الفصل الرابع

1804 Words
أشرقت شمس يوم جديد لتعلن عن لقاء كتبه الله لقلوب أُرهقت بفعل الحياة ، فكان لها أن تلوذ بالراحة و السعادة حتى لو كانت مغلفة بالأشواك . كان يوم عطلتها لكنها كعادتها تستيقظ باكراً تقيم فروضها و تنهى وردها اليومى فما كان يصبرها على حياتها سوى تقربها للرحمن .. أنهت أعمال المنزل و الجميع نيام بغرفهم ينعمون بالدفء و الراحة ، أما هى فلم تعلم طعم الراحة يوما ، و لكنها ترضى " و كيف للشيطان أن يجد مدخلا لشخص يرضى بقضاء الله بقلب مبتسم " دخلت غرفتها مجددا لتستعد للنزول الى السوق لجلب طلبات المنزل كما طلبت منها زوجة أخيها بالأمس .. إرتدت بنطال واسع و عليه "سويت شيرت " واسع أيضا و لفت حجابها و أخذت المال التى تركته لها سحر و خرجت من المنزل . بعد ساعتين من الزمن كانت ليلـة تتأفف من ثقل الأحمال و الأشياء التى تحملها ، و لم يتبقى معها أى أموال حتى تستقل مواصلة ، فتلك المدعوة سحر لم تعطى لها ما يزيد عن اسعار السلع التى طلبتها .. و بينما هى تتابع طريقها و هى تزيح بعض الأكياس لتريح يدها التى تؤلمها من كثرة و ثقل ما تحمل حتى إصطدمت به فإنفرط كل شئ كحال قلبها الذى مزقه آلام اليتم ... ******* يسير بالطرقات و عقله حائر فيما أخبره به أخيه ليلة أمس ، اشعل سيجارته حتى ينفث فيها غضبه ، و هو يفكر كيف كانت ستدفع أخته الثمن ؟ و هل ما فعله ذلك الو*د يتعلق بها ؟ هل أصابها مكروه ؟ صداع ض*ب برأسه حتى قرر ان يضع حد لتوقعاته ، أخرج هاتفه و أجرى إتصال على يونس لأنه يعلم جيدا أن يحيي لن يبوح بشئ .. :- حازم السيوفى عمل ايه فى نوارة يا يونس ؟ تفاجأ الآخر بما قال ، كيف علم بما حدث و أن ما حدث يخص أخته ؟ حاول يونس مراوغته :- و اللى زى دة ممكن يعمل لنوارة ايه ؟ مارس بدر بروده حتى يصل الى مبتغاه :- متردش على سؤالى بسؤال يا يونس .. جيب من الآخر و قولى الحيوان دة عمل ايه فى أختى ؟ إشتعل غضب يونس مجددا و هو يتذكر ما حدث و لكنه لن يخبره بشئ كما وعد يحيي :- و لا يقدر يمس منها شعرة .. دة أنا أمحيه من على وش الأرض .. إبتسم بدر بمكر فهو يعلم بعشق يونس لأخته لكنه دوما ما يرفض يونس الإعتراف :- وهو إنت بردو مش طلبت المعلومات عنه علشان تمحيه من على وش الأرض ؟ ! رد الآخر بإقتضاب رغم الغضب الكامن بص*ره :- لا دة فى شغل بينا و عايز أعرف أنا بتعامل مع مين ؟ و لا مش من حقى ؟ ضحك بدر عاليا و هو يأخذ نفس من تلك السيجارة بين شفتيه :- مش سهل إنت بردو يا يونس ، تربية يحيي بصحيح .. تن*د بدر بقوة و أردف :- ماشى هعديها بمزاجى ، و أنا هتصل أطمن على نوارة بنفس.. قطع حديثه عندما شعر بمن تصطدم به .. فتوقف لوهلة كى يعتذر لها فهو كان منهمك بالحديث بالهاتف و لم يراها و لكن أتاه صوتها الغاضب :- مش تفتح يا بنى آدم إنت ! نظر لها بتعجب فهى قصيرة القامة .. حجمها صغير و لكنها جميلة .. رد عليها ببرود :- مش أنا لوحدى اللى لازم أفتح على فكرة .. و أكمل طريقه حتى زفرت بغضب و هى تنظر للأشياء التى إنفرطت على الطريق بتأفف و غمغمت :- شخص قليل الزوق ، هو أنا كنت ناقصة ياربى ، أعمل إيه دلوقتى ؟ وقف على بعد ليس بكثير عنها و هو يتابعها بعينيه .. لا يعلم لما توقف و ود مساعدتها ، ربما لأنها فتاة و هو من تسبب لها بهذا و شهامته تمنعه أن يتركها هكذا أغلق الهاتف مع يونس و عاد إليها عندما وجدها تنحنى لتجلب ما سقط منها و تضعه بالأكياس مرة أخرى فأخذ منها الكيس و اخذ يلملم بدلا منها .. تعجبت مما فعله و لكنها إبتسمت من داخلها فقليل الآن من يهتم بأمر النساء .. أخذت تتأمله قليلا ملامحه الحادة ، بشرته الخمرية ، شعره الأ**د الكثيف اللامع .. هيئته المنظمة ، جذاب بطريقة مهلكة .. أدارت وجهها سريعا عندما وجدته إنتهى فإستقام و هو يمد لها الأكياس و يقول :- أنا كنت هعتذر على فكرة بس إنتى اللى طولتى ل**نك .. رفعت حاجبيها بصدمة و هتفت :- أنا ل**نى طويل ! أومأ لها و هو يبرر موقفه :- أيوة لإن إحنا الإتنين غلطانين .. بس إنتى بقى عايزة تدبسينى و خلاص .. :- أدبسك ! إنت بتقول إيه يا بنى ؟ لم يرد عليها و لكنه نظر للأكياس بيديها و قال :- إنتى شايلة كل دة إزاى ؟ رفعت عينيها اليه بغضب :- خمسة الله أكبر .. إنت بتقر عليا ، ما علشان كدة كل حاجة وقعت فى الأرض .. ضحك بدر عاليا و هو يتحرك من أمامها و لكنه إستدار ثانية و أخبرها بصوت منخفض :- لما حاجة تقع منك بعد كدة متوطيش فى الشارع علشان تجيبيها .. ثم ذهب من أمامها و تركها تتأمل مكانه ب**ت ... عادت الى منزلها أخيرا لترمى بكل ما جاءت به على المنضدة الموجودة بجانب الباب .. حتى قابلتها زوجة أخيها و هتفت بها :- كل دة تأخير .. هنعمل الغدا إمتى على كدة ؟ كانت قد فقدت طاقتها على التحمل فصاحت بغضب :- بصى بقى أنا مش هنزل السوق تانى .. إنتى طالبة حاجات كتير اوى و أنا ضهرى إتقطم و أنا شيلاها ، لا و كمان عطيانى الفلوس على الأد .. معييش حتى أركب مواصلات .. بعد كدة ابقى إنزلى إنتى السوق .. تعجبت سحر منها فهى دوما لا تعترض على شئ و لكن صياحها هذا أثار غضب الأخرى :- لا يا حبيبتى أنا مش الخدامة بتاعتك علشان أنزل السوق .. و بعدين إنتى إزاى تعلى صوتك عليا .. هتفت ليلـة و هى تخلع حجابها :- انا كمان مش خدامة هنا .. انا بعمل كل حاجة فى البيت .. بروح شغلى و ارجع أروق و أنضف و أطبخ و عمرى ما أتكلمت .. بس واضح إنى فعلا كنت غلطانة علشان لما كنت بعمل بنفس راضية فكرتينى ضعيفة و مغلوبة على أمرى .. لكن لأ يا طنط بعد كدة اللى مش هقدر عليه مش هعمله و مش هاجى على نفسى علشان حد .. نظرت لها سحر بإستنكار و أردفت :- بقى دى أخرتها .. دة أنا ربيتك وسط عيالى لما أمك سابتك و مشيت و راحت إتجوزت واحد تانى .. و مقعداكى فى بيتى و ... قاطعتها ليلـة غاضبة :- لا معلش إنتى مش مقعدانى فى بيتك .. دة بيت أبويا و ليا فيه أكتر منك كمان .. و لو على تربيتى وسط عيالك فمحدش صرف عليا مليم من جيبه .. فلوس أبويا و ورثى منه كلها تحت إيد*كوا دة غير المصنع و الأراضى يعنى لو إتحاسبنا على أكلى و شربى و مصاريفى فى البيت دة هيبقى ليا كتير اوى .. القت ما بص*رها ثم دخلت الى غرفتها و أغلقتها بقوة خلفها .. و تركت سحر متفاجأة مما حدث و من طريقتها معها و لكنها أقسمت أنها لن تمررها لها على خير ********** قررت أنها لن تقوم بأى عمل اليوم يكفى ما قامت به عوضا عن شقاءها لجلب متطلبات البيت .. فم**ت بغرفتها طيلة اليوم و لم يؤنسها سوى كتاب الله و كلماته ، فاجأها ذلك الصوت الصغير التى تعشقه عن ظهر قلب .. فأغلقت المصحف و صدقت على كلام المولى و أشارت له أن يقترب و على وجهها إبتسامة حانية .. لكنه صدمها عندما قال بطريقته الطفولية :- أنا زعلان منك يا ليلـة .. تابعته الأخرى بتعجب و سألته :- زعلان منى ليه يا چو ؟ و لكنها سرعان ما تذكرت أنها لم تجلب له الحلوى الذى يفضلها فأردفت :- إنت زعلان علشان مجبتلكش الحاجات الحلوة اللى بتحبها مش كدة ؟ نفى الصغير برأسه و رد و هو يقف بجانبها :- لا أنا زعلان منك علشان إنتى كنتى بتزعقى لماما و قولتلها حاجات تضايقها .. إبتسامة حزينة رسمت على ثغرها و قالت بشرود :- معلش يا يوسف .. ما أنا مش هفضل أجى على نفسى علشانكم ، و بصراحة أنا جبت أخرى تفاجأت ليلـة بغضب الصغير الذى صاح :- ماشى يا ليلـة أنا بقى مخا**ك لحد ما تصالحى ماما و مش حاخد اى حاجة هتجبيهاللى .. و خرج من غرفتها .. تعجبت لأمر الصغير ، هل لهذا الحد تغافلت عن حقها حتى إنها عندما طالبت به صار ذنبها عظيم .. لم تفعل شئ سوى أنها وضعت حد لإهانتها و إستنزافها بتلك الطريقة .. لم تفق من شرودها فيما القاه يوسف حتى وجدت حنين تدخل اليها بتردد .. فعلمت أن سحر وراء ما يفعلاه .. :- ليه عملتى كدة يا ليلـة رفعت أنظارها اليها بنفاذ صبر و قالت :- عملت ايه يا حنين ؟ كادت ان تجيبها و لكنها قاطعتها بقوة و هى تنهض من فراشها و تقف أمامها :- زعلانين علشان قولت لأ .. كفاية ! كفاية مرمطة فيا و إستنزاف فى طاقتى ، كفاية حياتى اللى إتبهدلت على إيدين الست والدتك ؟! كان المفروض أفضل ساكتة مش كدة ؟ تلعثمت حنين قليلا :- أ أنا عارفة إن إنتى شايلة كل حاجة .. بس محدش غصبك على دة ، و بردو دة ميدلكيش الحق إنك تزعقيلها بالشكل دة ! إبتسمت ليلـة بسخرية و أردفت :- و بما إنى معترضتش فكان لازم تقدر دة ، بس إزاى ! لا طبعا حطوا عليا كمان و أنا هشيل و مش هشتكى ما أنا الحيطة المايلة بتاعتكوا ... رغم أنها تعلم أن ما قالته هو الصدق و أنها تتحمل ما يفوق طاقتها و لكنها عاندت فهى بالنهاية تعدت على أمها :- متخلنيش أكرهك يا ليلـة .. لأنى مش هسمحلك تهينى أمى بالشكل دة و أسكت .. و خرجت من الغرفة هى الأخرى و أغلقت الباب بغضب خلفها .. تلقت ليلـة الصدمة و لم يستوعبها عقلها بل أبى أن يفكر و يحلل ما حدث فإتجهت الى فراشها فى **ت و خلدت الى النوم ... **************** كان يمشى مسرعاً ممسكاً بشمسيته يحتمى بها من الأمطار التى تهطل بغزارة .. من بين السكون المرعب المتحد مع ظلام الليل الدامس صرخة شقت هذا ال**ت .. ليلتفت حوله محاولا الوصول الى مص*ر الصوت ، فلمح سيارة سوداء على مقربة منه .. فإتجه اليها بحذر فوجد شابا يتضح عليه الثراء يختطف فتاة و يضع منديل على فمها ثم سحبها داخل السيارة .. لم يستطع أن يبقى دون أن ينقذها ، فإقترب منه و هجم عليه يض*به بقوة حتى سقط أرضا . أسرع الى السيارة فوجدها فاقدة لوعيها ، جذبها برفق و حملها بين ذراعيه و هو يهرول بها بين الطرقات لا يعلم الى أين يذهب بها .. و لكن إنتهى به الأمر الى شقته .. وضعها على الفراش برفق و خرج مرة أخرى و طرق على الباب المقابل له ، فتحت له إمرأة فى الستون من عمرها ، فإبتسمت بعدما علمت هويته :- إزيك يا يحيي يا بنى إيه اللى مبهدلك مياة كدة ؟ رفع يده يمسد بها على شعره الأ**د الداكن لينفض الماء من عليه و هو يسرد لها سريعا ما حدث و قال أخيرا :- مكنش ينفع أسيبها و بردو مينفعش أكون معاها لوحدى ، فلو سمحتى تيجى تشوفيها .. أومأت له بموافقة حتى إستمع الى صوت صراخها فهرول اليها و تبعته هى ... أفاق من شروده و هو يطالع صورتها التى لا تفارقه .. تطلع أمامه بغضب و هو يقول :- جه الوقت اللى لازم تدفعوا فيه الثمن يا ولاد السيوفى ..
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD