الفصل التاسع :

2268 Words
" هل انت يتيمة ؟! " يتيمة .. اغمضت عيناها وتحركت مكانها بتوتر تجيبه وهي تبعد نفسها للخلف وتتلفت من حولها بينما تضيق انفاسها اكثر .. " لا .. الامر فقط اني .. " قاطعها بصوت عملي يحمل بعض اللين : " اذا لا .. هذه سنتك الاخيرة .. تعرفين ماذا يعني شهادة الثانوية العامة صحيح ؟ !! .. انت صاحبة المعدل الاعلى كما ذكرتي لي مراراً .. ثم موضوع الام تكرر اربع مرات في الدورات السابقة .. لذى مهما كان السبب انت عليك الالتزام بما اطلبه منكم .. " ارتفع حاجبيها وكادت ترد بحنق لكنه تجاوزها .. تركها تشعر بالغضب والسخط ولم يهتم بالقاء اي كلمة عابرة اخرى فوجدت نفسها تنعته بالطاغية الغ*ي .. تتلفظ بشتائم منخفضة لظهره المبتعد .. " ما الامر جوجو ؟! " " لا شيء رنا .. مغرور .. لئيم " " ابداً .. انه الطف رجل عرفته .. " تأملتها جوري لثوان .. تلك البلهاء الغارقة بالسخافات .. وماذا عن خلف القناع ؟!. اهي الوحيدة التي تدرك ان وراء اي لطف يوجد شيء آخر .. ان اي انسان لديه وجهان .. وكل ضوء ابيض يتخلله ظل اسود.. " انا امقته .. امقته واكرهه .. ابتعدي " وصلت لمقعدها لتجد احد الفتيات تجلس فوقه فدفعتها بقوة لتقع على ظهرها وتهتف بحنق : " لم فعلت هذا ؟! " " لاني استطيع .. والان قفي وامسحي اثار اقدامك عن مقعدي ايتها الو**ة .. وان رأيتك فوقه ساقتلك " " هذا ليس مقعد والدك جوري " التفت لصاحبة الصوت خلفها.. تجد رهف تتفوه بالحماقات كعادتها .. تلك الفتاة تسعى لاخراج وحشها من مكمنه .. " لا تتدخلي انت " انضمت هالة لها لتدفع رهف جانباً .. فدفعتها الاخرى وبدأ الشجار .. شجار تافه .. حدث في لحظة .. ودون اسباب مهمة .. لكن يحمل الالاف المشاعر المخفية ورائه .. مشاعر الاحباط والتمرد والاشتعال .. " شعري .. متوحشة " " ساقتلعه كله " قدم رنا اوقعت رهف ارضاً ثم انحنت لتض*بها هي الاخرة فانقلب الوضع واصبحت رنا الضحية .. وهذا جعل جوري تتدخل لتمسك عنق وشعر رهف وتجرهما بعنف كبير.. " ما الذي يجري هنا ؟! " وصلت الناظرة حنان .. مدعية العدالة .. والان على الشجار ان يتوقف .. لكن جوري استمرت بجر شعر الفتاة دون رحمة والاخرى تصرخ بعويل لا يتوقف .. " اتركيها فوراً .. اتركيها .. " " ساقتلها .. سامزق وجهها " بصعوبة تمكنت المرأة من فصلها عن ضحيتها ثم جرتها خلفها وهي تصرخ : " هالة .. رهف .. رنا .. ورائي فوراً " " دعيني .. ساسير وحدي .. اتركي " حلت مع**ها بصعوبة ثم استدارت لتقترب من رهف في الممر غير مهتمة بجموع الطالبات من حولهم وهست في وجهها كقطة شرسة : " لم انتهي منك .. " " ولا انا انتهيت .. " تحدتها الاخرى بالمثل لتعود الناظرة وتجرهما خلفها نحو مكتب الادارة هذه المرة. " هذه مدرسة .. مدرسة !!! " صرخت المديرة بهن بمجرد ان عرفت سبب تواجدهن في مكتبها.. " هي السبب .. لقد دفعت احدى الفتيات وانا طلبت منها الا تفعل هذا بها .. لكنها متوحشة .. انظري ماذا فعلن بي ؟! " انتحبت رهف ببراعة تحسد عليها، بينما لم تهتم جوري بنفي الامر، وهالة تنظر للضحية بتشفي دون ان يرف جفن لها حتى.. رنا الوحيدة التي اخذت ترتجف خائفة .. فوالدتها صارمة جداً ومتشددة ولن يرضيها ان تدخل ابنتها في مشاكل مشابهة .. " رنا لا دخل لها .. انا من فعل هذا " " كاذبة .. رنا دفعتني ورمتني ارضاً .. واخذت تض*بتي هي الاخرى " " سكوت !! " وقفت المديرة وتوجهت نحو رهف ثم اعطتها منديلا لتمسح خيط الدم الذي ينزف من انفها .. ثم توجهت نحو رنا وقالت : " لم اتوقع هذا منك رنا .. اتريدين ان استدعي والدتك ؟! " " لا ارجوك .. لن افعل هذا مجدداً " " اعتذري لرهف اذاً " مال فم رهف بابتسامة ساخرة بينما رنا تفعل ما امرتها به المديرة ثم تنصرف بامر منها .. " وانت هالة .. ما سببك لض*ب رهف ؟! " " انا اكرهها .. هذا كل مافي الامر .. ويمكن ان تستدعي احد والداي .. ولن يأتيا .. فهناك ما هو اهم مني في حياة كل منهما.. " زفرت المديرة بحنق ثم امرتها : " اعتذري لصديقتك " " ليست صديقتي .. ولن اعتذر " انفعلت المديرة هذه المرة .. وهذا جعل جوري اكثر تشوقاً لما سيحدث .. هالة جرت من ردائها وهتفت المرأة بوجهها : " انت مفصولة ثلاث ايام .. لا اريد رؤية وجهك دون والدك اسمعت .. غادري من فورك " " حسناً سأغادر.. ووالدي لن يأتي اظنه سيكون مشغولاً بشهر عسله الثاني.. " شدت هالة سترتها ثم تحركت تترك المكان .. جوري غيرت ملامح الاستمتاع ونظرت لرهف بشفقة ثم انتظرت دورها .. " ماذا عنك جوري ؟! " " انا اسفة جداً رهف .. لم اقصد ايذائك .. انت تعرفين لقد جننت لانك نعتني والدي بعديم الشخصية والبشع.. وقلت عن امي انها لم تربيني " عينا رهف جحظتا لكذبتها لتنظر اليها المديرة بحدة ثم تأمرها : " اعتذري لزميلتك فوراً رهف .. لم اكن اظن ان تفعلي هذا .. انت مؤدبة ومحترمة .. مهما كان الاساءة للغير مرفوضة " " ولكن انا .. " لم تسمح لها جوري بالنفي انطلقت فوراً لتمثيل دورها ببراعة فتقدمت من رهف وضمت يديها معاً ثم قالت بحزن مفتعل : " انا اسامحك .. لكن لا تقولي هذا مجدداً عن والداي .. حسناً ؟! واسفة لض*بك .. هيا لنتصالح " ضمتها تشدد من يديها حولها حتى كادت تخنقها .. ثم تركتها والمديرة تبتسم لهما .. " جيد .. هذا ما عليكن فعله فأنتن بمثابت اخوة.. هيا غادرا وهذا اخر تحذير مني .. لا شجار مرة اخرى ولا كلمات نابية مؤذية .. " جرت جوري رهف امامها مدعية انها تمسح انفها .. وذلك لكي لا تنفرد بالمديرة ثم بمجرد خروجهما دفعتها للامام وهتفت : " المرة القادمة سانتزع حلقك .. وسأجد وسيلة لقلب الأمر ضدك .. لنرى من منا يمثل بشكل افضل .. دموع التماسيح تناسبك .. " اقتربت مجدداً وهمست قرب اذنها : " زيد .. اخيك .. سيعرف اليوم عن مغامراتك .. وعد لك مني .. لنرى كيف ستتجرئين علي وعلى صديقاتي مجدداً " دفعتها بعدها بعنف ثم توجهت لصفها تتحرك بثقة .. بمجرد دخولها هرعت رنا لجانبها وهي تسأل : " ما الذي حدث معك ؟! .. هالة قالت انها فصلت لثلاث ايام وغادرت دون ان تهتم لاي شيء .. " " لا تخافي لم يحصل شيء .. تصالحت انا ورهف .. واليوم سنلعب معاً .. لعبة اخي سيعرف الحقيقة " شهقت دنيا من خلفهما ووضعت يدها على فمها .. تجاهلت جوري ملامحها واقتربت لتجلس براحة فوق مقعدها .. متوعدة رهف بالهلاك .. فاكثر ما يزعجها فصل هالة بسبب تلك الو**ة .. ******* " ماذا ؟! " سأل علاء بصوت منخفض لترد الانسة مرام مدرسة الرسم : " لقد نزفت رهف بسببها .. انها غير محتملة .. مجنونة .. تلك الفتاة غير طبيعية ابداً " " جوري سيئة جداً .. طلبت من المديرة اخراجها من المدرسة نهائياً ورفضت .. قالت انها لن تنهي مستقبل افضل طالبة بالمدرسة .. " هذه المرة التف رأسه ليسمع رد وسام الهادئ وكأن جوري لم تفعل شيء ابداً " انها الاولى على مستوى المحافظة وليس فقط المدرسة .. وانا اوافق المديرة .. جوري لديها مستقبل مبهر جداً " " مبهر بماذا ؟! .. انها اوقح فتاة رأيتها في حياتي .. " " انتم ترون السطح .. الفتاة لديها مؤكد مشاكل نفسية تجعلها تتنمر على غيرها .. لما دائماً نريد تجاهل الحقائق ؟!.. لا طفل يولد عنيفاً.. بل يصبح هكذا ان تلقى عنف مماثل.. " كان هذا صوت الانسة يسرى .. الاخصائية النفسية في المدرسة .. وشعر بان كلماتها تطرق داخل رأسه .. ترون السطح .. اذاً ماذا يوجد في قاعك جوري؟.. لم يعد يريد سماع المزيد لقد اكتفى.. وقف وتجاهل نداء الاخرين له.. عبر الممر نحو صف طلاب السنة الاخيرة في الطابق الاعلى.. يضع يده داخل سرواله القماشي الاسود .. " اين جوري ؟! " سأل بمجرد وصوله لتشير الفتاة نحو تجمع بعيد في زاوية الصف وصوت ضحك صاخب يص*ر عنه .. " اخبريها ان تأتي الى هنا " " حاضر استاذ " هرعت الفتاة من فورها .. بينما التقطت عيناه الفتاة في الزاوية المقابلة .. خدش طويل كان يظهر على وجهها ومازل انفها ينزف بفعل ما تعرضت له .. تنفس بحدة واغمض عيناه .. لا يعلم ما الذي يفعله هنا؟! .. ما الذي يريده منها ؟! .. " سألت عني استاذ؟! " رمشت جوري مقابل له بكل براءة العالم .. هل هذا الوجه يمكن ان يخفي ذاك الوحش خلفه ؟! .. تلك الملامح الناعمة الرقيقة والطول الذي بالكاد يصل لبداية كتفه .. الصبر علاء .. " استاذ علاء " تنبه لافكاره واجلى حنجرته ثم سألها دون مقدمات : " لما ض*بت زميلتك ؟! " توسعت ابتسامتها .. ليكتشف لاول مرة ان لديها غمازة في خدها الايمن .. ارتجفت اصابعه فضم فمه واضاف بحدة غير مقصودة : " هذا اسلوب لا يليق بتلميذة جوري " " بمن يليق اذاً ؟! " تغيرت ملامحها .. تبدلت لتظهر الفتاة الاخرى .. عيناها اشتعلت بنار عسلية وعدلت وقفتها بتحفذ وهي تعطيه رد وقح : " بالشوارع مثلاً .. " " احذري " بالكاد همس لترتجف .. لتبعد نظراتها عنه وتنظر لداخل صفها .. ص*رها اخذ يعلو وينخفض تحت قميصها بينما سترتها معقودة بشكل مهمل حول خصرها .. هذه الفتاة فوضى عارمة واصلاحها متأخر جداً.. " ما عقابي اذاً ؟! .. كتابة الدرس عشرون مرة " " لست مخول بعقابك .. انا فقط مستاء من ان فتاة بذكائك .. بقوة ادراكك .. تضيع نفسها هكذا .. للاسف .. انت ضائعة جداً جوري .. واتمنى الا تنتهي في مكان لا يشبهك .. مكان مظلم كظلام افكارك عن ان الكل اعدائك .. " " ظننت انك مدرس لغة عربية لا اخصائي اصلاحي " تجمد .. هل قالت للتو ما سمعه ؟! .. اغمض عينيه ثم فتحهما واجاب ببرود : " انت محقة .. " تركها والتف .. ابتعد عن فكر شرير داخله يدعوه لامساكها وهزها لمرات حتى تستعيد وعيها .. لكن ما شأنك انت علاء؟! .. هتف داخله به .. عليه ان يبقى بعيداً .. هذا ليس مكانه .. ليست مسؤوليته .. جوري .. خط لا يجب تجاوزه .. مثل كل طالبة لديه .. ******** شاردة الذهن بذاك الجسد امامها الذي استقل لتوه السيارة السوداء وانطلق بسرعة، الاستاذ علاء يأبى ان ينظر اليها منذ علم بما فعلته .. منذ ردت عليه بوقاحة داخل الممر .. فالمدرسة بأكملها علمت بشجارها وض*بها لرهف .. والمصلح النفسي جاء ليحلل تصرفاتها.. بغيض .. هتف داخلها .. لتتجاهل وجوده وتكمل سيرها فوق الرصيف تتذكر سؤاله عن سبب ض*بها لرهف .. مال فمها بابتسامة مرة غير مبالية .. وكأنها تملك سبب او اجابة .. هي فقط تتحول لشخص شرس وتهاجم اقرانها الضعفاء.. اليس هذا قانون الغابة.. القوي يأكل الضعيف؟!.. عبرت الشارع دون ان تنظر امامها .. تتأمل الشارع ثم تنظر نحو الرصيف المقابل... صوت فرامل حادة زعق بعنف وتجمدت.. تغمض عيناها على صوت صرخة تحذير من خلفها لتوقفها .. وثانية واحدة مرت قبل ان يعبر ألم حاد جداً على طول ساقها ليصل الى اعماقها .. فتشهق وجسدها يرتمي ارضاً.. لقد عاقبها الله على سوء افعالها للتو مؤكد.. " كيف حالك الان ؟! " سألت امها بصوت منخفض تحاول مسح جبينها من أثار الدماء : " هل يهمك حقاً ؟! .. انظري الي .. انظري جيداً امي .. واعيد سؤالك .. هل انا بخير ؟! .. " تململت تبعد رأسها ثم تدفنه في وسادتها تخفي كدماته هو وعنقها .. ليس عن والدتها .. ابداً .. بل عنها .. عنها هي .. عن تلك الطفلة المكلومة بداخلها .. ابنة التاسعة الفزعة الجائعة للعاطفة والحنان .. لمعت عيناها بدموع مخنوقة .. هي تموت ألماً.. بكل جزء منها .. في مع**ها .. في كتفها .. وفي كل مفصل من جسدها .. وألم اكبر .. اشد .. اعنف واكثر مرارة في قلبها ... عميقاً جداً ليصل الى اجزاء روحها .. فاحد لم يهتم لالامها .. احد لن يساعدها .. حتى تلك التي تقف بعاطفة متأخرة جداً .. " اسمعيني .. انا .. " " يا الله .. لما لا تفهمين ؟! .. انتهى كل شيء عندما لم تردي على اتصالي .. لقد اتصلت لعشر مرات بك بعد الحادث .. اين كنت عندها امي ؟! .. غادري .. اتركيني .. لا اريد مواساتك .. لا اريد شيء منك .. اتركيني فقط " عادت تخفي نفسها بالغطاء ترتجفت ب**ت مطبق .. تصرخ داخلها ذاك الصراخ الاخرس .. ذاك الذي بدل ان يريحك يخنق انفاسك .. ويهز داخلك بعنف .. منتظرة الف*ج .. منتظرة الراحة التي لن تشعرها ابداً .. اكان هذا عقابها من الله لانها ض*بت رهف؟!.. اغمضت عيناها وارتجفت شفتها ولكن دموعها ابت ان تترك سجنها .. اخذت تتذكر كل ما حدث .. بينما تتمنى ان تنام ذاك النوم الاشبه بالموت .. اسود بلا احلام .. هل ساعدها عمار ام ان ذاك كان وهماً؟!.. " اريد ان ارتاح .. ان ينتهي هذا كله فقط.. ارجوك يا الله ارحمني.. " خرج صوتها ضعيف جداً محملاً بخذلان لا ينتهي .. ورمشت تطرد بقايا الدموع المتجمعة في جفنيها .. هذا المنزل الصامت كقبر .. هذا المنزل الذي تكرهه .. حيث لا احد يهتم بأحد .. حيث لا يسمع شيء سوى ال**ت .. ليته يحترق .. ليته يهوي .. فلا يبقى منه اي جدار ليخفوها ورائه .. صباحاً تمددت داخل السرير فخرج صوت متألم من فمها .. ابتلعت بصعوبة ل**بها وحلقها جاف جداً.. اخيراً وبجهد كبير استطاعت ترك سريرها والتوجه نحو المرآة .. نظرت لتلك الفتاة التي تطالعها بفم مزموم حزين .. الاثار اصبحت اب*ع .. زرقاء داكنه .. رفعت باصابع مرتجفة القماش عن خصرها لترى العلامة الواسعة الداكنة التي تحتل جانبه حتى وصلت اضلعها .. ارتجفت شفتياها والتمع خوف رهيب داخل عيناها .. امتدت اصابعها تخفض سترتها وسحبت نفس طويلاً.. ثم اخذت تردد لانعكاسها الواهن : " ستكونين افضل .. ستعيشين .. ستقاومين مجدداً .. " غصة مرة تحكمت بحلقها فضمت فمها بقسوة .. تذكر الالم الذي انتابها .. والصراخ المميت الذي غادر فمها .. لكن لا تذكر ذراعين حمتاها .. لا تذكر ان احداً ضمنها ليبعد الخوف عنها .. كل ما تذكره انها كانت غير مرئية .. وكانها شبح ..وكأنها طيف بلا ملامح.. وكأنها .. لا شيء يذكر..
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD