"هو ليّ2"..الحلقه (3) ، بين مدّ وجزر .
---------
إلتفوا معًا حول مائدة الطعـام الكبيرة ، تبادلوا الأحاديث المُمتعة وسط قهقهـات الجميع التي غمـرت ڤيلا النجدي بسعـادة معهودة وكذلك يعلو صوت صخب الأطفال أثناء لعبهم ، توجه سليــم ببصره ناحية زيـاد الجالس قبالته ثم تابع بنبرة لائمة :
- ايه يا عم زيـاد ، إنت محتاج عزومة مني علشـان تيجي تشوف أهلك وناسـك !
إِفتر ثغر زياد عن إبتسامة حانية أعقبها بعبارة تنفي ما قاله سليم لتوة :
- أبدًا والله ، الشغل واخدني ، دا غير إن أمي جاية تعيش معانا فـ بنجهز لهـا أودتها .
السيدة خديجه بتدخل : فرحتني يابني بالخبر دا ، وأهو تبقي جنبك طول الوقت ، وقلقك عليها يخف .. ربنا يبارك لكم في بعض ويفرح قلبك يا زياد علي قد ما بتفرح آلاء .
آلاء وهي ترمقها بعينين لامعتين ينبعث منهمـا الحُب :
- ويبارك لنا فيكِ يا ماما خديجه .
في تلك اللحظه هــرولت نيروز ناحية والدها تجذبه من تلابيبه كي تلفت إنتباهه لهـا ومن ثم هتفت بنبرة طفولية :
- بـابي ، سيــم !
إلتفت بكامل جسده ناحيتها ، وقد أشرقت إبتسامة علي مُحياهُ حين قـام بإلتقاط قبضتها ثم قبل باطن يدها قائلًا :
- عيـونهُ !
ضحكت نيروز بسعادة وبعدها لاحت بقبضتها الأُخري وهي تمسك بقطعة كبيرة من الشيكولاته المُغلفـه فيما تابع رامـــي بفخــر :
- انا اللي جبت لنيـرو الشيكولاته دي ، علشـان انا راجل البيت الصغير وبخلي بالي منهـا .
قهقه عالية ص*رت من افواه الجميع لخفة ظله ورجاحة عقله الطفولي كذلك ، فيمـا تابعت نــوراي بمرح :
- أتفضلي يا روفا ، إبنك عينـهُ من البنت ! .
وسط تبادل الأحاديث بينهم هتفت نسمة عاليًا وقد قطبت ما بين حاجبيها بشكِ :
- عا** صحي ! ، هـروح أشوفه .
سليم بإستغراب : تعالي كملي أكلك ، أنهــار موجودة معـاه .
نسمه وهي تهرول ناحية الدرج بنبرة مُتعجلة وحاسمة :
- لأ انا عاوزه أكون جنبه .
ماجد بضحك متوجهًا بحديثه إلي سليــم:
- ابنك جننهــا .
تركت السيدة خديجه مل*قتهـا علي الفـــور ، عَبرت قسمـات وجهها في هذه اللحظه عن أسفها لرؤية صغيرتها تتآكل وجعًا وتسعي لإحياء ماضيها بكُل جوارحهــا...
نظرت روفيدا إلي والدتها لتجدها علي هذه الحالة ، فهمت حُزن والدتها البادي علي معالمها فما كان منها إلا أن ربتت علي ظهر والدتها بحنو تُعزيها ...
----
- مســاء الجمال ، علي أبو عيون جُمـال ، امم انت نسخة طبق الأصل من سليم ، وهذا الشبل من ذاك الأســد .
قالتها نسمه وهي تُقبل وجنتي الصغير الذي ما أن إحتضنته حتي غفا بين ذراعيها من جديد ، طالعته بكُل حُب وهي تري خُصلات شعره الكثيفه الناعمة وكذلك بشرته القمحيـة وكأنها تري سليــم بنفسه وهو صغير .
رمقتهـا أنهار التي أستفاقت من غفوتها وهي تجلس بجانب الصغير ، فتحت فمها تتثاءب بكُل أريحية لتردف بنبرة هادئه :
- إنتِ هنا من أمتي يا أبلة نسمة ؟
ضيقت نسمه عينيها ، صرت بأسنانها وقد برز لونهما الأبيض أمام أنهـار التي راقبتها بقلقِ :
- انا قولت حاجه لا سمح الله !
نسمه بغيظِ : البيبي بيعيط من أمتي ! ، أيه دخلتي في غيبوبه !
نهضت أنهار عن الأريكة علي الفـــور ، أخذت تربت علي كتف نسمه قائلة بنبرة مُضطربة :
- لا بقولك أيه يا أبلة ، إهدي كدا وما تتعصبيش ، إنتِ لسه صغيرة وشابـة ،كُل ما في الموضوع ، إن أنا بحكم (ضكترتي) ، كُنت محتاجة انام بس ما كانش جايلي نـوم ، وطبعًا انا أرفض المُنومات وبشدة لأضرارها فـ قررت بقه أيه ؟! ،أكل فحل بصل ، ولقيته مــرة واحدة كتم علي نفسي ونمــت .
باغتتها نسمه بإبتسامة ذات مغـزي ، تحـركت ببُطء تضع الصغير في فراشـة ، إستقامت من جديد ثم إلتفتت إليها وأخذت تردد من بين أسنانها بتوعـدِ وهي تتسحب للإقتراب منها :
- فحل بصل ؟! ، وبحُكم ضكترتك !!!.
مـــدّت يدها أمامها تتفادي هجومهـا ، فتحت عيناها علي وسعهما وهي تجد نسمه تكور قبضة يـدها بإنفعـــال لتصرخ أنهار بهـا بفزع :
- " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس " ، إلهي يسترك إهدي ، عارفة إن عا** خط أحمر ، طيب أعملك ليمون بيروق الأعصـاب .. طـ طـط طيب بلاش عض ، بالله .
أنهت أنهار حديثها لتجد نسمه قد أطبقت أصابعها علي إحد أذنيها قائلة بتحذير جليّ :
- لو سمعته بيعيط تاني ، هقتلك يا أنهار يا غيبوبة إنتِ .
انهت كلامها لتُبعد ذراعها فـورًا ، تنفست أنهار الصعداء وهي تتابع بأريحية :
- يخربيت اللي يزعلك يا شيخة .
طرقات صدحت علي باب الغرفة أعقبها دلوف سليم بصحبته نوراي ، ألقي عليهما السلام فيما تابعع نـوراي وهي تقترب ناحية طفلهـا :
- نايم من بـدري !
أنهار بتلعثم : اه ، ايوة .
أومـأ سليم برأسـه مُتفهمًا ، فيما إقتربت منه نوراي من جديد ليحاوط كتفها بذراعه قائلًا بنبرة حانيـة :
- يالا يا بنات ، تصبحوا علي خير ..ولو أي حد من الولاد صحي ياريت تبلغي نوراي يا أنهار .
أنهـار وقد اومأت برأسها عدة إيماءات دليل علي إدراكها لما قاله :
- حاضر يا مستـر سليم .
دلـف سليم بصحبة زوجته إلي غرفتهما بعد يومٍ شاق لكليهمــا .. ينبيء بالكثير "نتخبط بين مــدّ وجزر ، ولا نعلمُ متي مراسينــا "،
تتفاذفنا الأوجـاع ، كـ أرواح مُحمله بالوجدٍ تتخبط بين لهفة الماضي والاستسلام للواقع ، ومـا تزيدنا الذكري سوي ، إيلامنـا منها ، رغم أن الحاضر ما هـو إلا المتمم لماضيه ، رفض ،كبرياء ، شموخ .. ولكن يبقي اصــرار الحُب والحـرب ، المنهي في معركة الحيــــاه المليئه بشغف الانتقـام ، أدركت نوراي بعد هذا اليوم العصيب أن القادم أقوي من إعصــار تسونامي في حد ذاته ..
بدلــت ملابسها بشرود تـــام ، وجدته مُستلقي في الفراش واضعًا ذراعيه أسفل رأسه ..فـ الهم الذي بداخلها هو نقطة في بحر همومه ، ليس بيدهـا سوي أن ترسم البسمة علي شفاهها ، تمددت إلي جانبه في الحـال وكذلك قامت بوضع رأسها علي ص*ره تقول بهـدوء شارد :
- سليم ، عاوزة أطلب منك طلب ، ممكن !
قام بطبع قُبلة حانية علي جبينها يرمقها بإهتمـام شديد ليردف بحب :
- طلباتك مُجابة .
عدلت نـــوراي من وضعية نومهــا جالسة ، ن**ت ذقنها قليلًا تضغط علي شفتها السفلي إرباكًا لتقول :
- ما ظنش إن المرة دي مُجاب ، زيّ ما بتقول يا معالي الوزيـر !.
أقلقته تعبيرات وجهها وكذلك نعته بـ -معالي الوزير - ، ليضع وجهها بين كفيه ويرفعه لأعلي لتلتقي نظراتهمـا وبدورة يقول رافعًا حاجبيه :
- معالي الوزيـر ! ، دا الموضوع مش سهل ، اللي يخلي أم تقول لابنهـا كدا ، يبقي الموضوع أكبر من نسمه قبل ما تخس!
إِفتر ثغر نوراي عن إبتسامة خفيفة ، تلألأت الدموع في عينيها وبنبرة مُختنقة رددت :
- انا عاوزاك تاخد أجازة لمدة شهر علي الأقل ، ونرجع الحي انا وإنت وأولادنا ، نغير جوا ونكون مع بعض من تاني ، انا مُفتقداك يا سليــم .. حاسة إنك ضايع مني في وسط الزحمه وكُل مادا إيدينا بتسيب وبتبعـد .
سالت قطرة دموع علي وجنتها اليُمني ، أثارت عباراتها غصة في نفسه ، حرك أصابع كفه الأيسر يُزيل عَبراتها بكُل هيام قائلًا :
- لا عاش ولا كـان اللي يبعدك عني ، بس غصب عني .. يا نوراي اللي انا فيه دا أكبر من تفكير طفلة زيك ! ، حتي لو شرحت اللي بمرّ بيه ، مش هقول إنك مش هتفهميني ، ولكن الموضوع فوق قدرات إستيعـابك ، وانا مُستحيل أربط شُغلي بـ بيتي ، شُغلي لحد عندك وهيقف ..وأوعدك إني هقدم طلب أجازة لرئيس الوزراء ولا يهون عليّا دموعك أبدًا .
نوراي بإبتسامة من بين دموعها :
- أنا بحبك أوي ، لحد أمتي هقولك إنك كُل يوم بتثبت ليّ إني إختارت راجل .
أيه دا ، أيه اللي هنـاك دا ؟!
قالها سليــم وهو ينظـر للبعيد وبدت علي ملامحه علامات الصدمة ، فيما إلتفتت هي تنظُر بنبرة مُضطربة :
- في أيه يا سليــم !
باغتها في تلك اللحظه بقُبلة مُشا**ة علي وجنتها ، لتدرك هي مُزحته وتبدأ في ض*بة بـ الوسادة قائلة بغيظ :
- أنا لو ما خلفت تاني يبقي بسببك .
سليم بنبرة خبيثة : ما تخلفي تاني أزاي دا لسه في (تسعه) .
نـوراي بشدوه : ليه هتشكل فريق كـورة !!
سليم بثقة : دا كان إتفاقنا ، وبعدين أنا وزير ، أعمل اللي أنا عاوزة .
أنهي حديثه ثم مد يده إليها ليقوم بإحتضانها وقد غمس أنفه في خُصلات شعرها ، إجتاحها ذاك الشعور الذي يصل إلي كُل ذرة بها في كُل لمسة منهُ ، إحتواءًا يزيدها عشقًا لهُ كطفلة قبل أن تكون زوجةً ..في حين إمتنعت هي عن الصفح لهُ بما فعله ذاك الغريب معها ، فهي تري الهموم قد آكلت روحه ولا تود أن تضمُر نارًا أخري داخله ، يكفي أن تتجنبه تمامًا وبهذا ينتهي الأمر ، أو كما ظنت هي ذلك ...
---------
فُتحت أبواب الشُرفة الزجاجية بخفة شديدة ،
أحدهم يتسحب علي أطراف أصابعهُ للداخل فيجد هذه الفتـاه النائمة تنسج خيوط أحلامها في سُبات عميق ، أخذ يقترب أكثر فأكثر حتي تقلصـت المسافة بينهما ، ليجثي علي رُكبتيه في هـدوء شديد ... لحظـات مرّت تراقب هاتان العينان تلك الجميله النائمــة ، وفجأه إمتدت يدان لتلتقط هذا الكف ذي الأصابع النحيلة وقُبلة طويلة قد طُبعت علي باطن كفهـا أعقبها قطرات قد بُخت من زُجاجة عطر في مكان القُبلة ، بدأت هي تتململ علي فراشهـا ، وبسُرعة البرق عــاد هذا الغريب من حيث أتي كعادة كُل يوم ...
-------
نظـر إليها بنظرات مُتفحصة ليجدها قد غطت في سُبات عميق ومازلت متشبثه بعُنقه ، دثرها في الفراش بهدوء ليبسط الغطاء عليها بعدما طالت نظراته إليها وكأنه لا يشبع أبدًا من رؤيتهـا ،
صدح رنين هاتفـة مُقاطعًا هُيامه بهـا ، إستدار بجذعه العلوي ينظُر إلي المتصل ، إنتصب واقفًا ومن ثم ذأب في سيره حتي ولج داخل الشرفة ثم أجاب بهدوء :
- خير يابني ، نعم ! ، نسيت المفاتيح في أودة نسمه ! ، لحظة لحظة ، وإنت كُنت في أودة أختي بتعمل أيه ! ، إنت إتجننت علي الآخر ، ما أنا حذرتك من الموضوع دا ، انا لو قبلته مرة فـ مش هقبله المـرة التانيه ، إنت قدامك فُرصة لبُكرا ، تاخد قرار وتبلغني بيه .. أما ألحق انا أصلح المُصيبـة اللي إنت عملتها .
أغلق الهاتف معه علي الفـــور ، مسح علي غُرة رأسه بغيظِ ليكور قبضة يده مُحاولاً التحكم بأع***ة أكثر من ذلك ، ذأب في سيره خارج الغرفة ، سـار في الممر قليلًا لينعطف يمينًا حيث غرفه نسمه ، أدار مقبض الباب بخفة ..جال ببصره داخل الغرفة باحثًا عن المفاتيح التائهه حتي وجدها مُلقاه أرضًا بجانب فراشها ، تحرك يسير علي أطراف أصابعه حتي وصل إليها ليميل بجذعة العلوي للأسفل فيما تابعت نسمه بقلقِ :
- سليــم ! ، خير في أيه !
إستقام سليم في وقفته بعدما إلتقط المفاتيح ، رمقها بنظرة ثابتة بل كانت نبرته أكثر ثباتًا حين قال وهو ينظُر إلي ما بين يديه :
- مفاتيح عربيتي كانت ضايعة ، وانا بدور بالصُدفة لقيتها واقعه هنا في الاودة .
أومـأت نسمه برأسها مُتفهمة ، فيما تابع سليــم بنبرة حاسمة :
- يالا كملي نومك ، تصبحي علي خير !
ترجل عا** خارج الغرفه يتنفس الصعداء وأخيرًا ولكن داخله يثور مما حدث لينجرف هابطًا الدرج ومن ثم قـام بفتح باب الڤيلا دالفًا لخـارجهُ وهو ينوي حسم الأمر الذي طال كثيرًا إمـا بالإقناع أو البُعـد الأبدي ...
--------
"في صباح اليوم التالي،،،
هـذا اليوم هو المُخصص لزيارة نيـروز لزملائها بمؤسسة علاج الداون (نيـروز) ، فقد تعلقت بهم كثيرًا ووجب علي والدها إصطحابها مرة كُل أسبوعٍ فيما يفعل هو ذلك بكُل حُب ، فهي فلذة كبده بل وإبنة نوراي أيضًا ..
عـَدل هندامة أمام المرآة ليفاجأ بصغيرته تضع كفها الصغير بين كفه ، سَعــد لتعلقهـا الشديد به ليقوم بحملها إليه فيما دلفت نوراي تحمل الصغير بين يديها وهي تقول بمرح :
- يالا يا نيرو علشان نروح لـ چينو (چِنان ).
أومـأت الصغيرة في سعاده شديده ، ليكتنفها سليم بذراعه الذي حاوط كتفها مُتجهيًا كـ أسرة رائعة حيث الدار التي أنشأهــا سليــم وقد سماها علي اسم إبنته وفيها يتم تداول العلاج بالمجان ...
--------
- نـورتي بيتك يا مـــاما ، حمدلله علي سلامتك .
اردفت آلاء بتلك الكلمات وهي تتجه ناحية هذه السيده سَكينه التي ظلفت علي الخمسين من عُمرها ، تُقبل كفها بإحترامِ شديد فيما تابعت الأُخري بنبرة جامدة :
- البيت منور بأهله .
إستغربت آلاء نبرتها الجامدة معها ، بينمـا أرشدها زياد لحجرة الجلوس قائلًا بسعادة :
- وحشتيني جدًا يا أمي .
سَكينه بنبرة لائمة : لو وحشتك فعلًا ، كُنت سمعت كلامي وجيت عشت معايا ، ولا البندر وبناته أحلي من الصعيد ، ما أظنش ، ما أديني بتكلم زيهم أهو ، وكاني عايشه هنا من سنين سابقة .
بهتت إبتسامة آلاء وزالت عن وجهها تستشعر إهانة بيّنه في أحاديثها ، توجه زياد ببصره إلي زوجتهُ وبادلها إبتسامة حانية ، أومأت آلاء برأسها في خفة ، وفي تلك اللحظه جـاءت ورود لتمد يدها إليها قائلة بنبرة طفولية رقيقة :
- أزيك يا تيتا سَكينة !
جدحتها سَكينة بإستخفاف ثم قالت ببرود :
- تيتـا ! ، أهلًا يا وردة .
ورود وقد لوت شفتها بزعل : اسمي ورود كتير مش وردة واحدة .
سَكينة تتجاهل حديث الصغيرة : البيت متغير عن أخر مرة جيت فيها ، إنت بتصرف كُل فلوسك علي الكلام الفاضي ديه !
تنحنح زياد قليلًا ثم تابع محتفظًا بإبتسامتة :
- التجديد مطلوب بردو يا أمي ، ولو مش هصرف علي بيتي ، هصرف علي مين .. يالا يا آلاء خلينا نحضر الغدا .. زمان الحجة جاعت .
أومأت آلاء برأسها في ثبات ، سـارت أمام زوجها بهدوء فيما يدفعها هو من ظهرها بخفة حتي دلفا داخل الطبخ ، مسح علي وجهه بإرهاقِ ثم قال ينظُر إلي بؤبؤي عينيها :
- آلاء ، أوعي تزعلي حبيبتي ، أمي ولازم نستحملها ، وإنتِ عارفة إنها متأثرة بوفاة أبويا الله يرحمه .
آلاء وهي تبادله إبتسامة حانية : الله يرحمه ، وانا مش زعلانة صدقني .. يالا بقه نحضر الغدا سوا ولا بتتهرب !
زياد بضحكة حانيه : لأ طبعًا ، أنا تحت أمرك يا بـــاشا .
----------
إنتهت نيروز من زيارة صديقاتها بالمؤسسة ، لتبدأ في إتمام جلستها مع الطبيب المُتابع لحالتها ، حيث جلس سليم أمام المقعد المُقابل لمكتب الطبيب ، فيما جلست نوراي في المقعد المُقابل لهُ ، تنحنح الطبيب في باديء الأمـر ثم إنتقل ببصره ناحية سليم ليقول بنبرة مُضطربة :
- في الحقيقة يا معالي الوزير ، نيروز مـا شاء الله عليها ، ذكائها فاق كُل أطفال الداون ، ودي حاجه من الصفات النادرة في أطفال الداون وبتبقي 90% موروثه عن الآباء ، النهاردة التدريب هيبقي مُختلف شوية ومحتاجين مساعدة حضرتك والمدام .
جدحهُ سليم بترقبِ ، اومأ رأسه بخفة ثم قال راغبًا في الشرح :
- مساعدة من أي نوع !
الطبيب بإستكمال : التدريب دا هيقوم علي مبدأ التمييز والميول ، واللي هو هل حالتها تطورت لدرجة إنها دخلت في مرحلة الإنتماء والميول ، ودور تمييز الأصوات قدر يمُر عبر إشارات المخ بدون أي معوقات ، فالطفلة في المرحلة دي ، بيكون أحسن نموذج نقيس عليه الميول هو الأب والأم ، لأنها أكيد بتميل أكتر لحد فيكم وهنربط دا بمجموعة صور هتكون موجودة علي تي شيرتات مختلفة هتلبسوهـا وهنقدر من خلالها نعرف دافع الميل عندها بيتغلب علي التمييز أو الع** ..وأنهي اللي إتعزز أكتر عندها .
سليــم بتفهمِ : تمام جدًا ، انا ليه حاسس إنك مصعب الأمور !
الطبيب بإحترام وافر :
- فكرة إني أطلب من حضرتك ، طلب زيّ دا كانت مخوفاني ، يعني تلبس تي شيرتات وتتعب معانا لمدة ساعة تدريب .
سليم بإبتسامة بسيطة : أولًا دي بنتي ، ثانيًا إنسي إني وزير وانا مع مراتي وأولادي او حتي إني صاحب المؤسسة دي ، انا هنا واحد بيعالج بنته وبس .
الطبيب بتفهم : اللي تشوفه يا فندم .
في تلك اللحظه قطع حديثهم صوت صرخات تأتي من خلف هذا الباب المُغلق ، ذأب سليم في سيره للخارج وكذلك تبعته نوراي وأيضًا الطبيب ، ليجدوا شابًا في الثلاثين من عُمره ، يصرخ في بعض العاملين بالمؤسسـة وفي نبرتة كلمـات تهديدية بالغة ، أسرع سليم ناحيته ثم هتف بالجميع للعودة إلي العمل ، ليلتفت مجددًا إلي هذا الشـاب وبنبرة ثابتة تابع :
- خير يا أستاذ !!
إبتلع الشاب ريقه بصعوبة ، عندما وجد سليم النجدي بشحمه ولحمة يقف أمامة ، ولكنة فجأه تناسي ذلك واستحال حال وجهه للصرامة والثبات قائلًا :
- انا مش هسكت عن المصيبة اللي بتحصل جوا المؤسسه دي أبدًا .. هو علشـان حضرتك وزير تتاجر بأرواح الناس .
رفع سليم جانب فمه قليلًا في تعجب من حديثه ، عقد ذراعيه أمام ص*رة وبنبرة ثابتة قال :
- وهو أيه بقه اللي حصل بالظبط !
الشـاب بإنفعال خفيف :
- انا طبيب جراح ، وكُل يوم يوصلني طفل هنا من المؤسسـه مع واحد من الأغنيه اللي ميعرفوش ربنا ، علشـان أعمل جراحه وأنقل عضو من طفل الداون لأبنه او بنتهم اللي بيعانوا من ضمور في العضو دا عندهم ، وطبعًا بياخدوا الأطفال دي من هنا ، علشان يعالجوا أولادهم علي حساب أطفال زيّ دول أبرياء ومُغيبين ... بتستغلوا طفل مُغيب وتبيعوه لواحد غني ، إنتوا ما عندكم دين !
ضغط سليم علي عينيه في ألم ، ما قاله هذا الطبيب أضمر النيران داخله لتظلم بؤرة النور التي كانت تسكن روحه ، فتح عيناه من جديد ثم تابع بهـدوء علي غير عادته :
- إنت عرفت منين إن الأطفال دي ، من المؤسسـه هنا .
الطبيب بثبات : راقبت الحالات .
سليم بإنهيار داخلي : طيب ممكن تكون عندي بالليل في الڤيلا ، علشان نعرف نتكلم ! ، لازم تيجي .. إحنا لازم نتكلم .
الطبيب بعبوس : وحضرتك يا معالي الوزير بالسهولة دي هتقابل مواطن عادي زيّ وكمان في بيتك العظيم !
سليــم بإنفعـــال خفيف : إتفضل أمشي ، ونفذ اللي قولت لك عليه .
وبالفعل إنصاع الطبيب لكلامه ، بدأ الألم والصداع يرُجان رأسه رجًا ، أسرعت نـوراي إليه تسندهُ من ساعدة خوفًا من أن يختل توازنهُ ، فيما تابع بهدوء :
- يالا نمشي حالًا يا نـــوراي .
نوراي بنبرة أشبه للبُكاء : حـ حاضر بس أهدي علشان خاطري ، أهدي يا سليم ، الله يخليك .
------
أخـذت تتملل في الفراش ، فقد أطالت الغُفوة هذه المـرة ، بدأت في لم خُصلات شعرها المفروده علي ظهرها ، لتتسلل رائحة تعرفها جيدًا وتخترق أنفها الصغير ، وعلي الفـــور قربت قبضة يدها تشتمها ، أخفق قلبها بشدة دب الرُعب إلي أوصالها لتردف بنبرة مُضطربة :
- أيه اللي بيحصل ليّ دا ، في حاجه مش طبيعية بتحصل هنـا .
وفجأه سمعت صوتًا صغيرًا يظهر من أسفل فراشها يهتف بمشا**ة :
- صباح الخير يا مــاما نسمه .
- عاااااااا ، حراااام عليك يا رامي ، هو انا نقصاك .
قالتها نسمه وهي تنظُر له بفزعِ فقد تجمدت الدماء داخل عروقها لوهلة ، بينما تابع رامي بقهقه عالية :
- إنتِ نمتي كتير ، فـ قولت أصحيكي علشان نلعب سوا .
نسمه وهي تلتقطه إلي أحضانها :
- تعالي يا قرد صغنن ، إنت الوحيد اللي مسموح لك تدخل الأودة هنا ، وطبعًا نوراي علشان مافيش حد بيعرف يوقفها ، المهم صباح الخير جدًا يا عم روميو .
-------
أوقف السائق السيارة في جراچ الڤيلا ، ترجل سليم خارجها بسرعة رهيبــة .. فيما تابع رمضان هذا المشهد الغير مألوف عليه في إستغراب ثم إتجه صوب نوراي التي ترجلت هي الأخري من السيارة حيث تابعت متوجهه بحديثها إليه :
- لو سمحت يا رمضان خُد الأولاد علي أودتهم ، وبلغ أنهار تاخد بالها منهم .
أسرعت للداخل عقب إنتهاء حديثها ، هـرولت صاعدة الدرج تدعو الله أن يهدأ مما هو عليه ، وما أن وصلت إلي غرفة نومهما حتي سمعت أصوات لأشياء تتحطم دون توقف ، دلفت علي الفـــور لتجده يصرخ بأعلي صوت لهُ :
- حتي الأعمال الخيرية حولتوها لتجارة في أرواح الناس يا أوساخ ، انا تعبت .. تعبت من كمية الق*ف والفســـاد دا .
هــرولت نوراي إليه ، ظلت تضغط علي ذراعيه ليتوقف ، أجهشت بالبكاء في تلك اللحظه فقد إنهار كُليًا ، وأثناء محاولاتها المُضنية لإيقافه سمعت صوت أقدام تقترب أكثر ، وهنـا هرولت ناحية باب الغرفة ثم أحكمت غلقه بالمفتاح ، فلن يحصل ويحدث أن يري احد زوجها علي هذه الحالة سـواها ، عـادت إليه من جديد وأخذت تصرخ به ان يتوقف فقد نزفت يده ُاليمني ، حيث تابعت بصراخ باكي :
- كفايه ، علشـان خاطري كفاية ، وحياة عا** ونيروز كفاية .. إهدا حبيبي ، إهدا .
وضع سليم رأسه المتألم بين كفيه بعد أن هاجت الفوضي في أرجاء الغرفة ، فيما أسرعت هي تحتضنه كـ طفلها الصغير ، تقبل جبينه وجعًا علي حاله، أخذت تربت علي ظهره تسأله أن يهدأ ، بينما خارت قواه ليجلس أرضًا ومازالت هي تحتضنه ، ليقول وقد أطلق لدموعه العنـان :
- انا عملتها علشان أعالج الناس المحتاجين ، مش اتاجر في أرواحهم ! ، انا ليه كُل ما بسعي للخير بيتقابل بالشـر ، هعالج أزاي كُل النفوس المريضة اللي حوليا دي !
يتبع
#علياء_شعبان