائما الأزرق مع لون بشرتي الفاتحة يكون أنسب الألوان لي ولكن أعتقد لو كانت أغمق أيضا لما كنت تركت الأزرق بجميع درجاته السحرية . كنت أعاني من النحافة الشديدة حتى سنتين من الآن.. أتذكر كم من ثقبا وضعته في أحزمتي ليناسب خصري النحيف الآن لم تعد الأحزمة مص*ر إزعاج بعد أن أصبح جسدي مثالي نوعا ما بل أني أخشى الآن من زيادة وزني المتسلل الغير ظاهر.
تناولت كالعادة القهوة الصباحية مع السيجارة في شرفة غرفتي وبدأت في قراءة الأخبار عبر مواقع التواصل الإجتماعي ، حتى إستيقظا وتناولنا الفطور ونحن في عجلة من أمرنا أنا وعلا .. انا لأذهب لعملي في مستشفى السلام وعلا لذهابها لكلية العلوم جامعة القاهرة ، وكالعادة منبع الرحمة والحنان التي أوجدها الله لنا تودعنا بالقبلات والابتسامة والدعم الصلب القوي رغم ما تعانيه من وحده بعد ذهابنا وخلو المنزل .
وصلت مستشفى السلام في حي البريق في اليوم العاشر من الشهر الأول من تعييني ، حوائط المستشفى المقشرة والت**يرات الحلزونية ينقصها طلاء الأبيض والأ**د على أعيننا لنرى فيلما وثائقيا عن الحرب العالمية الثانية ، النباتات البائسة التي أنهكتها قلة العناية وذبلت وهي تحاول تزين الأنحاء ، يا الهي كيف أقنع شخصا لم يولد هنا أن تلك مستشفى حكومية تعالج آدميين ، كان إثنين لطالما احببت يوم الإثنين .. لا أعلم لماذا! ولكنه يظل يوما جيدا ، صعدت الدور الثاني .. حيث أجد عيادتي التي حاولت جاهدا تزيينها وأعتقد أنني نجحت في جعلها أجمل غرفة في تلك الفترة الزمنية المتأخرة التي نحن فيها، من يومي الأول لم أتردد لحظة في شراء طلاء زهري وزهور لما يلزم حوائطها ونوافذها قمت كذلك تصليح المكتب ووضع مفارش ربما أستطيع العمل بشكل جيد .
الحالة الأولى اليوم إسمها " سارة " إستقبلتها صامتة لا أجد وصف لها سوى أنها صامتة ، شابة يبدو أنها في منتصف العشرينات تجلس أمامي تلصق يدا في الأخرى تعرقان خجلا وتوترا بين فخذيها وكأن طقس الغرفة بارد رغم حوائطها المشعة للحرارة ، أكرر سؤالي عليها لا تجيب فقط عيناها الواسعتين كأنهما رافضتين رؤية شيء سوى حادث ما مأسوي وأذنيها لا تقبلان سوى سماع صوت الرصاص مثلا تخيلت جريمة قتل أدت بها الى هذه الحالة وأخيرا أجابت ..
-ألن تجيبي وتخبريني ما إسمك أم لا زلت لا أروق لك؟
=إسمي سارة .
- إسمك جميل يا سارة لماذا خجولة؟ ، أريدك أن تأخذي راحتك وتتعاملي كأنني أحد أقربائك . إتفقنا ؟
= إتفقنا .
- جيد ، حسنا من أين ترغ*ي أن نبدأ ؟
= من سؤال يراودني طويلا .. لماذا كل هذا العناء ؟
- امممم أعتقد فهمت قصدك ولكن أود الإستماع أكثر .
= أعني لماذا أخلق هنا ؟! لماذا أتواجد في هذه الظروف القاسية ؟! لماذا لا يحبني أحد ؟! ، منذ أن ولدت لم يخبرني شخصا انني صديقة جيدة او محبوبة ، لماذا ينتقدني اهلي على أشياء ليست في يدي بل هي في شخصيتي وتكويني ؟
لم أختار أن أكون إنطوائية وخجولة لم أختار أن أكون غير مرحة لم أختار أن أكون غير نشيطة وقوية وجيدة في دراستي.. لماذا اذا يحاسبونني ؟!
- حسنا .. لن أروي لك عبارات تحفيزية لأني أعلم أنك رأيت العديد من المقاطع على الإنترنت وقابلت العديد من أولئك الذين قالوا لك إ**ري .. وافعلي.. وتحدي .. أنت أقوى .. أنت أفضل.. ولكن هذه الأشياء لا تستمر بداخلك طويلا لذلك أنت هنا أليس كذلك ؟
=صحيح .
- ما سأقوله لك الع** تماما ما المشكلة يا سارة كوني إنطوائية وكوني خجولة وكوني غير مرحة لا تفعلي شيئا لمجرد إظهاره كوني كما يحلو لك وليحترق العالم ، لا يرافقك أحدا إنعدامهم نعمة لو تعلمين ، يوبخك الجميع رددي حسنا تركت لكم الإنتصارات العظيمة التي حققتموها وأنتم مختلفين عني ، إسمعيني جيدا لم نخلق لنرضي شخصا خلقنا لنصبر واذا صبرنا يكافؤنا الله . سأكتب لك دواءا ولكن حل مشكلتك ليس في هذا الدواء هو مساعد فقط حل مشكلتك في كلمه واحدة تردديها دائما " فليحترق العالم " .
= ولكن لا تزال لكلماتهم رنينا في أذني ، لا تفارقني أبدا .
- أعلم ذلك أيضا ، ولكن سنتدرب معا على التشتيت.. عندما تتذكري كلاما لا تطيلي التفكير به وانشغلي في أي شيء آخر سريعا ، وهذا الدواء سيساعدك على فعل هذا . سأنتظرك الاسبوع القادم في نفس ميعادنا .
إنصرفت سارة ورغم أن مشكلتها تظهر بسيطة ولكنها معقدة جدا بداخلها مشكلتها كانت التدقيق الكثير .. نعم فقط القليل من اللامبالاة سيحلل قيودها ويجعلها تنطلق ، بعد شهر فقط قامت بزيارتي بشخصية جريئة ومتفتحة لتشكرني على ما فعلته من سحر غير حياتها رغم سعادتي ولكن حزني بسبب تعامل من حولها معها .. كثرة الإنتقادات و (المفترض) أن تقولي هكذا في هذا الموقف ، من المفترض أن تفعلي هكذا في هذا الموقف ، أنظري غيرك ماذا يفعلون ، أنظري وإفعلي كثرة الإنتقادات والطلبات جعلها عاجزة أكثر جعل الأمر معقد أكثر. رغم أن القليل من ( كما أنتي لا تغيري شيء ) القليل من جعل الأمر ليس مهم كان سيحل كل المسألة ، وأختم حالة سارة بجملة :
هل هناك شيء مهم في الحياة اذا كانت الحياة في حد ذاتها ليست سوى امتحان عملي ؟! .
3 يوليو 2019
يوم الإنقلاب
* في ذاك اليوم الغريب الذي أسميته بيوم الإنقلاب الذي أخبرتني فيه سارة عن خروجها من سجن المجتمع أتاني مازن ليقلب طاولة حياتي رأسا على عقب .
خرجت سارة تاركة ابتسامتي وثقتي في نفسي مع كوب من القهوة البارد الذي قمت بإعدادة وتركه ناسيا بأحلامي ونظرتي الخيالية حول مستقبلي وحول الطبيب العالمي الذي سأكون عليه يوما ما ، يطرق المساعد غرفه باب العيادة ...
- تعالى يا عرفه اجلس ، ماذا تقول ؟
= شخصا في الخارج يا دكتور مصمم أن يقابلك ولا يريد الذهاب .
- الم تعطيه ميعادا ؟
= أعطيته ميعادا الخميس ولكنه مصر ان يقابلك الان لا اعلم ماذا افعل له !؟
- حسنا دعه يدخل .
......
- تفضل ، ما إسمك ؟
= إسمي مازن .
- لماذا ترتعش يا مازن هدئ من روعك انت ليس امام مأمور سجن انا مجرد صديق
.
= أنا لست خائفا ، أنا في حالة عدم تصديق تامه أنني أمامك الان
.
- ( تنتابني الدهشة ) .. لماذا هل أنا مشهور لهذه الدرجة وأنا لا أعلم
= لا ليس الأمر هكذا *قام باسقاط القهوه متلعثما
- حسنا حسنا أتركها لا عليك .. أخبرني اذا لما لا تصدق نفسك ؟