الفصل الثانى

1906 Words
و فاتنة تهرول بالطريق الخالى تماما من البشر و خاصة فى وقت القيلولة هذا ، شعرها الغجرى منثور خلفها سابحا فى بحره الأ**د ، يحثها على الإسراع حتى لا تقع فريسه لذلك الذئب البشرى الذى من الواضح أنه لا يعلم هويتها . مرسوم الهلع على ملامحها الطفولية رغم عينيها القوية التى تأبى الخضوع ، متمسكة بأصالتها و قدرتها على الوصول بالوقت المناسب . و يحسب لها أنها حتى فى محاولاتها للفرار منه ، إتخذت الطريق الأقرب الى مزرعتهم حيث يقبع أخيها الأكبر . أسرعت و أسرعت محافظة على إتزانها حتى لا تسقط كالفريسة السهلة لهذا الو*د . حانت منها التفاتة سريعة لترى المسافة الفاصلة بينها و بينه فوجدته يتربص بها بأعين ماكرة ، لتصطدم فجأة بحائط بشرى ، فزعت عندما شعرت بإرتطامها و نظرت له بخوف و تمتمت بصوت متقطع :- يونس .. شبعت عينيها بالراحة و تن*د قلبها بأمان و أطلقت لروحها العنان لتسقط بين يديه مانحة لنفسها بعض السكون بعد مشقة باتت طويلا .. إرتعب قلبه لرؤياها هكذا ، شكلها الفوضوى أثار بعقله فوضى لا سبيل لإخمادها ، تلقفها بين يديه بصدمة لا يعلم كيف و متى وصلت الى هنا بتلك الهيئة المزرية . أفاق سريعا ينظر حوله بتيه كيف سيحملها الى البيت بهذا الحال ؟ و ماذا إذا رآهم أحد فلن يسلمون من القيل و القال ! و هى الفاتنة بأعينه ، جمالها و طفولتها .. عفويتها و عنفانها ، قلبها الذى لم تمسه لوعة عشق و لم تكوى بنار حب .. جميعها بكر . فحملها سريعا بين يديه متغاضا عن ثوران قلبه الذى تمرد على قربها معلنا عشقه للمرة الألف ، لكنه كالعادة يخرسه بالتجاهل . إتجه الى المكتب الموجود بداخل المزرعة الخاصة بعائلة مهران ، ض*ب الباب بقدمه و دخل مسرعا يضعها برفق على الأريكة الصغيرة المستندة على أحد الجدران . أخذ يتفحص ملامحها سامحا لعينيه أن تروى عطشها و لو قليلا .. و ما زاده القرب إلا حرمانا ! شدد على شعره و هو يفكر ماذا يفعل ليوصلها الى البيت أولا دون أن يراها أحد من أهل القرية و بعدها يعرف سبب ما وصلت اليه .. و لم يأت بباله سوى يحيي أخيها الأكبر و ابن عمه الذى ينتظره بالفعل بالشركة التى لا تبعد كثيرا عن مكان تواجده ، أخرج هاتفه من جيب سترته ثم أجرى عليه إتصالا فأتاه صوت الآخر :- بقالى ساعة مستنيك يا يونس ، إيه اللى أخرك كدة ؟ حمحم يونس محاولا إخفاء توتره لكنه فشل فى ذلك فقال :- معلش يا يحيي تيجى تاخدنى بالعربية من هنا ، أنا عند المزرعة . :- فى إيه عندك يا يونس ؟ سأله يحيى محاولا أن يستشف ما وراءه لكن لم يريحه الآخر و رد بنبرة راجية لم يعدها به الآخر :- لما تيجى يا يحيى ، بس متتأخرش . أسرع يحيى و هو يستقل سيارته و يتحرك بها فهو يعلم أبن عمه جيدا يبدو انه يخفى شيئا و لا يريد البوح به عبر الهاتف .. خرج يونس من المكتب تاركا إياها على حالتها و أخذ يجوب بالخارج ذهابا و إيابا ماسحا شعره بكفه يحاول وضع حد لأفكار مرعبة دبت برأسه ، أخفهم وطأة أن أحد قد أصابه مكروه من العائلة فقرر التأكد من الأمر ، أخرج هاتفه ثانية و إتصل بأمه و بعد سلامات و تحيات تأكد أن الأمر يبدو على ما يرام فحاول ان يجعل أمه لا تشك بشئ فسألها :- ما فيش يا أما أنا كنت بس بسألك لو عايزة حاجة من الأرض و أنا جاى ؟ جاءها صوته بالكثير من الدعوات بالصحة و راحة البال . لمح سيارة تقترب فتأكد أنه يحيي و أغلق الهاتف مع والدته ثم وقف مكانه منتظرا هبوط الأخر من السيارة بأعين حائرة غاضبة . هبط يحيى بطلته المهيبة من السيارة و حينما إقترب منه تأكد من ظنونه ، وقف صامتا يطالعه بنظرات غامضة تحثه على البوح . حاول يونس ان يستجمع شتات نفسه و أخذ يغمغم و لا يعرف ماذا يقول فزفر حانقا ثم قرر أخيرا أن ينهى إرتباكه فتوجه مباشرة الى المكتب حيث توجد هى ، تحرك تحت نظرات يحيى المتعجبة و فتح الباب مشيرا له ان يدخل ، تحرك الآخر فى **ت و دلف الى المكتب فألجمته الصدمة ، بينما ظل يونس بالخارج حتى لا يفكر يحيي بأنه إستحل حرمته خاصة و هى بتلك الحالة . كانت أعينه كالصقر تراقب المكان جيدا حتى لا يسمح لأحد بالدخول أو الإقتراب منهم ، و لكنه غفل عن زوج من العيون الماكرة التى لازالت تترقب ما يحدث منتهزة أى فرصة للإنقضاض على فريسته ، لكنه لا يعلم أن تلك الغزالة تخص عائلة مهران فقط . ************ إقترب منها يحيي بملامح مذعورة يض*ب وجنتيها بخفة محاولا إفاقتها دون جدوى ، بحث بأعينه سريعا فوجد زجاجة من المياه موضوعة على المكتب ، فنهض و إلتقطعا سريعا ثم فتحها و نثر منها على وجهها ، و قد أراد الله أخيرا أن يريح قلبه من هلعه عليها فبدأت أهدابها بالرفرفة ببطء و سرعان ما إنتفضت بذعر عندما تذكرت ذلك الو*د الذى كان يلاحقها ، و لكنها إستكانت ثانية عندما رأت أخيها الأكبر بجوارها و ما لبثت حتى إرتمت بين أحضانه و تخلت عن قناع القوة التى تلبسته و هى تقاوم ذلك الذئب و أطلقت لدموعها العنان . شدد يحيي من إحتضانها بقلب مخلوع على مدللته الصغيرة و ربت على شعرها بحنو قائلا :- ششش ، إهدى أنا جمبك . تركها قليلا تخرج شحنتها المكبوتة من البكاء حتى هدأت رويدا رويدا ، فأخرجها من حضنه و هو يمسد على ذراعها كى تهدأ و سألها :- هديتى و بقيتى زينة أومأت له بهدوء فأردف :- عايزة أعرف إيه اللى حصل بالظبط ؟ تناولت زجاجة الماء و إرتشفت منها قليلا ثم وضعتها بجوارها ثانية و بدأت تحكى ما حدث و هى تفرك يديها بتوتر :- أنا كنت زهقانة من قاعدة البيت و إستأذنت أمى إنى أجيلك المزرعة أهو أغير جو و نرجع سوا .. و أنا فى الطريق سمعت واحد بيعا**نى ، مردتش عليه و الله يا يحيي ، بس هو ماسكتش فضل ماشى ورايا و إنت عارف ان الوقت دة الناس بتبقى مريحة فى بيوتها و قليل اللى بيبقى برا البيت .. بس كان معاه هشام ابن الشيخ عبد الله و حاول كتير يمنعه بس هو مسمعش كلامه و ض*به . **تت قليلا و هى تلتقط أنفاسها فشعرت و هى تحكى أنها تعيش الموقف للمرة الثانية ، إستجمعت قواها تحت أعين يحيي الجامدة و أردفت :- أنا التفت على صوت الض*ب كان بيض*ب فى صاحبه خوفت لقيته مرة واحدة بيقرب منى فجريت بس هو شدنى من الطرحة و إتخلعت فى إيده و وقعت على الأرض . أبيضت عروق يحيي و هى تسرد ما حدث معها بالتفصيل محاولا الا يظهر شيئا مما يعتريه من الداخل حتى يترك لها المساحة الكافية للبوح عما حدث كاملا دون إغفال أى تفاصيل . :- قعد يضحك بطريقة غريبة و أنا مرعوبة حاول يقرب منى بس أنا أخدت حبة تراب من الأرض و رميتهم فى وشه و إستغليت إنه مش شايف حاجة و طلعت أجرى لحد ما إتخبطت فى يونس و محستش بحاجة بعد كدة . تن*دت بألم و هى تنظر ملامح يحيي المتجهمة بينما قطع **تهم هذا دخول يونس العاصف الذى إستمع لكل حرف قالته بقلب محترق و غضب أثار بداخله وحوش دوما ما يحاول إخمادها . لم ينظر لها و لكنه طالع يحيي بقوة و وضع مفاتيح السيارة الذى أعطاها له الاخر عند وصوله على المكتب و قال :- أنا ماشى يا يحيي ، المفاتيح عندك . إتجه ليخرج حتى أوقفه يحيي بنبرة صارمة :- رايح فين يا يونس ؟ إستنى إحنا هنروح سوا . لم يستدر له الأخر و تحدث بنبرة حاول إخفاء غضبها :- أنا مش مروح . نهص يحيي من مجلسه بجوار أخته و تحرك نحو يونس بخطوات واثقة و قال بكلمات ذات مغزى :- مش محتاج أفهمك إنى مش عايز حد يعرف باللى حصل ، دى سمعة بنت و مش أى بنت .. دى نوارة مهران ، و إنت عارف بلدنا مفيهاش أكتر من اللت و العجن ، و الحاجة اللى قد كدة هيكبروها و يعملوها حكاية ، يبقى نعقل و نتصرف بهدوء . كاد أن يهتف يونس غاضبا لكنه تمالك نفسه و ألقى نظرة عليها فوجدها تبكى ب**ت و هى تضع يدها على فمها لتخفى شهقاتها ، فأنخلع قلبه على حالها فهتف غاضبا :- مش هسيبه يا يحيي ، و رحمة أبويا ما هسيبه . ثم أسرع الى الخارج تاركا يحيي ينظر فى أثره بوجوم فهو يعلم يونس جيدا رغم هدوءه الا إنه فى غضبه يكاد يحرق مدينة بأكلمها . مسح على لحيته محاولا إستجماع هدوءه و إقترب من نوارة يساعدها على النهوض ، ثم أخذها تحت ذراعه متوجها بها الى السيارة و سلك طريقه الى بيتهم " بيت عائلة مهران " ********** دخلت ليلـة الى المكتبة التى تعمل بها مسرعة بعد أن تأخرت كعادتها بتحضير الفطور لأخوها قبل أن يذهب الى عمله ، وجدت صاحب المكتبة ذلك الرجل الذى تعدى عمره الخمسون عاماً يطالعها بتفحص كعادته و تتغاضى هى عن نظراته كعادتها أيضا ، ليس لديها أدنى إستعداد أن تتخلى عن عملها الذى هو بمثابة جرعة يومية للحياة ، تمنح نفسها الفرصة كى تتنفس بعيدا عن البيت و المشاحنات بداخله . وضعت حقيبتها على المنضدة الصغيرة و همت تنظف المكان على عجل و هى تقول :- أنا أسفة يا أستاذ راضى على التأخير . عدل من نضارته الطبية ليتفحصها جيدا بنظراته الجانبية المختلسة و هو يقول :- ما دة العادى بتاعك ، من يوم ما اشتغلتى هنا و إنتى بتيجى متأخر و أنا علشان راجل كلى نظر مردتش أخ** التأخير دة من مرتبك . أكملت عملها و هى تزيح التراب الى الخارج و ردت :- كلك ذوق يا أستاذ راضى ، و أوعد حضرتك إن شاء الله إنى اظبط مواعيدى . رمقها بمكر و قال :- لما نشوف . بعد وقت طويل رحل راضى لإنهاء بعض الأعمال بالخارج ف*نهدت براحة فكم يشكل هذا الرجل عبئا ثقيلا على قلبها ، تهللت أساريرها عندما وجدت صديقتها مريم تدلف حادثة ضجة كعادتها :- صباح العسل يا عسل ، شكل سيد قشطة مش هنا و هنقضيها سوا . ضحكت ليلـة عاليا و هى تطالع صديقتها و ردت :- يخربيت تشبيهاتك يا شيخة . جلست مريم براحة أمام صديقتها و هى تخرج بعض الطعام من حقيبتها :- بصى أنا جيبت سندوتشات علشان نفطر مع بعض . نظرت لها ليلـة بحاجب مرفوع :- فطار إيه يا بنتى الساعة داخلة على اتنين . رسمت الحزن على ملامحها و قالت :- ما انتى عارفة ماما و بابا بينزلوا الشغل بدرى و بصحى مش بلاقيهم ، و مش بعرف أكل لوحدى . لان قلب ليلـة و تناولت الطعام من يد مريم و هى تقول بمرح :- سيبك يا مريومة تعاليلى انتى بس و ناكل مع بعض على طول و بعدين ما تشدى حيلك كدة و توافقى على العريس اللى متقدملك دة و أهو تلاقى حد ياكل معاكى . رمقتها مريم بأعين متسعة و هى تقول :- يعنى علشان أكل مع حد ارمى نفسى مع واحد معرفش عنه حاجة .. يا شيخة شالله عنى ما طفحت . ضحكت ليلـة و إبتلعت ما بفمها من طعام و أردفت :- يا بنتى ما تشوفيه هتخسرى ايه ؟ مش يمكن ترتاحيله و يطلع كويس فعلا ! قضمت من الطعام الذى بيدها بغل و ردت :- لا يا ختى هخسر كتير ، هخسر طاقتى اللى هطلعها عليه و أنا بطفشه إن شاء الله . تركت ليلـة ما بيدها على الطاولة أمامها و نظرت لصديقتها و سألتها :- شكلك لسة عندك أمل فى مراد ، مش كدة ؟ إبتلعت مريم ريقها و نظرت أمامها بألم :- و هو فين مراد ؟ ما هو سافر حتى من غير ما يعرف إنى بحبه ، من غير حتى ما يسلم عليا و يقولى إنه هيسافر ، و لا كأنى فارقة معاه . ربتت ليلـة على يدها برفق و قالت :- مراد بيتعامل معاكى زى أخته و إنتى عارفة كدة بس تاعبة قلبك على الفاضى ، إدى لنفسك فرصة يا مريم متقفليش على نفسك و تعيشيها فى وهم . أومأت لها مريم و أكملوا تناول طعامهم و هم يتناوبون الأحاديث فيما بينهم ..
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD