لقاءنا لم يكن صدفة
بل كان ترتيب القدر
إرتدى بنطاله الأ**د وعليه كنزته البيضاء وإضجع فوق الفراش..حاول النوم عبثًا وتلك الأصوات الصادرة عن الشقة المقابلة له تُقلق راحته
زفر بـ ضيق ليستدير على جانبه الأيسر ليضع الوسادة فوق رأسه ولكن صوت تحريك الأثاث يُص*ر إحتكاك قوي يخترق أُذنيه
إنتفض جالسًا على الفراش يسب ويلعن ذلك الجار المُزعج..هز ساقه بـ عصبية و هو يتكئ بـ مرفقه على رُكبتيه..يتسول النوم بعد يومًا طويل من العمل الشاق والمُرهق وذلك الأربعيني اللزج ي**ق راحته
إنتظر طويلًا حتى هدأت الأصوات ليتأفف بـ ضيق هامسًا من بين أسنانه
-حسبي الله ونعم الوكيل..الله يسامحك يا سُمية على مجايبك اللي تكفر...
عاد يضجع فوق الفراش..يضع يده فوق عينيه وأغلق الإضاءة
دقائق..فقط دقائق قبل أن يعود وتصدح الأصوات بـ شكل أعنف..فـ نافذة غُرفته تطل على الغُرفة المقابلة للشقة الأُخرى..وصوت الإحتكاك يصله بـ وضوح بل يكاد يشعر أنه يحدث بـ غُرفته
إنتفض بـ عُنف هادرًا
-لأ بقى دي قلة ذوق...
إرتدى خُفه المنزلي وفتح باب غُرفته..خطواته تكاد تلتهم الأرض..وصل إلى باب شقته ليفتحه بـ قوة تاركًا إياه مفتوح على مصرعيه
إتجه إلى الباب المقابل له وبدأ الطرق بـ عُنف..يد تطرق الباب وأُخرى تدق الجرس..والعُنف يجتاح أوصاله
وبـ الداخل إنتفضت سديم لتسقط من يدها القنينة مُلوثة الأرضية بـ سائل التنظيف..زفرت بـ غضب وألقت القطعة القُماشية البالية بـ عُنف أكبر وهى تُتمتم بـ غيظ
-مين عديم الذوق اللي بره دا!...
فتحت هي الأُخرى بابها بـ عُنف ليهدر الأثنان بـ غضب بـ الوقت ذاته
-إيه قلة الذوق دي!
-خلي عندك شوية دم الناس مش عارفة تنام!!...
والدهشة تعتلي الإثنين..فـ الجار لم يكن سوى فتاة جميلة ترتدي ثياب بالية ولكنها لم تُخفي جسدها المغوي..و وشاح رأس بسيط على هيئة مُثلث تعقد به خُصلاتها حتى تستطيع العمل..وعينين زرقاوين صافيتين تُطالعه بـ غضب شديد فـ جعلت عينيها تلمع كـ قطة شرسة..وهذا بعيد كل البُعد عن جار أربعيني لزج
وهو لم يكن سوى جارها الوقح صاحب المنشفة القصيرة..تعالت أنفاسها وهى ترى ملامحه الرجولية الغاضبة..عينين سوداوتين عميقتين كـ عُمق المُحيط..و لحية تُحيط فكه القوي ، المُتشنج
أشاحت بـ نظرها عن تُفاحة آدم الظاهرة بـ وضوح لتعقد ذراعيها أمام ص*رها مُغمغمة بـ حدة
-أفندم!!...
إستفاق قُصي من تحديقه المذهول بها ليُحمحم بـ ضيق ثم أردف
-مش عارف أنام
-إرتفع حاجبها الأيسر بـ ذهول مُتشدقة:أفندم!
-زفر بـ غيظ وزعق:صوت تحريك العفش مش مخليني عارف أنام..إحترمي جيرانك شوية
-أردفت بـ برود:طب وأنا أعمل إيه!..أنا زي زيك عاوزة أنام ومقدرش أنام والشقة مليانة تراب
-قا**ها بـ برود ثلجي رهيب:ودي برضو مش مُشكلتي..الصبح بعد أما أمشي تقدري تعملي اللي أنتِ عاوزاه...
حلت ذراعيها عن ص*رها و أنزلتها على جانبيها لتقف بـ وضع تحفز ثم هدرت بـ غضب وقد فقدت أخر ذرة من تحضرها
-إيه قلة الذوق والبجاحة دي!..مين أنت عشان أستنى حضرتك تصحى عشان أوضب شقتي
-أشار بـ تحذير هامس:وطي صوتك يا أنسة..وأنا مين دا شئ ميخصكيش..واللي أقوله يمشي..أنتِ لسه جديدة هنا فـ بلاش أتصرف معاكِ تصرف ميعجبكيش..بعد إذنك...
الذهول الذي إعتراها جعلها غيرُ قادرة على الرد عليه..بل **تت وهى تراه يتجه إلى شقته وقبل أن يُغلقه أردف بـ نبرةٍ آمرة
-بلاش دوشة وبطلي اللي بتعمليه عشان كدا مش حلو ليكِ وأنتِ شكلك بنت قاعدة لوحدك
-أشارت إلى ص*رها وهمهمت بـ صدمة:أنت بتهددني!
-أجابها بـ فتور:أنا بهددش أنا بحذرك بس يا قطة..تصبحي على خير ولا متصبحيش يكون أحسن...
أغلق الباب بـ وجهها بـ عُنف جعلها تنتفض..وظلت هي تُحدق بـ بابه المُغلق بـ صدمة جعلتها غيرُ قادرة على الحركة..هي سديم سيدة مصر الأولى بـ ل**نها السليط يُخرسها جار نرجسي يظن أن الجميع يخضع له بل والغرور يتمكن منه لجعله إياه صامتة بل وتشعر بـ الغضب يفور بـ أوردتها
ضمت قبضتيها بـ قوة لتُغلق بابها وبـ تحدي بدأت بـ تحريك الأثاث بـ صورة أعنف و بـ داخلها يُردد "ما هذه المدينة الغريبة وجارها المعتوه بل كل من قابلته كان معتوهًا!"
وعلى الجهه الأُخرى كان يعلم بـ قرارة نفسه أنها لن ترضخ..عيناها التي لمعت بـ غضب أنبأته أنها تعشق التحدي..ليست من ترضخ وتسكن. ل**نها سليط ونغمة صوتها الرقيقة ولكنها قوية..كل ذلك جعل من قراءته لها أسهل من مادة الفيزياء التي كان يكرهها
جلس فوق الفراش وهو يبتسم ولكن بـ غضب وداخله توعد لن يجعلها تهنأ بـ شقتها الصغيرة
إستيقظت على طرقٍ هادئ ع** إعصار أمس..لتنهض جالسة ثم فركت عيناها ونهضت بعدها تتجه إلى الخارج
فتحت باب الشقة لتجد سُمية تحمل صينيةً ما وتبتسم بـ إتساع رادفة
-صباح النور يا دكتورة سديم
-إبتسمت سديم نصف إبتسامة ثم قالت بـ نبرةٍ ناعسة:الصباح النور يا سُمية تعالي خشي...
دلفت سُمية لتنظر سديم إلى الباب المُقابل لها بـ نظرات شرسة لتصفع الباب بـ قوة قاصدة أن يصل الصوت إليه
إلتفتت إلى سُمية التي هتفت بـ حيرة
-تحبي أحط الفطار فين!
-عبست سديم قائلة:تعبتي نفسك ليه بس!..أنا كنت هقوم أجيب فطار
-يوووه إخص عليكِ يا دكتورة..قولتلك أنتِ جاية من طرف الحاج يبقى لازم أقوم بالواجب
-إتجهت إلى سُمية وقالت:أولًا بلاش دكتورة دي قوليلي يا سديم عادي زي ما بقولك..ثانيًا بقى أنا مش عاوزة أتعبك
-ردت عليها سُمية بـ حميمية:يا ختي لا تعب ولا حاجة..أنا عملت لُقمة وبدل أما أفطر لوحدي قولت أجي أفطر معاكِ وأهو نسلي بعض...
إبتسمت سديم ثم قالت وهي تتجه إلى الشُرفة لتفتحها
-طيب حُطي الفطار فـ البلكونة وأنا هعمل الشاي وأجيلك
-طيب...
لتدلف سُمية الشرفة وتتجه سديم إلى المطبخ لإعداد كوبين من الشاي
وبعد أن إنتهت..إتجهت إلى الشُرفة وقبل أن تجلس..أردفت سُمية بـ حرج
-معلش يا ست سديم..الفول محطش عليه ملح فـ آآ
-أكملت سديم بـ إبتسامة:خلاص هروح أجيب الملح...
************************************
نزع عنه كنزته ثم إرتدى قميصه الأ**د تاركًا أخر زر مفتوح..ثم إرتدى بنطاله الأ**د القُماشي و وضع مسدسه خلف جزعه بـ مكانه المُخصص..نثر عطره بـ غزارة وخرج من الغُرفة
إتجه إلى المطبخ ليعدْ كوب الشاي الصباحي معه شطيرة خفيفة من الجُبن والخضراوات..إبتسم وهو يستمع إلى صفعة الباب لجارته الغريبة..هز رأسه بـ يأس ولكنه تجاهل تصرفاتها الطفولية ليتجه بعدها إلى الشُرفة
وجد سُمية تُرتب أصناف من الطعام على طاولة جارته ليُحمحم قُصي فـ إلتفتت إليه الأولى وعلى ثغرها إبتسامة واسعة ثم أردفت
-يا صباح البنور على الباشا
-إبتسم قُصي هو الآخر وقال:صباح النور يا سُمية..بتعملي إيه عندك!
-أشارت إلى أصناف الطعام وأجابت:جايبة فطار لست سديم...
شبه إبتسامة إرتسمت على شفتيه اسمها غريب وشخصيتها أغرب كـ عينيها الصافيتين..حك مُؤخرة عنقه وتمتم
-إتحدفت عليا من أي داهية دي!
-عقدت سُمية حاجبيها وتساءلت:بتقول حاجة يا سي قُصي؟...
إرتشف من كوبه ثم قرب الشطيرة من فمه يلتهم جزءًا منها ليردف بعدها بـ إمتعاض
-والنبي لما تيجي تسكني حد إبقي إستنضفي...
وعلى الناحية الأُخرى أرهفت أُذنيها السمع إلى عبارته التي جعلتها تستشيط غضبًا ألا يكفي تطاوله عليها أمس وهي وقفت عاجزة عن الرد!!..إنتفخت أوداجها غيظًا ثم إندفعت قائلة بـ غلظة
-تصدق أنك واحد مُهزء!
-إرتفع حاجبيه بـ صدمة ليردف بعدها بـ حدة:أنا مُهزء!..أومال أنتِ إيه!..واحدة معندهاش زوق
-صرخت بـ غيظ:أنت اللي عندك مُشكلة...
كانت سُمية تقف بينهم فاغرة الفاه..معركة الألفاظ لا تنتهي ولا يبدو أنها ستنتهي قريبًا لتتدخل قائلة بـ لُطف
-صلوا ع النبي يا جماعة
-أردف الأثنان بـ نفس الوقت:عليه الصلاة والسلام...
جذبت سديم من يدها تُجلسها لتقول
-تعالي يا ست سديم إقعدي وإغزي الشيطان..سي قُصي أكيد ميقصدش
-هدرت بـ حدة:ولا يقصد..دا مش وش أصطبح بيه...
كاد أن يرد ولكن سُمية نظرت إليه بـ رجاء تض*ب ص*رها بـ يدها بـ خفة و تُتمتم دون صوت
-حقك عليا...
زفر قُصي بـ غضب ولكنه أومأ على مضض ولكن بـ داخله لا يستطيع السيطرة على البراكين التي تشتعل منها..ل**نها يُجبره على تقمص شخصية هو لا يُفضلها
رفع الكوب ليحتسي الشاي ولكنه بصقه فـ قد برد..وضع الكوب بـ عُنف وتمتم بـ غيظ
-هو يوم باين من أوله
-في حاجة يا سي قُصي!
-زفر بـ نفاذ صبر وقال:لا أبدًا يا سُمية الشاي برد وأنتِ عارفة مبحبوش بارد
-إبتسمت بـ ود وقالت:ولا يهمك يا باشا..إتفضل...
أمسكت بـ أول كوب قا**ها لتصرخ سديم
-دي كوبايتي...
أخذها عِندًا بها وهي تعلم..ظلت تنظر إليه بـ غضب ولكن عينيه بقت مُركزة على شفتيه التي جذبته بـ حركتها الهامسة والتي لم تكن سوى وصلة سباب توجهه إليه
رفع حاجبه بـ تحدي ثم قرب الكوب من فمه وإرتشف..لا يُنكر أن مذاقه والنكهه أعجباه..ولكن لا بأس بـ إغضابها ليقول بـ تهكم
-حتى الشاي ملوش طعم زي اللي عمله
-وكان ردها أسرع من المتوقع:متطفحهوش...
عضت سُمية على شِفاها السُفلى حرجًا منه..ولكن على ع** طبيعته..تجاهل الأمر ولم يرد ليردف وهو يعود أدراجه إلى الداخل
-شكرًا يا سُمية على كوباية الشاي اللي ملهاش طعم دي..بس كفاية إنها جات من إيدك
-بـ ألف هنا يا سي قُصي...
ألقى نظرة مُحتقرة على سديم تجاهلتها هى الأُخرى ثم إختفى..لتض*ب ذراع المقعد هاتفة بـ تبرم
-جلنف
-جلست سُمية ثم قالت بـ عتاب:إخص عليكِ يا ست سديم..دا قُصي باشا يتحط ع الجرح
-وقبل أن تُكمل كانت سديم هي من أكملت:يورم
-ضحكت سُمية وقالت:والله دا زي العسل..بس هو إيه اللي حصل بينكم...
قصت عليها سديم ما حدث أمس وعجرفته عليها ثم أكملت بـ حنق
-عارفة لو طلب مني بالزوق والله كنت هبطل..بس هو ل**نه متبري منه
-ضحكت سُمية ثم أردفت وهي تض*بها على فخذها:والله أبدًا..هو بس مبيحبش الدوشة وبيروح شغله بدري زي ما شوفتي فـ بيرجع تعبان متأخر وبيحب يريح عشان كدا مبيبقاش طايق حد
-على نفسه يا حبيبتي..إنما الأسلوب دا ميمشيش معايا...
أخرجت سُمية تنهيدة حارة ثم أردفت وهى تربت على ساق سديم
-حقك عليا أنا..المهم إفطري يلا أكيد جعانة
-أه والله وكويس إنك جيتي عشان المستشفى
-هبقى أبعت الصبي بتاع المحل يوصلك...
أومأت سديم وشرعت بـ تناول الإفطار مُفضلة ال**ت فـ يكفي صاحب المنشفة القصيرة وما أفسده من بداية يومها