الفصل الثالث

2462 Words
-استأذنك يا شيخنا!!. أومأ "سليمان" في **تِ فذهب الأخير وخرج من البيت، سال دمعه المحبوس فور تجاوز "علَّام" لعتبة البيت فجرى ورائه ليجده يركب السيارة بسرعة وهنا خرجت منه صرخة مدوية وهو ينظر إلى السيارة تتحرك مُبتعدة، هرول على الفور خلفها مادًا ذراعه أمامه عازمًا النية على اللحاق بالسيارة وإبلاغ الرجل بتراجعه عن الأمر، بكى شاهقًا وهو يجري بسرعة البرق عله يسترجع حلمه الذي يبتعد كُل ثانية عن مرأى عينيه. -استنى.. رجعها تاني.. رجع لي أُترُج. لم يلتفت أحدُ إلى صوت صياحه المكلوم وبكائه المنهار حيث رأى أنه يحارب وحده للحصول على «صغيرته الضائعة»، أخذ ص*ره يعلو ويهبط في قوة وخفقان عالي ليجد نفسه يتعرقل فجأة ثم يسقط على الأرض بقوة لترتطم رأسه بحجر كبير أدى إلى إصابة حاجبه بشِق بليغ ينزف الدم منه بوفرة فأسرع "سليمان" به إلى العيادة الطبية وقام بتخييطه قبل أن يتلوث الجرح أو ينت**. مرَّت الأيام وجمع كُلًا من الشيخ "سليمان" ومُشرفة المشتل "رابعة" حديث عابر وهي تبتسم بحذق ثم تسأل: -أخبار تليد أيه يا شيخنا؟ اتحسن شوية؟ أومأ وقتها "سليمان" بثبات فطرحت سؤالًا آخرًا ذا مغزى: -يا ترى ضعفت قدامه وقولت له على مكانها ولا رفضت تقول له زيّ ما اتفقنا؟!. أنارت ثغره ابتسامة عذبة فأضاف: -عايزة الصراحة، ضعفت قدامه يا بنتي، تليد ابني لمَّا قلبه بيتعلق بحاجة بيوصل لها ولو بعد مية سنة، فقررت أريحه من التفكير وأقول له على مكانها. رابعة بشرود تسأله: -تفتكر هيلاقي راحته في الإجابة وهيبطل تفكير فيها!! أومأ "سليمان" سلبًا وأجاب بإيجاز: -مش هيفكر إلا فيها. مرَّ الزمان وأضحى الفارق الزمني بين هذه الذكريات وما بعدها أكثر من عشرين عامًا. •••••••••••••••••• ظلت تعدو بأقصى سرعة لها كفرس يعبوب لا يُمكنك كبح جماحه، قصدت سيارتها المُصطفة في رأس الشارع ثم ركبتها وانطلقت قبل أن يلحقوا بها، ارتفعت أنفاسها بهياج كبير وعيناها تبحث عن مفر قبل الإمساك بها، استحال لون وجهها بحُمرة الذعر وراحت تنظر من مرآة السيارة فتجدهم يتبعونها بالسيارة. أغمضت عينيها لثوانٍ وظلت تُتمتم في وجل شديدٍ أن يبعث الله لها بالحل بسرعة، ظلت السيارة تُحاذيها في المسافة فتزيد هي من سرعة السيارة كي تتباعد المسافة بين السيارتين ولكنها تفاجأت بتقدم السيارة نحوها ثم رأت أحد هؤلاء الرجال يطل من النافذة ثم يقول بلهجة صارمة: -وقفي العربية وانزلي!. ابتلعت ريقها على مهل ثم تظاهرت بالجدية والثبات وصرخت فيهم بحدة: -إنتوا مين وعايزين مني أيه؟!. في تلك اللحظة، التقط الرجل مسدسه ثم شهره نحو نافذة سيارتها وراح يهددها بصوت رخيمٍ: -قولت لك وقفي العربية، يلا!. انتفض جسدها بفزع فأومأت لا إراديًا حتى تتقي شره وما ينوي الإقدام عليه، تظاهرت بوضع قدمها على دواسة السيارة ولكنها في الحقيقة قد زادت من سرعة السيارة أكثر عن ذي قبل علها تلوذ بالفرار وتنجو بحياتها ثم أغلقت زجاج النافذة على الفور. -استرها معايا يارب، أنا معملتش حاجة وحشة في حد!. صرخت بأنفاس مُتحشرجة ثم بحثت عن هاتفها طويلًا رغم تواجده أمامها مُباشرة ولكن ما تمر به الآن أفقدها التركيز وشل تفكيرها، التقطته بأنامل مُرتجفة جعلتها لا تقوى على كتابة كلمة المرور حتى!. رفعت رأسها تنظُر للطريق فجحظت عيناها ثم صرخت في صدمةً وهي تجد السيارة تقف على حافة النهر تمامًا ولو أنها لم تفرمل في الوقت المناسب لسقطت في الحال، التقطت أنفاسها اللاهثة على الفور ثم استدارت برأسها تتفقد تتبعهم لها وكانت الصدمة الكُبرى هي اصطفاف واحدة من السيارتين خلفها وقبل أن تُبدي رهبتها من الموقف وجدت الدفعة الوحيدة التي احتاجتها السيارة كي تسقُط في الماء ولم يمهلها الوقت أن تصرخ مُستغيثةً حتى!. قامت السيارة بدفع سيارتها حتى سقطت في الماء ثم فروا بسرعة قبل أن يتم القبض عليهم، كانت تجلس داخل سيارتها حبيسة تنتظر الدقيقة الأخيرة من موتها ولم تُبدي سوى ردة فعل وحيدة (جحوظ عينيها مع بكاء صامت)، مرَّت هذه اللحظات عليها وكأنها دهر طويل لا نهاية له حتى بدأ الأ**جين يتسرب من حولها ولكنها في هذه الثانية رأت شبح رجل يأتي من هناك ويقصد طريقه إليها، كان يسبح بسرعة شديدة وعلامات الخوف بادية في نظرة عينيه فحاولت أن تمد ذراعيها نحو النافذة وبدأت تطرق عليها باستغاثة ولكن السيارة في هذه اللحظة قد امتلأت بالماء حتى وصل إلى عُنقها ونقص الأ**جين بصورة كبيرة فأصاب رأسها الدوارُ وأوجدت صعوبة في التنفس حتى أُغشي عليها. اقترب بسرعة جامحة من النافذة ثم بدأ في تحطيم زجاجها بكُل ما أوتي من قوة، لحظاتٌ وانفجر الزجاج فأسرع بإحاطة خصرها ثم سحبها إليه وكان أول شيء يفعله بعد استقرارها بين ذراعيه أنه رفعها للأعلى كي تخرج رأسها عن حيز الماء وتبدأ في التنفس مرة أخرى ثم لحق بها وراح يسحبها نحو الشط مُزمجرًا باختناق شديدٍ. -تفتكر عايشة ولا ماتت؟؟؟. هتف "نوح" بقلق بالغٍ، فيما مال "تليد" نحوها ثم بدأ يضغط على ص*رها مرات متتالية كي تلفظ الماء الزائد عن حاجتها خارج جوفها وبنبرة متحشرجة صاح: -أُترُج!!. قطب "نوح" ما بين حاجبيها ثم تساءل متوجسًا: -إنتَ تعرفها يا تليد؟؟؟ أغمض عينيه يتمالك غضبه الحارق في هذه اللحظة، ولكنه سمع صوت صديقه يقول مرتاعًا: -دي باين عليها ماتت!!. قدح الغضب من عينيه فأسرع بالقبض على ياقة صديقه ثم صاح مُتشنجًا بصوت أجش: -متقدرش البلى قبل وقوعه يا نوح!.. تمام؟. ابتلع "نوح" ريقه بصعوبة ثم أجابه بتوتر: -طيب حاول تعمل لها تنفس صناعي!!.. أنقذها بأي طريقة؟؟؟. تليد وهو يطرد هذه الفكرة عن رأسه ثم يصيح فيه بلهجة حازمة: -كلم الإسعاف بسرعة وبطل رغي!. انصاع "نوح" فورًا، قام "تليد" بنزع سترة بذلته ثم رفعها عن الأرض قليلًا حتى ألبسها إياها، مدد جسدها بالأرض مرة ثانية وظل يضغط على ص*رها بصورة أكبر ولمدة دقائق مُتصلة حتى انتفض جسدها فجأة وراحت تتقيأ كمية لا بأس بها من الماء. انف*جت أسارير وجهه من بعد كربٍ، ابتسم بامتنان وهو يرفع وجهه للسماء ثم التفت إلى صديقه وأضاف بحزم: -بدأت تستعيد وعيها، إنتَ لقيتها على الشط صدفة واتصلت بيهم، اوعي سيرتي تيجي في الموضوع، أنا هراقب الوضع من بعيد مش عايز أكون في الصورة، اوعي تتخلى عنها لحظة، خليك معاها لحد ما تفوق وتبقى أحسن، سايبها أمانة عندك! كشر "نوح" في حيرة ثم قال مستفسرًا: -ليه؟!. ربت "تليد" على كتفه بحسم ثم قال وهو يبتعد قبل أن تتيقظ للأمر: -موضوع يطول شرحه، هتابع عن بُعد. بدأ يبتعد عنهما بخطوات سريعة وثابتة ولكن روحه لم تستطع الابتعاد عن التشبث بقربها الذي لطالما أراده شغوفًا ضعيف القوة في صغره، ظل يستدير برأسه بين الثانية والأخرى كي يُطالعها بافتقاد ملتهبٍ، أطال النظر في ملامحها الساكنة وتذكر نظرتها إليه أسفل الماء بهاتين العينين السماويتين، هل يا تُرى سوف تتذكر أنها رأته أسفل الماء؟! أم أنها لم تكُن في وعيها الكامل حتى تُدرك لحظة كربية وما حدث فيها؟؟ وَد لو تفقد الذاكرة تجاه هذه اللحظة تمامًا. وَد لو تنسى هي ويتذكر هو كُل ذكرى جمعته بصغيرته الناعمة ذات البشرة القُطنية وهي تحبو إليه بضحكة بريئة وعينان سماويتين يملأها الشعور بالأمان والطمأنينة، ارتجف قلبه برعشة ثم ودعها بنظرة أخيرة قبل أن يتوارى عن الأعين، وجد حائطًا في طريقه فقرر التخفي ورائه لمُتابعة الحدث بقلب مُلتاعٍ لا يجد سوى هذا الحل وكيلا يراه أحد فتبدأ الشائعات حوله وتتزعزع مكانته كنموذجٍ جيد يُحتذى به لاقى شُهرة ونجاح كبيرين. أراح جسده على الحائط وأرخى رأسه بهم ثم تلمس منطقة قلبه بأنامله، ابتلع مرارة حارقة في جوفه رغم انتفاضة قلبه الثائرة مذ أن رآها والتي اشتعلت بقربها الذي لم يذقه منذ أكثر من عشرين عامًا؛ لم يذق سوى المُر في تقفي أثرها عن بُعد دائمًا. ذهب عقله إلى اللحظة التي تحدث إليه والده فيها بنبرة صلبة لا تقبل النقاش؛ فقال بحسم: -اوعدني، إنك تنساها وتركز في حياتك وتنسى إنها كانت بينا في يوم، اوعي تقول دي حقي وملكي تاني يا تليد، الإنسان مش ملك حد غير ربه، بطل تراقبها كُل يومٍ يا بني، خليك واثق في قدر ربك؛ لأنه لو رايد لكم تجتمعوا.. هيحصل بس كُله متروك للوقت وتدابيره عز وجل. شعر بسقوط عَبرة ساخنة على خده أعادته إلى الحاضر فورًا، تن*د بصبر ثم امتد عنقه للأمام قليلًا يتفقد حالها الآن!!!!! ••••••••••••••••••• "من الطبيعي جدًا أن يراودك حلمُ حالمُ في نومك أو غيره مُخيف أما أن تحلم في يقظتك فإنه درب من الخيال نسجه عقلك الباطن بدقة متناهية؛ فماذا وإن كُنت متأكدًا من كونك قد رأيت أحدهم وأنت في خضم معركتك مع الموت؟؟ هل لحظة مُحاربة الموت حلم أو يقظة؟!. ••••••••••• تجول في الممر روحة وجيئة في تردد لا يعرف بصفة واضحة لماذا يقف أمام باب غرفتها سوى أنها رغبة صديق عُمره الذي حلفه بالله أن يبقى بجوارها حتى تستعيد وعيها ويأتي أهلها إلى المستشفى لرؤيتها، تحرك ببطء حتى وقف أمام غرفتها ثم تذكر حديث صديقه له في الهاتف يوصيه أن يعرض مساعدته عليها ربما هي في حاجة ماسة لمساعدة أحدهم، تن*د "نوح" قائلًا بصوت متوتر وأقدام تتردد حول الدخول أو البقاء في مكانها: -مش فاهم أنا هدخل أقول لها أيه؟!.. يا ترى يا تليد بتفكر في أيه ومين البنت دي؟؟؟. تنحنح بقوة قبل أن يحسم أمره بطرق باب غرفتها، لحظات وسمعها تقول بصوت فَزِع: -مين؟! نوح بصوت سريع: -أنا!!! أدار مقبض الباب ثم فتحه بهدوء، كانت جالسةً في الفراش بمشاعر يجتاحها الخمول والإنهاك، أطرقت برأسها في وَهن لم يردعها عن التفكير فيما رأتهُ تحت الماء؟!.. هل كانت تتخيل يا تُرى؟.. ثمة شخصٌ كان يسبح بمهارة سباح عالمي يود الفوز بالمرتبة الأولى؛ ولكن الاختلاف بينهما أن السباح تتجلى السعادة في صفحة وجهه بانتصاره المُستحق أما ذاك الشخص كان ينظر إليها مذعورًا خائفًا!!!. امتد عنقه بحرص من خلف الباب مما جعلها تلتقط أنفاسها بطمأنينة، فتكلمت بصوت مريض هزيل: -اتفضل. دخل "نوح" إلى الغرفة بخطوات وئيدة فوجدها تنظُر إليه في حيرة ليقطع عليها تساؤلاتها قائلًا: -أنا نوح اللي طلبت لك عربية الإسعاف. ارتخت ملامحها قليلًا، أومأت بهدوء ولكنها سألته بصوت ذي مغزى: -يعني إنتَ اللي أنقذتني؟؟ نوح يرد بإيجاز شديدٍ: -بالظبط. تفرست معالم وجهه لقليل من الوقت قبل أن تتكلم مرة أخرى بحذر وهي تلتقط السترة المركونة بجوارها: -ويا ترى بقى إنت متعود تلبس چاكتين فوق بعض يا أستاذ نوح!! تنحنح بخشونة يتغاضى عن سؤالها بعد أن أقحم نفسه في دائرة شكوكها ولكنه حاول أن يُنهي الحوار معها فقال: -أنا طلبت عربية الإسعاف لمَّا لقيتك مرمية على الشط بالصُدفة ومعرفش مين اللي أنقذك ومعنديش خلفية بمُنتهى الصراحة. سكت لبُرهة ثم أضاف حاسمًا: -محتاجة مُساعدتي في أي حاجة تاني يا آنسة .....؟. ابتسمت بهدوء ثم أجابته: -وميض... اسمي وميض. قطب ما بين حاجبيه بشك، تدبر ابتسامة باهتة تقضيةً لواجبه الموكل إليه نحوها ثم تابع وهو يعطيها ظهره في شرود: -حمد لله على سلامتك يا آنسة وميض. قال كلماته بنبرة سادرة وأثناء ترجله خارج الغرفة وضع أنامله أسفل ذقنه في حيرة ثم تمتم بخفوت لا يتضح من معالمه شيءٌ: -وميض إزاي يعني؟! أمال أيه أُترش دي؟؟؟. خرج فورًا ثم أغلق الباب خلفه بهدوء وما أن توارى عن مرأى عينيها حتى أومأ برأسه في تيه وراح يض*ب كفًا بالآخر في تشتت!!! مرَّت بضع لحظات ومن بعدها سمعت "وَميض" صوت صاخب يأتي من خلف بابها، ابتلعت ريقها على مهل وهي تترقب لهجوم هؤلاء عليها في كُل لحظة بعد أن خمنت جيدًا من هم؟؟ لم يسعفها الوقت كي تُفكر طويلًا إذ فُتح الباب بقوة عنيفة ورأت سيدة تدخل إلى الغرفة بغضب جامح بينما تصيح بها المُمرضة بتذمرٍ واضحٍ: -ماينفعش كدا يا مدام، دا مش أسلوب تتعاملي بيه في مُستشفى!!!. حاولت المُمرضة أن تفرد ذراعها أمام الأخيرة كي تمنع استمرارية سيرها داخل الغرفة واعتبرته تهجم واضح إلا أن الأخيرة أزاحت ذراعها ثم تابع بصوت مُتعجرف ع**د: -وسعي كدا، إنتِ مش عارفة بتكلمي مين؟!. زمت المُمرضة شفتيها بازدراء وضيق ثم صاحت بصوت منفعل وهي تتحرك صوب الباب مرة أخرى: -أنا هطلب لك الأمن حالًا. غادرت المُمرضة ساخطة على السيدة وما فعلته من تصرف أهوج، فيما لم تبالٍ بها وراح تتقدم جهة "وَميض" بخطوات مُختالة ثم قالت بصوت هاديء رغم ضمور الغيظ بين طياته والذي جلى في قسمات وجهها المغلولة: -تاخدي كام يا وَميض وتبعدي عننا؟!. كانت ترمقها بأعين حائرة ما لبثت أن تحولت إلى أعين جحماء يتطاير الشرر منها وبصوت حاد هتفت: -حلو إنك تكوني واضحة معايا من الأول، أفهم من كلامك إنك مبعوتة من شركة الديب لل*قاقير الطبية ومنتجات العناية بالبشرة علشان تساوميني!!. ابتسمت السيدة بسخرية ثم تابعت: -مش بالظبط، أنا خايفة على بنت جميلة وصغيرة زيك بدل ما تكون المفروض بتبدأ حياتها تكتشف إنها بتنهيها!!!. وَميض بصوت ع**د ثابت: -ومين بقى اللي هينهي حياتي؟ إنتِ ولا اللي باعتك!!. تقدمت السيدة خطوتين ثابتتين قبل أن تتشدق بنبرة متعالية: -سمعت إنك تخصي عيلة السروجي ومستغربة أيه العداوة دي معانا مع إنهم حبايبنا؟؟. سكتت للحظات ثم تعمدت النظر بقوة داخل أعين "وَميض" لرصد وقع الكلمات القادمة على صفحة وجهها الع**دة: -ولا نسيت إنك بنت الخدامة عندهم في القصر يعني مش من أصلهم ومفيش داعي أعاتبك، لأن هي دي خِصال الخدم؛ المكر والخداع والجوع. صرخت "وَميض" بثورة جامحة: -اخرسي واخرجي برا ويكون في علمك إني مش هسكت على أفعالكم العِرة، بكرا الناس كلها تعرف إنكم شغالين بسياسة دس السم في العسل!!!. ضغطت السيدة على أسنانها بقوة ثم تابعت بصوت ينبعث حريق ملتهب من بين أحرفه: -هتعملي أيه يا حلوة، إنتِ مُجرد صحفية في جريدة تحت السلم، صوتك مش هيوصل ولو وصل كبيرك قضية ت**ر ضلوعك وكبريائك يا بنت الخدامين. وَميض وهي تبتسم بغموض قبل أن تطيح بغطائها بعيدًا ثم تنهض من فراشها على مهل، شعرت السيدة بالتوتر قليلًا فبدأت تتراجع عدة خطوات للخلف إلا أن "وَميض" هجمت عليها ثم قبضت بعنف على خصلات شعرها وبصوت ملتهبٍ أضافت: -هوريكِ بنت الخدامين هتعمل فيكِ أيه يا عِرة!. أسرعت بعرقلتها فسقطت بالأرض ثم كبلت ذراعيها وسط صراخها الهادر طالبةً النجدة إلا أن "وَميض" الفتت إلى كتفها بعيون تلمع بانتصار ثم شرعت بغرس أسنانها بين لحم كتف الأخيرة اللي صرخت صرخات مدوية مُتألمة. -دي علشان تغلطي في أهلي. استدارت إلى الكتف الآخر ووضعت ب**تها عليه أيضًا ثم رفعت فمها تقول بغيظ: -ودي علشان تدخلوا الم**رات في علب أدوية وتنشروا الوباء بين الشباب!. في غضون ذلك، وجدت الممرضة تعود ومعها مجموعة من رجال الأمن الذين هرولوا نحو الفتاتين ثم أبعدوا "وَميض" على الفور قبل أن يطلبوا من السيدة أن تأتي معهم في الحال تجتبًا للمشكلة التي سوف تسفر عن رفضها السير برضوخ. •••••••••••••• استقرت سيارة كبيرة سوداء من الطراز الحديث أمام باب الشركة، ثواني وترجل السائق الخاص منها ثم هرول إلى الباب الخلفي الأيسر وقام بفتحه واستدار إلى الباب الخلفي الأيمن وفتحه كذلك، لحظات وترجل منها رجل كبير ومعه شابة جميلة تُعاصر أعوامًا يانعةً في عُمر العشرين، وقف الرجل شامخًا يرتب رابطة عنقه قبل أن تتجه الفتاة ثم تقف بجواره ثم توجها معًا صوب باب الشركة وما أن دخلا حتى حياهما كُل من بالمكان فابتسم برضاءٍ كاملٍ عن موظفيه الذين يعملون بكد دون توان أو تقاعس فدائمًا ما يصف شركته بخلية النحل؛ فكُل شيء يحدث داخلها بميعاد وسبب والنظام هو سيد الموقف تمامًا، سار بين الموظفين بخطوات ثابتة وكانت تسير الفتاة بمُحاذاته فتكلمت بوجه مُكفهر وصوت هاديء لا يتطابق مع ملامحها المتقنة: -أيه رأيك في اللي عملته وَميض يا بابا؟!. أسبل جفونه بكظم شديدٍ ثم أجابها بصوت خشن: -مش عاجبني طبعًا، دي بتعادي أكتر شخص له مصالح معانا ومن غيره أمور كتير في معاملاتنا الخارجية مش هتمشي. ضغطت على أسنانها ثم **تت لبرهة حينما وصلا إلى المكتب، دخله "عثمان" أولًا ثم لحقت ابنته به وما أن أغلقت الباب حتى تكلمت بصوت ساخطٍ: -والعمل؟!. عثمان وهو يتجه صوب مكتبه ثم يجلس إليه بثبات مُضيفًا: -العمل إني أوصي علَّام يربيها شوية وإلا النتيجة مش هترضيه أبدًا. كان تقف أمام المكتب فتحركت نحو النافذة ثم بدأت تزيح الستار عنها وهي تقول بهدوء: -من يومها وهي مفتعلة مشاكل وحاجة زهق.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD