أشرقت شمس يوم جديد لتعلن عن لقاء كتبه الله لقلوب أُرهقت بفعل الحياة ، فكان لها أن تلوذ بالراحة و السعادة حتى لو كانت مغلفة بالأشواك .
كان يوم عطلتها لكنها كعادتها تستيقظ باكراً تقيم فروضها و تنهى وردها اليومى فما كان يصبرها على حياتها سوى تقربها للرحمن ..
أنهت أعمال المنزل و الجميع نيام بغرفهم ينعمون بالدفء و الراحة ، أما هى فلم تعلم طعم الراحة يوما ، و لكنها ترضى
" و كيف للشيطان أن يجد مدخلا لشخص يرضى بقضاء الله بقلب مبتسم "
دخلت غرفتها مجددا لتستعد للنزول الى السوق لجلب طلبات المنزل كما طلبت منها زوجة أخيها بالأمس .. إرتدت بنطال واسع و عليه "سويت شيرت " واسع أيضا و لفت حجابها و أخذت المال التى تركته لها سحر و خرجت من المنزل .
بعد ساعتين من الزمن كانت ليلـة تتأفف من ثقل الأحمال و الأشياء التى تحملها ، و لم يتبقى معها أى أموال حتى تستقل مواصلة ، فتلك المدعوة سحر لم تعطى لها ما يزيد عن اسعار السلع التى طلبتها ..
و بينما هى تتابع طريقها و هى تزيح بعض الأكياس لتريح يدها التى تؤلمها من كثرة و ثقل ما تحمل حتى إصطدمت به فإنفرط كل شئ كحال قلبها الذى مزقه آلام اليتم ...
*******
يسير بالطرقات و عقله حائر فيما أخبره به أخيه ليلة أمس ، اشعل سيجارته حتى ينفث فيها غضبه ، و هو يفكر
كيف كانت ستدفع أخته الثمن ؟
و هل ما فعله ذلك الو*د يتعلق بها ؟
هل أصابها مكروه ؟
صداع ض*ب برأسه حتى قرر ان يضع حد لتوقعاته ، أخرج هاتفه و أجرى إتصال على يونس لأنه يعلم جيدا أن يحيي لن يبوح بشئ ..
:- حازم السيوفى عمل ايه فى نوارة يا يونس ؟
تفاجأ الآخر بما قال ، كيف علم بما حدث و أن ما حدث يخص أخته ؟
حاول يونس مراوغته
:- و اللى زى دة ممكن يعمل لنوارة ايه ؟
مارس بدر بروده حتى يصل الى مبتغاه
:- متردش على سؤالى بسؤال يا يونس .. جيب من الآخر و قولى الحيوان دة عمل ايه فى أختى ؟
إشتعل غضب يونس مجددا و هو يتذكر ما حدث و لكنه لن يخبره بشئ كما وعد يحيي
:- و لا يقدر يمس منها شعرة .. دة أنا أمحيه من على وش الأرض ..
إبتسم بدر بمكر فهو يعلم بعشق يونس لأخته لكنه دوما ما يرفض يونس الإعتراف
:- وهو إنت بردو مش طلبت المعلومات عنه علشان تمحيه من على وش الأرض ؟ !
رد الآخر بإقتضاب رغم الغضب الكامن بص*ره
:- لا دة فى شغل بينا و عايز أعرف أنا بتعامل مع مين ؟ و لا مش من حقى ؟
ضحك بدر عاليا و هو يأخذ نفس من تلك السيجارة بين شفتيه
:- مش سهل إنت بردو يا يونس ، تربية يحيي بصحيح ..
تن*د بدر بقوة و أردف
:- ماشى هعديها بمزاجى ، و أنا هتصل أطمن على نوارة بنفس..
قطع حديثه عندما شعر بمن تصطدم به .. فتوقف لوهلة كى يعتذر لها فهو كان منهمك بالحديث بالهاتف و لم يراها و لكن أتاه صوتها الغاضب
:- مش تفتح يا بنى آدم إنت !
نظر لها بتعجب فهى قصيرة القامة .. حجمها صغير و لكنها جميلة ..
رد عليها ببرود
:- مش أنا لوحدى اللى لازم أفتح على فكرة ..
و أكمل طريقه حتى زفرت بغضب و هى تنظر للأشياء التى إنفرطت على الطريق بتأفف و غمغمت
:- شخص قليل الزوق ، هو أنا كنت ناقصة ياربى ، أعمل إيه دلوقتى ؟
وقف على بعد ليس بكثير عنها و هو يتابعها بعينيه .. لا يعلم لما توقف و ود مساعدتها ، ربما لأنها فتاة و هو من تسبب لها بهذا و شهامته تمنعه أن يتركها هكذا
أغلق الهاتف مع يونس و عاد إليها عندما وجدها تنحنى لتجلب ما سقط منها و تضعه بالأكياس مرة أخرى فأخذ منها الكيس و اخذ يلملم بدلا منها .. تعجبت مما فعله و لكنها إبتسمت من داخلها فقليل الآن من يهتم بأمر النساء .. أخذت تتأمله قليلا ملامحه الحادة ، بشرته الخمرية ، شعره الأ**د الكثيف اللامع .. هيئته المنظمة ، جذاب بطريقة مهلكة .. أدارت وجهها سريعا عندما وجدته إنتهى فإستقام و هو يمد لها الأكياس و يقول
:- أنا كنت هعتذر على فكرة بس إنتى اللى طولتى ل**نك ..
رفعت حاجبيها بصدمة و هتفت
:- أنا ل**نى طويل !
أومأ لها و هو يبرر موقفه
:- أيوة لإن إحنا الإتنين غلطانين .. بس إنتى بقى عايزة تدبسينى و خلاص ..
:- أدبسك ! إنت بتقول إيه يا بنى ؟
لم يرد عليها و لكنه نظر للأكياس بيديها و قال
:- إنتى شايلة كل دة إزاى ؟
رفعت عينيها اليه بغضب
:- خمسة الله أكبر .. إنت بتقر عليا ، ما علشان كدة كل حاجة وقعت فى الأرض ..
ضحك بدر عاليا و هو يتحرك من أمامها و لكنه إستدار ثانية و أخبرها بصوت منخفض
:- لما حاجة تقع منك بعد كدة متوطيش فى الشارع علشان تجيبيها ..
ثم ذهب من أمامها و تركها تتأمل مكانه ب**ت ...
عادت الى منزلها أخيرا لترمى بكل ما جاءت به على المنضدة الموجودة بجانب الباب .. حتى قابلتها زوجة أخيها و هتفت بها
:- كل دة تأخير .. هنعمل الغدا إمتى على كدة ؟
كانت قد فقدت طاقتها على التحمل فصاحت بغضب
:- بصى بقى أنا مش هنزل السوق تانى .. إنتى طالبة حاجات كتير اوى و أنا ضهرى إتقطم و أنا شيلاها ، لا و كمان عطيانى الفلوس على الأد .. معييش حتى أركب مواصلات .. بعد كدة ابقى إنزلى إنتى السوق ..
تعجبت سحر منها فهى دوما لا تعترض على شئ و لكن صياحها هذا أثار غضب الأخرى
:- لا يا حبيبتى أنا مش الخدامة بتاعتك علشان أنزل السوق .. و بعدين إنتى إزاى تعلى صوتك عليا ..
هتفت ليلـة و هى تخلع حجابها
:- انا كمان مش خدامة هنا .. انا بعمل كل حاجة فى البيت .. بروح شغلى و ارجع أروق و أنضف و أطبخ و عمرى ما أتكلمت .. بس واضح إنى فعلا كنت غلطانة علشان لما كنت بعمل بنفس راضية فكرتينى ضعيفة و مغلوبة على أمرى .. لكن لأ يا طنط بعد كدة اللى مش هقدر عليه مش هعمله و مش هاجى على نفسى علشان حد ..
نظرت لها سحر بإستنكار و أردفت
:- بقى دى أخرتها .. دة أنا ربيتك وسط عيالى لما أمك سابتك و مشيت و راحت إتجوزت واحد تانى .. و مقعداكى فى بيتى و ...
قاطعتها ليلـة غاضبة
:- لا معلش إنتى مش مقعدانى فى بيتك .. دة بيت أبويا و ليا فيه أكتر منك كمان .. و لو على تربيتى وسط عيالك فمحدش صرف عليا مليم من جيبه .. فلوس أبويا و ورثى منه كلها تحت إيد*كوا دة غير المصنع و الأراضى يعنى لو إتحاسبنا على أكلى و شربى و مصاريفى فى البيت دة هيبقى ليا كتير اوى ..
القت ما بص*رها ثم دخلت الى غرفتها و أغلقتها بقوة خلفها .. و تركت سحر متفاجأة مما حدث و من طريقتها معها و لكنها أقسمت أنها لن تمررها لها على خير
**********
قررت أنها لن تقوم بأى عمل اليوم يكفى ما قامت به عوضا عن شقاءها لجلب متطلبات البيت .. فم**ت بغرفتها طيلة اليوم و لم يؤنسها سوى كتاب الله و كلماته ، فاجأها ذلك الصوت الصغير التى تعشقه عن ظهر قلب .. فأغلقت المصحف و صدقت على كلام المولى و أشارت له أن يقترب و على وجهها إبتسامة حانية ..
لكنه صدمها عندما قال بطريقته الطفولية
:- أنا زعلان منك يا ليلـة ..
تابعته الأخرى بتعجب و سألته
:- زعلان منى ليه يا چو ؟
و لكنها سرعان ما تذكرت أنها لم تجلب له الحلوى الذى يفضلها فأردفت
:- إنت زعلان علشان مجبتلكش الحاجات الحلوة اللى بتحبها مش كدة ؟
نفى الصغير برأسه و رد و هو يقف بجانبها
:- لا أنا زعلان منك علشان إنتى كنتى بتزعقى لماما و قولتلها حاجات تضايقها ..
إبتسامة حزينة رسمت على ثغرها و قالت بشرود
:- معلش يا يوسف .. ما أنا مش هفضل أجى على نفسى علشانكم ، و بصراحة أنا جبت أخرى
تفاجأت ليلـة بغضب الصغير الذى صاح
:- ماشى يا ليلـة أنا بقى مخا**ك لحد ما تصالحى ماما و مش حاخد اى حاجة هتجبيهاللى ..
و خرج من غرفتها .. تعجبت لأمر الصغير ، هل لهذا الحد تغافلت عن حقها حتى إنها عندما طالبت به صار ذنبها عظيم .. لم تفعل شئ سوى أنها وضعت حد لإهانتها و إستنزافها بتلك الطريقة ..
لم تفق من شرودها فيما القاه يوسف حتى وجدت حنين تدخل اليها بتردد .. فعلمت أن سحر وراء ما يفعلاه ..
:- ليه عملتى كدة يا ليلـة
رفعت أنظارها اليها بنفاذ صبر و قالت
:- عملت ايه يا حنين ؟
كادت ان تجيبها و لكنها قاطعتها بقوة و هى تنهض من فراشها و تقف أمامها
:- زعلانين علشان قولت لأ .. كفاية !
كفاية مرمطة فيا و إستنزاف فى طاقتى ، كفاية حياتى اللى إتبهدلت على إيدين الست والدتك ؟! كان المفروض أفضل ساكتة مش كدة ؟
تلعثمت حنين قليلا
:- أ أنا عارفة إن إنتى شايلة كل حاجة .. بس محدش غصبك على دة ، و بردو دة ميدلكيش الحق إنك تزعقيلها بالشكل دة !
إبتسمت ليلـة بسخرية و أردفت
:- و بما إنى معترضتش فكان لازم تقدر دة ، بس إزاى ! لا طبعا حطوا عليا كمان و أنا هشيل و مش هشتكى ما أنا الحيطة المايلة بتاعتكوا ...
رغم أنها تعلم أن ما قالته هو الصدق و أنها تتحمل ما يفوق طاقتها و لكنها عاندت فهى بالنهاية تعدت على أمها
:- متخلنيش أكرهك يا ليلـة .. لأنى مش هسمحلك تهينى أمى بالشكل دة و أسكت ..
و خرجت من الغرفة هى الأخرى و أغلقت الباب بغضب خلفها ..
تلقت ليلـة الصدمة و لم يستوعبها عقلها بل أبى أن يفكر و يحلل ما حدث فإتجهت الى فراشها فى **ت و خلدت الى النوم ...
****************
كان يمشى مسرعاً ممسكاً بشمسيته يحتمى بها من الأمطار التى تهطل بغزارة .. من بين السكون المرعب المتحد مع ظلام الليل الدامس صرخة شقت هذا ال**ت .. ليلتفت حوله محاولا الوصول الى مص*ر الصوت ، فلمح سيارة سوداء على مقربة منه .. فإتجه اليها بحذر فوجد شابا يتضح عليه الثراء يختطف فتاة و يضع منديل على فمها ثم سحبها داخل السيارة .. لم يستطع أن يبقى دون أن ينقذها ، فإقترب منه و هجم عليه يض*به بقوة حتى سقط أرضا .
أسرع الى السيارة فوجدها فاقدة لوعيها ، جذبها برفق و حملها بين ذراعيه و هو يهرول بها بين الطرقات لا يعلم الى أين يذهب بها .. و لكن إنتهى به الأمر الى شقته .. وضعها على الفراش برفق و خرج مرة أخرى و طرق على الباب المقابل له ، فتحت له إمرأة فى الستون من عمرها ، فإبتسمت بعدما علمت هويته
:- إزيك يا يحيي يا بنى إيه اللى مبهدلك مياة كدة ؟
رفع يده يمسد بها على شعره الأ**د الداكن لينفض الماء من عليه و هو يسرد لها سريعا ما حدث و قال أخيرا
:- مكنش ينفع أسيبها و بردو مينفعش أكون معاها لوحدى ، فلو سمحتى تيجى تشوفيها ..
أومأت له بموافقة حتى إستمع الى صوت صراخها فهرول اليها و تبعته هى ...
أفاق من شروده و هو يطالع صورتها التى لا تفارقه .. تطلع أمامه بغضب و هو يقول
:- جه الوقت اللى لازم تدفعوا فيه الثمن يا ولاد السيوفى ..