المقدمة
بغرفة هادئة جمعت ما بين الت**يم العصري و الألوان التي تبعث سكونا و هدوئا يع** ما يحدث من فوضى بداخل تلك الجالسة أمام منضدة الزينة خاصتها، تطالع إنعكاسها بالمرآة بعيون شاردة لا تحمل أي تعبير بداخلها...
كان تمشط شعرها البني القصير ببطء و قد بدت تائهة بأفكارها بعيدا، فهي منذ خمس دقائق كاملة تسرح نفس الجانب دون أن تحرك يدها من فوق شعرها و دون أن تبعد عينيها عن إنعكاسها...
ترى شخصا مختلفا و ليست نفسها التي تعودت عليها دوما، كانت ترتدي فستانا أبيضا به خطوط ذهبية زادت من فخامة ذلك اللون النقي الطاهر الذي يع** ما تحمله بقلبها من بؤس و ظلام...
كانت جامدة الملامح و رغم إختلافها و جمالها الذي إزداد بعد وضعها لتلك الزينة الخفيفة على وجهها الا أنها لا ترى أيا من هذا، عيونها الزرقاء الفيروزية لا ترى سوى إنسانا مش*ها بداخلها، إنسانا فقد الأمل بأن يعيش السعادة...
كانت بالفعل ملاكا مكتئبا و حزينا ينتظر اللحظة التي يحلق فيها بالسماء بعيدا عن البشر ذوي القلوب السوداء...
وضعت مسرح الشعر فوق المنضدة بهدوء قبل أن تمسك زجاجة عطرها لتقوم برش البعض على عنقها مع**ها و ألقت نظرة أخيرة على إطلالتها و فستانها الطويل الذي لامس كاحلها ذو فتحة ظهر واسعة من الخلف ثم تن*دت ب**ت ناظرة الى هاتفه بعيون شاردة قبل أن تمسكه متصلة بزوجها....
سارت بوسط الغرفة تنتظر منه أن يرد على إتصالها، لكن مرة إثنان ثلاثة حتى ينقطع الخط بمفرده، و حينما أرادت الإتصال به من جديد وجدت هاتفه مغلقا ببساطة...
إرتفعت زاوية فمها بإبتسامة ساخرة ممررة أناملها بخصلات شعرها البندقية قبل أن تقذف ذلك الهاتف على الحائط محطمة إياه بالكامل، و إستدارت ناظرة الى نفسها بالمرآة بعيون دامعة تفيض قهرا و ألما و بخيبة أمل جرت خطواتها تجاه الحمام لتغتسل و تزيل تلك القذارة عن نفسها...
كالعادة خدعها، كالعادة أخلف بوعده لها و كالعادة صدقته ببرائتها و غبائها، إعتقدت أنه سيكون صادقا و لو لمرة بحياته لكن دون جدوى، الكذب الخداع و الخيانة يسريان بشرايينه بدل الدماء...
تبا للعشاء و تبا للزواج و تبا لها هي التي تقع دوما بفخه...
أغلقت باب الحمام خلفها بقوة قبل أن تنهر قدميها تدريجيا جالسة على تلك الأرضية الرخامية الباردة حاضنة قدميها الى ص*رها و دفنت وجهها بين ركبتيها، لكنها لن تبكي و لن تسمح لتلك الدموع الحقيرة أن تنهمر على خديها، هي ليست ضعيفة هي أقوى مما تعتقد و لن تسمح لبضع مشاعر تافهة كالحزن أن تبكيها، تبا له و لما ستبكي بسبب عاهر لا يستحق حبها، لا يستحق كلمة زوج حتى...
"أنا أكرهك نيروز..."
همست بنبرة مرتجفة يملأها الوجع و القهر ثم نهضت لتمسك ذلك المقص الفضي بين يديها و فور أن نزعت فستانها قامت بتمزيقه لأشلاء و إبتسامة جامدة تعلو ثغرها الوردي أما عن عيناها فكانت قصة أخرى، تلك العيون التي تطالع فستانها بجمود و عقلها كان يتخيل جسد نيروز بدلا عن ذلك الفستان النقي، كانت تتخيل نفسها تمزق جسده بذلك المقص لأشلاء تتلذذ بسماع صرخاته و برؤية الدماء تسيل من جروحه...
"ستندم، أعدك ستندم نيروز، لن يكون إسمي لورين إن لم أنتقم لكرامتي التي تحطمت بسببك..."
همست بنبرة يملأها الكره و قد لمعت عيناها بشرارة الإنتقام و التحدي و بالأخير فور أن إنهائها لإتلاف ذلك الفستان الفخم ضحكت بأعلى صوتها رامية تلك القذارة عنها و نهضت لتستحم و تبرد تلك النار التي تشتعل بداخلها...
وقفت أسفل تلك المياه الباردة التي جعلتها ترتجف لثانية قبل أن تبتسم و قد شعرت بأن روحها تغتسل لا جسدها، المياه الباردة كانت مهدأ لأعصابها التي أتلفت، كانت مهدأ لشرارة الحقد المشتعلة بداخلها...
لورين مارتينز زوجة رجل الأعمال و الذي اكتشفت كذبته بوقت متأخر للأسف، زوجها الذي يكون زعيما للمافيا من خلف ظهرها، خدعها و كذب عليها و مثّل دور الشريف الذي يعمل بجهد و يصنع أمواله من عرق جبينه، لا زالت تتذكر ذلك اليوم الذي قررت فيه زيارة مصنع الجلد و كم ندمت حينها، فخلف المظهر الرئيسي لصناعة الجلد، مصنع آخر لصنع الأسلحة...
بذلك اليوم عرفت الحقيقة المرة، و عرفت كم انها غ*ية و عاشت بكذبة حقيرة...
إكتشفت أن ذلك البريء و العاشق السري الذي كان يلاحقها مجرد شخص مسخ شيطان لعين هوايته قتل الناس و فعل كل ماهو ممنوع...
و لم يكن مصنع الأسلحة هو الشيء الوحيد الذي إكتشفته، عرفت أيضاً أنه يتاجر بالم**رات و الكوكايين خصوصاً، عرفت أنه يهرب الألماس و الذهب من الشرق الأوسط، و كم تمنت أن تموت و لا تعرف كل ذلك، أخبرها بكامل حقيقته دون إظهار أي ندم، أخبرها بأنه و*د لعين لا يأبه لشيء غير نفسه، أخبرها أنه لن يتغير و سيبقى دائما نيروز وحش الم**يك مهما حدث...
لكن هي تعترف بأنها رخيصة، تعترف بأنها دمرت كبريائها بيديها، تعترف أنها ضعيفة و تخاف من ظلها فهي و رغم معرفتها بجميع أكاذيبه بقيت معه و لم تنفصل، حبها له أعماها عن كل الحقيقة و هدمت كبريائها و خضعت لقلبها. لكن الآن تبا لقلبها و فقط كبريائها و عقلها هما من سيتحكمان بمشاعرها، هي ستنتقم لكل لحظة مرت بتلك الخمس سنوات، ستنتقم لقلبها الذي وقع لمخادع كاذب، هو وحش م**يكو و هي ملاك خاليسكو تلك المدينة التي ترعرعت بها و تركت سحرها و تركت حياتها من أجل داعر لم يستحق قلبها، الآن سيصبح كل همها الإنفصال و العودة الى المقهى الدافئ خاصتها و ستعود الى مكتبتها التي إشتاقت لها...
خرجت من الحمام تلف المنشفة البيضاء حول جسدها ذو البشرة الحنطية اللامعة ثم جلست على حافة سريرها تجفف خصلات شعرها بمنشفة صغيرة حتى إستمعت الى دقات الباب لتسمح للعاملة بالدخول و التي قالت بإحترام : سيدتي، العشاء جاهز أتودين الأكل بغرفتك أم بالأسفل؟!...
"لا، لا، تعلمين أنني لا أستطيع الأكل وحدي، فلتجمعي من بالقصر و دعينا نتعشى بالحديقة، جهزوا السفرة و أنا سآتي بعد قليل، لكن الآن أعطني هاتفك و صباحا إشتري لي واحد جديدا لقد حطمت هاتفي دون أن اشعر..."
أردفت لورين بنبرة هادئة لتهز العاملة رأسها بتفهم و بعد أن مدت هاتفها لها ألقت نظرة أخيرة عليها شاعرة بالحزن على ذلك الملاك الذي لا يستحق سواد هذا القصر ثم خرجت مغلقة الباب خلفها تاركة لورين بمفردها، أما لورين فما إن فتحت جهة الإتصالات إتسعت إبتسامتها الساخرة تهز رأسها بيأس و هي ترى ذلك الإسم المزعج و بجانبه قلب أحمر...
"لا أدري مالذي يعجبهم برجل ذو عقل طفل..."
نقرت على رقمه بعد نبرتها الساخرة تلك و هاهي تنتظر رده الذي لم يتأخر و فور أن أجاب أردفت لورين ببرود و دون تحية : هو بجانبك صحيح؟!، ذلك الداعر الو*د صديقك نيروز هو بالملهى أليس كذلك ألي**؟!!؟...
و بالجهة الأخرى كاد ألي** أن يقع أرضا فاقدا وعيه بعد إستماعه الى صوت لورين ذو النبرة الجامدة التي لا تحمل أي ترحيب بين طياتها، إبتلع رمقه بصعوبة و هو يرى سخرية الرجال من توتره الذي سيطر على كامل ملامحه قائلا بإبتسامة صغيرة كاذبة : لورين؟!، كيف حالك يا فتاة هل يمكنني أن اعرف لماذا تتصلين بي من رقم مختلف؟!...
"ألي**؟!، انا لا أحتمل تعليقاتك السخيفة أخبرتك أين نيروز، أقسم بربي إن لم تتحدث الآن سأرمي نفسي من الشرفة..."...
قالت كلماتها بنبرة حادة جنونية وقد خطت خطواتها نحو تلك الشرفة العالية حيث يقع بالأسفل أرضية صلبة ست**ر كل ضلع بجسدها و تهشم جمجمتها اللعينة، هزت بصرها الى السماء تنظر الى تلك المصابيح المتلئلئة بعيون لامعة في حين كان ألي** متوترا و يشعر بكامل جسده يرتجف رعبا، كان يعلم انها لن تتردد للحظة واحدة برمي نفسها إن لم يخبرها الحقيقة، لكن بنفس الوقت هو لا يود ان يكون و*دا خائنا لصديقه...
إزدرد ل**به بأنفاس متسارعة ثم سار مبتعدا عن الرجال و مبتعدا عن ذلك الصخب و سخرية الجميع منه ثم وقف مسندا ذراعه على الحائط متمتما بنبرة رجولية هادئة : لورين فقط اهدئي قبل أن احطم انا كل ضلع لعين بجسدك و لن تنقذك الشرفة من جنوني، نيروز بإجتماع الآن و هاتفه قد إنتهى شحنه و حينما يخرج سأتي به الى القصر بنفسي لن ادعه يهرب، إنتبهي الى نفسك لورين...
أغلق هاتفه غير سامح لها بأن ترد عليه تاركا إياها ترتجف دون شعور منها من تلك النبرة العميقة المميتة، هي متأكدة إن لم يقتلها سقوطها ستقتلها قبضة صديق زوجها، بالحقيقة هي تعلم أنه لن يؤذيها و لطالما كان يحميها و يعتبرها كأخت صغرى له، لكن هذا لا يمنع أنه يصبح و*دا مخيفا حينما يجن...
سرت قشعريرة بعظامها و قد تخيلت للحظة تلك العيون البندقية المظلمة تطالعها بحدة و قد كانت عيناه توقدان شرارا رغم ظلامها...
نظرت الى الشرفة أسفلها و بهدوء عادت الى الخلف عدة خطوات بقدمين مرتجفين و بلحظات كانت تغلق تلك الابواب البلورية و عادت لتجلس على سريرها بهدوء محاولة إخفاء رجفة يديها و هي ستنتظر مجيء ألي** رفقة نيروز كطفلة مطيعة و لن تحاول أبدا عصيان أوامره...
أما ألي** فما إن أغلق هاتفه حتى زفر أنفاسه المتسارعة واضعا يده فوق قلبه و قد شعر بالحرارة تعتليه غير مصدق ما قاله للتو و كيف إستطاع الكذب و خداعها بتلك الطريقة، لكنه يعلم أنه لن يندم فهو لا يستطيع أبداً خيانة صديقه مهما حدث...
إستدار بكامل جسده محدقا برجاله الذين يكبحون ضحكتهم الساخرة عميقا لينظر إليهم بحدة ثم دخل الى ذلك الملهى حيث كان نيروز جالسا بطاولته و حوله إثنان من رجاله يتناقشان حول صفقة الأسلحة و كيف يدبرون لخروجها من ميناء ألي** الخاص...
كان ذو العيون العسلية الحادة جالسا يضع قدما فوق الأخرى بغطرسة و غرور و يمسك بين إصبعيه سيجارته الرفيعة يمتص ذلك النيكوتين ليتغلغل الى أعماق ص*ره و بيده الأخرى كان يمسك كأسا بلوريا من التيكيلا و به قطعتان من الثلج و كان ينظر لهما كيف يذوبان ببطء و يمتزجان بذلك السائل الم**ر لعقله...
وقف أمامه ألي** واضعا كفا فوق الأخرى محدقا بنيروز بنظرة ذات مغزى ليتن*د نيروز بملل ثم عاد بظهره الى الخلف ليسنده على تلك الأريكة الجلدية الفاخرة مبتسما بجانبية...
"ألي**، كنا قد إتفقنا رفقة نيروز على تمرير شحنة الأسلحة من الميناء الخاص بك هل أنت موافق؟!..."
تكلم أحدهم مخرجا ألي** من شروده و الذي نظر إليه ببرود متمتما : غادر و سنتحدث بالأمر صباحا بالشركة...
هز كلا الرجلان رأسيهما ثم نهضا ليغادرا الملهى دون إعتراض و دون نطق حرف آخر في حين إلتفت ألي** الى نيروز قائلا بغضب : لقد مللت الكذب بسببك كل يوم نيروز، بكل مرة أضع نفسي بموقف محرج بسبب ألاعيبك، ألن تكف عن أفعالك؟! ما ذنب لورين بحقارتك وا****ة؟!، هيا إنهض دعنا نعود الى المنزل...
تن*د نيروز بملل و مد يده ليخرج ذلك الصندوق المخملي الصغير ذو اللون الأزرق الملكي من جيب سترته ثم رماه فوق الطاولة الزجاجية أمام ألي** الذي رفع حاجبه بإستهزاء و قبل حتى أن يتحدث بكلمة قاطعه نيروز قائلا بنبرة مستفزة : هذه الهدية البسيطة ستجعلها تنسى إسمها، لورين تتحكم بها عواطفها و كلمة حلوة تنسيها كامل غضبها، لا تبالغ بردة فعلك ألي** فقط إستمتع بالحياة و إنسى مشاكلي...
أشار الى النادل بأن يجلب له زجاجة التيكيلا كي يصب له البعض بكأسه لكن ما إن وقف النادل أمامهما سارع ألي** بأخذ الزجاجة من يده ثم خرج من الملهى بعد أن القى نظرة غاضبة على نيروز الذي ضحك بسخرية...
"هل تريد زجاجة أخرى سيد نيروز؟!..."
تكلم النادل بتوتر خوفا من أن يوبخه، الا أن نيروز إبتسم مشيرا له بالمغادرة و لم يتردد النادل للحظة قبل أن يفر هاربا من أمام ناظريه، أغمض نيروز عيناه مسندا رأسه على ظهر الأريكة مستنشقا أنفاسه ببطء قبل أن يزفره ما بداخل ص*ره، كانت جميع معجباته تتابعن فخامته و تلك الهيبة التي تحيط به لكن لا أحد منهن تجرأت على الإقتراب، تعلمن ان لا فرصة لهن مع ذلك الوسيم الرجولي بجسده العضلي الذي يجعل أي فتاة تطالب بحضن قوي من تلك الذراعان القاسيان، تعلمن ان ذلك الوسيم ملك لغيرهن، متزوج بمالكة المقهى البسيطة لورين و قد مر على زواجهما خمس سنوات، يستحيل أن تفوز إمرأة غيرها بقلبه و يستحيل هو أن يتركها من أجل معجبة...
لكن لا أحد منهن تعلم بحقيقة نيروز ريفيرا زير النساء الذي ينتقل من ع***ة الى اخرى، لا يستعمل نفس الشيء مرتين هو يعشق التغيير، يعشق تجربة كل ماهو مميز وجديد، ذلك الوسيم الرجولي البالغ من العمر 33 سنة، رجل أعمال أمام الشاشات لكن خلف الكواليس هو من أكبر زعماء المافيا بالم**يك، هو من أغنى و أكثر الزعماء وحشية و يحتل المرتبة الثانية من بعد ألي** صديق طفولته و شريك أعماله...
أسرار عميقة يخفيها بتلك الحدقتان ذات اللون العسلي الصافي، بشرة حنطية صافية و شعر أ**د فحمي، طول فارع و جسد عضلي ضخم، بإمكانه سحق و تحطيم من يحاول العبث معه...
أما بالخارج حيث كان ألي** جالسا فوق غطاء سيارته يرتشف الخمر من فوهة الزجاجة مجعدا حاجبيه بق*ف هامسا : مرة كحياتي....
"مابك ألي**، مالذي حدث لتصبح بهذه الحالة، ثم أليس طبيبك الأ**ق يمنعك من شرب الكحول؟!.."
تكلم أحد رجاله المدعو بابلو و قد أيّد الجميع حديثه ناظرين الى ألي** ببعض القلق و الخوف من أن تتعكر صحته، الا أن ألي** لم يأبه و لم يهتم لما قاله بل تجاهله و تجاهل نظرات الجميع و عاد ليشرب من فوهة الزجاجة مبتلعا أكبر قدر من ذلك السم الذي يحرق ص*ره...
"وا****ة مالذي يجب أن نفعله، سيموت إن بقي على هذا الحال..."
عاد بابلو ليتحدث من جديدا و شعر بكلتا كفيه يتعرقان كما تسارعت نبضات قلبه و ظهر الخوف على ملامح وجهه، كان الخوف من نصيب جميعهم لكن لا أحد منهم تجرأ على الإقتراب من ألي** و هو بتلك الحالة....
"أنظر، الحل الوحيد هو جعله يفقد وعيه، إن بقي مستيقظا هو سيحرق الم**يك بأكملها و نحن بالتأكيد لا نريد هذا صحيح؟!..."
قال ذلك الأشقر المدعو بسيرجيو متن*دا بإرهاق ليهز الجميع رأسهم مؤيدين تلك الفكرة و بنفس الوقت عاد الجميع الى الخلف تاركين إياه بالمقدمة و اشاروا له بإنجاز تلك المهمة، فهو صاحب الفكرة و هو من سينفذ فكرته لا أحد غيره، قلص عيناه ناظرا إليهم بحدة و قد شعر بالخيانة للحظة لكن سرعان ما إستدار ناظرا الى ألي** الذي بدأ يسعل بقوة و خرجت قطرات من الدماء من فمه ليركض نحوه ثم سارع بإمساكه قبل أن يسقط من فوق غطاء السيارة بينما تكفل أحدهم بالمجيء تحديداً خلف ألي**، و بلحظة كان قد جذب سلاحه ليقوم بض*ب رأسه من الخلف بظهر مسدسه و حينها فقط تنفس الجميع براحة...
"أنخبر الزعيم، أم ماذا نفعل الآن؟!..."
تحدث بابلو و كان متوتراً بشدة و هو يرى صديقه يكاد يقع من ثقل جسد ألي** الفاقد لكامل وعيه، الجميع تردد بتلك اللحظة و لا يدرون ما يجب عليهم فعله، أيخبرون نيروز أم ببساطة يغادرون رفقة ألي** الى بيته...
"ثلاثة منا سيبقون هنا من أجل الزعيم، أما أنا و ريكاردو سنغادر رفقة ألي** الى منزل نيروز لن نخاطر بأخذه الى ذلك الطبيب المجنون..."
قال سيرجيو بين أنفاسه المتسارعة، يحاول بشدة الا يقع أرضا هو و ألي** ليأتي ريكاردو بسرعة ثم ساعده على حمل ألي** و وضعاه بداخل سيارة ألي** السوداء بينما تكفل ريكاردو بقيادتها و سيرجيو جالس بقربه و بكل لحظة كان يلتفت الى ألي** النائم و لا يدري بما يحدث حوله أبدا...
"أنا أعمل لديه منذ خمسة عشر سنة، منذ أن أخذ منصب الزعامة مكان والده و هو بسن العشرين، لم يعش طفولة كأغلب البشر ربما ما عشناه نحن بتلك الأحياء الفقيرة لا شيء أمام ما عاشه ألي** بذلك القصر البائس، فنيت عمري و أنا ألاحقه من مكان الى آخر أحاول حمايته من أعدائه لكن للأسف أعدائه هم أقرب الناس إليه و هو لا يدري بذلك، ألي** إنقلبت كامل حياته رأسا على عقب منذ عشر سنوات حينما وقع بفخ الحب، يا ليته لم يقع أسيرا لقلبه و هو بتلك الحالة، فبسبب الحب دخل الى المصحة العقلية و بسبب الحب هو يعاني يومياً، و بسبب الحب هو سيموت يوما..."
أردف سيرجيو بنبرة عميقة يملأها الألم و الوجع لينظر إليه ريكاردو لثوان و قد ألجمته الصدمة لما سمعه لكن لم يقدر على فتح فمه و التحدث، كان لا يستوعب أن ألي** الأبله الفكاهي يعاني بداخله كل هذا الألم و لا أحد شعر به، تلك الضحكة لا تفارق شفتيه لم يكن يعلم أنها تخفي خلفها قلب حزين يتألم بكل لحظة و ثانية و لا أحد فهمه...
"و حبيبته أين هي، هل تركته؟!..."
أردف ريكاردو بعد **ت طويل و عيناه مركزتان بذلك الطريق ليتن*د سيرجيو بحنق ملتفتا الى النافذة يراقب الشوراع بعيون فارغة قائلا : لا لم تفعل، هي لا تدري بوجوده حتى، و هي ليست له و لن تكون يوما له، هي متزوجة...
أوقف ريكاردو السيارة بمنتصف ذلك الطريق الفارغ ناظرا الى سيرجيو بصدمة لم يستوعبها عقله، كل ذرة بداخله أنكرت كلام سيرجيو، ببساطة هو لم يصدق أبدا ما قاله لذا ضحك بسخرية لاكما ذراع الآخر متمتما بغباء : أنت تكذب صحيح، تحاول خداعي و غسل عقلي اللعين لكن لن اصدقك، ألي** بخير و هو بالتأكيد ليس كما قلت عليه...
هز سيرجيو رأسه بيأس متن*دا بقلة حيلة ليبتلع ريكاردو رمقه بغصة مردفا : أنت لست تكذب صحيح؟!، هل تعرفها هل هي من تولوكا؟!، تبا أخبرني من هي و سأقتل زوجها الداعر و هكذا يتسنى لألي** الإعتراف بحبه...
"لو كنا نستطيع قتله لفعلت أنا ذلك منذ سبع سنوات لكن يستحيل أن يتحقق ما نتمناه، فقط فلندعو الرب أن يحصل ألي** على السعادة التي يتمناها و ينسى حبه إليها، هيا لقد وصلنا أتمنى أن تكون زوجة نيروز نائمة كي لا تزيد الطين بلة بإزعاجها..."
تمتم سيرجيو ببرود ناظرا الى تلك البوابة السوداء تفتح على مصرعيها...
و بالداخل حيث كانت لورين جالسة رفقة جميع عاملات القصر حول تلك السفرة المليئة بأشهى الأطباق، كنا يتبادلن مختلف الأحاديث و المواضيع و لورين تضحك بشدة على مواقف الإحراج الذي تعرضوا لها، لكن سرعان ما تبددت ضحكتها و تحولت الى العبوس التام محدقة بتلك السيارة السوداء المظللة التي دخلت لتوها من بوابة القصر و كانت قد إعتقدت أن نيروز قد جاء لتغرس تلك السكينة التي تمسكها بيدها بقلبه عميقا، لكن ما إن رأت سيرجيو و بابلو يخرجان ألي** من السيارة حتى وقع قلبها ببطنها لشدة خوفها...
ركضت نحوهما و خلفها جميع العاملات التي لا يقل خوفهن عن خوف لورين، كان الحزن يلمع بأعينهم و هم يرونه بتلك الحالة المؤلمة لقلوبهم...
"مابه، مالذي حدث له؟!.."
تكلمت لورين و عيناها لا تفارقان ملامح وجه ألي** المرهقة و بعض الدماء التي لطخت فمه قد جفت منذ وقت طويل...
"نعتذر منك سيدتي على إزعاجك بهذا الوقت، ألي** يفضل أن يبقى هنا الليلة من بعد إذنك طبعا..."
أردف ريكاردو برسمية باردة لتبتلع لورين رمقها بصعوبة ثم إبتعدت عن طريقهم ليقوموا بإدخاله الى القصر، أما هي فقد كانت تسير خلفهم و عدة أسئلة تراود ذهنها بتلك اللحظة، لم تفهم ما سبب حالته تلك و لم تفهم أيضاً لما أتوا به الى منزل نيروز بدلا عن منزله هو...
"ذلك الطبيب، أقصد صديقه دايمن ليس ظريفا بعض الشيء إن رآه هكذا سيقلب المنزل فوق رأس ألي**، و بالحقيقة كلانا لا نحتمل رؤية وجهه البغيض لذا أتينا به الى هنا، نعتذر مرة أخرى إن أزعجناك سيدتي..."
تمتم سيرجيو بعد وضعه لألي** فوق السرير و قام بتغطيته ناظرا الى لورين التي همهمت بتفهم ثم سارت الى الخارج مغادرة تلك الغرفة و تبعاها كلا من ريكاردو و سيرجيو مغلقان الباب خلفهما...
"سيدتي أرى أنك لا تفضلين تواجده هنا؟!، إن كان يزعجك وجوده بمنزل الزعيم سنغادر به..."
تصنمت لورين مكانها من بعد سماعها لحديث سيرجيو ذو النبرة الساخرة ثم إستدارت لتقف أمامه مبتسمة بزيف قائلة : من بعد أن جلبته الى هنا و وضعته بالغرفة سئلتني إن كان سيزعجني وجوده؟!، بلا يزعجني وجوده بمنزلي و يزعجني قربه من زوجي لكن لا يحق لي بأن أتدخل بعلاقة صديقان، دعاه هنا هذه الليلة لكن بالمرة القادمة يفضل أن تعلمني قبل جلبك لأصدقاء نيروز الى منزلي...
كم أراد ريكاردو صفعها و تهشيم فمها لما قالته للتو لكن سيرجيو الذي أمسك بذراعه منعه مما يريد فعله ثم جذبه خلفه تاركين إياها تقف بذلك الممر بمفردها تنظر الى ذلك الباب الموصد بعيون باردة و فارغة ثم غادرت متجهة الى قاعة الجلوس...
"سيدتي هل ألي** بخير؟!.."
قالت إحدى العاملات و على وجهها ملامح القلق لتهمهم لورين كردة فعل على سؤالها ثم جلست على الأريكة ببرود و فتحت التلفاز لتشاهد إحدى البرامج متجاهلة تلك الفوضى التي تحدث بداخل المطبخ...
فبعد أن غادرت العاملة أخبرت جميع زميلاتها بما حدث و هذا جعل البقية يشعرون بالراحة كون ألي** بخير...
بالحقيقة هم ليسوا معجبات أو عشيقات بل هم جميعهن إخوة لألي** النائم بالأعلى، دائما ما كان يهتم بهن و دائما ما كان يرسم البسمة على وجوههم فرؤيته بتلك الحالة تجبرهم على أن يشعروا بالحزن و الفقدان لضحكة أخيهم...
أما بالجهة الأخرى تحديدا بذلك الملهى الصاخب أطفئت جميع الأنوار و تركزت على بقعة واحدة بأعلى تلك المنصة، حيث تقدمت تلك الفاتنة بعيونها العسلية التي زينتها بالكحل لتزيد من سحرها، شعرها الأ**د الطويل الذي يلامس أسفل ظهرها و تضع تاجا صغيرا فوق رأسها كان قد صنع من الألماس الحقيقي، و ترتدي قطعتان من الملابس مظهرة جسدها الأسمر الرشيق ذو اللمعة الجاذبة للأعين...
كانت تسير ببطء خطوة أمام خطوة تلقي القبلات على جميع أولئك الرجال الذين يصفرون و يصفقون لقدوم تلك الراقصة الغجرية الساحرة...
و بوسط ذلك الظلام و بوسط تلك الفوضى وقع بصرها عليه من دون غيره، كان جالسا كالملك على عرشه يشع هيبة و رجولة لتتسع إبتسامتها مظهرة صف اللؤلؤ خاصتها و تلك الغمازة المحفورة بخدها و بخبث ألقت له قبلة هوائية تلتها غمزة مثيرة ليهز نيروز رأسه بسخرية مبعدا بصره عنها بل تجاهلها بالكامل في حين بدأت هي تتمايل بجسدها كالفراشة تتبع تلك الموسيقى لتغيب عن عالمها و تحلق بالسحاب...
كانت ترقص بكل شغف و بكل إحتراف و عيناها لا تنزاحان من على ذلك البارد، كانت تراه يعبث بهاتفه تارة و يحادث أحد رجاله تارة أخرى لكنه أبدا لم يهتم لا لرقصها أو حتى حركاتها، كان جميع تركيزها عليه هو لا أحد أخر، أرادت جذب إنتباهه بأي طريقة و بخفة نزلت من فوق منصة الرقص و هي ترقص حول الطاولات برشاقة فراشة تلقي إبتسامة صغيرة هنا و هناك حتى وصلت الى طاولته هو، تعمدت أن يكون هو الآخير كي تبقى بجانبه أطول وقت ممكن...
رقصت أمامه و مالت عليه لامسة ذقنه بإصبعها لينظر إليها نيروز بعيون حادة محذرة جعلت من إبتسامتها تتسع بإثارة الا أنها لم تبتعد بل كان نيروز كتحديا لها كي تجعله يخضع أمام إثارتها و رقصها الذي يجعل جميع الرجال يسيل ل**بهم عليها...
إقتربت منه على الجانب ثم إتكئت بظهرها على كتفه ليلامس شعرها الطويل خده و يبعده هو بإنزعاج ثم حاول دفعها الا أنها إستدارت إليه محاوطه عنقه بذراعيها و بخبث مالت لتطبع قبلة عميقة على عنقه تاركة أثر أحمر الشفاه خاصتها ذو اللون النبيذي و إبتعدت عنه عائدة الى منصة الرقص، تاركة إياه متصنم من جرأتها التي لم يراها بأي أنثى من قبل...
"أنت محظوظ أيها الزعيم ، اتدري أنك أول رجل بهذا الملهى يلفت إنتباهها..."
تحدث مالك الملهى و الذي جاء لتوه و جلس قرب نيروز الذي إبتسم بسخرية هازا كتفه بعدم مبالاة قائلا : أنا لا تغريني الراقصات، و السمراوات بمعنى أصح، أخبرها أن تبتعد عني حتى لا أطلق رصاصة لعينة بدماغها...
ضحك خوان بصخب يرتشف من كوب النبيذ الأحمر العتيق ببطء و يمسك بيده الأخرى سيجارته الرفيعة البيضاء مردفا : على ما أدري أن زوجتك ليست شقراء أيضاً، كيف إذا لا تفضل السمراوات؟!...
"نفس السبب الذي يجعلك تفضل الشقروات و انت متزوج من سمراء خوانجو...."
أظلمت عينا خوان ما إن ذكر نيروز زوجته لكن لن يسمح لذلك أن يعكر مزاجه لذا هو بكل بساطة لعنه ثم نهض مغادرا الساحة و إتجه الى مكتبه بالأعلى...
أما نيروز فبقي يطالع جسد تلك الراقصة بإبتسامة مستهزأة و حينما إنتهت تلك الموسيقى الصاخبة غادرت الراقصة تلك المنصة و إتجهت الى الداخل...
أما هو فبقي يعبث بهاتفه بعدم إهتمام و لم تمر دقائق حتى عادت الضجة و التصفير ليهز رأسه محدقا بتلك الراقصة الغجرية التي تسير بخطواتها المتمايلة تجاهه و دون إستئذان جلست بجانبه واضعة قدما فوق الأخرى لتكشف عن فخذيها أمامه لكن حتى هذا لم يجدي نفعا مع نيروز الذي تجاهلها و عاد لينشغل بتلك اللعبة بهاتفه...
"ادعى هانا و أنت ما إسمك؟!، أرى ان رقصي لم يعجبك...."
تحدثت بهدوء ثم رفعت قدمها لتضعها فوق فخذه بإستفزاز ليقوم نيروز بدفعها ببعض العنف ناظرا إليها بحدة مميتة لتبتسم هانا واضعة كفها أسفل خدها تطالعه بعيون لامعة في حين تحدث نيروز ببرود : أدعى نيروز و من الأفضل أن تغادري و لا تجعليني أغضب ايتها الجميلة...
"هممم نيروز، إسم غريب لشخص م**يكي الأصل، أعتقد أننا سنتفاهم كثيرا بالأيام المقبلة، سأغادر الآن و هذا رقمي إحفظه جيدا حينما أتصل بك لا تتجاهلني..."
مدت له تلك الورقة البيضاء واضعة إياها بكفه ثم إقتربت مقبلة خده بإستفزاز و تعمدت إطالة قبلتها ثم نهضت مغادرة الملهى بأكملها تاركة إياه بمكانه ينظر إلى رقم هاتفها بشرود قبل أن يرميه أرضا بعدم إهتمام..
يتبع....