الفصل ١

2558 Words
توقفت سيارة سوداء بمحطة استراحة، بعد أن قطعت نصف المسافة من أغادير باتجاه مراكش. خرجت فتاة شابة من السيارة، ثم اتجهت نحو متجر بالمحطة، لتخرج منه بعد بضع دقائق و في يدها كيس به قنينتي ماء، و كيسين صغيرين من الحلوى. دخلت السيارة، جلست في مقعد السائق، مدّت الكيس للفتاة بجانبها، و التي كانت تتحدث عبر الهاتف، ثم انطلقت. كانت تبدوا المتكلمة عبر الهاتف في العشرينيات من عمرها، بيضاء البشرة، لها عينان سوداوتان واسعتان قليلا، أنف دقيق جميل، و شفتان ممتلئة حمراوتان، و عظام وجه بارزة. تغطي شعرها بغطاء رأس أ**د اللون، و ترتدي فوقه قبعة صيفية سوداء. و باقي ملابسها تقتصر على كنزة سوداء واسعة، و سروال جينز أزرق سماوي اللون، واسع بعض الشيء لا يكاد يُظهر شكل ساقيها. أخذت ذات العينان السوداوتان تفتح أحد أكياس الحلوى، و حوارها مع المتصل لايزال مستمرا. - لقد أرسلت لك الت**يمات كلها هذا الصباح.. قلت لك، أستطيع العمل عن بعد.. لن تكون سوى بضعة أيام و سأعود! لا تقلق.. أجل سأكون في مصر.. إن شاء الله.. حسنا، إلى اللقاء. أنهت المكالمة، و أعادت هاتفها إلى الجيب الخلفي لسروالها، ثم رمت حبة حلوى في فمها دون أن تكترث للفُتات الذي كان من الممكن أن يتساقط على ملابسها، ثم مقعد السيارة. قالت السائقة موبخة، - توقفي عن الأكل كالأطفال يا ليلى! لقد نظفت سيارتي هذا صباح! - هبة! منذ أن أصبحت أما، و أنتي تتصرفين كواحدة مع الجميع! أنظري، لم يسقط شيء من فمي! تن*دت هبة استسلاما أمام الأمر الواقع، ثم سألت، - من كان المتصل؟ زميلك في العمل؟ - أجل. أراد أن يعرف سبب اختفائي المفاجئ. ابتلعت ما كان في فمها ثم قالت بنبرة تشبه نبرة طفل مسرور يُحدث نفسه، - و أخيرا سأرى الأهرامات! ضحكت هبة، فالتفتت اليها ليلى بابتسامة استغراب ثم استفهمت، - لماذا تضحكين؟! أنا جادة! - أدرك ذلك! أعلم جيدا أنك مجنونة بالتاريخ و مآثره! **تت هبة لثانية ثم أكملت كلامها قائلة، - على أي، كما أخبرتك، لم أجد طائرة تغادر مساء اليوم إلى بيروت، لذلك اشتريت لك تذكرة إلى القاهرة. أما كنت تستطيعين الانتظار حتى الغد؟! - لا أستطيع. علي المغادرة اليوم. إنهم يضغطون علي كما لم يفعلوا من قبل! كل ما أسمعه منهم هو أنني "في الرابعة و العشرين" و يجب أن أقبل الزواج الآن! أيا يكن المتقدم لي! أ تعلمين ماذا قالت أمي؟! قالت انها لن تنتظر موافقتي و ستعلن الزفاف!! و كأننا في العصر الجاهلي! بل أسوء!! كيف لي أن أتزوج بشخص لا أعرفه و لا رغبة لي في التعرف إليه حتى! زفرت في انزعاج، فتحت قنينة الماء لتشرب منها جرعة، ثم أكملت على كلامها قائلة، - كما أنه ليس وسيما! و لو قليلا!! يال حظي التعيس!! ضحكت هبة من كلام ليلى ثم سألت، - إذا؟ كم يوما ستبقين في مصر؟ - لا أدري! ربما ثلاثة أو أربعة، ثم أغادر الى بيروت، فلي صديقة هناك. سأبقى عندها لبعض الوقت، حتى تنتهي هذه السخافات. تن*دت ليلى استسلاما ثم قالت، - يا ليتني جددت تأشيرتي الأوروبية. كنت ذهبت و بحثت لنفسي عن العمل الذي لطالما حلمت به. - كان عليك طلب تأشيرة أمريكية. هناك، يمكنك تحقيق حلمك حقا. أعلم أنك تعتقدين أن فرصتك ضاعت عندما رفضتي الذهاب العام الماضي، لكن هناك، ستجدين ألف فرصة أخرى مثلها، بل أفضل منها. سكتت ليلى لبرهة قبل أن تتكلم، - لا أريد أن ألوم والداي، لكن بسببهما تركت فرصة العمر تضيع من بين يداي. لقد كان ذلك حلمي، و تركته لأُطِيعَهما، و في النهاية يجبرانني على الزواج! يا ليتني جمعت حقيبتي آن ذاك، و رحلت دون إذن من أحد. - لا عليك. لم يكن ذلك مقدرا. الأفضل سيأتيك قريبا. - ان شاء الله. - ان شاء الله. سكتت الفتاتان عن الكلام لمدة، إلى أن **رت ليلى ال**ت بالحديث عن تخيلاتها، - تخيلي يا هبة، لو أننا كنا نعيش في عهد آخر غير هذا. مثلا، خلال العصر الإسلامي الذهبي! في بلاد فارس، أصفهان عا**ة العلوم في عهد ابن سينا. أو ربما.. ربما في عهد الأمويين، أو العباسيين! أو عهد الموحدين في بلادنا! إضافة إلى ذلك الازدهار كله خلال تلك الفترة، لم يكن هناك حدود بين بلاد و أخرى! كل ما تحتاجه لتسافر، هو حصان و بعض المال و زاد، ثم تتكل على الله، و تغادر برفقة قافلة إلى حيث تريد. ضحكت هبة و هي ترفع كلا حاجبيها في دهشة، - بلاد فارس!! الأمويون أو العباسيون! الموحدين!! تغادرين برفقة قافلة؟! - أ ليس الأمر أسهل؟! أقصد لا تأشيرات دخول و لا جواز سفر! و لا أحد يفتش حقائبك و ملابسك، أو يسألك عن سبب دخولك إلى بلاده، فالكل مرحب به! فهذا مصري مرحب به في الشام! و ذاك فارسي مرحب به في بغداد! و أكثر ما يعجبني في ذلك العصر، أنه كان عصر العلم و الفلسفة، و الأدب و الشعر و الفنون عند المسلمين! أ ليس كالحلم؟! - كالحلم؟! و ماذا عن الطريق؟! أ تدركين أنها أشهر و أشهر لتصلي الى مكان ما؟! أجابت ليلى بكل سهولة، - و ماذا في ذلك؟! تقفين في كل محطة! يرحب بك أهل القبائل، تستمتعين بالطبيعة، صحراء كانت أو غابات! واحات أو أنهار! شعور ساحر! أ ليس كذلك؟! أجابت هبة بنبرة ساخرة، - سيكون الأمر ساحرا للغاية إذا ما انتهى بك الأمر بين يدي قطاع الطرق! و يبيعونك لنخاس، يبيعك بدوره في سوق النخاسة، فتصبحين جارية! التفتت ليلى إلى هبة، رمقتها بنظرات منزعجة ثم قالت، - لماذا أنت هكذا يا هبة؟! لماذا؟! لما هذا الفأل المتشائم؟! ضحكت هبة وهي تشير لليلى بأن تهدأ، - لا عليك! إهدئي فنحن في القرن ٢١! انه عام ٢٠١٩!! لا تخافي! لن يبيعك أحد لأحد! - و كأن ما يحاول والداي القيام به ليس بيعا لحريتي! القرن ٢١!! يا لها من كذبة. تن*دت ثم أضافت على كلامها، - على أي، لن أغير رأي! لا تزال رحلة برفقة قافلة و أنا حرة طليقة، أدخل بلدة و أخرج من أخرى، أفضل من رحلة على متن الطائرة و أنا مقيدة بشروط التأشيرات و البطاقات، و جواز السفر و تفتيش الحقائب و غيرها من التفاهات! قالت هبة متصنعة موافقتها، دون أن تخفي تصنعها، - جميل! حلم جميل! ساحر كما قلتي! تمتمت ليلى مرددة كلام هبة، لكن بنبرة ساخرة، - ساحر كما قلتي! .... نزلت ليلى من السيارة، حملت محفظتها على ظهرها، لتسرع هبة و تساعدها في إخراج حقيبة ملابسها من صندوق السيارة. وقفت ليلى أمام صديقتها، لتبادلها النظرات الأخيرة قبل الوداع. ابتسمت هبة ثم قالت، - لا تنسي، ما ان تصلي، إتصلي بي. أومأت ليلى و إبتسامة صغيرة تعلو شفتيها، - سأفعل. أسرعت هبة و ضمت صديقتها إلى حضنها، لتضمها كذلك بدورها. ثم همست وهي تربت على ظهر ليلى، - سأشتاق إليك عزيزتي. - و أنا أيضا. سأشتاق إليك كثيرا. تراجعت الفتاتان عن حضن بعضهما البعض، ثم قالت ليلى، - شكرا لك على كل شيء. - لم أفعل شيئا يستحق الشكر. - بلى فعلتي! لذلك تستحقين أكثر من الشكر. تبادلتا ابتسامة صغيرة، ثم ودعتا بعضهما البعض. غادرت ليلى موقفها وهي تَجُرُّ حقيبة ملابسها بيد، و تلوح لهبة بيد. لتلوح لها هبة بدورها، و هي واقفة مكانها، و لم تتحرك إلا بعد أن اختفت ليلى عن ناظريها. .... دخلت ليلى إلى مطار مراكش الدولي، وهي تجُرّ حقيبتها و تتفحص ما حولها بعينيها. انتبهت إلى اللوح الذي يعرض أوقات الرحلات، فأسرعت نحوه بحثا عن توقيت انطلاق الطائرة المتجهة إلى مصر. همست لنفسها عندما وجدت اسم "القاهرة" على لوح الإلكتروني، - الخامسة! لايزال أمامي ساعتان! اتجهت نحو شباك التذاكر، لتجد أنه لايزال فارغا. همست لنفسها متن*دة، - علي الإنتظار اذا! استدارت حولها بحثا عن مقعد للجلوس، ثم اتجهت نحوه بعد أن وجدته، و هي تتفقد ت**يم الجدران و سقف المطار. ابتسمت ثم تمتمت لنفسها، - ت**يم جميل! مُتَوَقَّعٌ من مراكش! جلست على المقعد، ثم وضعت حقيبتها جانبا. أخرجت هاتفها من جيبها لتتفقد الرسائل الإلكترونية. وجدت رسالة عن العمل، يطلب فيها زميلها ت**يم منشور لإحدى الشركات، و تحول شعار شركة أخرى إلى شعار متحرك، لأجل أغراض اشهارية. تمتمت في آسف، - إلى متى سأضل أضيع وقتي في تحريك الشعارات؟! متى سيتحقق حلمي و أصبح منتجة رسوم متحركة حقيقية؟! و ما أن مدت هاتفها لتضعه بداخل محفظتها، حتى بدأ يرن. رفعته لتتفقد اسم المتصل، فوجدت أنها والدتها. بدأ قلبها يخفق خوفا من أن تكون قد اكتشفت أمرأها، و أخذت يداها ترتعشان. - ماذا أفعل؟! لا أستطيع أن أجيب. انتظرت ليلى حتى توقف الهاتف عن الرنين. ثم أسرعت و أرسلت رسالة لوالدتها تقول فيها، (( لا أستطيع أن أجيبك الآن.)) ((أنا مع زبون.)) و لم تمر سوى بضع لثوان حتى أجابتها والدتها، ((إذا انتهيت من عملك أسرعي و عودي إلى البيت.)) ((لدينا حديث يجب أن نكمله.)) بعد أن قرأت ليلى الرسالة، أسرعت و أغلقت الهاتف تماما، ثم رمته بداخل محفظتها. أخذت نفسا ظنا منها أن ذلك سيساعدها على تهدئة قلبها الذي يكاد يسمع خفقانه، و جعلت من يديها قبضتين مشدودتين لتوقف ارتعاشهما، لكن دون جدوى. شعرت فجأة بألم في رأسها، فأسرعت و تحسست مكان الألم بكلتا يديها و هي تغلق عينيها. - ما هذا الذي يحدث معي؟! أخذت نفسا مرة ثانية، الى أن ملأت ص*رها هواءً، ثم زفرته، فأخذ قلبها يهدأ شيئا فشيئا، و هي تردد همسا، - كل شيء سيكون بخير، كل شيء.. سيكون بخير. كفّ القلب عن ت***ب ص*رها، لكن شيء ما استمر في الدّق بداخل رأسها، و كأنه يُقسم على **ره نصفين. فتحت عينيها بصعوبة، وقفت عن الكرسي وهي تحمل محفظتها، ثم أخذت تجر حقيبتها، بحثا عن شخص تسأله عن دواء لألم الرأس و أين تجده. وهي تتقدم في خطواتها، لمحت علامة الصيدليات على باب زجاجي. - أ هذه.. صيدلية؟! اقتربت من الباب و ملامح الاستغراب على وجهها، ثم وقفت وهي تدرس ما بالداخل بعينيها، لكن عقلها لم يستوعب شيئا. مدت يدها إلى مقبض الباب، أدارته دون تفكير و كأنها ليست من يتحكم في تحركاتها، ثم دفعت الباب و دخلت. تقدمت إلى الداخل و الاندهاش يسيطر على عقلها. فلقد رأت عيناها العجيب و الغريب. كان المكان أشبه بصيدلية خيالية! و كأنه معمل لساحرة أو جنية من قصص الخيال! قوارير مزينة، مزركشة، و ملونة في كل مكان على رفوف خشبية، على كل جدار. و أعشاب من مختلف الألون و الأنواع و الأشكال كذلك. و كتب تبدوا ككتب العلوم القديمة كالخيمياء، و العلوم الحديثة أيضا. افترقت شفتاها عن بعضهما البعض دهشةً، و اتسعت عيناها ذهولا. - مرحبا. سمعت كلمة الترحيب فقفزت من مكانها، و استيقظت من شرودها. التفتت إلى مص*ر الصوت اللطيف لتجد سيدة كبيرة في السن بعض الشيء، لكن ملامحها لاتزال جميلة للغاية. ابتسمت المرأة ثم قالت، - تفضلي، صغيرتي. تقدمي. تقدمت ليلى نحو المرأة و كثرة التساؤلات تتزاحم في رأسها. اتسعت ابتسمة السيدة، ثم قالت و كأنها تقرأ أفكار ليلى. - لا حاجة لك بمعرفة أجوبة على كل تلك الأسئلة. انظري إلى عيني فقط، و أجيبيني يا ابنتي. نفذت ليلى ما طلبته منها المرأة من دون قصد. رفعت عيناها إلى عيني السيدة الواقفة أمامها، لتفقد السيطرة على جسدها، ثم عقلها. ابتسمت المرأة ثم سألت، - ما حاجتك يا ابنتي؟ أخبريني و لا تخجلي. فتحت ليلى شفتيها، ثم أجابت في نوع من الشرود، - لدي أمنية أريد تحقيقها. أومأت المرأة مبتسمة، ثم سألت، - و ما هي.. هذه الأمنية؟ - أتمنى.. أتمنى أن أكون حرة. - حرة؟ - حرة من قيود التقاليد. حرة من شروط العائلة. حرة في ذهابي و إيابي. حرة.. فقط.. حرة. بحريتي سأحقق حلمي، و أكثر. أومأت المرأة، ثم أزاحت عينيها بعيدا عن عيني ليلى، لتستيقظ الفتاة أخيرا من شرودها. و ما أن أدركت ليلى معنى ما تفوهت به قبل قليل، حتى افتر ثغرها عن ضحكة محرجة، ثم أسرعت في الدفاع عن نفسها قائلة، - أنا.. آسفة. لا أعلم.. ما الذي دهاني فجأة. ضحكت المرأة ثم أومأت، - لا عليك يا ابنتي. - أنا هنا فقط.. فقط.. لأجل ألم رأسي!! ما ان تذكرت ألم رأسها حتى استغربت من اختفائه. قالت السيدة و الابتسامة لا تفارق شفتيها. - أ لم يختفي ألم رأسك بعد؟ كان يجب أن يختفي منذ أن دخلتي. قالت بنبرة شبه مصدومة، - لقد.. لقد اختفى! منذ.. منذ أن دخلت! غريب! - ليس غريبا! كان الألم دعوتي لك، إلى صيدليتي هذه. لو لا الألم، لما انتبهت لوجود هذا المكان. ظهرت ضحكة ارتباك على وجه ليلى، و عقلها يرفض تصديق ما سمعته أذناها للتو. حاولت اخفاء شكها و استغرابها من الموقف ثم قالت، - بما أن رأسي.. لم يعد يؤلمني، فأظن.. أنه من الأفضل أن أذهب الآن. شكرا لك، سيدتي. استدارت ليلى إلى الباب لتغادر، لكن المرأة أوقفتها، - إنتظري يا ابنتي. عادت ليلى و التفتت الى السيدة الواقفة خلفها، ثم ابتسمت ابتسامة مصطنعة تخفي بها توترها. وضعت المرأة قارورة على المائدة الموجودة بينها و بين ليلى. كانت القارورة زجاجية، مزركشة بمعدن ذهبي اللون، و السائل بداخلها لا يكاد يظهر له لون، كالماء تماما. - خذي هذا يا صغيرتي. - م.. ما هذا؟! - إ**ير الأمنيات. رسمت شفتا ليلى ابتسامة محتارة. ثم استفهمت وهي تشير الى القارورة، - تقولين.. أن ما بالقارورة.. إ**ير! إ**ير أمنيات؟! أومأت المرأة بابتسامة هادئة، - إنه كذلك. ا**ير يحقق ما تتمنين. - يحقق.. ما أتمناه؟! - بالطبع. ما عليك سوى أن تشربيه، و تحاولي أن تسترخي لبضع دقائق، ثم بعد ذلك تخيلي أمنيتك تتحقق، تخيلي الحياة التي تريدينها. يمكنك تخيل أي شيء تريدين، و كل ذلك سيتحقق. ابتلعت ليلى ريقها، ثم زفرت في هدوء ليصاحب خروج نفسها رعشة قلق و حيرة. - لا تخافي يا ابنتي. انها وسيلة لتحققي أمنيتك، فلما التردد؟ أخذت ليلى القارورة، تفقدتها بين أصابعها في حذر، ثم أعادت نظرها للسيدة أمامها، - الواقع أنه.. يصعب علي تصديق كلامك هذا. ضحكت المرأة ضحكة هادئة ثم قالت، - لا عليك. اشربي الإ**ير، و عندما ترين كل شيء بعينيك، ستصدقين. لكن احذري، حددي جيدا ما ترغ*ين به. لا تدعي عقلك يشرد، و لو لثانية. أومأت ليلى بابتسامة صغيرة، غير مكترثة لكلام صاحبة الصيدلية، ثم ودعتها، و استأذنت لتخرج. أغلقت الباب خلفها، ثم ألقت آخر نظرة على المكان الذي خرجت منه، قبل أن تغادر موقفها و تعود إلى المقعد حيث كانت تجلس و هي تجر حقيبتها. جلست و القارورة بيدها، تدرس زخرفتها الجميلة و السائل بداخلها. جزء من عقلها لا يصدق أن سائلا يُشرب قد يحقق الأمنيات، لكن الجزء الآخر من عقلها يرغب في تصديق ذلك. - ا**ير الأمنيات؟! ماذا بعد؟! حجر الفلاسفة؟! تأففت ثم قررت التوقف عن السخرية، و ربما، تناول الإ**ير، فقط من باب الفضول. - حسنا. لنجرب. لا أظنه سيقتلني! فتحت القارورة، رفعتها إلى أنفها لتشمها، لكن ما من رائحة تفوح من السائل. ذهلت من الأمر، - غريب! من ماذا صنع هذا السائل؟! أنزلت القارورة إلى شفتيها في تردد، ثم شربت ما بها أخيرا. جلست في سكون، وهي تتحسس مذاق الإ**ير الغريب لبرهة، أسندت ظهرها للكرسي، ثم رأسها، رغبة في الاسترخاء، ثم أغلقت عينيها. همست لنفسها، - لنرى. إلى أين أريد الذهاب بخيالي؟ فكرت في الذهاب بخياليا إلى الولايات المتحدة، و ترى نفسها تعيش حياتها كمنتجة رسوم متحركة مشهورة. لكن سرعان ما فقدت التركيز، و تركت ذهنها يتنقل بين عوالم و أزمنة مختلفة. فتحت عيناها وهي تضحك، وضعت القارورة في حقيبتها و هي تتمتم لنفسها، - لا أصدق أنني صدقت هذه التفاهات! ألقت نظرة على شباك التذاكر، لتلاحظ أنه لا يزال مغلقا، فقررت أخذ قسط من الراحة، إلى حين يفتح. قالت في نفسها بعد أن أسندت ظهرها لظهر المقعد و أغلقت عينيها مجددا، - على أي، العيش في خيالي لبضع دقائق و أنا أنتظر، لن يؤذيني! ثم سمحت لخيالها بأخذها بعيدا. شمس ساطعة، و سماء صافية، صحراء ذات رمال ذهبية براقة أمامها، و قافلة على وشك الانطلاق من مراكش القديمة، إلى مصر القديمة. ترتدي ثياب غلام ظنا منها أن التنكر كرجل سيسهل عليها التنقل. حصانها الأبيض بجانبها، متاعها على ظهره، و حقيبتها التي تجمع أوراقها و أقلامها على كتفها، ... ثم غفت. .... شعرت بأشعة الشمس تلامس وجهها، و الريح تداعب الثوب على جسدها. استدارت لتستلقي على جانبها، فلمست الأحجار و الرمال بيدها. عقدت حاجبيها استغرابا من ما لمسته، و عيناها لاتزالان مغلقتان. فتحتهما شيئا فشيئا، لتجد نفسها على الأرض، مستلقية على ثوب، و حولها الرمال و الأحجار و الأعشاب. أسرعت في الجلوس و هي تتفحص ملابسها، - ما هذا؟! أ ليست ملابس رجال قديمة الت**يم؟! اتسعت عيناها وهي تتفقد العمامة على رأسها، - عمامة؟! التفتت حولها، لتجد حصانا أبيض بجانبها يحمل حقيبة، و بجانبها محفظة قديمة الطراز، و خنجرا. رسمت شفتاها الممتلأتان ابتسامة واسعة ثم تمتمت لنفسها، - يا له من حلم!! حقيقي للغاية! وقفت عن الأرض، ساست ملابسها من الغبار، ثم تقدمت نحو الحصان، مدت يدها الى رأسه رغبة في لمسه و هي تردد، - تعال.. ما أجملك! اقترب. تقدم الفرس بضع خطوات نحوها لتفعل المثل، ثم مسحت على رأسه مرة، ثم اثنتان، لتتقلص ابتسامتها في المرة الثالثة. أبعدت يدها عن رأس الحصان، و ابتسامتها قد اختفت تماما. اتسعت عيناها السوداوتان حيرة وهي تتفقد يدها، - أنا.. أشعر!! هذا.. ليس حلما! رفعت كلتا يديها إلى خديها في تردد، ثم قرصتهما بقوة لتقفز ألما. - هذا ليس حلما! ليس حلما! استدارت حولها لتجد عالما يختلف عن عالمها تماما. ما يشبه بيوت القرى خلفها، و قافلة تستعد للرحيل أمامها. ابتلعت ريقها وهي تراقب الناس، رجالا و نساء، كبارا و صغارا، يُحمِّلون دوابهم ما يملكون من أمتعة، استعدادا للرحيل. فتحت شفتيها لتتلعثم محدثة نفسها، و صوتها لا يكاد يسمع، - هذا.. خيالي! الصور في ذهني!! لا.. لا ي.. لا يعقل! مستحيل! ك.. كيف لهذا أن يحدث؟! كيف؟! .....
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD