عدوتي الحبيبة ٢•
...
لم اعلم لماذا جاء ذلك الولد المدلل و وقف امامي . هل اراد ان يراني احاول الفرار ام كان يريد رؤيتي أهلع ؟ في كل الحالات لم اكن لأعطيه مراده .
وقفت بهدوء و دون ابداء اي انفعال . تصنعت عدم معرفتي به، و ذهبت لأجلس في المقعد المجاور دون ان انطق بحرف .
ساد ال**ت للحظات و ترقبت رد فعل أيمن المغرور عندما يشعر بان احدهم يتجاهله متعمداً و هو على الأرجح كان يظن ان النجوم و الكواكب و معهم العالم كله يدور حوله .
توجه نحوي بحركات منفعلة دون ان يتكلم هو الاخر، و جلس الى جواري و ثبت نظره عليّ و هو غاضب بشكل واضح بتصرف طفولي مخزٍ بينما ظل صامتاً و كأنه يبعث برسالة : هل ترينني الان ؟
عندها تكلمت بلا مبالاة " ابتعد من هنا انت تسمم الجو الجميل حولي "
نهض و وقف قريباً مني يسد منظر الغروب بأكمله . ثم قال و قد فقد رباطة جأشه
" انتِ! كيف تجرؤين على قول هذا ؟ أتعلمين عدد من يردن ان اكون بجوارهن و لو لدقيقة ؟! ثم ألا تخجلين من نفسكِ؟! كيف ان تكوني بهذا البرود بعد ان رميتِ عليّ بيضاً مقززاً ؟؟!"
فقلت بنفس نبرة الصوت الغير مهتمة "لم يبدُ لي اني قمت بشيء خاطئ . انا فقط خلطت الاشياء الفاسدة مع بعضها "
اتسعت عينا ذلك المدلل ،و نظرة مجنونة علت وجهه. كنت انجح في استفزازه و رغم ان الوضع كان خطيراً الا انني لا انكر من انني كنت استمتع بالأمر .
تكلم كما لو انه كان يتشاور مع نفسه "من أين ظهرت لي هذه المجنونة و ماذا فعلت لتهاجمني هكذا؟"
نظرت إليه و حركت بأصبعي حول رأسي بحركات دائرية اسأله ان كان مجنوناً.
تمالك أعصابه بسرعة ثم تكلم بهدوء غير حقيقي " كنت قد جئت لاخبركِ بأننا متساويين ،بما انني من تسببت بطردكِ من عملكِ ، لكن يبدو لي انكِ تريدين المزيد و صدقيني مادمتِ هكذا فلن أتوقف حتى تأتي إليَّ باكية تترجينني لاسامحكِ "
أطلقت صوت استهزاء عال و معه ابتسامة تحدي . فبالرغم من اني صدمت لمعرفة المكيدة التي وضعها ليتم طردي فلم اكن لأذل له فقط لانه يحاول تحطيمي.
عاد أيمن للجلوس بجانبي بكل كبرياء، هذه المرة. فبدأت اضحك عندما تذكرت وجهه بالبيض و قلت له
"ربما انت لا تعلم فبع**ك ليس لدي شيء يمكنك جعلي اخسره سوى عملي .مهما فعلت انا لن أترجاك ابداً .. سيد بيض فاسد.. اقصد أيمن "
تعمدت ذكر البيض لاغيظه بشأن الحادثة .
بدى ذلك المدلل في حالة هيجان داخلي ،كان يحاول بكل ما يملك ان لا يدعه يظهر كي لا يبدو خاسراً .
ابتسمت بخبث و نهضت امشي مبتعدة تاركة إياه ورائي .
****
ليلتها و بعد العشاء اجتمعنا انا و حنان و الخالة مريم مع بعض الجيران، و تسلينا كما نفعل في العادة باللعب بأوراق الكوتشينة . ثم تحدثت مع الخالة مريم الى ساعة متأخرة من الليل .
لقد كانت اماً لي بعد ان فارقت امي الحياة و انا في السادسة بسبب حادث سير ، و لم تقصر و لو لمرة في تقديم الدعم لي في كل مرة احتاجها . لم استطع أخبارها ما كان يحدث بيني و بين أيمن من لعبة **ر العظام التي تسببت في فقداني عملي ، حاولت اعلامها بالامر ثم تراجعت و قررت فعل ذلك لاحقاً .
****
خرجت امشي في الشوارع منذ الصباح الباكر كي لا يفضح امر طردي من عملي . بالطبع كنت قد أخبرت حنان و هي بدورها كانت ستخبر سام .طلبت مني ان اذهب الى المدرسة حيث كانت تعمل و ان ابقى معها، لكنني لم اكن جيدة في التعامل مع الاطفال لذلك رفضت .
قضيت النهار أتجول في المجمعات التجارية و دور عرض الافلام . كنت استطيع ان ابدأ بالبحث عن عمل مجدداً لكني فكرت بأخذ وقت مستقطع لنفسي.
كان الوقت مساءً عندما خرجت من السينما و توجهت للمشي في المدينة . بعد نصف ساعة تقريباً شعرت بأحدهم ورائي .
بسرعة تجاوزني و وقف ليسد طريقي . طويل بثياب غريبة ؟ علمت دون النظر للاعلى لرؤية وجهه انه كان أيمن .
حاولت التملص منه و المضي لكنه اخذ يسد طريقي مانعاً اياي من التقدم ،فنظرت إليه بحزم و قبل ان اتكلم قال
"لا اعتقد انني استطيع مجاراتكِ اكثر و انتِ تدورين هنا و هناك بلا هدف كالفأر الجائع ."
ادركت بأنه كان يتتبعني منذ مدة . لقد تعمد جعلي اعرف ذلك، ربما لأشعر بالخوف .
نظرت نحوه باستحقار
" لم اكن اعلم ان هواية الأغنياء هي التجسس لقتل الوقت ! عمل وضيع حقاً !"
جعلته يتنحى جانباً بدفعي إياه بعيداً بكل فظاظة ، كنت اعلم اني اصنع معروفاً لكل أولئك الذين استحقرهم يوماً أيمن و لم يتمكنوا من عمل شيء.
شعرت بغضبه و كأنه كهرباء انتشرت في الهواء بينما كنت ابتعد ،حتى شعرت بقبضة تسحبني بعنف لاتوقف. كادت ذراعي تُخلٓع و شعرت بالألم ،ألتفت لاواجه الوحش الغاضب امامي محاولة تحرير ذراعي دون جدوى.
أيمن بصوت منخفض و قريب جداً من أذني تكلم بغيظ" كفانا لهواً ، لقد اتيت لاخبركِ ان تتخذي قراراً و ليس لنستعرض مهاراتنا في القتال هنا في الشارع "
سحبت يدي مجددا. و أيمن تركها و انا لم ارد ان اظهر الالم الذي شعرت به فقلت باستهزاء معلقة على بزته الصوفية الغريبة مثله " اي قرار يا كرة الصوف؟ انا لا اريد ان اسمع صوتك حتى ,لذا تنحى جانباً "
أمسك أيمن بذراعي مجدداً " لد*ك اربع و عشرون ساعة للرحيل من هذه المدينة "
ضحكت بقوة " و لمٓ سأفعل ذلك ؟ انت تحلم! "
أيمن " ان لم تفعلي سأحرص ان يفقد صديقيكِ عملهما ..تعملين من اعني المدرسة حنان و خطيبها الصحفي سام ، أليسا صديقيكِ؟! و لا ننسى إغلاق مطعم السيدة العجوز لن يأخذ مني الامر اكثر من يومين لفعل ذلك "
صدمت لتهديده . كنت اعلم انه شرير و سينفذ تهديده بما انه يستطيع. شعرت بحزن و بؤس يغمرني من كل الجهات و أردت البكاء لكنني قاومت فلم ارد له ان يستمتع بمشاهدة دموعي .
أيمن مستهزئاً " ماذا ؟ هل تفكرين بالبكاء و التوسل إليَّ الان ؟! لا زالت اللعبة في بدايتها لن يكون الامر .."
انا مقاطعة " مالذي ستستفيده من ابعادي عنهم؟ هل تعتقد انني سأموت ؟"
هو بت**يم " سأنزع كل شيء جميل في حياتكِ و سأحرص ان تتحول حياتكِ الى جحيم ، حتى تأتين اليّ متوسلة"
ضحكت و قد وجدت حينها كلامه مضحكاً للغاية " انت تبالغ في تقدير نفسك ! انت لا تستطيع **ري مهما حاولت و بالنسبة لتهديدك ، حسناً سأغادر المدينة ، ليس الامر ذي شأن لي كي اتردد فلطالما اردت الرحيل من هنا اساساً! .. و الان دوري "
نظر نحوي بتعجب ، اما انا فقد رأيت رجلين ضخام البنية يقتربان و علمت بأن تلك كانت فرصتي .
صرخت مستنجدة " النجدة ساعدوني، انه يتحرش بي . اتركني .. ساعدوني !"
كان أيمن قد فهم خطتي و ترك ذراعي بسرعة لكني بقوة أمسكت يده و وضعتها على شعري كما لو انه كان يشدني من شعري و انا احاول ابعاد يده . صرخت اتصنع الالم و مهما حاول أيمن ابعاد يده كنت امسكها بقوة .
بسرعة تجمع الناس حولي و أمسك احدى الرجلين الضخمين بأيمن بقوة ليدفعه بعيداً عني و انا شكيت للرجل الضخم
" لقد قال انه سيؤذيني ان لم اذهب معه. اني حتى لا اعلم من يكون ! لقد **ر ذراعي ..اه انه يؤلم "
أمسكت بذراعي و تصنعت البكاء . عندها لم يتحمل الرجل الضخم و سدد لكمة مؤلمة في بطن أيمن " كيف تجرؤ على ايذاء امرأة أيها الم***ف الجبان "
حاول أيمن الكلام للدفاع عن نفسه لكنه قاطعه احد المسنين ليوبخه على تصرفه المشين و اراد احدهم الاتصال بالشرطة لذلك هربت جرياً قبل ان اتورط مع الشرطة انا ايضاً كنت اضحك و أيمن بين يدي الضخم و ينظر الي بنظرات قاتل غضب.
****
وصلت الى المطعم و اختفت كل سعادتي عندما فكرت بأن عليّ الرحيل و ترك حنان و الخالة مريم في الغد .
لم ارده ان يشعر بأنني احتجتهم حولي و لم اتخيل نفسي بدونهم قبل تلك اللحظة ، كي لا امنحه سعادة الانتصار .
كنت اكره أيمن في تلك اللحظة لدرجة اني ان كنت قد رأيته وقتها يحترق امامي و بيدي كوب ماء لكنت شربته حتى وان لم اكن اشعر بالظمأ.
فكرت بأن اقسى عقاب قد وقع عليّ بالفعل ، ان أفارق من احب لكي ينجوا من دمار شاب ثري مدلل تم إغضابه .
لكني كنت مستعدة لدفع الثمن بلا ندم .
©ManarMohammed