" عنفوان "

3187 Words
بالعمل وصلت الساعة الواحدة وقد حان وقت الراحة قليلاً، لم تصدق ما حدث معها هذا الصباح، طلبت ترك العمل والكبرياء الذي بداخلهُ قد منعها مِن تحقيق رغبتها بل وقد أوكل إليها الكثير والكثير مِن الأعمال. لما هذهِ الطريقة؟ أص*ر منها ما يجعلهُ يبطش بها هكذا؟؟ لا تعتقد بأنهُ بسبب الكلمة التي قد نعتته بها سابقاً فقد سبق وعاقبها عليها، عمل الأمس ليس عقاباً لشهر بل عقاباً لسنة بالكامل، وإن كان الأمر كذلك لما لا يزال هكذا؟ لابد حقاً وأن هذهِ هي طِباعهُ. تركت كل ما بيدها لتُعيد رأسها للخلفِ قليلاً وهي تُدلك عنقها، لقد بدأت تُؤلمها.. حانت منها التفاتة نحو الساعة لتشعر ببطنها التي بدأت تص*ر أصواتها عالياً: -أنا جائعة للغاية سأطلب بعض الطعام قامت بإخراج هاتفها النقال مِن أجل طلب بعض الطعام الشهي مِن الخارج لتُنهي المكالمة وهي تنهض لتتوجه نحو دورة المياهِ، بينما بالداخل قام بنزع عويناتهِ الطبية وهو يُلقي بها على الطاولة الخاصة بالمكتبِ أمامهُ ليمسك بأصابعهُ أعلى أنفهُ وهو يدلك بها بين عينيهِ بسبب الصداع الذي أمسك برأسهِ. حانت منهُ التفاتة نحو الهاتف الخاص بالعمل ليهتف بمن أجابهُ: -ليجلب أحدهم فنجاناً مِن القهوة السادة إلى مكتبي أجابهُ الطرف الآخر بعملية مِن فورهِ: -حسناً سيدي أغلق الهاتف ليُعاود النظر للملفات التي أمامهُ، بعد لحظاتٍ دار بعينيهِ بحثاً عن ملف الشؤون المالية ولم يجده، قطب بين حاجبيهِ قليلاً وهو يضرب بالجرس على المكتب الخاص بالسيدة البروفيسور نغم لتأتيه إلا أنها م تُجب. أعاد تكرار الأمر عدة مراتٍ ليشعر بالغضب وهو ينهض بخطواتٍ حادة نحو مكتبها، هل الهانم تتعلم الثِقل عليه بعد ما فعلهُ معها؟ إن كان الأمرُ كذلك لن يرحمها؟ هل نحن بالملاهي هذا عمل ولا يوجد وقت للتصرفاتِ الصبيانية هذه! فتح الباب بقوة لتقع عينيهِ على اللاشئ، قطب بين حاجبيهِ بحدة وهو يتساءل أين ذهبت؟ لفت انتباههُ حقيبة طعامٍ سريع بينما هي غير موجودة، خرج مِن المكتب وهو يلعن مِن تحت أنفاسهِ إلا أنهُ قد لفت انتباههُ أن الساعة قد أصبحت الواحدة وقد حان وقتُ الراحة. طُرق باب مكتبهُ ليسمح للطارق بالولوج: -ادخل دلف العامل بالقهوة والذي لم يكن سوى رجلاً كهلاً يتوجه نحو المكتب ليقوم بوضع القهوة وهو يبتسم هاتفاً: -بالهناء سيد زين ابتسم زين وهو يُجيب بوجهٍ بشوش لا يظهر سوى مع القلة النادرة مِن الناس: -على قلبك يا عمِ ياسر همّ الآخر بالتحرك مُبتعداً إلا أن زين قد أوقفهُ هاتفاً: -عم ياسر انتظر قليلاً قطب الرجل بين حاجبيهِ وهو يستمع لهُ لينهض زين مِن خلف المكتب وهو يتوجه بخطاهُ الواسعة نحو مكتب نغم ليقوم بالتقاطِ حقيبة الطعام الساخن الخاصِ بها مِن على المكتب وهو يتوجه بهِ نحو الآخر هاتفاً بهدوء: -تفضل هذا الطعام لك حدق بهِ الآخر بخجل ليتحدث زين بصرامة وأدب: -عم ياسر أنت بمثابة والدي ولا داعي للخجل أنا لا أعطيك بدون مقابل وأنت عملك تقوم بهِ على أكمل وجه، يكفي قهوتك التي لا مثيل لها.. تفضل ابتسم الآخر بسعادة وهو يتناول منهُ الحقيبة ليتحدث بامتنانٍ وهو يخرج مِن الحجرة: -شكراً لك ابني، أطال الله بعمركَ ورزقكَ الخير، عن إذنك أومأ له الثاني وهو يتابعهُ يخرج مِن أمامهِ بينما تلاشت ابتسامتهُ ليحل محلها البرود وأُخرى ساخرة بإحداهن: -بل شكراً لأنني على وشك رؤية بركانٍ سينفجر عاد لعملهِ وهو يجلس خلف المكتب بينما على جانبٍ آخر كانت هي تخرج مِن دورةِ المياه بعد أن قامت بغسلِ وجهها لتفيق قليلاً وعصافير بطنها تغرد عالياً مِن أجل الطعام، لابد بأن الطعام قد وصل. تحركت بخطواتٍ سريعة لتقع عينيها على عاملين يقابلانها في الممر ليلفت انتباهها حقيبة الطعام التي يحملها، قطبت بين حاجبيها وهي تبتسم لنفسها: -أيطلب العمال أيضاً طعاماً مِن نفس المكان؟ وما دخلي وصل لمسامعها حديث الرجل لمن معه بابتسامة: -السيد زين والله لا يوجد أحن مِن قلبهِ هو مَن أعطاني هذا، يبدو قاسياً ولكنهُ طيب تشنجت تعابيرها سخرية وهي تبتعد هامسةً لنفسها بازدراء: -قلبٍ حنون! بل أنت المجنون يا عم دلفت لمكتبها وهي تبحث عن الطعام، لم تجده! استغربت لتقوم بإمساك هاتف الشركة وهي تتصل بالأمن أسفلاً: -مرحباً بركات الم يأتي شاب التوصيل بالطعامِ بعد؟ هتف الثاني مُجيباً: -بلى نغم، لقد أتى وجعلتهُ يصعد بالطعامِ إليكِ! قطبت بين حاجبيها بدهشة وهي تتساءل: -أتى لا يوجد شئ يا بركات! ضحك الآخر بغيرِ تصديق وهو يُردد باستنكار: -كيف يا فتاة لقد صعد بهِ وحينما نزل قال بأنهُ لم يجد أحداً بالمكتب ولكنهُ قام بوضعهِ على الطاولة وأنا بنفسي قمتُ بحسابهِ.. توقفت فجأةً عن الكلام وهي تجحر بعينيها أمامها بينما عقلها يقوم باستيعابِ كل ما حدث، ها قد بدأت الأفكار والأحداث بالترابط بدءاً مِن رؤية العامل يحمل حقيبة الطعام وحديثه ومَن قام بإعطائها له. لقد قام بإعطائهِ طعامها!.. أنهت المكالمة وهي لا تزال على حالها مِن الصدمة قائلةً: -وجدته بركات حسناً.. أغلقت الهاتف لتذهب بحالتها نحو الباب الفاصل بينها وبين مكتبهُ لتقوم بالطرقِ عليهِ وهي تسمع إذنهُ بالدخول، ما إن وقعت عينيهِ عليها وقد ابتسم ساخراً في نفسهِ..ها قد جاءت رفع حاجباً لها بترقب وهو يراها تقف أمامهُ مُحدقةً بهِ بصمتٍ بينما عينيها على وشكِ الفتك به، ولكن فاجأتهُ كثيراً حينما خرج صوتها مُتقطعاً وهي تتحدث بتساؤل: -سيدي هل قمت بإعطاء طعامي لأحدهم؟ مال برأسهِ قليلاً نحو اليمين وهو يُردد ببرود: -أجل.. لماذا؟ تعجب بقوة مِن هدوئها أو بالأحرى هدوئها الزائف أمامهُ فقد كانت طوال وقوفها تقبض بأناملها على ثيابها وهي تقوم باعتصارها مِن فرطِ الغضب ولكن كلماتها قد أتتهُ كالقنبلة: -لا شئ.. بالتأكيد أنا لن أحدث مشكلةً مِن أجل الطعام، ولكن منذ الصباح وأنا لم أتناول شيئاً وأعمل بلا توقف والآن أصبحت الساعة الثانية ظهراً وانتهت فترة الراحة ويجب عليّ متابعة العمل وأنا مرهقة للغاية وأشعر بالدوار بسبب الجوع. هل تراني كالآلة لا تشعر بالإرهاق ألا ترى بأنهُ مِن العيب التصرف بهذهِ الطريق؟ عيب سيدي عيب.. أنهت كلماتها لتهم بالتحرك نحو المكتب إلا أنهُ أوقفها وهو يتحدث بكل صلفٍ هاتفاً: -هذا عِقابكِ لأنك تجاوزتِ حدودك وتدخلتِ فيما لا يعنيكِ أمس.. لم تفهم شيئاً مما قال لتهز رأسها بغيرِ فهم ليتابع هو بتوضيح وعنجهية: -مكتبي والأدراج لتي قمتِ بالتفتيش بها أمس، هل تظنين بأنني لم أراكِ وأنتِ تعبثين بها؟ ابتلعت ريقها بتوتر وهي تُشيح بجفنيها بعيداً عنه ليأتيها هتافهُ الحاد: -انصرفي أغمضت جفنيها لتهم بالتحرك نحو مكتبها لتتغضن معالمها بكاءً بسبب معاملتها بهذهِ الطريقة البشعة لتُغلق الباب خلفها وهي تجلس على طاولةِ المكتب لتضع وجهها بين أناملها وهي تبكي بصوتٍ خافت. بينما على الصعيدِ الآخر كان هو يحدق أمامهُ نحو المكان الذي كانت تملأهُ منذ ثوانٍ، ازداد انعقاد حاجبيهِ غضباً ولكن مِن نفسه، كلماتها أشعرتهُ بالدونيّة.. ربما لم يكن يجب عليهِ التصرف بهذهِ الطريقة، بالتأكيد هي ليست بآلة وأيضاً يحاسبها فقط على التقصير بعملها لا غير ذلك!! نهض بعنفٍ وهو يشعر بالغضب مِن نفسهِ ومنها أكثر بسبب ما أوصلتهُ إليهِ، هو لم يحاسبها سوى على خطأها بالأمس، توقف أمام باب مكتبها بعد أن كان على وشكِ فتحه بقوة إلا أن صوت بكائها قد أوقفهُ عن التقدم خطوة واحدة نحو الداخل. كز على أسنانهِ غيظاً ليندفع نحو مكتبهِ مرة أُخرى للجلوس عليهِ وهو يعاود النظر بداخل أوراقه هامساً بسخط: -دلالُ فتيات. لقد كان الأمرُ كارثةً لها، ما إن وجدت نفسها بهذا الموقف لم يستطع عقلها الصمود أمام كل هذا الضغط النفسي لتسقط بين أيديهم جميعاً، للمرة الأولى بحياتهِ يقترب من فتاةٍ إلى هذا الحد.. شعرت بذراعين مِن حديد تقومان بتكبيل جسدها لتتشبث بثيابهِ وهي تشعر بعينيها على وشكِ الانغلاق، وجههُ كمان قريباً للغاية فقط إنشين هما الفارق بينما الكثير مِن الوجوه تتداخل معه وهي تحاول إبقاء أعينها مفتوحة. كانت الأصوات بعيدة للغاية إلا صوتهُ هو وهو يهتف بها بنبرة حادة غاضبة: -ليس الآن، لم أحاسبكِ بعد. لم تستطع الصمود لتشعر هي بجسدها يرتفع بالهواء بخفة وص*رٍ قاسٍ يحملها، لولا المضخة التي تقبع بيسار ص*رهِ لظنت بأنهُ جماداً.. حاولت فتح عينيها عدة مراتٍ وهي تستمع لهتاف فِداء الهلع: -يجب علينا الذهاب بها للطبيبِ فارس. لم يتفوه الآخر بكلمة واحدة لقد كان بركاناً مكبوتاً، كلمة أُخرى مِن أحدهم وينقلب كالإعصار بعد ما رأى، تحرك حاملاً لها بخطواتٍ حادة نحو السيارة دون أن يص*ر عنهُ حرفاً واحداً.. حانت مِن شقيقته التفاتة نحوه لترتعد بقوة مِن سخط معالمهُ الغاضبة لتهمس بوجل: -استر يا رب. بينما هي ما إن التقطت أذنيها هتاف فِداء إلا وقد توقف عقلها عند كلمة واحدة واسمٍ واحد فقط، فارس.. هي بين يديهِ وقريبة منهُ إلى هذا الحد؟ غير واعية وغير مدركة لما تفعل تسللت أناملها نحو عنقهِ لتلف ذراعها حولها وهي تتشبث بهِ كثيراً هامسة بصوتٍ يكاد يختفي: -فارس.. رأيتك، فارس؟ تلاشت معالم الغضب والحدة لتتجمد أوصالهُ وتعابير وجههُ بقوة ليبدأ فكيّه بالاصطكاك بقسوة وهو يستمع لهمسها، وصل للسيارة لتقوم فِداء بفتح باب السيارة لتصعد إليها وهي تلتقطها منه ليقوم بغلقِ الباب بينما هو يقفز بخفة على مِقعد القيادة لينطلق بالسيارة كالصاروخ مُخلفاً الغبار. إلى جانب العديد مِن التساؤلات القاتلة حول ماهية الشخص الذي قام بحمل رنيم بهذهِ الطريقة وأخذها أمام الأنظار دون أن يجرؤ أحد على إيقافه، بالواقع لقد حاول أحدهم ذلك وها هو الآن بين يديّ رِفاقه يحاولون إيقاف نزيف الدماء مِن شفتيهِ بعد اللكمة التي أخذها حينما حاول السؤال فقط.. هتف أحد الطلاب بالباقين: -ا****ة مَن هذا يا رجل؟ أجابهُ آخر بغيرِ فهم: -هذهِ المرة الأُولى التي أراهُ بها لا أعلم، هل أنت بخيرٍ شهاب؟ هتف بسؤالهِ لشهاب الذي قام ببصق الدماء مِن فمهِ وهو يضع بعض الثلج على وجههِ ليُجيب الآخر بغضبٍ شديد: -الحقير النجس أقسم بأنني لن أرحمه لا يعرف ابن مَن أنا وما أنا بقادرٍ على فِعله؟ تحدثت فتاةٍ بأذن رفيقها بسخرية: -بالواقع لم أظن يوماً بأنني سأرى شهاب بهذهِ الحالة، لقد سدد لهُ الرجل لكمة واحدة فقط وها هو يجلس كالنساء يولول. وكزها الآخر بمرفقهِ لتصمت وإلا سمعها شهاب وقام بقتلها ليتساءل: -ما الذي ستفعله؟ نهض شهاب وهو يتحرك نحو سيارتهِ ليصعد خلف المقود قائلاً: -يجبُ أن أعلم من هو أولاً؟ حانت منهُ التفاتة نحو ماجد الذي يسنده اثنينِ مِن رفاقهِ هو الآخر لينظر لهُ بازدراء وهو يتحرك بسيارتهِ هاتفاً: -لا أظن بأنك المعجب الوحيد سيد ماجد، مِن الواضح أنها ستصبح حرباً ضروس. على جانبٍ آخر وصل بالسيارة إلى المنزل الخاص بالفتاتين لتهتف بهِ فِداء: -لما لم تذهب بنا للطبيب يا فارس؟ لم يُجبها فقط اكتفى بنظرة أسكتتها وهي تومئ برأسها في صمت: -كما تريد. حانت منها التفاتة نحو الأناس الكثيرون والذين كانت نصف أعينهم على السيارة ومَن بها لتتساءل بخفوت: -فارس كيف سنخرجها الجميع يحدق بنا ولا نريد أن نكون حديث الساعة لم يتفوه شقيقها بكلمة وهو يترجل مِن السيارة ليتوجه نحو رنيم الفاقدة للوعي ليقوم بحملها على مرأى الكل دون أن يُلقي بالاً لأياً مما يشاهد، فليذهب الجميع للجحيم منذ متى وهو يهتم لرأي أحدهم؟ أومأت فِداء برأسها وهي تهمس لحالها بعد الذي قام الآخر بفعلهِ: -ولما أُرهق حالي وأتحدث، إنهُ أخي فارس لا يستطيع أحد إملاء أمرٍ عليه أبداً. ترجل مِن السيارة وهي تتبعهُ نحو الداخل بينما الأنظار تُلاحقهم ليصعدا كلاهما للأعلى، وقف هو حاملاً لرنيم أمام الشقة لتقوم فِداء بالبحث بحقيبتها عن المفتاح لتجده أخيراً.. قامت بفتح الباب ليتبعها وهو يهتف بجمود: -أين حجرتها؟ أشارت لهُ فِداء بإحدى يديها نحو جانبٍ ما ليتوجه نحوهُ بصمت، قام بوضعها على الفِراش وهو يتوجه نحو جانبٍ ما ليقوم بالتقاط زجاجة عطرٍ وهو يناولها لشقيقتهُ آمراً: -ضعي منهُ قرب أنفها أومأت لهُ لتنفذ ما قال وها هي الثانية تقوم بفتح عينيها رويداً رويداً تحت أنظارهِ الباردة ليأخذ زجاجة العطر وهو يقوم بفتح أحد الأدراج لوضعها بهِ، لفت انتباههُ شئٌ ما ليعقد حاجبيهِ بحدة وهو يتمعن به بينما ابتسمت فِداء بسعادة وهي تقوم بنداء رنيم: -رنيم.. حبيبتي.. هل تسمعينني؟! التفتت نحو أخيها الذي كان منتبهاً لشئٍ آخر لتهتف بهِ: -أخي، لقد استعادة وعيها قام بإغلاق الدرج وهو يتحرك نحو الخارج هاتفاً بجمود: -ساعديها في تغيير ثيابها ولتأخذ حماماً دافئاً، أنا سأذهب لعملي وسأعود مساءاً عندما تأتي نغم.. أومأت له بطواعية وهي تراهُ يغلق الباب خلفه لتعود بأنظارها نحو التي تغلق عينيها لتنساب عبراتها على جانبي وجهها في صمت: -رنيم.. لما تبكي؟ فتحت الثانية عينيها وهي تجهش بالبكاء هامسةً: -لقد تدمر كل شئٍ فِداء ربتت الأُخرى على رأسها وهي تأخذها بأحضانها متحدثةً بمواساة: -الآن دعينا أولاً نغير لكِ الثياب ولتأخذي حماماً دافئاً وبعدها نتحدث هيا حبيبتي انهضي. بالعمل أصبح الساعة الرابعة وبدأ الصداع يفتك برأسها، لولا بعض المعجنات السريعة التي أتت بها سارة لها وفنجانِ القهوة الذي طلبتهِ لسقطت أرضاً. تراجعت بالمقعد وهي تمسح على رأسها مُخرجةً زفيراً حاداً ليأتيها طرقٌ على الباب، قطبت بين حاجبيها وهي تهتف: -تفضل؟ دلف شابٌ ما يحمل بين يديهِ العديد مِن حقائب الطعام ليتساءل: -الآنسة نغم؟ أومأت برأسها باستغراب مُتسائلة: -أجل تفضل؟ وضع الشاب الحقائب التي بيدهِ ليصل لأنفها رائحة الطعام الشهي الذي يسيلُ لهُ الل**ب وهو يتحدث: -هذا الطعامُ مِن أجلك بالهناء هم بالتحرك مُبتعداً إلا أنها أوقفتهُ هاتفةً بتعجب: -انتظر انتظر.. مَن الذي أخبرك أنت تأتي بهذا ومَن طلب كل هذا الطعام؟ هز الشاب رأسهُ بالنفي وهو يُجيب: -لا علم لي سيدتي أنا فقط عامل توصيل عادت بنظرها نحو الحقائب لتفترق شفتيها، مِن أين ستأتي بالمال لهذا، لابد أن هناك خطأً هتفت بهلع وهي تنظر له: -لابد أنك مُخطئ أنا لم اطلب كل هذا؟ تن*د الفتى بضيق وهو يسأل: -الآنسة نغم محمد الصالحيّ؟ أومأت برأسها بخفوت ليتحدث الآخر مؤكداً: -إذا آنستي هذا الطعام لكِ عن إذنك؟ رمشت بجفنيها عدة مراتٍ وهي تراه يبتعد لتهتف بعفوية: -ألن تأخذ حسابك حتى؟ أجابها الآخر دون أن يقف: -لا سيدتي الحساب مدفوع أغلق الباب لتهمس بدهشة: -الحساب مدفوعٍ أيضاً؟ عادت بنظرها نحو الطعام وهي تحدق بهِ بتمعن ليخطر ببالها أمرٌ واحد لا غير، هل مِن الممكن أن يكون هو؟ لا يوجد غيره، هو الوحيد العالم بما حدث ولا يوجد مَن عليهِ استعداد ومقدرة بطلب كل هذا ودفع كل هذا المبلغ سواه. ارتسم الجليد على معالمها وهي تعقد يديها أمام ص*رها: -لن يكون الأمر بهذهِ السهولة يا سيد، إن كنت تريد الاعتذار فلتتحدث بها مُباشرة لا داعي لكل هذهِ الأساليب المراوغة. خرجت نحو الفتيات واللاتي كن ينتظرن شغفاً خروجها ليتساءلن عن كل هذا الطعام لتهتف بهن: -فتيات هل تردنّ تناول شئ؟ ابتسمن لها بسعادة لتقوم بإعطائهن كل الطعام وهي تهتف: -أنا لستُ جائعة تناولن هذا بعد مرورِ دقائق كان زين الدين يخرج مِن مكتبهِ حاملاً ملفاً بين يديهِ لتصل لأنفهِ رائحة الطعام ليقطب بين حاجبيهِ مُتسائلاً: -ما هذه الرائحة؟ انتبهت لهُ الفتيات لينتفضن واقفات والطعام بفمهن لتحاول سارة التحدث بخوف: -نعتذر سيدي لقد كنا نتناول بعض الطعام لفت انتباههُ حقائب الطعام والاسم المدوّن عليها ليصطك فكيّهِ ببعضهما مُتسائلاً: -مَن أتاكم بهذا الطعام؟ هتفت سارة بعفوية: -إنها نغم سيدي كز على أسنانهِ غيظاً ليتسلح بالجمود وهو يتوجه نحو مكتبها تحت هتاف سارة المرعوب لآية: -يا إلهي هل سيقوم بطردها بسببي؟ رفعت الأُخرى كتفيها بغير علمٍ وهي تمضغ الطعام بينما هو دلف للمكتب بدون استئذانٍ لتنهض هي لهُ مُتحدثة بهدوء: -أجل سيدي؟ دار بعينيهِ عن أي حقيبة واحدة مِن الممكن أن تكون قد تناولت ما بها إلا أنهُ لم يجد، قاطع بحثهُ هتافها: -هل تبحث عن شئٍ ما؟ عاد بأنظارهِ نحوها ليتلاشى غضبهُ وقد حل محلهُ التسلية، ارتسمت ابتسامة جانبية على شفتيهِ وهو ينظر نحوها بأعين ضيقة بينما هي كاد فكها أن يُلامس الأرض، هل هو يضحك؟! هل فعلاً يضحك.. تذكرت أنهُ قد ضحك لها قبلاً يوم الحفل لتفيق مِن شرودها على صوتهِ الغليظ وهو يتحدث بمعالم ساخرة: -أقدر أصحاب الكبرياء. أنهى كلمتهِ لترفع لهُ حاجباً بترفع لتتسع ابتسامتهُ ال**بثة وهو يخرج مِن الحجرة نحو مكتبه هامساً: -فلتري عنفواني إذاً ـ هذا كل ما في الأمر فِداء أقسم بالله هتفت بها رنيم وهي تبكي بصمت لتحاول فِداء تهدئتها وهي تسب وتلعن هؤلاء الحمقى: -اهدئي حبيبتي، ستكون الأمور بخيرٍ إن شاء الله هزت الأُخرى رأسها بالنفي وهي تتحدث بقهر: -كيف هذا؟ لقد كان فارس شاهد على كل ما حدث، لقد تدمر كل شئ.. ولن يعطيني فرصة واحداً أبداً للتبرير، أنتِ تعرفينهُ جيداً تن*دت فِداء بحزنٍ وهي ترى حالها المُشفق لتعانقها وهي تُربت على ظهرها، هي مُحقة فارس عقلهُ كالقفل.. لا يتفاهم لهُ ما ترى عينيهِ فقط والآن وبعد رؤيتهِ لكل هذا كيف ستتمكن هذهِ المسكينة مِن التبرير له! -بإذن الله ستُحل حبيبتي لا تقلقي هتفت بها فِداء لتخرج رنيم زفيراً عميقاً ليقاطعهم صوت جرس المنزل، تساءلت فِداء باستغراب: -هل تنتظرين أحدهم أنتِ أو نغم؟ هزت الأُخرى رأسها بالنفي وهي تُجيب: -لا أبداً نهضت فِداء مِن جوارها وهي تتولى مهمة الإجابة هاتفةً بتعجب: -إذاً مَن سيأتي نغم تعود في السادسة كما تقولين؟ تحركت نحو الباب لتقوم بالوقف خلفهُ وهي تهتف لمن بالخارج: -مَن؟ أتاها صوت شقيقها وهو يُردد: -افتحي قامت فِداء بالفتح مُسرعةً لأخيها لتجده يحمل حقائب الطعام وهو يدخل بها وسط تساؤلها: -ألم تذهب للعمل؟ تحدث وهو يتوجه نحو الطاولة ليقوم بوضع الحقائب عليها: -انتهيت سريعاً أومأت برأسها وهي تسرع نحو الحقائب لتبتسم مُمتنة: -لقد كنا نشعر بالجوعِ كثيراً، شكراً لك سأنادي لرنيم حتى تأتي تحدث بصرامة دون أن ينظر لها بينما عينيهِ مُعلقة بالطعام يخرجه حتى يأكل: -لا أريد رؤيتها ابتلعت فِداء ريقها بصعوبة وهي تدرك بأن الوضع فعلاً كارثيّ، حاولت التحدث بمسايرة وهي تُبرر: -أخي لقد حدث سوء فهم هي لم قاطعها وهو يُردد بنبرة صارمة وأعين حادة: -أظن بأنني قادر على التعامل دون مساعدة أحد انقطع لسانها وهي تومئ برأسها هامسةً بداخلها: -كان الله بعونكِ رنيم التقطت بعض الطعام لتتوجه بهِ نحو الداخل حيث تقبع بعد أن وصلهم صوتها وهي تبحث عنها: -سأتناول الطعام برفقتها لم يُلقي لها بالاً وهو يتناول طعامهِ بمعالمٍ صلبة بينما الأُخرى هزت رأسها يأساً منه. بعد أن دلفت بهِ لها سألتها: -مَن وما هذا؟ ابتسمت فِداء وهي تجلس أمامها على الفِراش: -إنهُ أخي فارس وقام بجلبِ الطعامِ لنا.. ألم أخبركِ بأن الأمور ليست متضررة إلى هذا الحد؟ ابتسمت رنيم بسعادة وكل ما يهمها الآن هو أن حبيبها يجلس بالخارج بجوارِها: -حقاً هل هو هنا؟ أومأت الثانية برأسها وهي تُعطِها الطعام: -هيا تناوليهِ كله هيا حتى ننهض مِن هنا سارعت الأُخرى بتناوِل الطعام على عُجالةٍ حتى تخرج لتراه بينما بداخل فِداء كانت تشعر بالألم حيالَ هذهِ المسكينة لتتغضن معالمها حدة وهي تهمس بداخلها: -تباً لقلبك الأشبه بالصخرِ أخي. بعد مرورِ دقائق نهضت رنيم لتغسل يدها بينما قررت فِداء أن تمكث بمكانها دون تدخل، يجبُ عليها تركهما سوياً ربما يتعدّل الوضع دون تدخل، فكما تعلم شقيقها لا يحب الحديث كثيراً أو تدخل أحدهم كمحامٍ -ألن تقومي بغسلِ يدكِ هتفت بها رنيم لتُجيب الأُخرى بالنفي: -لم أشبع بعد اذهبِ انتِ ابتسمت لها الثانية وهي تلتقط شهيقاً قوياً بينما نبضات قلبها على وشكِ الخروج مِن مكانها، ابتعدت وهي تقدم قدم وتؤخر الثانية وسط همس فِداء: -يجب عليك الاستماع لها أخي. بالخارج دارت بعينيها بحثاً عنهُ إلا أنها لم تجد أثراً لهُ لتقوس بين حاجبيها حزناً، لابد أنهُ قد رحل.. توجهت نحو دورةِ المياه لتغسل يدها لتفاجأ بهِ أمامها خارجاً منها، لقد كان يغسل يديهِ أيضاً! انقطعت أنفاسها وهي تُحدق بهِ بينما نبضات قلبها باتت تستمع إليها لتشعر بها تصم الأذن، مالك قلبها أمامها وبعد شوقِ عاماً كاملاً مِن الغياب.. ها هو أمامها تحدق بهِ بأعين عاشقة تتمعنان بكلِ تفصيلةٍ به لتشبع رغبتها. لم تشعر بحالها وهي تشرد بعينيهِ التي يتداخل لونها ما بين الأخضر والرمادي، حاجبين مستقيمين وبشرة خمرية قد أثرت بها شمس الصحراء الحارقة لتضيف إليهِ سُمرة محببة تسلب أنفاسها.. خصلاتهِ طولها طبيعي وفكِ قاسٍ بشفاهِ رفيعة، مع جسدٍ منسق ليس بالضخم ولكن برعت الرياضة في تفصيله.. كان ينظر نحوها في صمت، لا يص*ر عنهُ شاردة ولا واردة يراقب نظرات مَن على وشكِ أكلهِ بعينيها، أشاح بمقلتيهِ بعيداً وهو يهم بالتحرك لتُسارع هي مُرددةً بتوسل: -فارس انتظر ما حدث.. قاطعها وهو يلتفت لها هاتفاً بكلماتٍ قاسية بشدة لم تعهدها إلا أن الجليد لم يترك معالمهُ وهو يتحدث أبداً: -لا يهمني، وفري حديثكِ لو لم يجد هاذين الشابين مِنكِ استجابة سابقاً لم يكن ليتعاركا مِن أجلك. ألقى كلماتهُ القاتلة ليتركها ويبتعد بينما هي شعرت بقلبها يهوي بين قدميها، قبضةً تعتصرهُ بقوة لتتغضن معالمها ألماً وهي تشعر بعبراتها تنساب على وجنتيها بصمت بينما عينيها تحدقان بهِ وهو يذهب دون أن يلتفت لها ليتوجه نحو الباب الرئيسيّ تاركاً المنزل بأكمله..
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD