الفصل الثالث (3) موافقة إجباري

1944 Words
: انت أكيد مجنون! كان هذا هو رد فعلها السريع على كلامه, فكيف لخياله المريض أن يتصور إمكانية موافقتها على أمر كهذا؟! فهي بذلك ستخون ليس فقط صديقتها وإنما أيضا خطيبها الذي يمني النفس باجتماعهما تحت سقف واحد خلال أيام, وكذلك هذا الطفل المسكين الذي سيسلبه الحق في أن ينسب لأمه الحقيقية.حقا فالجنون هو الصفة الأنسب لرجل يفكر بتلك الطريقة, ومع ذلك وجدته يرد عليها بنبرة ثابتة تحمل الكثير من الهدوء الذي تفتقد هي إليه بجانب تهديد واضح في كلماته: انا لو كنت مجنون فعلا زي مانتي بتقولي, كنت حاسبتك دلوقت ع الكلمة دي, لكن أنا مقدر الحالة اللي انتي فيها, بس ياريت تقعدي عشان نقدر نتفاهم بال*قل وبهدوء بدل ما جارتك تفتكر اننا بنتخانق. ثم وكأنه تذكر أمرا فجأة: آه صحيح, ايه موضوع السفر دة؟ لجأت ملك الى الهدوء مكرهة لتجيب عن سؤاله: لما وفاء خافت ان أهلها يكتشفوا موضوع حملها, جات هنا وطلبت انها تقعد عندي لحد ما تلاقي حل, وطبعا لاننا بنتين عايشين لوحدنا في حي شعبي اخترعنا القصة دي ان وفاء قريبتي ومتجوزة بس جوزها مسافر بلد عربي وهي اتخانقت مع أهل جوزها وطردوها من البيت, وعشان كدة جات قعدت معايا لحد ما يرجع من السفر. كان يهز رأسه متابعا إياها حتى أنهت كلامها الذي استغله لتدعيم موقفه وقال معلقا عليه: يعني انتي كدبتي ع الناس عشان تحمي سمعتك وسمعة صاحبتك, ليه بقا عاوزة تقفي قصادي وانا بحاول أحمي سمعتي وسمعة ابني؟ فقالت ملك متجنبة الخوض أكثر في هذا الأمر: ع العموم دة ابنك وانت حر فيه و تقدر تقدمه للناس بالشكل اللي يريحك, بس ياريت تبعدني أنا عن مخططاتك لأن عمري ما هشارك في حاجة زي دي. ثم أضافت بلهجة مستنكرة: أنا اصلا مش عارفة انت اخترتني على أي أساس وانت عارف كويس أوي ان فرحي بعد أيام؟ عمرو: انا اخترتك لانك أنسب واحدة تنفع تكون أم لابني ومش هلاقي أحن منك عليه, اما بقا بخصوص جوازك فانتي سبق وقولتيلي انه مش جواز عن حب يعني مش هتخسري كتير لو استبدلتي العريس بواحد غيره. قبل أن تراه كانت فقط تكرهه, أما الآن فقد أضافت إلى هذا الكره الاحتقار والاشمئزاز وظهر ذلك جليا في نظرتها إليه وهي ترد على كلامه وقد نهضت من مكانها مديرة ظهرها إليه وهي تشير ناحية الباب: لو حضرتك خلصت كلامك ياريت تتفضل تمشي. وبالفعل نهض عمرو من كرسيه وقد بدأ يعدل من سترته استعدادا للرحيل ولكن قبل أن يخطو خطوة للأمام قال في محاولة أخيرة لإقناعها: انا مش هعتبر دة ردك النهائي, وهد*كي فرصة تفكري تاني في كلامي, انا كل اللي عاوزه منك سنة واحدة من عمرك هتقضيها على انك مراتي أدام الناس وبعدها ننفصل بكل هدوء, والسنة دي هتاخدي تمنها 100 ألف جنيه تقدري بعدها تفتحي اي مشروع صغير يأمنلك مستقبلك وساعتها ممكن تتجوزي تاني وتعيشي حياتك وتنسي كل اللي حصل, سنة واحدة بس يا ملك مش طالب أكتر من كدة. بدا وكأنها لم تكن تستمع إليه حيث قالت مؤكدة على كلامها السابق: بتهيئلي حضرتك خلاص قولت اللي عندك. عمرو بكبرياء واضح لم يستطع أن يكبحه أكثر من ذلك: ع العموم, انا متأكد انك هتفكري تاني ومستني اتصال أو زيارة منك في أقرب وقت, سلام. وقبل أن يجتاز باب الحجرة أوقفه صوتها مذكرة إياه: نسيت ابنك يا أستاذ عمرو. فقال دون أن يلتفت إليها: بكرة هبعت حد ييجي ياخده. وغادر دون قول المزيد صافقا باب الشقة خلفه, في اللحظة التي كانت أحضرت وداد فيها الشاي بجانب بعض المقبلات, فسألت ملك متعجبة: هو الراجل راح فين وساب ابنه يا ملك؟ فأجابت ملك بسخرية مستعيرة بعض كلماته: هيبقا يبعت حد ياخده يا خالتي. *************************** بدأت ملك تشعر ببعض الراحة حين وفى عمرو بوعده وأرسل شخصا في اليوم التالي ليأخذ الصبي وبذلك أصبحت متفرغة للاستعداد للعرس, فكانت تخرج بحرية تشتري ما ينقصها وتقابل خطيبها يتفقان على الخطوات القادمة التي يجب عليهما القيام بها قبل موعد الزفاف وهي تشعر بالسعادة وال ***ة التي لا يعكرها شيء وقد ازدادت ارتياحا حينما توقف عمرو عن ازعاجها فلم يحاول بعد هذا اللقاء أن يقا**ها مجددا أو يتصل بها لأي سبب مما جعلها تظن أنه ربما وجد ضالته في أخرى, أو أنه قد تخلى عن تلك الفكرة نهائيا, ولكن ما بالها الآن تشغل نفسها بهذا الأمر وحفل زفافها سيكون بعد الغد؟ هذا هو بالفعل ما يستحق أن توليه كل اهتمام وتركيز. حاولت أن تتصل بأشرف خطيبها لتتأكد منه أن كل شيء على ما يرام, وأنه قد تمت كل التجهيزات الخاصة بشقتهما, كما أرادت إخباره بأنه قد تم الانتهاء من فستان العرس, ولكن لا جدوى من محاولاتها فهاتفه مغلق, لذا فكرت في الاتصال بأخته عزة فعلاقتها بها كانت جيدة, وأخيرا أجابت عزة, لتبادرها ملك بالسؤال: ازيك يا عزة..... أمال فين أشرف؟ انا عمالة اتصل بيه تليفونه بيدي مغلق. ثم أصابها الفزع وهي تستمع الى محدثتها على الجانب الآخر: ايه؟..... امتى حصل الكلام دة؟..... طب وليه ما حدش قالي من ساعتها؟..... خلاص انا جايالكم حالا. وما ان أنهت المكالمة حتى التقطت حقيبة يدها وأسرعت تغادر الشقة, وما هي إلا ربع الساعة حتى أنزلتها احدى السيارات الأجرة أمام ال*قار الذي يسكن فيه أشرف. استقلت المصعد الى شقته وفتحت لها أخته بوجه حزين عابس, فرحبت بملك بفتور لم تعتاده منها, جلست ملك برفقتها في حجرة الصالون و سألتها باهتمام ولهفة: قوليلي ايه اللي حصل بالظبط؟ فأجابت عزة التي كانت تحبس دموعها بصعوبة: انا نفسي معرفش, كل حاجة حصلت بسرعة, كنت امبارح بالليل قاعدة انا وماما بنتف*ج ع التليفزيون, وجه أشرف من برة وهو هيطير من السعادة لانه استلم الشقة متشطبة خلاص وكل حاجة تمام, وقبل ما يكمل كلامه فجأة سمعنا خبط جامد ع الباب, وثواني والعساكر بقوا بيفتشوا كل حتة في الشقة وفي الآخر خدوا أشرف وبيقولو انه متهم بقضية اختلاس من الشركة اللي شغال فيها. هنا وبدأت دموعها تتساقط بلا هوادة وملك لا تملك سوى ان تربت على كتفها بحنان تحاول مواساتها: طب اهدي بس يا عزة وخلينا نفكر هنعمل ايه؟ او هنتصرف ازاي؟ فقالت عزة من بين دموعها: مش مصدقة اللي حصل يا ملك؟ بقا أشرف يتهموه تهمة زي دي؟ دة عمره ما بص لحاجة مش بتاعته. كانت ملك تعلم ذلك جيدا وهي تشك في حقيقة هذا الأمر وتعلم أن هناك سرا, ثم سألت عزة: طب انتوا كلمتوا محامي؟ فهزت عزة رأسها بالايجاب وهي تقول: اه عمي راح لواحد بس قاله ان القضية صعبة وهتحتاج وقت لحد ما يقدروا يثبتوا براءته. فقالت ملك مطمئنة إياها و تحاول أن تبث الأمل بداخلها بينما كانت هي نفسها بحاجة إلى ذلك: ان شاء الله خير, وهيطلع منها في أقرب وقت. ثم تلفتت حولها وهي تتساءل: أمال ماما فين؟ عزة: في اوضتها, منهارة من ساعة اللي حصل, الله يكون في عونها وعوننا. ملك: طب ممكن أدخلها؟ عزة: آه طبعا, بس ثواني هشوفها صاحية ولا لا؟ وذهبت عزة لتخبر والدتها برغبة ملك في لقائها, وما كانت إلا لحظات حتى وصلها صوت السيدة تقول بنبرة حاقدة: وهي البومة دي جايالنا ليه تاني؟ مش كفاية اللي حصل؟ دة احنا من يوم ما عرفناها وما شوفناش يوم حلو, ما تحل عن سمانا بقا يمكن ربنا يكرم ابني ويطلع من المصيبة اللي هو فيها. ثم سمعت صوت عزة تطالب أمها بخفض صوتها: طب بالراحة يا ماما, مش كدة, دي قاعدة برة واكيد سامعاكي. فقالت السيدة بعناد وقد علا صوتها الباكي أكثر: ياريتها تسمع وتحس بالنار اللي جوايا, ياريت تعمل فينا معروف وتسيبنا في حالنا بقا, هي عاوزة مننا ايه تاني؟ ما خلاص ابني ضاع واللي كان كان, آااااه يابني يا حبيبي, ياللي ما لحقتش تتهنى يا نور عيني, آااااه. كانت الآهة الأخيرة لتلك السيدة لينقطع صوتها بعد ذلك وتسمع ملك صوت عزة تصيح: ماما, ماما, ردي عليا, مالك؟ الحقيني يا ملك. فأسرعت ملك إليها لتجد السيدة ممدة على الفراش وبجوارها ابنتها التي يعتصر قلبها الألم والخوف من فقدان أعز الحبايب, وما ان رأت ملك أمامها طالبتها بالاسراع في طلب الاسعاف, وبالفعل حضرت سيارة الاسعاف لتنقل المريضة الى المشفى ومعها ابنتها, وخلفهما ملك التي استقلت سيارة أجرة وهي تصر على ألا تتركهما حتى تطمئن على استقرار حالة السيدة رغم علمها أنها لم ترض أبدا عن زواج ابنها من ملك منذ أن علمت بمكوثها في شقة وحدها دون أهل, وكانت تعاملها بجفاء دائما بينما ملك تتحمل كل ذلك أملا في أنه سيأتي يوما وتستطيع فيه أن تحول بغض السيدة إلى حب, ولكن فشلت في ذلك حتى الآن. وصلوا إلى المشفى وأجرى لها الأطباء الاسعافات اللازمة حتى اطمئنوا على استقرار حالتها وقد تنفست كل من ملك وعزة الصعداء ما ان سمعا هذا الخبر, ولكن حذرهما الطبيب من أي صدمة أخرى قد تتعرض لها المريضة فربما تودي بحياتها تلك المرة. طلبت عزة من ملك أن تتركهما وتعود إلى سكنها فقد تأخر الوقت بينما ستظل هي مع والدتها كمرافقة لها, وبالفعل غادرت ملك المشفى على وعد بأنها ستأتي في الغد للاطمئنان على صحة الأم. قضت ليلتها يجافيها النوم وهي تفكر فيما حدث لخطيبها وعائلته, وقد بدأ صدى صوت تلك السيدة يتردد في أذنيها وهي تتهمها بأنها السبب في كل ذلك, هي بالطبع لم تقصد المعنى الحرفي لكلامها ولكنها ربما كانت محقة في الأمر, وهذا ما يجب أن تتأكد منه. وفي الصباح الباكر نهضت من فراشها وغادرت شقتها عازمة على لقاء ذلك الشيطان من جديد فهي تكاد تجزم أنها ستجد عنده ضالتها, وبالفعل دخلت مكتب سكرتيرته التي تخلت عن برودها تلك المرة لترحب بها وتأذن لها بالدخول على الفور وكأن لديها أوامر بذلك وهذا ما يؤكد شكوكها, فعمرو كان يتوقع وصولها, وقد أثبتت ابتسامة الانتصار التي بدت على ثغره حين رآها ذلك, كان يجلس باسترخاء على كرسيه الدوار محركا اياه يمينا ويسارا بحركات خفيفة وهو يقول لها مرحبا ببرود: اهلا آنسة ملك, اتفضلي اقعدي. وجلست ملك على الكرسي أمام مكتبه, ليقول لها وتلك الابتسامة المستفزة تأبى أن تغادر وجهه: زي مانا شايف, انتي ما خيبتيش توقعاتي. فسألته ملك وقد اجتاحها اليأس من سماع نبرته الواثقة: انت عاوز مني ايه بالظبط؟ عمرو مدعيا عدم الفهم: افتكر انا اللي المفروض اسألك السؤال دة بما انك انتي اللي جاية هنا لحد عندي. ثم ثبت كرسيه وأمال بجزعه للأمام ليقول بلهجة كالصقيع: انا قولتلك ع اللي انا عاوزه. فسددت اليه ملك نظرة اتهام وهي تهتف به: ودة يخليك ترمي راجل بريء في الحبس وتلفقله تهمة زور؟ فقال عمرو بنبرة غير مبالية وهو يشبك أصابع يده فوق مكتبه: بيقولوا الغاية تبرر الوسيلة. ملك مستفسرة: طب وآخرة دة كله ايه؟ تفتكر هتبقا مبسوط اوي وانت شايف أشرف بيترمي في السجن بتهمة هو ما عملهاش ووالدته المريضة ممكن تروح فيها؟ عمرو ببرود: بايدك تجنبيهم كل دة. فتساءلت ملك بحيرة: انا نفسي أعرف اشمعنى انا بالذات وانت فيه مليون واحدة تتمنى انك تعرض عليها العرض وتوافق انها تبقا مراتك العمر كله مش بس سنة؟ لم يرد عمرو أن يريحها ويجيب عن تساؤلها, بل عوضا عن ذلك قرر اتباع الحكمة التي تقول (اطرق على الحديد وهو ساخن): افتكر ان براءة أشرف اولى باهتمامك من الامور دي. أصبحت بين خيارين كل منهما أصعب من الآخر فأيهما ستفضل؟, ولتعطي نفسها وقتا اضافيا للتفكير سألته مبعدة نفسها قليلا عن ذلك الضغط الذي يمارسه عليها: لو وافقت اشرف هيطلع النهاردة من الحبس؟ عمرو مؤكدا: بعد ما نكتب الكتاب على طول, ومش بس كدة, دة مع البراءة هيستلم عقد عمل في فرع الشركة ببيروت بوظيفة أفضل ومرتب أعلى. فهمت ملك خطته فابتسمت ساخرة وهي تعلق عليها: عاوز تبعده عن طريقك بأي شكل. عمرو مصححا: عن طريقنا, لان وجوده هنا ممكن يسببلنا بعض المشاكل اللي هنكون في غنى عنها. فانتقلت ملك الى موضوع آخر أرادت التأكد منه: انت قولتلي ان جوازنا مش هيستمر أكتر من سنة, انا ايه اللي يثبتلي كلامك؟ فاتسعت ابتسامة عمرو وهو يقول مازحا: اكيد مش هتطلبي مني اننا نكتب دة في عقد الجواز, بس اللي يضمنلك اني هنفذ وعدي... ثم **ت قليلا ليلفها بنظرات مقيمة: ان انتي اصلا مش استايلي. تحملت اهانته على مضض لتأتي الى النقطة الأخيرة التي أرادت حسمها لتقول مستعينة بتعليقه الأخير: دة يوصلنا للشرط اللي انا عاوزة اقولهولك قبل ما اقرر اذا كنت اوافق او أرفض. التزم عمرو بال**ت مترقبا ما تنتوي قوله وهو ما بدى الأمر الأصعب حيث سمعها تكمل: جوازنا خلال السنة دي يبقا صوري واعتقد ان ما عندكش اي مشكلة في الموضوع دة بما اني مش استايلك زي ما بتقول. فمط عمرو شفتيه وكأن الأمر لا يعنيه: مفيش مشكلة, هه! اسمع رأيك بقا؟ ما زالت تشعر ببعض التردد ولكن مستقبل شاب وحياة أمه متوقفان على كلمة منها وهي لا يمكنها ان تتحمل كونها سببا في تدمير تلك العائلة, لذا تن*دت بألم وهي تقول: موافقة.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD