الفصل الأربعون

4836 Words
ماضي لابد من ذكره  جلال عبد المقصود ولا أعلم لأي سبب أنزلت يده القابضة على عضدي ثم إنهلت عليه باللكمات, أسقطته أرضاً و جثوت من أعلاه و اللكمات تنهال عليه يمنة و يسرة, ليس في وسعي إستخدام إلا يمناي إنما مع فهد يتفاقم الغضب إلى أن يتحول لمفاعل روسي غير مؤمن حتى لتجربة عشوائية . تهشم فكه ورأيته يخرج من موضعه إنما ذلك لم يمنعني فالألم بداخلي كان كبير,  و الذنب يعتصرني من كل ناحية, أبنائي الثلاث لا أعلم عنهم خبر, و كذلك زوجتاي, عائلتي ناقمة علي لسفري المتكرر من أجل البحث عن دواء لفتاة تحتضر بأي حال, إستعباد مارسه علي مرئوسي الأجنبي لما جعلني أحلق بأكثر المناطق عرضه للإشعاع الذري للكشف عن أرآضي لم يطالها إشعاعات قوية ليعيدوا تسكين من هجر غير عابئين بموت من قرر العودة لتلك الأرض السامة لأن الدولة إضطرت بالسابق  إلى دفع الكثير من الأموال والتعويضات والتي بلغت قيمتها أكثر من 260 مليون مارك ألماني للمزارعين التي تلفت المحاصيل الخاصة بهم، وذلك بخلاف تكلفة تغطية المفاعل النووي من أجل حصر الغازات التي تخرج منه, و للآن و بعد كل محاولات الحكومة لإحتواء الأزمة يجد العلماء الذين أنقلهم بحوامتي للأراضي الموبوئة المياة و التربة لا تصلح لحياة و يخطوا التقارير التي تفيد بذلك, و بالنهالية توقيعي كقائد للبعثة و الذي لا قيمة له كما قيمة العلماء, فالتقارير تمزق ويرسل لي أخرى كاذبة أخط عليها إمضائي و إلا أدفن و طاقمي بقلب المفاعل, أما عن العودة للوطن غير مرجحة فهم يماطلونني بكل طريقة لإستبقائي وحيد لإمسح ما تبقى من مدن مجاورة فقد تسلم طاقمي من طيارين و فرق صاعقة مستحقاتهم فيما عداي, حتى أوراق الثبوتية من جواز سفري المصري و ميداليتي التعريفية من الجيش بحوزتهم, جردوني من كل شيء لمهمة أكبر من الكشف, مهمة لا يقوم بها إلا إثنى عشر رجل أنا منهم, أعرفهم و يعرفوني و يعرفوا ما أنا قادر عليه فقد كنا زملاء معارك عدة و كم من سر دفناه . منهم عشر رجال يحملونني عن فهد الذي نهض بكل سلاسة بينما فكه يميل لليمين بزواية شبه مستحيلة معها النجاة, إلا أنه أعاده ببساطة لوضعه الصحيح بيده ومن ثم مسح الدماء النازحة عن أنفه و فمه بكمه, ل**نه يمسح جدار فمه و كأنه يبحث عن شيء فقده بداخله لم يكن إلا ضرس بصقه أرضاً ثم قال : - دعونا نرحب بعودة جلال. أنظر له غير مصدق, والريبة تستحيل الدماء بأوردتي لزخات جليد تموجت عبر عمودي الفقري ضاربة رأسي المخبط كفاية بالمس الشيطاني, و انتظر افاقتي بأي وقت من كابوسي إنما الكابوس في عرضٍ مستمر . أحطم فك رجل, أهشم أسنانه, أرقب نزيف لا يتوقف عن فمه خلع على إثره ملابسه العسكرية المدماة حتى صار عارياً تماماً من أمامنا للإثبات؛ فهد ليس من البشر, يبدوا أن بعض الخرافات لها أساس من الصحة و إلا من أين أتت ببادئ الأمر. ثم ما قتل الريبة, و أحيى كل قصة ملفقة سردتها أمي على مسامعي قبل النوم عندما كنت طفل صغير سعادتي و ترياقي كل ما خبأ عن البشر و جعل بيننا و بينه حجاب. جسده محترق عن أخره لكن دون فوضاوية فقد وشم باللهب, لا ألوان ولا رسوم, خطوط طولية بسمك سنيتميتر ليس أكثر, تتلوى كالثعابين من أخمص قدميه إلى أن وصلت جميعا لص*ره إلي اليسار قليلاً ناحية القلب تحديداً وإنتهى توغلها في جسده إلي هذا الحد. كل خط منهم يعبر عن كل روح زهقها فهد إرضائاً للشيطان و لكم كانوا كُثر, مئات من الخطوط جميعم تمكنوا من قلبه نهاية و ينتظرون القصاص. بعد الإثبات توجه العشر بالنظر إلي مطالبين بالتصديق, فهد هو الضمانة؛ الشيطان أو معاونه و علي طاعته وحينها أقرر الهرب . أفتح الباب للخروج أحمل من الخلف بواسطة بعض الزملاء و ألقى أرضاً, تحديداً أسفل قدمي فهد الذي غطى خصره بمنشفة خضراء قاتمة و ينظر لي مبتسم و يقول : -           انا لا أورطك يا جلال .. انا في حاجة إليك .. انت الوحيد القادر على تخطي القوى المغناطسية بالأراضي الموبوئة بطائرتك دون رادارات .. فكما تعرف لن يكون هناك أبراج مراقبة ترشدنا و الأمر يحتاج حدس لا يملكه أحد غيرك. أنهض عن الأرض يحاوطونني لحمايته مني إن ما قررت ض*به من جديد و كأن شجارنا الأخير ترك أثراً عليه و أقول : -           سوف يقتلونا بعد إتمام المهمة لحفظ السر. -           أي سر يا جلال .. العالم أجمع يعلم أن هناك نفايات ذرية ويجب دفنها في أعماق الأرض . -           الإقتراب من المفاعل خطير و حمل النفايات أخطر وإن على أجهزة ضغط الطائرة وسوف نسقط بالحمولة على أرض موبوئة بنفايات خاملة سوف ينشطها إنفجار الطائرة عند سقوطها . تبادلا العشر نظرات القلق فهم طيارين ولكن برتبة سائقين, ليس منهم واحداً خضع لدراسة أكاديمية للطيران بخلافي بالطبع, أو على الأقل بحث و تقصى عن الكارثة التي شغلت العالم حينها ليعلم أن الإنفجار النووي أخلف حقول مغانطسية عديدة شديدة الخطورة, و التحليق من أعلاها ولو بالآف الأميال يتلف معدات الطائرة الخاصة بالتوجيه و الملاحة . صاح فهد بي لما لمح الخوف يستوطن قسمات العشر : -           توقف عن التذاكي و التباهي بمعلوماتك التافهة. -           شكل الشيطان بتاعك زهق منك و عايز يخلص عليك . إقترب مني و قال : -           سوف نعود من المهمة سالمين هو من وعدني بذلك .. أو تعلم سوف تحلق معنا شئت أم أبيت وإلا.... قاطعته : -           انا عالم حسابي اموت اليومين دول بس بسرعة الله يخليك عشان تعبت  . -           لن تموت يا جلال لأنك سوف تراقب الموت .. زوجتك الطبيبة و إبنتها سوف يكونا هنا بالغد لتبدأ الصغيرة بتلقي علاجها .. والقرار لك الآن .. إما تتلقى الصغيرة العلاج وتعود لوطنك بمال لن يجعلك تعمل تحت إمرة أي مخلوق مجدداً إما تعود بزوجتك و إبنتك بتوابيت خشبية, أوتعلم حتى لن تجد توابيت خشبية فالغابات مسمومة بالإشعاع الذري وتوقفت تجارة الأخشاب تماماً, فلتغلفهما بأكياس القمامة. أردت إعتصار عنقه بين يدي هذه المرة علني أوفق و أرسله لعالم الشيطانين الذي خرج عنهم لعالمنا إنما منعني العشر, يهدئوني, يتحلقوا من حولي شارحين لي المعضلة, أخر سر لنا ثم العتق من كل قبضة, لن نطلب مجدداً لتصفية حسابات أي حكومة, سوف نلزم ديارنا, أما عن سر القادم والأسرار السابقة سوف يكونوا حصننا و حصانتنا فقد وضع العشر خطة محكمة. أتجول بوجوههم أجد الأمل بالتحرر فأبث اليأس قائلاً : -           فلنفترض أن الحكومة منحتنا العتق .. وأنتم نفذتم خطة الهرب .. و انا و فهد و باتريك ظهرنا للترهيب كما خيل لكم أن في وسعنا إرهاب حكومات فاشية وكل تلك الترتيبات مرت على خير سوف نموت في خلال خمس سنوات بسبب التعرض للإشعاع. قال فهد هازئاً : -           ومسلم و موحد بالله ؟! ما حدى بيموت ناقص عمر يا جلال يا خوي.  لم يكن القرار صعب بل أسهل قرار إتخذته في حياتي و كذلك لم يبدل حياتي. حدثتني شياطيني الخاصة و ألحت علي بالإتسام ببعض الذكاء, فالنفايات سوف تدفن شئت أم أبيت بأرض مسالمين أو مجرمون كلهم إنسان, و كلنا مجرمون و الموت نهاية الجميع, إنما جريمتي قد تصلح جريمة أخرى؛ وليد لم يكن من المفترض ولادته, تلك كانت نظرتي للكيان الأمهق ذو الزغب الأشقر كلما ذهبت لزيارته و وجدته داخل حضانته الطبيبة موصل بالأجهزة الطبيبة من كل بوصة بجسده الضئيل لتتوفر له حياة لم تكن له, ص*ره يعلو لأعلى إرتفاع ممكن ومن ثم يهبط فجائياً و كأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة و لكن يعاود الصعود من جديد بمثابرة أصبحت أهم سماتها . أتعجب من زوجتي التي تجده طفل عادي. تغني له و ترضعه من أنفه لأن حلقه لم يكن إكتمل بعد, تسألني زوجتي أن أحدثه ليطمئن بوجود أبيه من حوله و قد كنت من يريد الإطمئنان من حوله, كنت أخاف هنا و للآن أظن, إنما تبدل كل شيء لما أتت زوجتي و الكيان الأمهق لأوكرانيا . أيقظني فهد من نومي بالصباح التالي, كنت بالغرفة التالية لغرفته فقد أمسيت من طاقمه ولي نفس رفاهيته ومن ضمن الرفاهية هاتف لم أستخدمه ولو للأطمئنان على الأهل والقربة, فقد إنتويت الموت بتلك المهمة بعدما أبرء من كل جرائمي لما أقتل إثنى عشر طيار من خيرة طياري الأرض لا يستخدموا إلا للشرور لما أحلق مباشرة من أعلى الحقول المغناطيسية لنموت جميعاً و تفضح الدولة التي أخرجت طياراتها المحملة بالسموم و من على متنها طيارين من دون جنسيتها لدفن الأسرار. مال وفير تسلمته فور موافقتي على المهمة و أودعته لصالح عائلتي, دواء للإبنة الوحيدة و نهاية حرية لفدوى, فقد حصلت على الإبنة و في وسعها العودة للدويري لتنعم بحياة كريمة. يناولني فهد بكل الحب الزي الرسمي لطياري الحكومة التي نتبعها الحين لأرتديه لزيارة عاجلة, فقد وصلت زوجتي منذ أكثر من سبع ساعات وهي بالمشفى الآن وبإنتظاري. لكم عجيب أمره مما جعلني أتسائل : -           ولماذا لم تخبرني بموعد وصولها لأستقبلها بالمطار ؟ -           لو مررت من أي مطار قبل الإنتهاء من المهمة يطلق عليك الرصاص مثل الكلاب الضالة. -           تلك أوامرك أم أوامر الحكومة ؟ -           أوامري صديقي . أنهض عن السرير و أتوجه إليه لأتسلم منه البدلة لأرتديها إنما يبعدها عن متناول يداي و يقول : -           إستحم يا رجل و إحلق ذقنك .. أتعرف يا جلال لو إبنتك أمست تشبه أمها أتقبل مصيري  القادم بكل إستسلام. -           بقولك يا فهد ؟ -           قول . -           لما بض*بك بتحس بالوجع ولا الشيطان خلاك حلوف ؟ -           منحني سرعة إلتآم لكن ب*عر بالألم طبعاً. -           كويس . ومن ثم لكمة أخرى تسكته عن ذكر عائلتي لما تبقى لي من حياة إقترنت بحياته فقد وعدت نفسي بسقوطنا سوياً . أرتدي البدلة الجديدة بينما أرقبه يستنزف علبة مناديلي الورقية ليوقف نزيف فمه من جديد إنما لا يستنكر تصرفي بل يبتسم براحة لا أفهم لمَ يتحصل عليها عند رؤيتي وكأنني أمه. يصطحبني بسيارته الجيب التابعة للجيش للمشفى ثم يقول : -           سوف أنتظرك . -           لا داعي أستطيع العودة بمفردي . -           سوف أنتظرك. أدخل للمشفى و حتى البهو أجد من ينتظرني و يرمقني بإهتمام أو يرمق بدلتي,  يتقدم نحوي و يقول : -           السيد جلال ؟ -           نعم . -           تفضل معي . أتبعه للمصعد الكهربائي و حتى الطابق الأخير لقسم الحروق على تعجب مني فإبنتي مجرد جنين غير مكتمل البنية,  و من المفترض وجودها بقسم الأطفال حديثي الولادة, و عندما نقلت تساؤلي لرفيقي قال ببساطة : - للسرية سيدي . أومئ بإستحسان و أكمل خطواتي من خلفه, ز إلى أن يتوقف أمام غرفة  أشار لي الرجل إنها هي المنشودة, يطرق الباب عني يأتي صوت زوجتي من الداخل يسمح بالدخول إليها و حينها يتنحى الرجل في تأدب شديد لا أعتاده لإمثالي بالخارج فأشير له محياً و أفتح الباب لأجد الشمس والقمر من خلفه, تبتسم لي الشمس و تسارع ناحيتي, تضمني بيسراها لأن يمناها تحمل القمر, القمر إستدار و إمتلأ و أنار, شعره الأشقر غطى رأسه الصغير و أذناه متناهية الصغر, عيونها الزرقاء تحدق بي ثم تنذوي وتبكي, يبدوا إنها تخاف طلعتي المسودة بعدما قارنت الجمال الأوكراني بقبحي. تعنفني بيدها متناهية الصغر,  و التي تحمل كماً هائل من الحلي الذهبي لأبتعد عن أمها فأمتثل,  و لو لأملأ عيوني من وجهها الصبوح, أمسى لها وجنتان ممتلئتين وردتين و فم أشفى متورم يظهر لثتها الملتهبة ترى مسببه الإشعاع ؟ -           إنتي مش سمعني يا جلال ؟ صياح زوجتي أفاقني من رؤية البدر ثم تردف : -           سبع شهور انا إفتكرتك مت ولا أنيل طفشت . أجمل زوجه بالوجود تجد هربي منها أسوء من موتي, تردف من جديد :   -           لولا الادوية اللي وصلتني ما كنتش عرفت إنك عايش .. حتى أهلك ما ما كنوش عارفين عنك حاجة .. هو فيه إيه .. انت ساكت ليه ؟ -           أصلها .. شكلها ؟! -           قوتلك مييت مره إسمها هنا. لم أنطق إسمها منذ ولدت, حتى لم أستخرج لها شهادة ميلاد لأن إنتظرت إستخراج شهادة الوفاة و إنتهاء هذا الفصل من حياتي. مخلوق أتي عن طريق تعويذة جلبتها من أقاصي الأرض لتسكن أرضي و تحملني الإثم ما حييت إنما المخلوق المدهش يخرج الفقاعات من فمه بينما أمه تنتقدني و توبخني على البخل الذي إتسمت به مؤخراً: -           بخل إيه ؟! انا سايبلك فلوس. -           المشاعر يا بارد .. مفيش مرة تكلمني في التليفون و تطمن على هنا  . -           إزيك يا هنا ؟  أدارت وجهها عني و سكنت رأسها كتف أمها فقالت أمها مدافعة : -           زعلانه منك .. لما تكبر هقولها إنك هربت مني .. ومنها .. بتحب جمال أوي على فكرة . -           جمال مين ؟ تحدجني زوجتي بتعجب و توضح لي : -           جمال أخوك يا جلال .. هو اللي كان بيتعلي الفلوس و بيطمني عليك..  انا مش عارفه من غيره كنت هعمل إيه .. الادوية وقفت في الجمارك و رفضوا يدخلوها البلد خافوا تكون مشعة عشان روسي .. قال يعني بيخافوا علينا أوي . رواية زوجتي كانت بها العديد من التفاصيل الناقصة,  و التي خشيت أن أستعلم عنها بغية الإنتهاء من هذا اللقاء سريعاً, لم أرسل نقود لعائلتي أو هاتفهم منذ تركت مصر بل و من قبلها, فقد كان أخر لقاء لي مع أمي بالمشفى عندما  منعتني من فصل أجهزة الإعاشة عن هنا, و حينها هربت من كل الضغوط للمهمة الملعونة. إنما الرواية بسيطة و ليست في حاجة لتفاسير, أبي من طمئن الزوجات على حال الزوج الهارب,  و أرسل لهن ما يعولهن, تفصيلة وحيدة ناقصة فحسب, كيف أرسل لهنا الدواء فور سفري مباشرة فلم أكن حينها باشرت بالبحث و التقصي عن أي شيء إلا الإختفاء. -           ما لك يا جلال ؟ -           مفيش .. شكلها جعانه بتمص في غوايشها . -           بتسنن. -           مين اللي جا**ها الدهب ده كله ؟ -           جدتها بعتته مع جمال لما عرفت إننا مسافرين .. كانت عايزاها تسافر بقيمتها وترجع بعريس اشقر زيها . أضحك برفقة زوجتي و أنصاع لنظرات الإبنة الأولى لأبيها, أما الأم تخبرني إنني لو لم أكن أشبه أخي جمال لما ظلت الإبنة على هذا الهدوء فهي تخشى الأغراب. أظل لدقائق تحولت لساعات ملئها لغو فدوى المختزن لسبعة أشهر, أراها للمرة الأولى طفلة عادية فلم يحدث معي ما نراه على الشاشات السينمائية, يتنزل رفق الأبوة و حنانها فور ولادة الأبناء إنما يأتي بعد مشاق عايشتها مع كل ولد منهم خاصة هنا التي تمسك بسبابتي لتضعها بفمها إنما أسحبها و أقول : -           جعانه يا فدوى     .  تناولها لي فدوى و تذهب لتعد لها رضعتها عبر آلة حديثة للغاية لم أراها قبلاً.  جهاز أبعاده عشرون بوصة تقريباً من الزجاج الشفاف و من داخله ثلاث أسطوانات, واحدة تحمل اللبن الإصطناعي, و الثانية الماء الفاتر, و الثالثة يحدث بها دمج السابقتين لما تختلط كميات قامت فدوى بظبط معاييرها عبر أزرار من أسفل الجهاز . -           سبحان الله الدنيا اتطورت اوي .. جهاز و لا له أي لازمة. تسكب زوجتي الخليط بزجاجة الرضاعة و تعود إلي و تقول : -           لا طبعا له لازمة بيعقم .. احنا بينا و بين المفاعل أميال .. إشمعنا البلد الخطر دي يا جلال .. كنا كملنا العلاج في مصر و خلاص ولا وحشناك  و**لت تسافر و تجيلنا . لم أفعل أي شيء فهد فعل ذلك لإبتزازي بهما ولا حيلة لي. -           انت شايلها كده ليه ؟! دراعها يوجعها. كنت أحمل هنا ممسكاً بها بكلتا ذراعي المستقيمتين على أخرهما لأبعدها عني قدر الإمكان ولكن دون إرادة مني, فقد تركتها فدوى لي على هذه الحالة ولم أبدلها. تحملها عني فدوى وتضعها علي فخذيها لترضعها إنما ترفض الصغيرة بعصبية كبيرة. -           ليه مش عايزة تاكل .. احنا بقالنا كتير قاعدين إزاي ما جعتش ؟! -           الأدوية في مكملات غذائية .. ما تقلقش عليها وزنها كويس جدا بالنسبة للي في سنها وزايد كمان . نصب عيناي كل شيء منطقي للغاية ولا أجد لهلوسات فهد مكان, إبنة ولدت ضعيفة لأنها ولدت بنهاية الشهر السادس للحمل, دواء تم تصنيعه بمختبرات فائقة السرية حصلت عليه مقابل مهمة منافية للإنسانية, تستجيب الإبنة للدواء وها هي تضحك لمزاح أمها لما تصفني بأن هذا الرجل الوحش حنون أحياناً إنما ليس الحين فقد أخبرتني فدوى إنني بتلك الأيام كنت مخيف بعض الشيء؛ عيناي زائغة, كلماتي ثقيلة عند القول أو السماع, لم تجد فدوى بنبرتي إلا تهديد سايرته حتى عودتها لمصر و هجري تماماً جزاء هربي, منذ دلفت للغرفة صاحبني ظِل لا يماثل حجمي كانت عيون هنا عليه بإستمرار و تلك الظاهرة لم أفهم لها تفاسير إلا عن طريق صديق الشيطان الأقرب .  قمت عن جلوسي الطويل برفقة عائلتي استعداداً للعودة للقاعدة سألتني زوجتي : -           رايح فين ؟ -           هرجع. -           مش هتاخدنا معاك ؟ -           انا قاعد في سكن القاعده . -           خلاص خدلنا شقة انا معايا فلوس كتير, جمال بعتها معايا لما عرف إني مسافره لك . أزيد ما بجعبتها من نقود لما أخرج كل ما قبضته مقدماً و أناوله لها و أقول : -           ما تخرجيش من المستشفي .. و ماتاكليش غير أكل معلب أمريكاني .. الميه .. ماتستخدميش أي ميه من الحنفية لأي غرض إشترى ميه معدنية كتير و هبعتلك فلوس تاني .. إقساط عيادتك خلصت و بقت ملكك عبد الحي هيخلصلك الاجراءات كلها. -           انت جبت الفلوس دي كلها منين ؟ -           ده وقت إنك تسمعي و بس .. هبعتلك تذكرة طيران لميامي تفضلي عند أبوكي لحد ما أنا أجيلك يا فدوى .. انا بس .. ولا جوابات ولا تليفونات تستنيني انا أو جمال بس يا فدوى . -           جمال إزاي!! انت هتهرب تاني ؟! -           -           شغل توب سيكرت يعني عشان كده مش عايز تتكلم . -           بالظبط كده . و غادرت لأخر مهمة كما منيتُ نفسي. خرجت من المشفى لم أجد فهد إنما السيارة بموضعها و يترجل منها مجند حيّاني عسكرياً بامتثال كبير, و قد وقف منتبهاً لحضوري, و لا زالت للآن لم أعتاد تلك المعاملة بالخارج . أسـأله عن فهد يخبرني أنه وافته مهام ذهب لقضائها وليس الهرب مني فكل ما قاله مسبقاً هراء؛ يعرف عن حمل زوجتي و وضعها لفتاة ضعيفة أرسل لها الدواء فور سفري لغرض لم يصرح به و أكيد أنه ليس المهمة فحسب.  عدت لغرفتي ماشياً من خلف الجندي الذي أخبرني أن طاقمي غادر دون أوامري ولا داعي لوجودي بقاعة المغتربين, و يجب أن أعود لطاقمي الجديد و زميلي المصري الأخر و الذي من شعبة الصاعقة و أصرر على البقاء برفقتي : -           أي طاقم و أي زميل يا ولدي ؟ أجابني الفتى : -           انت سيدي قائد سرب الإثنى العشر أما زميلك يدعى وحيد . إبتسمت لسببين؛ الأول أمسيت قائد الإثنى عشر س**ح و ليس من ضمنهم فحسب, أما الثاني إبن بلدي و قريتي سوف يكون برفقتي للجحيم, و ذلك أبدل بعضٍ من مخططاتي, فقد كنت أنوي الفتك بالاثنى عشر و انا منهم, و لكن ما ذنب وحيد المسكين فله أسرة تنتظره و هو عائلهم الوحيد . وبما أنني القائد أمرت أن تبدأ المهمة فور توقف المطر الذي هيج الغبار الإشعاعي أكثر إنما المطر كان متواطئ كذلك, توقف تماماً وكنا بموسم الأمطار لأن الإشعاعات بدلت طبيعة المناخ مع كل ما تبدل . لم نحمل نفايات و حملها عنا أربعون طيار متدرب أعمارهم تتراوح ما بين التاسعة عشر للثانية و العشرون, كنا نطير من أمامهم فحسب ليتتبعوا المسار دون تلاقي لحقول مغناطيسية أو أماكن مشبعة بإشعاعات كثيفة تعطل أجهزة الملاحة . يهبطوا بالأرض المنشودة ثم يأتي دور مائة و خمسون عامل بالأوناش والجرافات يحملوا النفايات من الطائرات لمثواها الأخير وهكذا دواليك. بالطبع عمق الحفر لم يكن  كافي لطمر النفايات دون أضرار أو الأقل بُطِّن الحفر بالخرسان المسلح لإحتواء أي غبار ذري سوف يظهر خلال سنوات قلائل إنما من يهتم نحن طيارون فحسب و لسنا علماء وعلي أن أ**ت حتى لا أخيف زملائي المتخوفين كفاية كما نصحني فهد.   حرارة مهلكة لا تمتاز بها الأرض المنشودة حظينا بها و زادتها الملابس البلاستيكية التي نرتديها مخافة الإشعاع, ثم جلسة المشروبات أمام مقبرة النفايات و مراقبة العمال و هم يعملوا بحماسة آملين بمكافاة نهاية الخدمة. العشر يشربوا الحكوليات و انا و فهد و وحيد البرتقال, فتوجهت لفهد سائلاً : -           انت ما بتشربش خمرة يا فهد ؟ -           لاء . -           ليه ؟ -           حرام . أضحك بشدة يتعجب لها ثم أقول : -           نسوان بس ؟ -           ولا نسوان الحمدلله . أحتد قائلاً : -           انت هتجنني يا جدع إنت .. إزاي عامل صفقة مع شيطان وعاملي ملاك ده انت حافظ المصحف .. انت أكيد هيبقى ليك قصر في جهنم .. ۞ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) أجابني فهد بهدوء و تقبل أخاذ : -           انا ما حرفت شيء .. الخمرة حرام .. الزنا حرام .. واللي بنعمله حرام. -           طب و بتعمله ليه ؟ -           مجبر أخاك .. راح يدفنوا النفايات, هنا هناك, راح تندفن .. بينا بدونا راح تندفن . أتمتم الله يخرب بيتك فيردف : -           تسمع حلمي ؟ -           حلمي عبد الباقي ؟ يضحك ثم يقول : -           بقصد حلم  dreem . -           إمتى هتقولي على الحقيقة كاملة يا فهد ؟ -           الحين . صرح لي فهد أنه عند ولادة هنا بالساعة الحادية عشر صبيحة يوم الإثنين, شعر بألم يجتاح كل ذرة بجسده. حسب أن ساعته قد آنت و طريقه للجحيم قد رصف و لكن وجد روحه التي نذرها للشيطان لازالت بجسده,  و دماء سوداء ذو رائحة منفرة تنزح عن ما وشم به جسده من طلاسم و عرابين للشيطان و تحولت لما رأيته مسبقاً. أيام و أسابيع إكتملوا ليكونوا سنة كاملة قضاها في إنتظار أوامر الشيطان من تجنيد عملاء جدد و قتل من تملص إنما كان السكون الحاكم لتلك السنة البيضاء بلا قتلاً و دماء و كل مطلب نفذه للشيطان مقابل أن يكون فهد الفجر رباح. زاد تحيري فقلت : -           اومال انت كنت إيه ؟ -           هنا بس اللي راح تعرف إسمي الحقيقي . -           اللهم طولك يا روح .. كشفت يا فهد يمكن تكون دماغك ض*بت ؟! تتسع إبتسامته لي ثم يغمض عيناه بإنتشاء و هو يقول منتشياً من السعادة: -           حلمت بيها كنا إحنا الاتنين جوا مطعم في نيورك .. كانت حلوة مرة  وذكية بتدرس في جامعة كبيرة في نيورك إسمها صعيب ما بتذكره ..  بظن إسمها إم  دو إيه .. وانا كنت بشبهك كتير وهي كانت بتحبني عشان بشبهك .. حكتلها على كل شيء في حياتي مريت بيه .. كانت تبرر لي كل خطية و تقولي الله كريم و بابه مفتوح .. حكتلي عن إبن عربي رحاله و سفراته .. شرحلتي فصوص الحكم .. انا اللي جبتلها الكتاب  .. الكتب كانت صعبة مرة . أضحك ب ***ة مريبة و غريبة أيضاً معقباً على حلمه المزعوم, إمرأة جميلة و مثقفة و تصادف أن تكون إبنتي تذهب للدراسة بنيويورك و ذلك من المستحيلات أن أرسل إبنتي للخارج لأي غرض و لو للدراسة, تقبل أن تجالس عجوز جاهل عالق الدرن على كل ذرة بروحه و جسده, أيضاً تلك الكتب التي ذكرها ثمينة نادرة لا يملكها مخلوق بالعالم إلا أخي عبد الرحيم دارس الأدب العربي و مدرسه بجامعة المنصورة فأبي من جمع تلك الكتب من سفراته العديدة, و تعتبر من أمهات الكتب و ثروة لا تقدر بثمن. عاد فهد لوصف ذكراه القادمة مع ابنتي, يقولها بحقد ليثبت حلمه بالمستحيل:   -           شقرا وعيونها زرقا وعلى ص*رها الشمال وحمة حمرا . فأجيبه مثبط تلك الهمة : -           عادي ممكن تكون شفتها في المستشفى مع أمها .. قلبك أبيض. يحزن لأنني لا أجد تصديقاً بكلماته و يلفه ال**ت للحظات ثم يردف في حماس : -           انا راح اجوزها .. ماني خداع. أضحك أكثر عن ذي قبل هذا الرجل الذي يملك هذا الوجه الق**ح و هذا الجهل المستطير ي**ع امرأة تقرأ لإبني عربي و تدرس بمعهد نيويورك التقني, إنما أربت على ركبته مؤيداً لهواجسه إنما للتهكم و أقول: -           علي البركة .. تتربى في عزك .. إيدي في إيد*ك نقرا الفاتحة . أمد يدي ليده لا يبادر لفاتحة الكتاب بل ينهض عن مجلسنا غاضباً فأقول مازحاً : -           أهو جاب ورا  .. تعرف لو طلعت زي امها بصحيح هتخليك تلف حوالين نفسك يا قصير . إلتفت لي عند قصير و نظر بغضب عارم, فتلك الصفة سبة عند فهد وها هو الآن ينظر لي محذراً فأدرف : -           عيب يا ولد انا هبقي حماك .. إتأدب . وحينها يذهب لما يذكر الحلم؛ يتزوج إبنتي. نظر له وحيد صديقي بأسى, حزين لما ألت إليه أحوال فهد الأخيرة, ثم يقول متعاطفاً معه : -        خده على قد عقله لحد ما نقبض .. كل الشلة بيقولو إن دماغه ض*بت من كام شهر, منذ تسعة أشهر أي منذ ولادة هنا, تبدل الشيطان لخلق الملائكة, باقي الإثنى عشر من يقولون . يردد دائماً أنه نال العفو و من ساقهم لعقد صفقات متشابهة مع الشياطين و تلك المهمة أخر مهام الشر فرئيس مجلس إدراة شركة الشياطين المحدودة مفقود منذ ثمان أشهر أي منذ ولادة هنا كذلك . قلت لصديقي وحيد واعظاً كي يبتعد عن هراء الفرنج : -           إستغفر الله يا وحيد .. تموت و انت كافر يا حبيبي . قابل وعظي ببرد قائلاً : -           وانا مالي هما اللي بيقولوا . -           على العموم و دي وجهة نظري .. إحنا جنس أتفه مما نجذب جنس تاني لينا أو لأفعالنا .. أعتقد الشيطان خالي شغل بعد ما خدنا كل شغله لحسابنا و أبدعنا.      يقول وحيد غير منجذباً لحديثي بالمرة : -           زي بعضه المهم .. بما إن البت بقت بخير انا اللي عايز أخطبها لإبني علي . -           علي مين ؟ انت خلفت و ما قولتليش يا واطي ؟! -           هخلف بإذن الله .. اول ما أرجع بالفلوس هجوز واحدة تانية و أخلف واد .. موافق ولا هتتكبر ؟ -           هتكبر طبعا, انا بنتي هتدرس في أمريكا يا جربوع .. هجوزها بيل جيتس . و تركني وحيد و غادر بدوره, حانقاً على تكبري المزعوم ولكن معي كل الحق فقد إنتهت إبنة أبيها كما تكتب على كل دفاترها من مؤلفات محفوظ و عبد القدوس و من ثم تحولت للأدب العالمي و وجدت أن د*كينز ودوستيفكي تافهان مدعيان و مغاليان و تنحاز لواقعية غوغول ذو النظرة الشمولية. لأجلها أتنازل عن مخططي بقتل إثنى عشر وأترك الخلق للخالق فالشعب من يؤلف الحكومات التي تحكمه و بالنهاية تقتله للتعتيم على إخفاق كلاهما شعب و حكومة . أترك المنحة المالية بالبنوك السويسرية بلا سؤال و أعود لزوجتي و إبنتي التي أتمت السنة و أربعة أشهر أجدهما بالحديقة الإبنة بسيارة مرسيدس صغيرة منهكمة بتشغيلها إنما لا تفلح, و الام مع أبيها في جدال حاد كما الحال فلم يلحظا وجودي إلا عندما سألتهما فيمَ النزاع . بعد السلام  التحية و التوبيخ من الحمى و الزوجة على غيابي أحمل الهنا بين يداي فأجدها تخرج الفقاعات من فمها ملولة, عرفت فيما بعد أنه إمتعاض قا**ه بالمستقبل - أوف بقه - فقد كانت تريد أن تعود لسيارتها الجديدة و ترك ذراعيَ. أنسى كل ما مضى لما أجد الإبنة بصحة جيدة, و الأم رد لها عقلها أما الزوجة الأولى مارست أمي عليها سلطاتها و أعادتها لبيتها, في إنتظاري ترقية و وسام فخري أنالهما من حكومة النفايات المتخوفين من معرفة المجتمع الدولي لدفن نفايات مشعة بأراضي هجرت و يعاد تسكينها لمجرد تخفيف التعويضات التي تسلمها إلى المتضررين من الإشعاع. كانوا يريدون **تنا القاتل, لأنهم ليس لديهم أي النية لخروج أي معلومة عن طريق الخطأ و لذلك وجب قتلنا إنما الإثنى العشر وضعوا خطة ملامحها بسيطة؛ إختفاء تسع وظهور ثلاث ذو حيثية و قتلهم يثير الشكوك و لو بصفة طبيعية. تعاهدنا إن مات فرد يفضح الجميع و تظهر الأرض و النقود و عقود كل مهمة قمنا بها. كنت من الثلاث و فهد وأخر يدعي صامويل, كتب لي الظهور و النجاة سوياً لأن تحسين الإتربي أمنّي و تعهد ب**تي أمام الحكومة فهو يتعامل مع مصانعهم الدوائية و له عقود سرية مع البتناجون والمخابرات البريطانية و الروسية, أما فهد يعمل تحت لواء العلم الأمريكي و العبث مع أمريكا بهذه الوقت المتقلل أي بعد كارثة تشيرنوبيل و تبعها حل الإتحاد السوفيتي قد يؤدي لحرب عالمية ثالثة ترجوها أمريكا من كل قلبها, أما الثالث لم أعرف سر قوته وقد إختفى بعدما تعهد بالظهور إنما لا يهم مرت السنوات و لم يحدث ما إنتظرته, ظل القتيل بمقبرته و باقي الزملاء علي قيد الحياة, يمارسوا حياتهم بطبيعية تحت أسماء جديدة بأراضي جديدة .   بعد أسبوع بالتمام قضيتهم في رخاء و هناء في منزل حماي العزيز, تصحو الصغيرة بالخامسة صباحاً و تعاجلني بالصفعات لأفيق, لا أنصاع لصحوة مبكرة خاصة بإجازة وأضمها لص*ري علها تغفو من جديد إنما هيهات صفعات من جديد برفقة سيل من ريقها المتسيل على وجهي وأخيراً أصحو. أحملها قبل أن تفيق أمها و أخرج بها من الغرفة ثم أبحث عن المربية التي جلبها لها جدها لتبدل لها حفاضها وملابسها وتعد رضعتها. نصف ساعة بحد أقصى  تسلمها لي المربية كاملة الهيئة, فستان مكلف و حلي ذهبي ولا ينقصها إلا المساحيق ولكنها مساحيقها ربانية . أخرج بها للحديقة أجد الإتربي يدخن سيجاره الصباحي, و لأجل لقاء هنا المبكر يتنازل عن صباحه المغبر بالأدخنة العبقة لسيجاره المكلف و يحمل هنا عني و يقول مداعباً: -           صباح شريف هناوة هانم . و من ثم يتركنا ليبدأ يومه. أضعها بسيارتها الجديدة و أرتكن لأريكة من البامبو بالحديقة, أرقبها هنا و هي تض*ب بيدها أزرار السيارة لتتحرك إلا أنني فصلت عن السيارة الطاقة لأنها إستطاعت بمرة تحريكها و قامت بأول حادث سير بحياتها و هي بعمر السنة  والنصف, إنقلبت بالسيارة بعدما ض*بت شجرة موز بحديقة جدها بقوة متهورة و رغم ذلك لم تخشى إعادة التجربة لأنها مثل أمها جميلة طويلة مثابرة لا تستلم أبداً.  ألمح خيال يشبهني يقف قبالة الباب الخارجي لقصر الدكتور تحسين الإتربي يلوح لإبنتي و المدهش إستطاعت هنا توجيه السيارة المعطلة الطاقة لتلقى فهد .  أهرول لها و أحملها عن السيارة المستمرة في مسيرها تجاه فهد بينما أصرخ بخدم القصر ليأتيني أحدهم ليصطحب الصغيرة للداخل, و لما خلت يدي من الإرث توجهت إليه وجدت النبوئة في طريقها للتحقق, قامته إمتدت لتكون بنفس قامتي تماماً, الهيئة نفسها و كأننا إخوة. أمزق قميصه عنه لشطرين باحثا عن الحروق أجد جسده صافياً و عيونه مبتسمة براحة أنه فهد, قلبي يحدثني بذلك بينما عيناي ترفض. يبدوا كشبح إلتقيته بحياة أخرى موازية, و ليس رجل أعرفه تمام المعرفة تركته منذ أيامٌ قلائل و اليوم أعيد تخليقه ليصير أخ سادس أنجبه أبي و سهى عنه إنما وجد طريقه إلي . -           هقتلك يا فهد . أهم للكلمه حتى الموت, حتى أخلع رأسه عن عنقه و لكن يمسك بيدي بقوة شلت حركتي و يقول بصوت رخيم هادئ و بنرة خليجية قلما كان يتحدث بها فهد : -           فهد مات يا جلال .. العايش الحين جابر .. انا جابر .. جابر النجدي. -           انت عايز إيه ؟ -           ولا شي .. جيت أتشكرك .. ولادة هنا كانت نهاية ا****ة .. خلي بالك عليها .. الوداع يا صديقي . وثبتتُ عيناه على أو الأدق شيئا ما يحدق به من خلف كتفي و يلوح له مودعاً بدوره, أنظر خلفي عله يحدق بهنا لا أجد مخلوق أعرفه فقط حاجز حال بيني و بين العالم بل قسّم العالم؛ عالمي الذي أعرفه و عالم يشبه ولكن بدائي بلا قصر الإتربي وحدائقه الغنائة و لا أبنيته و صروحه العالية. عالم ساخن النيران تجتاحه بيوتاً و أراضي قومه يأكلون تلك النيران, وأهاً من قومه تركوا فهد و تبعوني جزاء إثم لم أعلم عنه إلا بعد سنوات .  **انتهى الفصل **
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD