الفصل الثالث

1824 Words
فى منزل كبير يحاوطه الكثير من الأشجار متوسطة الطول شديدة الكثافة ، **م على طراز قديم رغم أنه لا يخلو من مظاهر البهجة و السرور ، غلفته المحبة و المشاعر الصادقة فكان دافئا حميميا بأهله . هبط يحيي من سيارته و بيده أخته تحتمى به فهو مص*ر قوتها دائما . أوقفها عن باب البيت و نظر لها بقوة قائلا :- إجمدى يا نوارة ، معايزش أشوفك م**ورة كدة .. و هو ايه اللى حصل يعنى ؟ لمسك هو و لا أذاكى حتى ؟ حركت رأسها نافية فأردف :- يبقى نحمد ربنا إنها جت على أد كدة ، و مش معنى كدة إنى هسيب حقك ، و غلاوتك عندى لأعرفه مقامه كويس . أومأت له نوارة و تسلحت بالقوة و هتفت :- أنا عايزة أكله بأسنانى ، هو إستغل إنى وحدى ، و أنا هستغل عزوتى و سندى و أفش غلى فيه . ضحك يحيي على مدللته و شا**ها :- و إنتى فكرك يونس هيسيبه لحد ماتخدى تارك منيه ؟! ربك يسترها . أبتسمت نوارة و دلفت معه الى داخل المنزل و عندما لم تجد أحد بالداخل و الجميع مشغولون بالمطبخ فهرولت الى أعلى لتغير ثيابها الممزقة و ترمى بما حدث عرض الحائط ، فحقها سيأتى لا محالة .. "و كيف تضيع الحقوق و خلفها أ**د لا تقبل الخضوع " عاد يحيي أدراجه الى الخارج و أخرج هاتفه ليتحدث الى يونس و لكن دون رد . ********** يسير ضاربا الأرض بقدميه كمن يتشاجر معها ، لكنه يحاول إخماد نيران تأججت بداخله ، معركته الصامته مع قلبه ، حيرته بين نار الغضب و الغيرة و نور القرب منها .. فكم كان قربها جميلاً . لكن سرعان ما تذكر هيئتها المبعثرة ، خوف بات ضيفا ثقيلا بعينيها ، إرتجافة يديها حين تشبثت به ، فأرتفع صراخ قلبه طالبا للإنتقام .. إتجه الى منزل الشيخ عبد الرحمن و طرق علي الباب ثم إبتعد ليقف جانبا كنوع من الأدب ، ففتح الشيخ العجوز الباب و قا**ه بإبتسامة ودودة رغم تعجبه من زيارته .. حاول يونس ان يستجمع هدوءه و بادله إبتسامته و قال :- هشام موجود يا شيخنا ؟ أجاب الشيخ بحزن على ولده :- موجود يا ولدى بس متخرشم ، ولد الحرام ض*به و مخلاش فى وشه حتة سليمة . إرتبك يونس قليلا فلو قص لهم هشام ما حدث فبالتأكيد ستعلم القرية بأكملها و هذا ما لن يسمح به أبدا . لم يجاريه بالحديث فسأله :- طيب معلش أنا عايزه فى كلمتين . كاد الشيخ أن يرفض لسوء حال إبنه لكنه وجد هشام يطل من خلفه الذى هبط بعد أن أخبرته أمه بوجود يونس بالخارج .. :- أدخل إنت يا بوى أنا هشوف البشمندس عايز ايه ؟ دلف الشيخ عبد الرحمن الى المنزل و أغلق هشام الباب و إقترب من يونس الذى يتفحص ملامحه المتورمة و الكدمات المنثورة على جوانبه :- من غير لف و دوران كتير ، إسمه بالكامل و عنوانه ؟ نظر الى يونس الذى ملامحه لا تنذر بالخير أبدا و قال :- مش من هنا و الله يا يونس ، دة حازم السيوفى من القاهرة و ميعرفهاش و .. قاطعه يونس بحدة :- حتى لو ميعرفهاش أنا هخليه عبرة و يفكر الف مرة قبل ما يبص حتى على بنات الناس ، ودينى لأسففه تراب مصر كلها . حاول الآخر تهدأته قائلا :- يا يونس صدجنى دة ولد ناس تجيلة جوى و محدش هيسيبك تلمس منيه شعره . إبتسم يونس بسخرية و هو يستدير ليغادر :- يبقى إنت لسة متعرفش مين هو يونس مهران .. :- عارف ، عارف كويس إنت مين .. إنتو ناس عتخاف ربنا و تتجيه و حافظة لكتابه ، لكن هما بيدوسوا على الخلج و بدم بارد كمان . كاد يونس أن يتحرك غير عابئا بكلامه و لكنه تذكر شئ فسأله :- حد يعرف اللى حصل ؟ نفى هشام برأسه و رد :- لا ، عارفين إن أنا و صاحبى إتعاركنا بسبب مشادات فى الكلام بس إكدة . أومأ له يونس بشئ من الإمتنان ثم مضى من أمامه . أخرج هاتفه ليتصل بصديقه و ابن عمه لجلب له المزيد من التفاصيل عن ذلك الو*د ، فوجد العديد من المكالمات الفائتة من يحيي ، كاد أن يتغافل عنها حتى فوجئ بالهاتف ينير بيده بإسمه مجددا ، فما كان منه سوى أن يرد .. فجاءه صوته غاضبا :- كل دة علشان ترد عليا ؟ إنت فين يا بنى آدم إنت ؟ رد عليه يونس بهدوء :- جاى على البيت . :- مستنيك ، متتأخرش . أغلق الهاتف و أجبره القلب على التحرك فبات كأنه أمر واجب النفاذ .. وصل الى صومعه خشبية على هيئة كوخ صغير ، ملاذه الآمن للهدوء و الراحة .. فتح الباب ببطء و أخذ يطالع المكان بشئ من الحنين .. حنين للماضى .. و لها ! إقترب من الصندوق المغلق و أخرج ميدالية مفاتيحه ثم جثى أمامه و فتحه .. مد يده و أخذ صورة ثم إعتدل و إبتعد قليلا وإرتمى بجسده على الوسائد المفروشة أرضا .. لامس الصورة بأنامله بشوق و توهان :- كن الماضى بيعيد نفسه تانى ، نفس اللى حصلك زمان حصل معاها .. و اللى عملته معاكى ربنا قعدهولى فى أختى و سخر لها اللى يحميها و يوصلها فى الوقت المناسب .. تفتكرى حكايتنا بتتعاد تانى ؟ و لا الدنيا ليها حسابات تانية ؟! قطع تفكيره صوت هاتفه فأخرجه من جيبه و تطلع اليه ليجده ابن عمه المتهور ، فإستقام من جلسته و أعاد الصورة التى بيده مجددا الى الصندوق و أغلقه عليه كحال قلبه المغلف بأصفاد عشقها المغلقة .. خرج من كوخه الخاص و تحرك الى الحديقة ليجده بإنتظاره . وقف أمامه بشموخه المعهود و سأله :- عملت إيه ؟ دث يونس يديه بجيبى بنطاله و رد بقوة :- عرفت هو مين ، و فى ظرف ساعة هتكون عندى كل معلوماته .. تابع يحيي و نظراته لا تبشر بالخير :- طبعا جريت قولت لبدر علشان يجيبلك المعلومات .. بس يارب متكونش غبى و قولتله كمان على اللى حصل ؟ نفى يونس برأسه و هو يقول :- عيب دة أنا تربيتك . إبتسامة خائنة كادت أن تشق ثغره لكنه وأدها سريعا ، و ربت على كتف يونس و قال :- لما بدر يكلمك إبقى بلغنى . أومأ له يونس و سؤال بات مترددا بطرحه تحت نظرات يحيي الغامضة و لكنه سأله :- نوارة عاملة إيه دلوقتى ؟ تن*د يحيي بقوة و رد :- الحمد لله ، المهم محدش يعرف باللى حصل و لا حتى أمك يا يونس .. فاهم .. :- فاهم جذبه يحيي من يده و قال :- يلا ندخل زمانهم حضروا العشا .. كاد يونس ان يعترض ولكن أوقفته نظرة من الآخر ليردف بمزاح :- أقسم بالله بخاف منك أكتر ما كنت بخاف من أبويا الله يرحمه .. إبتسم يحيي حتى ظهرت غمازته التى زادته جاذبية و غمغم بهدوء :- حلو يا ولد عمى .. من خاف سلم .. :- اه طلما قلبت صعيدى يبقى إسترها علينا يارب .. و ظلوا هكذا حتى دخلوا الى البيت ليجدوا مائدة الطعام قد وضعت .. ************** يجلس بشغف يتابع عمله على حاسوبه الخاص فهو مولع بالبرمجيات و البرامج و اى شئ له علاقة بالحاسوب ، و مهارته تلك هيأته للتعيين بكبرى الشركات المتخصصة فى ذلك المجال .. أخذ ينفث سيجارته بقوة و هو يتطلع الى الحاسوب أمامه حتى جاءه إتصال فرد دون أن ينظر بالهاتف حتى تحدث الآخر :- جبتلك كل المعلومات اللى طلبتها يا هندسة ، بس يارب يطمر .. دث بدر السيجارة بين شفتيه و أخذ نفسا عميقا و أخرجه ببطء و قال :- إخلص .. هات اللى عندك . ليجيبه الآخر :- حازم السيوفى .. ابن أحمد السيوفى صاحب شركات الحديد و الصلب ، عيل فالت و مغرق أبوه فى مشاكله بس كالعادة بيطلع منها زى الشعرة من العجين ، مبلط فى كلية تجارة بقاله سنتين فى سنة رابعة ، نسوانجى درجة أولى ليه أخين و أخت .. طارق السيوفى و دة فلاتى أنيل منه بس شاطر فى شغله ، مراد بقى يا سيدى فالته العيلة دكتور محترم و غيرهم خالص .. و إيلين السيوفى البيتيفوراية بتاعت العيلة .. إستمع له بدر بتركيز و دث السيجارة بالمطفأة أمامه و قال :- إنت قولتلى أخوه الكبير إسمه إيه ؟ :- طارق السيوفى .. تحدث بدر بشرود و الماضى يجوب بعقله :- معقول يكون هو ! ليقطع صديقه شكه قائلا :- ايوة هو .. و لو مش متأكد أنا ممكن أسألك حسام أخويا هو اللى كان جايبلنا المعلومات بتاعته .. و نصيحتى بردو مش هتتغير عن خمس سنين فاتوا بلاش عيلة السيوفى علشان مبيرحموش ، لا و كمان حازم دة نن عين أمه يعنى مش هتسمح لحد يأذيه .. رد بدر بجدية :- صدقنى أنا معرفش أبعاد الموضوع و لا أعرف حتى هو هبب إيه ، بس من طريقة يونس شكله عمل حاجة كبيرة و يونس مش ناوى على خير أبدا .. أسند ظهره الى الخلف و هو يقول :- واضح إنه ديله نجس شبه أخوه .. بس ياترى أذيتهم طالت مين المرة دى ؟ شعر خالد بتوهان صديقه فقطعه قائلا :- صدقنى يا بدر الناس دى محدش بيعرف ياخد معاها حق و لا باطل ، إتكلم مع ابن عمك تانى و لو الموضوع ما يستاهلش يبقى إبعدوا عنهم و إنتوا ال**بانين و الله .. لم يرد بدر فأردف خالد :- و بعدين يا عم إنت مش قولتلى هتجيلى ؟ :- هجيلك قريب ، هتلاقينى ناطط عندك فى القسم .. :- ماشى لما أشوف .. هستناك إنتهت المكالمة و أخذ بدر يفكر ثانية بالأمر .. هل الأمر يخص أحد من عائلته ، و هل يعلم يحيي بما ينويه يونس .. أمسك هاتفه مجددا و أجرى إتصال على يحيي أخيه الأكبر ليرد الآخر :- اللى يحدفك عليا بالليل كدة يبقى جايبلى مصيبة .. ضحك بدر على يحيي و رد :- وربنا إنت ظالمنى .. وحشتنى يا شق بلاش أسأل عليك ؟ أغلق يحيي الشرفة و عاد الى غرفته يرتمى بجسده على الفراش و قال :- هعمل نفسى مصدقك ، رغم إنك كنت لسة مكلمنى الصبح .. رد بدر بمشا**ة :- بحبك يا جدع الله .. مش أخويا البكرى ! تحدث يحيي بسخرية :- البكرى ! ما تجيب من الآخر ياض إنت عايز أنام .. إستجمع بدر قوته و ألقى بسؤاله على أخيه :- عايز أعرف حازم السيوفى عمل إيه ؟ إنتفض يحيي من نومته كمن لدغه عقرب الذكريات ، مجرد سماعه للإسم أشعل نار الإنتقام مجددا بداخله ، و هو الهادئ بطبعه محب للحياة و للجميع ، لكن تحوله هذا لا ينذر بالخير ابدا :- إنت بتقول مين ؟ هو اللى يونس سألك عليه إسمه حازم السيوفى ؟ تردد بدر قليلا فهو لا يعلم أن يحيي ليس لديه علم بإسمه .. قطع شروده صوت يحيي الغاضب :- رد عليا يا بدر ؟ و ليه علاقة بالزفت التانى و لا لأ :- بصراحة يا يحيي حازم يبقى أخو طارق الصغير قالها بدر بتلعثم ليستقيم يحيي من جلسته و يجوب غرفته بغضب .. حاول أن يهدأ قليلا حتى لا يشعر أحد ثم قال بفحيح مخيف تعجب له بدر :- عيلة السيوفى قررت تحفر قبرها بإيديها .. حاول بدر تهدئة أخيه فهو لم يراه بتلك الحالة من قبل :- إهدى يا يحيي الحكاية أكيد متستاهلش .. الموضوع القديم قفلناه من زمان و إنتهى .. فهمنى بقى الزفت التانى دة عمل إيه ؟ تن*د يحيي بقوة و هو ينظر من خلف زجاج شرفته بشرود :- الموضوع القديم عمرى ما نسيته و لا هنساه يا بدر .. ساعتها سكت علشان الأذية متطولش حد فيكو .. بس واضح إن سكوتى زمان كانت هتدفع تمنه أختك و مبقاش ينفع أسكت أكتر من كدة !
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD