غلطة عمرنا كانت تفلسفنا بمنتصف الليل فقد سمعتنا هنا وحسبت أنها الشيء المش*ه الذي يربطنا. إجتذبنا عن العراك صوت إرتطام قوى, نظرنا تجاهه وجدنا الصغيرة من إرتطمت بالأرض أمام باب غرفتها, فقد كانت تستمع للشجار ورأت ما حدث فإنتابتها نوبة عصبية أخرى قد تؤدي بحياتها.
حملها أبيها ووضعها على سريرها ثم هرع لجلب أدويتها وناولني إياها على عجالة . أسعفتها على الفور وبدى على الصغيرة الإستجابة فسألتها :
- عامله إيه دلوقتي يا حبيبتي ؟
قالت بوهن :
- غلطة عمركوا المش*ه ؟
أجابها أبيها موضحاً :
- احنا بتكلم عن حاجة تانية خالص يا هنا .
- انتوا عندوا غلطات مش*ه غيري؟!
تحول عن هنا إلي وقال لائماً :
- عجبك كده !!
نظرت لها آسفة عن ما بدر مني وقلت :
- يا هنا يا حبيبتي انا كنت ...
قاطعني صياحها بنا :
- أطلعوا بره .
قالتها محذرة فقد تحولت عيناها للبنية وحينها خرج جلال في إستسلام إلا إنني أردت ما بعد عتمة العيون فظللت برفقتها وحينها قالت مهددة بكياسة الكتب الفاشية التي تنقل أفكارها المشوة :
- الستات أشجع من الرجالة بإعتراف رجالة كتير .. الألم عند الرجالة شعور أبدي إنما عند الستات مجرد مرحلة منتظر مرورها .
- بحبك يا واد مثقف انت يا بتاع مار** .
- و انا بكرهك .
- برضه بحبك و على العموم انا وبابي كنا بتكلم على علاقتنا مش عليكي .. انتي أجمل حاجة حصلت بينا يا هنا.
ذهب عن عيونها البغض وعادت طفلتي البريئة تقول متسائلة :
- بس إنتي على طول بتقولي لبابي إنك رجعتي عشاني .
- لا طبعا .. ده كلام عشان أغيظه .. انا رجعت لبابي عشان دمه خفيف و أمور ول**نه طويل زي ل**نك .
- بس ده ض*بك و كان هيموتك ؟!
- انتي يا هنا لو سقطتي السنة دي بابي هيعمل فيكي إيه ؟
- هيقتلني طبعاً .
- انا بقه سقطت في كل الإمتحانات يا هنا .. كدبت على بابي وماسمعتش كلامه وعملت حاجات كتير اوي غلط لما تكبري هبقى أحكيهالك وساعتها هتعرفي إن بابي مش غلطان أو مش غلطان أوي يعني .
- اومال ليه بتتخانقي معاه على طول ؟
- انا بحب أشوفه و هو نرفوز كده ومتعصب .. نفسيتي بترتاح .
تضحك أخيراً لتنير حياتي وحينها أقول :
- ننام سوا انهارده ؟
تومئ بالرفض فهي فتاة ناضجة الآن وترفض أن يشاركها أحد سريرها لأي سبب وحينئذ أنسحب في خذلان وأعود لقاتلي, إستعاد حدته فور رؤيتي أدلف من باب الغرفة ويقذفني بالإتهامات, برودتي المتعمدة معه سلاح ذو حدين يطعنه ويطعني كذلك, مما أدى لهذياني الصباحي والمسائي ويجدني في حاجة ملحة لطبيب نفسي يعيد لي عقلي الذي سلبه الحقد , وأيضا يرفض أن يتحمل مسئولية تهوره الذي قادنا إلى هذه المحاكمة بمنتصف الليل ثم يختتم هازئاً :
- اللي يشوفك بتكلميها يفتكرك عاقلة .
أقول هازئاً بدوري :
- يا خبر يا جلال بتتصنت علي الستات .. الأميرة إنجي ما قالتلكش ان كده عيب.
الأميرة إنجي أخر لقب أطلقته على حماتي العزيزة فهي تجد نفسها سيدة القصر, أميرة دمياط المتوجة وحينها رشحت لها إسم يناسب طابع الأميرات الذي تتطبع به وكان إنجي إنما جلال يبغضه ويقول بعصبية :
- إحترمي نفسك .. هزاركوا سوا حاجة و أدامي انا حاجة تانية.
- غلطان يا جلال وهتفضل غلطان .. لأنك عارف وواثق إني عمري ما أخونك بذات معاه ممكن مع رشدي أباظة .
- انا هسيبلك الدنيا باللي فيها .
وهرب كما يهرب دائماً كلما واجهته بحقائق أنكرها لبرهة من الزمان أبدلت ما تبقى من الزمان. قرر قضاء ليلته بغرفة أحد الأولاد فضلاً منه ولخيراً لو ظل بها حتى عودة الأولاد وهدوئه.
هدوء في حاجة إليه الصغيرة فهي وحيدة إلا من عائلتها لذلك قررت إبتياع صديقة لها . بحثت مراراً حتى وفقت فهنا لا توفر جهد في إبعاد الكل من حولها, وجدتها فتاة وحيدة بلا إخوة أو عائلة إبنة جارة بالحي الجديد أمها منشغلة عنها بعملها كمص**ة أزياء . إشتريت منها العديد من الملابس لي ولهنا على السبيل المقدمة لمطلبي القادم والمدهش رحبت للغاية فلم يجول بخاطرها يوماً أن إبنة العميد جلال قد تصادق إبنتها لأن إبنتي متفوقة دراسياً على ع** إبنتها بالطبع المنشغلة بكل هوى . فتاة ذو شعبية كبيرة بمدرستها, جميلة ساذجة بعض الشيء, ترتدي ثياب كاشفة تجعلها محط أنظار الجميع ومحط إستنكار جلال الذي يبغض أن تكون لإبنته صديقة على هذه الشاكلة ولكن إلحاحي أرضخه فالمتبقي من الفتيات لهن عائلات يخشين على بناتهن من فتاة تض*ب الفتيان حد الموت .
إستقطبتُ الفتاة بالحلوى **ائر الأطفال ثم طلبت منها سراً أن تتسلل لهنا حتى أمسيا صديقتين أو إلا قليلاً فهنا لا تطيقها بلا أسباب مقنعة فهي تزعم أن شيري غ*ية وتلك حقيقة إنما الحقيقة المؤكدة أن هنا تغار من صديقتها من ترتدي الملابس الجميلة للظهور بالخارج و تضع المساحيق وأحياناً أراها تتفحص مفاتنها بإذراء فقد نالت الفتاة نضوجها الأنثوي وهنا لازلت في طور النضوج وهنا تستعجل كل شيء.
الفتاة أمست ضيفة يومية في بيتنا فأمها تتركها بحوزتنا حتى عودتها من عملها بعد منتصف الليل أحياناً. تطالع غرفة هنا الجميلة وملابسها الأنيقة وتقول :
- ليه مش بتلبسي اللبس ده يا هنا ؟
لا تحول إبنتي عيونها عن حاسبها النقال و تجيب الفتاة ببرود :
- انت غ*ية بلبسه طبعا .
- فين .. انا مش بشوفك بيه خالص ؟
- في البيت .
- ليه ؟
- وانت مالك يا باردة .
أجيب سؤال الفتاة :
- بابا هنا مش بيحبها تلبس مكشوف بره البيت.
- هو انتي يا طنط مش وراكي حاجة تعمليها ؟
أبتسم لإقصائي وأخرج من الغرفة وأدعهما بفردهما ولكن تحت الرقابة المشددة فأنا لا أعلم ردة فعل هنا بغير وجودي.
- تعرفي انك أمورة أوي .. كل البنات بتحسدك على جمالك ؟
تترك هنا حاسبها و تنظر للفتاة بتعجب وتقول :
- انا ؟!
- اه .. انتي شقرا و عنيكي زرقا و شاطرة وكل الولاد هيموتوا و يكلموكي لكن بيخافوا من إخواتك .
- بجد ؟!
- اه .
- انتي عندك بوي فريند يا شيري ؟
- كان دلوقتي خلاص .. بس بدور على واحد شبهك ؟
ولا داعي للتخمين بكنة العاشق الجديد فمن يشبه هنا آسر فهو يملك عيناها الزرقاء مما جعل هنا تبتسم وتقول :
- عارفاه على فكرة .. عشان كده لازقالي .
- هو مصاحب يا هنا ؟
- لاء
- اومال مين البنات اللي بيوصلوه كل يوم ؟
- زمايله
- إزاي يا هنا ده في شرطة انتي بتضحكي عليا ؟!
- بدل كتير يبقي مش بيحب حد منهم
تحتضن الفتاة إبنتي بعد تص**حها الذكي ثم تقول بحماسة :
- انا بحبك أوي يا هنا.
وإمتدت أحاديث الفتيات لساعات و أيام و أسابيع مما أقلق جلال للغاية . يخشى على تفوق الصغيرة من زميلتها التي تعلمها وضع المساحيق التجميلية ولا تشغلها دراستها على الإطلاق فشاغلها الشاغل آسر, يخشى من عيون آسر التي تلاحق الصديقة الجديدة رغم أنه لديه العديد من الصغيرات البالغات يبدوا أنه مش*ه عقلياً كما تنبأ له :
- إسم الله عليه الواد مفيهوش حاجة .. البت هي اللي فايرة.
تقولها الجدة مدافعة عن آسر أمام أبيه في جلسة جمعتنا بالمطبخ لتناول عشائنا المبكر فالولدين يعودا بالحادية عشرة ويكون هناك عشاء أخر لا تتوانى عنه الجدة التي تنهم من طعام زوجي ولا يجرأ على ردعها وحينها ينظر لي مستجير قبل أن يقتلها طبق الباذنجان المخلل فهي من أصحاب الضغط والكوليسترول المرتفع.
أسحب الأطباق من أمامها لزوجي من جديد وأضع أمامها الزبادي الخالي الدسم و أقول :
- الملح الكتير بيجفف البشرة وانتي عايزة تفضلي حلوة يمكن عبده يحن .
تسب وتلعن ونهاية تنتحب لأنها طردت من أملاكها وتعيش برفقة من يعذبوها إنما أنا وزوجي إعتدنا تلك الإسطوانة الركيكة فعدت لحديثنا الأول :
- البنت أكبر هنا يا جلال عندها أربعتاشر سنة .. انت ناسي إننا دخلنا هنا المدرسة و هي عندها تلات سنين .
- يعني أخرة الفيلم ده إيه ؟ انا ما بشفش هنا بتذاكر خالص .
- بتذاكر ما تقلقش .
تدخل علينا هنا المطبخ ومعها حقيبة صغيرة بها العديد من المستحضرات التجميلية, تعرضها على أبيها و تقول :
- بابي عايزه زي دول كلهم .
يتفحص جلال العلب الصغيرة ثم يقول :
- ما انتي عندك الوان كتير .. بطلي رسم يا هنا و إنتبهي لمذاكرتك .
- ده ميكب يا بابي .
أسحب الحقيبة من يدي زوجي و أطالعها أجدني كذلك لا أفقه شيء في هذا الكم من العلب فأقول متسائلة :
- هما دول إيه أصلا يا هنا ؟
- مش عارفه بس عايزاهم كلهم إنهاره .. شيري علمتني أحط أيلاينر .
ينظر لي جلال مستعلماً فأشير له على عيونها المخططة وحينها يقول متبرماً :
- يا حلاوة بقت غزية بلا تعليم بلا بتاع .
تمسك بها جدتها لتقربها من عيونها للتفحص عيونها المخططة عن قرب ثم تقول :
- يا ختي حلوة عسل عليها .. تعرفي تحطوهولي يا هنا؟
يقول جلال مستنكراً :
- وانتي هتتزوقي لمين يا حاجة ان شاء الله ولا تكونيش ناوية تجوزي على جوزك الغلبان ؟!
- وانت مالك إنت إنزل هات لهنا اللي عايزاه .
تقتحم علينا شيري المطبخ وتقول برقتها الفائقة :
- هاي يا أونكل .
- أهلا يا شيري إزيك .. مش هترووحي يا حبيبتي الوقت إتأخر ؟
- ما انا عشان كده هستنى آسر يروحني .
- هروحك انا وهنا .
- لا يا اونكل خليك مرتاح .. انا و هنا لسه هنذاكر لحد ما يجي آسر .
- هتاخدوا هنا معاكوا عشان تشترولها الحاجات دي .
تزفر الفتاة بضيق لأنها حرمت من إنفرادها بآسر و تقول :
- أوكيه يا أونكل.
نال البيت الهدوء و نلت السكينة منذ حلت شيري على بيتنا, هنا توقفت عن التحدث لشيطانيها وإنشغلت بمشكلات صديقتها الجديدة, أخيها الأوسط يقضي أجازته نهاراً بالمنزل وعند الليل يوصل شيري لمنزلها ثم يعود لمحادثتها هاتفياً لصباح التالي, أما الأكبر يلح بكارثة أراها تطرق الأبواب تحول من فتى لرجل على يد إبنة منير الضائعة وأخشى أن يتحول لشيء أخر على يدها كذلك . لم أكن متفرغة كفاية لرجلاً بالغ وإنشغلت بإبنتي التي عادت للهواجس الشيطانية التي دفعتها للهرب من المنزل بعد عراك أخر تافه صعدته مع أبيها لأقصى الحدود فقد كان يريد السفر لمهمة جديدة وخشيت أن يعود إلي بولداً أخر.
بملأ إرادتها الحرة كما عودتها أن تحيى بلا قيود خاصة على نفسها أرادت أن تخضع لهذه العملية الجراحية فقد أرادت أن تكون فتاة طبيعية مثل الجميع, أرادت من الألم أن يتوقف فكل روح هائمة تمر عليها تروي على مسامعها تاريخها الأ**د وعذابات مررت بها أوصلتها لللا شيء لا جنان ولا جهنم, بداية علي إبن وحيد أو ليس ولده لا أعلم أين الحقيقة تحديداً ونهاية توأمتين قتلهما أمهما إنتقاماً من زوجها الذي تركها لأخرى ثم قتلت نفسها وثلاثتهم لا يلتقين ويلجئن لهنا لتجمع بينهن وهنا لا حول لها ولا قوة لأنها قوتها لا تتجاوز الإبصار, وذاك أمر هين مما تراه يومياً وتقصه على مسامعي لما يضيق قلبها من كثرة الالآلم. هناك ألم أخر مبرح إعتصر قلبها الصغير لم رأت حبيبها كريم يعود بإمرأة أخرى لقصر أبيه بعد أن وعدها أن يكون هذا القصر لها وتزايد الألم لما تجاهلها تماماً .
عميلة جراحية خطرة تعرضها للكثير من الأعراض الجانبية من فقدان متكرر للذاكرة و خبل و ضعف بالإبصار ولكن الأطباء يروها طفرة جنينية لم تتكرر لأن خلاياها الدماغية قادرة على التجدد تلقائياً أكثر من كل سكان الأرض دفعة واحدة . يقولون عملية جراحية بسيطة مجرد مسبار متناهي الصغر يخترق الجمجمة وحتى مراكز الذاكرة و الإدراك ويقوم بشحن قوى كهربية محدودة من حول الخلايا المحيطة فتعود للبداية للجديد وتنسى ماضيها بأكمله . فشل العملية ينتج عنه كارثة على أعلى مستوى فهنا ترى الأطياف تكتلات رملية أو كثافة بالغلاف الجوي من حولها وفشل العملية في الحد من تطور خلاياها قد يجعلها ترى الكيان في صورته الأولى كبشري أو أي كيان أخر والبشر نفوسهم ليست معدة الى هذا القدر من المعرفة وقد تفزعها رؤيتهم حد الموت خوفاً وأحياناً تجبر عقلها على إختلاق خيالات أخرى لكل كائن ق**ح الهيئة فمختار ليس بهية الطلعة كما تصفه في رسوماتها .
جلال رءاه مرة واحدة وقام بوصفه لي ضخم بالفعل قامة فارعة, متزرق ولكن ليس بصفاء سماء ربيعية بل بتزرق الكمد , جسده تغطيه الحراشف كما التماسيح, وجه بإستطالة البعير وجلال يراه يشبه الأكباش, حتى يداي وقدماه كحوافر الجمال إنما هناوة أخبرتني أن هنا تراه كما كانت تراه حبيبته الأولى التي سكن رمادها وجه هنا ومرآة الحب عمياء بكماء **اء أحياناً. يحب هنا كما أحب أميرة الآراضي السفلية لأن كلتاهما لم يحكما على خلقته بالبشاعة كما حكم عليه حتى من عشيرته فحتي الجان لديهم نزعة البشر العنصرية. مارد قديم ذو سطوة لقوته العظيمة كان يستخدم بكبرى الحروب ثم يعود لسجنه الذي أمر به كبير عشيرته ولنفس السبب البشاعة ومن حررته الأميرة المغدورة وصعدت به لأرضها وأمسى حارسها ثم البدايات المعتادة حتى بعالم غير عالمنا أحبت الأميرة حارسها وبادلها الحب كذلك ولما نمى لمسامع الملك قصة العشق تلك أمر بحبس المارد من جديد و حينها أمست الأميرة بلا حراسة لأنها لم تقبل إلا بحارسها ثم حدث المحتوم وماتت الأميرة وحينها حطم المارد سجنه و راح يبحث عن الجناة فوجد هنا فحسب فسكن جوارها لحماية ما تبقى من حبيبته.
متقلق من العملية الجراحية كذلك إنما ليس في وسعه ردعنا فقوته العظيمة سارية بعالمه فحسب أما بعالمنا يدمر المزهريات ونوافذ المنزل إعتراضاً كما أن هناك لعينة تسكن غرفة إبنتي إستعداداً لفراقها فتحول المنزل لمنزل أشباح بالفعل حتى أن الولدان هجرا المنزل متعللين بإجراءات ما قبل العملية فقد أوصى الأطباء بتبديل كل شيء بحياة هنا السابقة من ألوان و أثاث و دراسة وكل شيء ويا حبذا لو أسمها كذلك ولكن رفضت هنا الأخير .
الأخوين wrong كما أسما جلال ولداه إستهزاءً منهما مسايراً خطى الأخوين رايت صانعي الطائرات الأوائل هما من سافرا لدمياط لجلب الاثاث من ورش الجد أما هناوة عادت للتنمر فهي من تسير العمالة التي أتت لتبديل د*كورات الفيلا بأكملها طبقاً لذوقها الدمياطي الكلاسيكي .
أردت من كل قلبي أن أحدث العاشق فأنا أم المعشوقة ولكن ليس في وسعي للأسف, إنما هو من تواصل . كنت بغرفة نومي ممدة الساقين على سريري أقرأ بيروت 57 فوجدت غادة السمان تخاطبني عبر كتاباتها .
- الإجراء خطير
فزعت بالفعل وتلفت من حولي لم أجد شيء فعدت للكاتب الذي تتبدل كتاباته لسطر واحد بكل صفحة به مررت عليها للتأكد إن ما يحدث ليس خطأ طباعة يقول لي من جديد :
- الإجراء خطير .
أجيبه :
- حياة هنا في خطر ... هنا بتموت كل أعضاء جسمها بتضعف من الرؤى .. هنا مش بتشوفك إنت بس .
- سوف أعود لن تتخلصوا مني بسهولة .. انا أحد من الثلاث.
- دور علي غيرها أحسن .. كل واحد فيكوا من دنيا غير دنيته .. هتلاقي أكيد انت عشقتك أميرة .
- القلوب تنتمي لدنيا واحدة و انا لا أريد إلا قلبها .. ما رأيك في إنتزاعه من ص*رها و زرعه بجسد أخر .
أضحك لحماسته ثم أقول :
- صدقني انا حاولت أشيل قلب جلال من ص*ره و أدوس عليه بجزمتي مقدرتش ومعتقدتش إنك هتقدر برضه وهنا بتقول أن الستات أشجع من الرجاله .
وحينها حطم زجاج نافذتي إعتراضاً كذلك ولم أبالي بل و عدت لكتابي فالمنزل يعاد هيكلته بالكامل بأي حال . إبنتي لن تتزوج من ثلاث أو أربع و سوف أحرص على ذلك أشد الحرص, سوف تجري العملية الجراحية و تعود طفلة طبيعية بلا مآسي أو الآم, أزوجها لرجل واحد مؤتمن أياً كان إختيارها, أشكر أختها و أقبل قدميها لو في وسعي بعدما أنقذتها من إنتقام مختار.
بليلة سوداء داكنة كنت وحيدة بالمنزل مع هنا, هي بغرفتها وأنا بغرفتي نستعد لرحلتنا الجوية بالغد بالثانية ظهراً لميامي الأمريكية, أما جلال سافر لدمياط لوداع أبيه وكأننا ننوي الهجرة وليس مجرد أسبوعين من فراق أما هناوة أودعناها لدى هاشم صديق جلال وجارنا حتى عودتنا من ميامي.
سمعت صراخ هنا وصراخ أخر ليس لها فهرعت لغرفتها وجدت الباب موصداً, لم أفكر مرتين وسحبت مطرقة ضخمة لأحد العمال وحطمت بها جزء صغير من الباب بكل قوتي مكني فقط من رؤية ما يحدث وليس منعه فعدت للتحطيم . رأيت مختار نفذ تهديده يده ذو الحوافر منغرزة بص*ر هنا وهنا تصرخ من الألم وتحاول سحب يده من ص*رها أما أختها تعتلي ظهر مختار وتعض رقبته وتقضم لحمه و تبصقه أرضاً فيسقط حريقاً على الأرض ويتحول لرماد بنفسجي داكن, يلقيها عن ظهره ذو الحراشف التي صنعت بص*رها الجراح العميقة وتنزح عنها الدماء ورغم ذلك لا تستسلم و تعود لإعتلائه من جديد عبر قفزة هائلة مستغربة على جسدها الصغير أمام جسده الهجم الذي يصل لسقف الغرفة فجسدها كان لطفلة لا تتعدى العشر سنوات.
تصرخ بهنا وتقول :
- إحرقيه يا هنا قولي العزيمة .
إنما هنا لا تقول شيء وتنظر في عيناه فحسب ولا أعرف فيمَ إنتظارها لموتها بهذا الهدوء إنما علمت لاحقاً أنه شدة بأس ليس أكثر؛ أرادت أن تناوله الفرصة التي لو إغتنمها لأمسى أحد الثلاث المبشرين بالهنا . إنتزعت هنا يده بسلاسة من ص*رها الدامي على تعجب من الفتاة ومنه, تلوي يده الضخمة ثم تلقي به للخلف بقوة جعلته يطير بالهواء ويرتد على حائط ويحطمه بجسده الضخم الثقيل, تقترب منه وتحمل عن الأرض رماده وتلقيه على جسده مع تمتمات لاتينية فيعود رماده للإلتآم مع جسده النازف بالدماء البنفسجية بسلاسة وكأنه أرضاً طينية تعود لطبيعته الأولى بعدما جرى تجريفها . ينهض عن الأرض عيونه على عيونها في خزي ثم يتلاشى وحينها أدلف للغرفة من الحائط الذي هدم وأضم إبنتي لص*ري ثم أشير للفتاة أن تقترب فتقترب بتحسب وحينها أضمها وهنا سوياً لص*ري وبعدما كانت الفتاة طيف يري من داخله تتحول لجسد في وسعي لمسه فعِلتها الحنان والحب الذي حرمت منه هو الذي يعيد لها بشريتها إلى جانب الدماء البشرية.
تحطم حائط بمنزلي ترى كيف أبرر ذلك لجلال عند عودته باكر غد, هل أخبره أن إبنته التي وعدته أن لا تتحدث لمختار مرة أخرى تبارت مع مختار وكان ذلك النتاج أم أطلب المشورة من مهندسة المستقبل ملكة الكذبات المنطقية المنمقة التي قالت :
- نقوله إني انا اللي هديت الحيطة عشان أجبره أنه يعملي Bath room لوحدي في أوضتي.
- الحيطة اللي وقعت على الكوليدور يا هنا .
- انتوا فاكريني مهندسة بجد ولا إيه !!!
فقدت الفرضية المنطقية هذه المرة إنما لا ضرر فبعد إجرائها للعملية الجراحية سوف ننسى جميعاً الماضي وليس هي فحسب. أتلفت من حولي لأتبين حجم الكارثة أجد ركام خلف عن مخلوق من عالم أخر إتفقت عليه إمرأتين وإن كانتا مجرد فتاتين. أمسك بيد كل منهما وأعود بهما إلى غرفتي, أجلسهما على سريري ثم أسأل عن ما حدث فتيجيبني هنا :
- مش عارفه يا مامي إيه اللي حصل .
- أقول انا ؟
إبتسم للفتاة وأقول :
- قولي .
- مختار إتجنن لما عرف إن هنا هتنساه عشان لما تنساه مش هيلاقي حد يكلمه عشان كده كان عايز قلبها يزرعها في واحدة تانيه .. اصله غ*ي مايعرفش قواعد البشر فاكر أن قلب البشر اللي يبفكر مش عقلهم .
تعترض هنا على توضيح أختها قائلة :
- كان بيهدد بس .
- لا كان هيقتلك بطّلي عبط .
- مختار ما يقدرش يقتلني ولا أي حد من الآراضي السفلية .. حتى أنت يا حية .
- ياريتني سبته يقتلك يا غ*ية .
- انت إللي غ*ية .
ثم تعاركا, كلاً منهما أمسكت ب*عر الأخرى ولم أفلح بتهدئتهما إلا بعد وقتاً طويل فقد مزقت كلا منهما شعر الأخرى وكأنهما أختين حقيقيتين . أرقبهما في أسى, يعتصر قلبي حاجة الفتاة لأسرة وحاجة إبنتي لأختاً تشاركها الأحلام الوردية والسباب حتى أصيح :
- ما خلاص بقه إنتي و هي .. و انتي يا إسمك إيه متشكرة .
- عادي انا دايماً بحميها أصلا .
أربت على كتفها بحنو ثم أتذكر معركتهما وجراحهما التي في حاجة لتقطيب فأذهب للحمام وأعود بعلبة الإسعافات الأولية . أخلع عن هنا فلنتها أجد الجرح قد إلتأم ولم يتبقى منه إلا ندبة متوردة قليلاً وقبل سؤالي عن كيفية إلتآم جرح طوله عشرة سنتيمرات نتج عن إقحام خف جمل بص*ر إبنتي تجيبني الفتاة :
- القوانين عندكوا مختلفة .
- إزاي أنا شفت الدم نازل علي إيديه وهنا كانت بتعيط .
- هنا بتحب التمثيل يا طنط كان عندها أمل يرجع عن خطته لما تصعب عليه .. ينفع أقولك يا ماما ؟
يربكني سؤالها ي**تني للحظات ثم أقول بحماسة :
- أه طبعاً .. بس ممكن توضحيلي أكتر عشان أكون مطمنة أكتر .
- الجن يأذي الجن اللي منه وعشان يأذي هنا لازم مدخل ومداخل هنا مقفولة .
- مش فاهمة برضه .
تجيبني هنا بصبرً نافذ :
- اليقين يا مامي .. لازم أصدق أنه يقدر يأذيني و بابي قالي إن محدش يقدر يأذيني غير نفسي وحد بشري طبعا .. عشان كده الجرح لَمْ كأني كنت في حلم.
- وهي ؟
- جروحها هتلم .. هي ولا حاجة أصلاً أول ما تختفي تاني مش هيتبقى حاجة منها ولا جرح ولا غيره.
- بس ممكن تعمليلي بالحاجات دي برضه زي ما كنت بشوفك بتعملي لهنا لما تجرح نفسها.
تقولها الفتاة في رجاء بينما هنا تحدجها بإزدراء إنما أنصاع للفتاة وأناولها بعض الحنان الذي فقدته وأمسح على جراحها بالقطن المغمس بالمطهر . جراحها لم تلتأم كما إلتأمت جراح هنا ولازالت تنزح عنها الدماء وأظنها في حاجة لخياطة وليس لدي أدوات تقطيب طبية ولا أعرف ما العمل فالصيدلية الوحيدة بالتجمع الخامس تملكها صديقتي وإذ علمت عن حاجتي لأدوات تقطيب طبية سوف تتسائل عن السبب و لن أجد جواب لها .
مررت لحظات قليلة ونحن على تلك الوضعية أمسح على جراح الفتاة بالقطن المغمس بالمطهر إلا إن هنا تمللت على ما يبدوا حيث رفعت يدي عن الفتاة ووضعت يدها علي ص*رها المثخن بالجراح وتمتمت باللاتينة كلمات أعادت بشرة الفتاة للسواء مما جعل الفتاة تقول بحدة:
- رخمة .
- تعرفي تعملي كده للبني أدمين يا هنا .
- لاء يا مامي.
- لا تقدر يا ماما لكن قوانين الطاقة بتاعت أينشتاين هترد عليها الإصابة اللي عالجتها .
أجزع لوجود أينشتاين بين عالم الجان وأقول متعجبة :
- أينشتاين ؟!! إزاي ؟
- الطاقة لا تفنى و لا تستحدث من عدم يا مامي وفي عالم البشر الجرح اللي عالجته لازم ياخد مساره الصحيح ولو عالجت بشري هتتنقل ليا علته .. لكن الكيانات التانية قوتي عليهم أكبر لأنهم بره نطاق الطاقة الأرضية .
لا أفهم شيء مما يقولاه فأقول متحيرة :
- انتوا هتجننوني انتوا الإتنين .. جعتوا بعد المعركة دي ؟
- انا جعانة يا ماما .
قالتها الفتاة مما دعاني للتعجب فما أعرفه من جلال إنها تقتات على الدماء فحسب, لا تملك شهية أو تخضع لألم فقد كنت أمسح على جراحها بينما هي مبتسمة لي بسعادة غامرة. أي طعام قد أقدمه لها ؟ كذلك البيت فرغ من طعام بسفرنا بالغد .
لحظت هنا تحيري فسألتني :
- ما لك يا مامي ؟
- هي عايزه تاكل إيه يا هنا ؟
- انا موجودة ادامك إسأليني أنا .
أجبت الفتاة التي إحتدت لإقصائها من جملة واحدة في حوار :
- حاضر .. تحبي تاكلي إيه ؟
- Fries
أنسحب لخزانتي وأخرج منها مأزر حريري أناوله للفتاة الع***ة لترتديه فتتناوله مني بفرحة عارمة, ترتديه وتغلقه عليها بإحكام, تتحسس خامته الناعمة بيداها بسعادة ثم تقول :
- انا عندي زيه أصلا بس ما ينفعش ألبسه لما أختفي.
أتحول عن السعيدة بالمأزر للتعيسة بإختياراتها وألامس شعرها بحنو و أقول :
- انتي زعلانه ليه ؟
تصيح مستنكرة :
- عشان طلع خاين زي كل الرجاله .. كان عايز قلبي يحطه في واحدة تانيه فاكر نفسه مجدي يعقوب.
ثم لكزت أختها بكتفها وقالت :
- تعرفي مين الواحدة دي ؟
- طبعاً .
- مين ؟
- انا.
- No way.