ككل حكاية بدأت قصتنا بقبلة أيقظت قلب الوحش.. قبلة رقيقة أشعلت شرارات الحب, و معها أيضًا أشعلت شرارات الكراهية..
و قبلة أخرى أيقظت اﻷميرة النائمة.. و معها ظهرت حقيقة طُمست منذ سنوات..
ما بين قبلة و قبلة كانت حكايتنا
قبلة بداية, و قبلة نهاية..
ربما كانت العداوة أزلية؛ و لكن يظل الحب هو اﻷقوى دائمًا..
بعض القلوب و إن كانت سوداء قاسية؛ ستظل هناك نقطة ضوء بيضاء تلمع وسط عتمة الظلام لتنير الطريق, و تنهي النزاعات..
قد يكون الموت موجع, و لكن تصحبه دومًا بداية حياه..
فنهاية أحدهم بداية شخص آخر..
حياة كانت كبئر أسرار ما أن سقطت منه قطرة؛ حتى تفجرت مياهه **يل جارف, تكشف كل الحقائق, و تزيل كل الغموض..
****************
البداية
في قديم الزمان كان هناك عائلتان, كلاهما أعداء.. تسعى كل منهما لقتل و إبادة العائلة الأخرى..
حتى الشباب الناشئين تربوا و كبروا على تلك الكراهية, دون معرفة السبب أو حتى السؤال, لِمَ هم أعداء؟..
كانت كل عائلة لها قدرها بالبلاد رغم التناحر و القتل, كل منهما له صفاته و قدراته التي تميزه عن الأخرى..
العائلة الأولى كانت عائلة "ويلر" عائلة عادية بكل المقاييس الخارجية, أو هذا ما يوحي به مظهرهم؛ و لكن مؤسسين تلك العائلة و أسلافهم كانوا يتمتعون بالسحر, معظمهم من السحرة المخضرمين الذين خطوا الكتب والتعاويذ, مختصين بالطب و الأعشاب و العلاج و السحر,
يقوموا بعمل الوصفات السحرية, لم يكن يتمتع كل أفراد العائلة بتلك الهبة؛ فقط المختارين..
أما العائلة الثانية عائلة "تيرنر" عائلة قوية بحق مُهابة تتمتع بالقوة, و الشراسة و لكن دون التحكم بها أو السيطرة عليها, الغضب دومًا ما يسيرهم,
كان حب التدمير والقتل هو شغفهم, و لكن مع مرور الوقت بدؤا التحكم في عنفهم و السيطرة عليه..
في عائلة "ويلر" لم يكن يعلم الناشئين عن قدرات عائلتهم, ينشأ الفرد كشخص طبيعي حتى يبلغ سن السابعة عشر, و حينها يتم إعداده للقتال و يطلع على سر العائلة..
يتم تدريب الشباب في سرية تامة, و بمخيمات أقرب للكشافة تحت قيادة مدربين محترفين.. و كل مجموعة يعين لها قائد شاب, يعد ليكون القائد القادم للعائلة..
العديد من العائلتين ماتوا بسبب الحرب المستعرة بينهم, سواء بقصد أو دون قصد..
و لذلك تم الإتفاق على معاهدة سلام بين العائلتين, و لكن لا فائدة, استمر القتال و الحقد بينهما؛ حتى فصل بينهما و غادرت عائلة "ويلر" إلى موطن آخر مع وجود من يمثلها بالبلدة..
تم سن القوانين و أهمها على الإطلاق..
"غير مسموح لأحد الطرفين أن يحب, أو يتزوج من العائلة الأخرى؛ حتى لا يتم خلط الأنساب و الدماء معًا, و ينتج جيلاً هجينًا منبوذًا.."
و من يخالف يُقتل فورًا أو ينفى بعد توقيع أقصى العقوبات عليه؛ و لكن من يستطيع منع القدر و الحب؟!..
******************
في الوقت الحاضر
قررت عائلة "ويلر" العودة إلى بلدتهم خاصة مع هدوء اﻷمر منذ أعوام, و ترددهم على البلدة كثيرًا هذه الفترة لتجديد ميثاق السلام بين العائلتين..
و تولى ذلك اﻷمر "مارك ويلر" الابن الأكبر, وحمل على عاتقه إبقاء الوضع آمنًا..
عادت أسرة "مارك ويلر" المكونة من مارك, زوجته جنيفر, وأبناؤه الثلاث "داني، جيفري" وابنتهم الوحيدة "ماي" إلى منزلهم..
وتمت بعض المقابلات مع عائلة " تيرنر " لتجديد المعاهدة, و انطلق الشباب بالبلدة لمقابلة أصدقائهم..
في مقهي البلدة قابلت ماي أصدقاء قدامي لها تعرفت عليهم بالمدرسة و عن طريق العائلة في زيارات سابقة.. كعادتهم كانوا يضحكون ، و يسخرون من رواد المقهى..
طرأت لأحدهم فكرة؛ ليروا من أكثر جرأة لينفذ بعض اﻷوامر..
كانت مهمة ماري أن تواعد ذلك الشاب الوسيم الجالس هناك بمفرده و استطاعت فعل ذلك بعد أن ذهبت إليه وتحدثت معه؛ لتغمز لأصدقائها أن اﻷمر قد تم..
و أن يواعد تيمي تلك الفتاة اﻷخرى؛ و لكنه لم يستطع و عاد مهزومًا بعد أن تلقى صفعة على وجهه منها؛ جعلتهم يضحكون عليه، و يسخرون منه..
كانت ماي تنظر إليهم بإستخفاف مما يفعلونه فهم دومًا هكذا كلما خرجوا.. و حين تطلعوا إليها نظرت إليهم بتوجس..
ليهتف تيمي متحديًا إياها:" أتحداكِ ماي أن تستطيعي جعل أحدهم يواعدكِ, أو يطلب لكِ مشروبًا.."
ضحكت ماي و هزت رأسها يأسًا, قائلة:" أنا لست معروفة بالبلدة تيمي, و سأجذب اﻷنظار دون أدنى مجهود.."
ابتسمت سيرينا بمكر, و قالت:" حسنًا أيتها الجذابة.. هل يمكنكِ أن تقبلي أول شاب يدلف من باب المقهى؟!.."
اتسعت عينا ماي صدمة و فغرت فاها, هاتفة بإستنكار:" ماذا تقولين؟.. بالطبع لا.."
ضحك الجميع بسخرية منها لمعرفتهم خجل ماي الفطري, و عدم قدرتها على القدوم لشيء جريء كهذا..
قال تيمي بإستخفاف:" لن تستطيع فعلها, لا تحرجيها سيرينا.."
_اوه لا ماي الصغيرة الخجولة..
مع ضحكات و سخرية الجميع منها, هتفت بحنق مندفعة:" حسنًا سأفعلها.. كفوا عن هذا.."
نظرت لها ماري, و قالت برفق:" لا بأس ماي لا تدعيهم يزعجوكِ.. لننس اﻷمر.."
و لكن ماي قالت بإصرار:" سأفعلها لست ضعيفة هكذا.."
نظر لها الجميع بعدم إهتمام.. جميعم يعلم مدى خجلها ورقتها؛ بل تكاد تقارب الطفلة رغم أنها تعدت الواحد و العشرين من عمرها, و لكنها تخضع لحماية مكثفة من عائلتها و خاصة داني أخاها، و لولا أنهم من العائلة لما خرجت و تسكعت معهم هكذا..
شعرت ماي بالندم لقبولها اﻷمر هذه مزحة سخيفة لم يكن عليها أن تجاريهم؛ فيها كيف لها أن تقبل شابًا لا تعرفه؛ بل على حين غرة، و هي التي لم تواعد شابا طوال حياتها, تكاد تكون أقرب للراهبات مع تحفظات عائلتها..
زفرت بحنق تتطلع لباب المقهى, تدعو ألا يدلف أحدهم في ذلك الوقت، و إلا ستضطر لتنفيذ تحديها؛ و إلا أصبحت سخرية الجميع..
بعد عدة دقائق دلف شاب ما إلى المقهى فأغمضت عينيها بندم, و ناظرها أصدقائها بإبتسامة ماكرة لمعرفتهم أنها ستتراجع؛
و لكن اتسعت أعينهم، و هم يروا ماي تتحرك إتجاه الشاب, و خفقت قلوبهم بذعر من شخصية الشاب نفسه..
نظروا لبعضهم بهلع, و هم أحدهم ليوقفها، و لكنهم تسمروا بأماكنهم حين؛
أسرعت ماي و وقفت أمام الشاب, قائلة بإبتسامة متوترة:" مرحبًا.."
عقد الشاب حاجبيه ينظر إليها بتعجب؛ و لكنها لم تمهله الوقت ليسأل؛ فارتفعت على أطراف أصابعها و جذبت مقدمة قميصه, و قبلته سريعًا قبلة خاطفة..
و ابتعدت بوجه أحمر, تقول مسرعة:" وداعًا.."
و ركضت لأصدقائها تحمل متعلقاتها هاتفة:" هيا بنا سريعًا.."
أومئ الجميع موافقين و تحركوا للخارج،
تسائل تيمي بقلق:" هل تعرفين الشاب الذى قبلتيه منذ قليل؟.."
_بالطبع لا..
فهتف كول بإرتياع:" ماي لا تخبري أحدًا عن لعبتنا تلك.. كانت مزحة سخيفة.."
هزت ماي رأسها موافقة, و قالت بتوتر:" بالطبع لن أفعل, و لكن لنرحل سريعًا قبل أن يأتي الشاب.."
رحل الجميع سريعًا و عادت للمنزل و كأن شيئًا لم يكن..
في الداخل كان جوي يقف متجمدًا مذهولاً بأعين متسعة مما فعلته تلك الفتاة المجهولة, و الجميع يحدق به لم يعرف أحد من هي؛ و لكن أن تتجرأ و تقترب من "جوي تيرنر" و تقبله، لا أحد يستطيع الحديث معه ببساطة..
حين أفاق من صدمته تحرك سريعًا للخارج ليبحث عنها, و لكنه لم يجدها فدلف مرة أخرى يسأل عنها؛ و لكن لا أحد يعرفها, شتم بخفوت, و رحل و هو يفكر فيها..
تلك الجميلة ذات العينين الخضراوين الداكنتين، لا يعرف يشعر أنه شاهدها من قبل, أو ربما تشبه أحدهم و لكن لا يستطيع تذكره!..
***************
في جلسة ما كان الجميع يجلس بتحفز خاصة الشباب الصغار كل منهم ينظر للآخر بتوعد شرس أعينهم قاتمة يكادوا ينقضوا على بعضهم؛ لولا تواجد اﻵباء..
كان اﻹجتماع حول المعاهدة, والحدود المطروحة, و محاولة إضافة بعض البنود التي تضمن السلام لمدة أطول..
هتف مارك برزانة جادة:" حسنًا هذا جيد، لا مشكلة لدينا.."
وقال مايسون بوجه عابس:" ونحن أيضًا لا مشكلة لدينا, كل القوانين كما هي لا تعديل فيها.. أما الجديد فلا بأس به.."
و لكن هتف جوي بغضب معترضًا:" لا أبي لا أوافق, كيف لنا أن نوافق على التخلي عن بعض ممتلكاتنا إليهم؟.."
نهض داني يدفع كرسيه, هادرًا بشراسة:" بل كانت ممتلكاتنا, و أنتم استوليتم عليها, أنتم لا حق لكم فيها.."
لينهض كلارك هادرًا بجنون:" احفظ أدبك أيها الحقير, و إلا علمتك كيف تتحدث معنا.."
كان الجو مشحونًا و اندفع كل من جوي و أخيه لمهاجمة داني و لكن..
وقف مايسون يض*ب الطاولة بيده بقوة, هادرًا بصرامة:" توقفا حالاً و إلا.."
جذ كلاهما على أسنانهما يتراجعان بغضب متبرمين بأعين متوعدة؛
لداني الذي هتف بجنون:" لن تخيفوني فأنا....."
قاطعه والده ناهرًا إياه بحزم:" اجلس داني؛ و إلا أخرجتك من اﻹجتماع.."
جلس داني على مضض..
فزفر مارك بحنق, قائلاً بجدية للجميع:" عليكم أن تكفوا عن مهاجمة بعضكم, وضعت تلك المعاهدة للحد من الدمار بين العائلتين لا لتتوعدوا بعضكم البعض.."
و أكمل مايسون:" سنحافظ على اﻹتفاقية بقدر ما نستطيع، و سيعاقب من يتعدى على الشروط سواء منا أو منكم.."
و نظر لأبناؤه قائلاً بصرامة:" ستتعاملون بهدوء و لن تثيروا الشغب؛ و إلا سأرسلكم للتأديب..
و اﻵن اخرجوا جميًعا باقي اﻹجتماع للأعضاء الكبار.."
خرج جوي و كلارك, و خلفهم داني و جاك, يفصل بينهم حارسين حتى ينتهي اﻹجتماع, و يخرج الكبار..
مرت نصف ساعة ليخرج مايسون, و مارك على أصوات الشجار الحاد..
فسحب مارك ذراع داني معنفًا إياه:" لم أظنك بهذا التهور.. لم أحضر أخيك لأنني أعلم جنونه؛ و لكن أنت داني لقد تعديت الحدود.."
عقد داني حاجبيه هاتفًا بغضب:" هم من بدؤا أبي و أنا..."
_يكفي..
قاطعه والده بصرامة, و أكمل آمرًا بتحذير" قلت كفى لن تتشاجر, و إلا عاقبتك يا قائد الفريق.."
أطرق داني ببصره وزم شفتيه بحنق, والده يذكره بدوره المرتقب كقائد للعائلة, و عليه أن يتحكم بتصرفاته, و ألا يكون أهوج..
هتف داني بخفوت:" اعتذر سيدي لن أتمادى, و سأحاول التحكم بإنفعالاتي.."
زفر مارك بضيق, و قال بإقتضاب:" ارحل اﻵن, و سألحق بك.."
أومئ داني برأسه موافقًا, ورحل بهدوء مخلفًا ورائه؛
تلك الزوبعة الغاضبة من جوي و كلارك فيأمر مايسون بصرامة عودتهم للمنزل..
******************
في المقابر على طرف البلدة كانت تقف أمام قبر والدها تنظر إليه بحزن و اﻷلم يعصف بها، رغم مرور ثلاثة عشر عامًا و لا تزال اﻷحداث تمر و كأنها باﻷمس..
أغمضت عينيها تتن*د بتثاقل, هامسة:" مرحبا أبي.. اشتقت إليك.. أعلم أنك غاضب لأنني لم آتي منذ فترة، آسفة كنت مشغولة قليلاً.. و لن أكررها.."
ابتسمت بحزن و انحنت تمسح بيدها على شاهد القبر, تبتلع تلك الغصة المسننة المستحكمة بحلقها تكاد تخنقها تشهق بألم..
و لكن أجفلت على صوت أحدهم:" إيزي.."
التفتت تنظر إليه تعقد حاجييها بريبة.. ثم أشاحت بوجهها عنه,
قائلة بجمود:" ماذا تريد؟.."
ابتلع داني ريقه, هاتفًا بإشتياق:" كيف حالكِ؟.."
زمت شفتيها, و قالت بإزدراء:" ليس من شأنك.. لماذا عدت؟.."
تن*د بأسي و همس:" لقد عدنا للبلدة و سنبقى.. أنا و العائلة.."
لم تعلق تواليه ظهرها وجهها جامد تنظر لقبر أبيها ب**ت..
فهتف مجددًا:" ألن تقولي شيئا؟.."
التفتت إليه تنظر له بشراسة, قائلة بغضب:" عدت للبلدة إذًا.. ابق بعيدًا عني و لا تقترب.."
اقترب خطوة, هاتفًا بتوسل:" إيزي استمعي إليّ.. لم يكن قصدي أرجوكِ.."
صرخت بوجهه و توهجت عيناها بوحشية مرعبة:"
أدعى إيزابيل تيرنر.. لا تقل ذلك الإسم داني.. لم يكن قصدك تخليك عني..
أم كل ماحدث.. لا تنكئ جراحًا لست بقادر على مداواتها.."
كانت تلهث بعنف تكاد تنقض عليه، و هو ينظر إليها بألم و قلة حيلة..
اشتدت شفتاها حتى أصبحتا كخط حاد,
و قالت بنبرة جليدية و هي تشير إلي قبر والدها:" إن استطعت أن تعيد من رحلوا قد استمع إليك.. لذلك ابق بعيدًا عني, و ارحل من هنا لا أريد رؤية وجهك أمامي.."
و تحركت بخطوات ساخطة تقبض على يديها بقوة،
تاركة إياه خلفها ينظر إليها بإشفاق, هامسًا بعذاب:" ليتني أستطيع إيزي.. ليتني أستطيع.."
****************
عاد داني إلى المنزل بوجه متجهم و كتفين متهدلين.. يشعر بألم حارق بص*ره، لقاؤه مع إيزابيل دومًا يكون مهلك لروحه، و هي دومًا تقا**ه بنظرة الكراهية و الإزدراء, لا تستمع إليه و لا تكلف نفسها حتى بإعطاءه عذر محاولة إلتماسه له،
هو كان ضعيف و لا يزال, و كل ذلك بسبب العداوة بين العائلتين..
و لكن كان عليه ألا يتخلى عنها و هي في أشد الحاجة إليه، تخلى عنها كما الجميع؛ بل انقطع دون سابق إنذار، ويعود الآن ليلتمس منها عفوًا, ربما يستحق كرهها، تن*د بتثاقل لم يتلفت حوله و صعد الدرج مباشرة،
ليأتيه صوت والدته متسائلة:" داني كيف كان الإجتماع؟.."
زفر بقوة والتفت برأسه إليها, ثم قال بإيجاز:" بخير أمي.."
و عاد مرة أخرى ليصعد إلى غرفته..
و جينيفر تتابع هيئته الحزينة, فتسائلت مرة أخرى بخفوت:" كيف حالها؟.."
هذه المرة التفت إليها بجسده و نظر إليها, بإهتمام مستفهمًا:" من أمي؟!.."
أسبلت جفنيها و تحركت حدقتاها بتوتر تبتلع ريقها بصعوبة, قائلة بصوت وصله بصعوبة:" إيزابيل.. أعلم من هيئتك هذه أنك رأيتها اليوم.. كيف حالها الآن؟.."
أغمض عينيه و التوت زاويتي شفتيه بإبتسامة مريرة, قائلاً بألم:" لا تزال تكرهني.."
ارتعشت شفتها السفلى و ابتلعت ريقها مرة أخرى, هامسة بألم يوازي ألمه:" بل تكرهنا جميعًا بني.."
أخذ نفسًا عميقًا, ثم زفره بقوة يبتلع غصة مسننة استحكمت بحلقه، و تحرك قائلاً بيأس:" كرهها لي مختلف.. و لن أستطيع أن أغير شيء فيما مضى.."
و صعد الدرج بخطوات مهزومة
و جينيفر تراقبه بأعين معذبة, هامسة بإعتذار:" سامحني داني و لكني لم أستطع إلا أن أفعل هذا.."
***************
كان مارك ويلر يفكر بقلق فيما حدث بالإجتماع لم يكن يعتقد أن داني قد يتصرف بمثل هذا التهور, لذلك عليه أن يضع حدًا للأمر.. فقام بإستدعاء كل من داني و جيفري بغرفة مكتبه..
بالغرفة جلس مارك خلف مكتبه بهدوء و على الكرسين المقابلين لمكتبه جلس داني و جيفري ب**ت و ترقب شديدين..
بعد مدة طويلة من ال**ت وصلهما صوت والدهما ذو نبرة جادة:" جيفري أظن أن داني أخبرك بما حدث اليوم بالإجتماع!.."
أومئ جيفري برأسه موافقًا, و قال بحدة مندفعًا:" و لكن أبي كان علينا أن نوقفهم عند حدهم, و نريهم من نحن فهم...."
قاطعه مارك بحزم:" هذا ما أتحدث عنه..متهوران, لا تفكران بالعواقب.. ما الذي دفعنا للعودة إلى هنا برأيكما!.. للحد من الثأر و القتل لا لإفتعال شجار آخر.."
زم جيفري شفتيه بحنق و تبرم و لم يعلق, لا يعجبه الأمر برأيه عليهم أن يجعلوا عائلة تيرنر يعرفوا حجمهم الطبيعي و قوة عائلة ويلر..
لا أن يتفاوضوا معهم و يسايروهم و كأنهم يخشونهم..
قاطع تفكيره صوت والده و لكن هذه المرة وجه حديثه لداني الصامت:" و أنت داني لم تتصرف بحكمة, و كدت تفسد الأمر.."
أسبل داني جفنيه و قال بهدوء معتذرًا:" آسف سيدي لم أقصد.. سأنتبه فيما بعد.."
رمقه والده بنظرة غامضة, ثم رفع ذقنه قائلاً بجدية آمرة لا تقبل المزاح:" من الآن فصاعدًا ستتوخيا الحذر في التصرف.. لا أريد أخطاءً أو مشاحنات.. و أنت خاصة جيفري لا أريد منك شكوى.. إن رأيت أحد عائلة تيرنر بمكان أخرج منه فورًا.."
اتسعت عينا جيفري بإستنكار و قال معترضًا:" ماذاااا!.. هذا ليس ممكنًا إن فعلت ذلك سيظنونني خائفًا منهم.. و هذا لن يحدث أبدًا.. أبدًا.."
نهض مارك عن كرسيه بعضب ضاربًا سطح المكتب بكفيه هادرًا بعصبية:" يكفي.. ستنفذ الأوامر دون أي نقاش و إلا ستعاقب جيفري و سيكون عقابك عسيرًا.."
عقد جيفري حاجبيه و قال:" و لكن...."
قاطعه مارك بقوة قائلاً:" لا لكن.. ستنفذ و كفى.."
و عاد بنظره لداني قائلاً بجدية محذرًا:" و سيحرص داني على أن يكون الوضع آمنًا و يراقبك.. أسمعت داني؟.. أنت المسئول أمامي.."
أخذ داني نفسًا عميقًا ثم زفره بقوة يكبح ما بداخله من غضب, و قال بخفوت خانع:" أجل سيدي.. سأكون مسئولاً عن الأمر و لن أدع مكروه يحدث.."
أومئ مارك برأسه برضا ثم أشار لهم بيده ليخرجا.. فنهضا و خرجا سريعًا, ليعقب خروجهم دخول جينيفر التي نظرت لمارك بعتاب صامت..
زفر مارك بتثاقل و تحرك من خلف مكتبه متجهًا إليها بإبتسامة هادئة..
فقالت بعتاب رقيق:" تقسو عليهما مارك كثيرًا و خاصة داني.."
تن*د بقلة حيلة وقال:" و ماذا عليّ أن أفعل!.. عليّ أن أكون قاسيًا و صارمًا لحمايتهما و حماية العائلة.."
ابتسمت بإشفاق و اقترب منه تحتضنه هامسة:" أعرف حبيبي و لكن داني تعرفه حين نأتي لهنا يصبح..."
قاطعها يحتضنها بقوة هامسًا:" أعرف.."
أغمضت عينيها هامسة بألم:" لقد قابل إيزابيل.."
زم مارك شفتيه بقوة يجذ على أسنانه كاتمًا أنفاسه, ثم زفرها متسائلاً بحنق:" و ماذا حدث؟.."
التوت شفتيها بإبتسامة مريرة و قالت بحسرة:" لا شيء.. لم يقل شيئًا إلا أن ملامحه تعبر عن مدى حزنه.. لو لم...."
قاطعها مارك قائلاً بجدية:" يكفي جينيفر إيزابيل موضوع منتهي.. و لن نتحدث فيه مجددًا.."
ابتعدت عنه قليلاً تنظر لعينيه بعذاب, فزفر بقوة قائلاً بأسى:" ما حدث فوق إرادتنا.. و قد فعلته من أجلكِ أنتِ.."
أطرقت برأسها بخزي و همست:" أجل أعرف.."
ابتسم برقة و مد يده يرفع وجهها إليه قائلاً بمواساة:" كل شيء الآن على ما يرام.. لا تفكري بالأمر.."
عادت تحتضنه تتشبث به, تدفن وجهها بص*ره, و لكن مرارة بطعم العلقم تستحكم بحلقها, داني يعاني بسبب ابتعاده عن إيزابيل, بل و يحمل نفسه بما لا يطيق, و هي وحدها الملامة بالأمر لولا أنانيتها وضعفها ما كان حدث كل ذلك و عانى كلاً من داني و إيزابيل دون أي ذنب..
********************
يقود سيارته متجهًا للشاطيء حيث أصدقائه مجتمعين للسباحة في هذا اليوم الحار..
و لكن أثناء ذلك لمح على جانب الطريق سيارة صغيرة متوقفة, و فتاة تحاول عبثًا معرفة ما بها من عطل, حركة جسدها اليائسة بتبرم, ركلها بقدمها لإطارات السيارة,
حين مر بسيارته بجوارها تبين ملامحها, لم يصدق إنها هي.. تلك الفتاة الغريبة التي قبلته بالمقهى..
التوت زاويتي شفتيه بإبتسامة ماكرة, و التمعت عيناه, يتراجع بسيارته للخلف؛ حتى وقف بجوارها, رمقته بطرف عينها و لم تعيره إنتباهًا..
أوقف محرك سيارته و فتح بابها, يهبط منها متجهًا إليها, بعد أن عادت تنحني منكبة تفحص موتور السيارة..
قال من خلفها مشا**ًا:" تبدين بمشكلة.."
زفرت بحنق, قائلة دون أن تلتفت إليه:" ارحل.."
اتسعت إبتسامته, و اقترب منها متفحصًا هيئتها بعينين عابثتين, و قال بنعومة:" قد أساعدكِ.."
اعتدلت ماي بوقفتها, لا ينقصها سوى شاب عابث يريد أن يتسلى قليلاً, هي حانقة بشدة كانت تريد الوصول إلى المكتبة لتبحث عن بعض الكتب التي قد تفيدها بدراستها..
التفتت بجسدها إليه بحدة, فغرت شفتيها لتعنفه, و لكن تجمدت الكلمات و لم تغادرهما و هي ترى ذلك الشاب الذي قبلته بالمقهى, ينظر إليها بحاجب مرفوع مترقبًا..
أغلقت شفتيها و ابتلعت ريقها بصعوبة, تسبل جفنيها تتحرك حدقتاها بإرتياع..
لم تغادر الإبتسامة المتسلية شفتيه, و قال:" مرحبًا.."
تمتمت بصوت يكاد يكون مسموعًا:" مرحبًا.."
مال جوي برأسه قليلاً للجانب يتطلع لسيارتها, قائلاً بوداعة:" أرى أنكِ بمشكلة!.. هل تحتاجين مساعدة؟.."
عضت على شفتها السفلى بقوة, متفاجئة بشدة من وجوده لا تدري ماذا تفعل, و لكنها استجمعت شجاعتها,
و قالت سريعًا:" لقد تعطلت سيارتي و أنا ذاهبة للمكتبة.."
_و يبدو أنكِ لم تستطيعي معرفة عطلها, و تحتاجين لمن يقلكِ!..
هزت ساقها بعصبية, و قالت بحنق:" أظن ذلك.."
_حسنًا سأوصلكِ..
اتسعت عيناها بقوة تنظر إليه بذهول, تهتف بذعر:" ماذااا!.. بالطبع لا.. سأتصل بأحدهم ليأتي و يقلني.."
تأوه جوي بتصنع, و قال برقة خبيثة:" لا تخجلي عزيزتي.. أنا سآخذكِ بطريقي.."
تحرك حدقتاها بإضطراب, قائلة بتعلثم:" لكن.. لكن أنا لا أعرفك.. لا أستطيع أن...."
_و لكنكِ أيضًا لم تكوني تعرفينني؛ حين قبلتيني.. أليس كذلك!..
نبرته المتهكمة بوقاحة,
جعلتها تغمض عيناها بقوة لاعنة نفسها, شاعرة بالخجل الذي جعل وجنتاها تشتعلان..
ضحك جوي بخفوت, و مد يده يلمس ذراعها فانتفضت تنظر إليه بهلع, و لكنه رفع يديه بإستسلام مشيرًا لسيارته, و لم يكن أمامها إلا أن تنصاع له, فدلفت لسيارته و جلست ب**ت,
و دلف هو أيضًا خلف المقود, و تحرك بالسيارة يرمقها بطرف عينه كل ثانية مراقبًا إياها..
و قال بهدوء:" أنا جوي.."
لم تنظر إليه, و لكنها قالت بهمس ناعم:" ماي.."
ابتسم جوي مرة أخرى, و لكنه لم يستطع منع نفسه من السؤال, فقال:" حسنًا لِمَ قبلتني بالمقهى؟.."
أخذت نفسًا عميقًا ثم زفرته بروية, و بعد **ت قصير نظرت إليه,
هامسة بإعتذار:" أنا حقًا آسفة.. لم أقصد.. لا أعرف كيف فعلت ذلك و لكن أصدقائي تحدوني أن أقبل أول شاب يدخل للمقهى, و سخروا مني و لم أستطع إلا أن أقبل التحدي.."
_هل تعلمين أنكِ منذ أن قبلتني و أنا أفكر بكِ!..
************
انتهى الفصل الأول
قراءة ممتعة