طرقت باب غرفتي بهدوء ثم دخلت
بيان : عزيزتي هل أنت بخير ؟
نظرت إلى أمي و انا أرسم ابتسامة مزيفة على وجهي
ثم قلت :
عرين : طبعا أنا بخير .
بيان : اذا لماذا لم تخرجي لتناول الطعام ؟
عرين : لم أجد نفسي جائعة ، سأنهي واجباتي
الدراسية ثم أخرج لنجلس معا .
بيان : حسنا
" في المدرسة "
كنت أتحدث مع صديقتي رزان حول مشاعري التي
أجدها تكبر يوما بعد يوم اتجاه استاذ اللغة
رزان : هل أنت مجنونة ؟ كيف تعجبين بأستاذك
لو علمت ادارة المدرسة بذلك سيتسبب ذلك في
فصلك من المدرسة في آخر سنة لك في الثانوية
عرين : و هل يمكن أن تعاقبني ادارة المدرسة لمجرد
مشاعر دون ان أقوم بأي فعل مشين ؟
رزان : ألا ترين فرق السن بينكما إنه على الأقل عشر
سنوات .
كنت فتاة مجتهدة للغاية ، أتمتع بذكاء عالي
و مشكلتي الوحيدة أنني كنت خجولة للغاية
هذا كان يؤثر على حياتي بشكل سلبي للغاية
في العلاقات الاجتماعية ، لم أكن استطيع تكوين
صداقات بسرعة و لا أستطيع لفت انتباه أي شخص
فليس لي أي حضور مميز ، أو شخصية جذابة .
منذ ثلاث سنوات كانت هي مرتي الأولى التي أراه بها
دخل بشخصيته الجذابة الى فصلنا الدراسي
ب*عره الطويل الذي كان مربوطا على شكلٍ زيل
الحصان و يرتدي جاكيتا من الجينز و بنطالا أنيقا .
وضع حقيبته على الطاولة و قال بصوته الرجولي
جهاد : صباح الخير يا فتيات
وقفنا جميعا احتراما لها و رددنا التحية له
أمرنا بالجلوس لكنني ظللت أنظر اليه ، لم أستطع
إبعاد ناظري عنه حتى قامت رزان بتنبيهي .
بسبب حبي له أصبحت أدرس لمادته بطريقة مكثفة
و كنت من أكثر الطالبات لديه اجتهادا و تميزا
الا أنه لم يستطع ملاحظتي ، أو ربما لاحظني و لم
أنل إعجابه .
عرين : استاذ ما رأيك بهذه العبارات التعبيرية ؟
لقد كتبتها البارحة هل هي تحتاج لأي تلقيح لغوي ؟
جهاد : رائعة انها تعابير رائعة مليئة بالمشاعر
احسنت يا عرين لد*ك حس مرهف في الكتابة .
عرين : استاذ هل لد*ك أي ملاحظات ؟
جهاد : لا ، احسنت
أردته ان يخبرني بأي ملاحظة كي يطول نقاشنا
مع بعضنا البعض ، الا انه اكتفى بمديحي ببعض
الكلمات ثم تركني و مضى .
رزان : ألم تيأسي ؟ لقد مضت ثلاث سنوات بالفعل !
عرين : انا خائفة من ان تنتهي هذه السنة دون أي
تقدم بيننا و حينها سوف أنحرم من رؤيته الى الأبد
رزان : ههه أهذا ما تخشينه ؟ لماذا هو بالضبط ؟
الحياة من أمامك طويلة بإمكانك ان تجدي رجلا
آخر .
عرين : لا ، انه الرجل الذي سحرني من النظرة الاولى
يكفي انه يجعلني أنبهر في كل مرة أراه بها
تظل الدهشة ترافقني في كل مرة أراه بها
رجلا كهذا لن يترك لقلبي مجالا لأن ينطفئ في يوم
ما .
شردت رزان في كلامي قليلا ثم قالت
رزان : ما الذي يدهشك فيه بالضبط ؟
عرين : أوه أوه الكثير الكثير ، وقفته ، مشيته ، طريقته
في الكلام ، حضوره ، طريقته في الضحك ، نظرات
عيونه ، صوته ، خفة دمه
رزان : هذا شاعري للغاية ، دعينا ندخل الى الفصل
قبل أن تأتي المعلمة .
رزان صديقتي منذ الاعدادية ، شخصيتها تختلف
كثيرا عني ، لطالما كانت رزان مشاغبة مشا**ة
شخصيتها لها حضور لذيذ ، كانت تكون الصداقات
بسرعة كبيرة دون أي تعب ، كانت من الاشخاص
الذين يظلون حاضرون في الذاكرة ، لا تنسى بسهولة
و دائما يحفظ اسمها الأساتذة قبل الجميع
و حين تتغيب عن الدورس ، يسأل الجميع عنها .
لم تكن مجتهدة في دراستها ، و مع ذلك كانت مميزة
عند الجميع .
لطالما أحببتها و أحببت صداقتي بها ، كنت أحاول
مساعدتها دائما في دراستها ، أساعدها في فهم
الدروس التي تصعب عليها ، أساعدها في كتابة
ملخصات تسهل عليها دراستها .
رزان كانت تعيش في عائلة مفككة للغاية
والدها و والدتها انفصلا منذ كانت صغيرة
وتعيش مع والدها و زوجته التي كانت إمرأة
قاسية للغاية ، عاشت رزان في بيئة غير صحية
وحيدة ، لكنني كنت العوض لها
تلجأ الي في أغلب الاوقات من**رة حزينة
فتخرج من عندي بابتسامة عارمة .
جهاد : هذا كل شيء أستطيع تقديمة لكم ، الباقي
عندكم ، أنا وسيلة لمساعدتكم ليس أكثر ، جهدكم
هو الحل الوحيد للنجاح .
رزان : شكرا أستاذ
جهاد : بالتوفيق للجميع .
أنهى جهاد درسه الأخير ، كان قلبي يخفق بشدة
كنت خائفة من أن لا أستطيع رؤيته مرة .
جلست مع نفسي أحاول تقوية نفسي و تشجيعها
لأذهب و أعترف اليه ، فهذه هي فرصتي
الأخيرة .
عرين : هيا يا عرين ا**ري حاجز الخجل الذي سيدمر
حياتك .
انظري اليه انه جهاد ملك الكلمات التي لطالما
سحرك و هو يلقي الشعر بطريقة ساحرة
جهاد صاحب أجمل ابتسامة في الكون
هل ستفرطين به بسبب خجل لعين ؟
هيا تشجعي
وقفت من فوري بعد أن شحنت نفسي بالقوة
و الشجاعة ، تبعته الى خارج الفصل
عرين : استاذ لو سمحت هل بإمكاني ان أتحدث معك ؟
قاسم : هل لد*ك شيء لم تفهميه ؟ هل تعانين
من أي مشكلة لغوية ؟
عرين : بل لدي كلام أريد قوله و لا أعرف كيف
سألفظه لذلك كتبته لك على هذه الورقة
هل يمكن أن تقرأها بصوتك ؟
أخذ جهاد الورقة من يدي
جهاد : "مثل أغنية
أرددك
تسكن في رأسي
بتكرار طويل
جميل
مثل أغنية
تضحك عينيك
داخل رأسي
فيحدث انفجار سديمي
داخلي
يخلق كون جديد
ودين جديد
مثل أغنية
تأوي روحي الشريدة
أرددك
فأشعر بوسط الطريق
أني في المنزل”.
ابتسم جهاد و انا قلبي كان يخفق بقوة و كأنه
سيخرج من مكانه ، كنت أراقب ملامحه لأستطيع
إكتشاف ردة فعله .
و اخيرا نطق و قال
جهاد : جميل للغاية هذا النص مهاراتك في الكتابة
تتحسن
عرين : و لكن هذا ليس مجرد نص
جهاد : امم يبدو أنه نصا مهما بالنسبة لك
أهنئ صاحب النصيب سيعجبه للغاية .
قال كلماته هذه ثم أوشك على المغادرة
استجمعت شجاعتي و قلت
عرين : جهاد
إلتفت إلي جهاد بدهشة و قال
جهاد : جهاد حاف ؟ !
عرين : أحبك
نظر إلي بعيون متوسعة و بصدمة كبيرة ثم قال :
جهاد : تحبيني أنا ؟
عرين : أجل
جهاد : تحبيني كأستاذ لك طبعا ؟
عرين : لا أحبك كرجل .
**ت جهاد قليلا ثم قال بصوت مرتبك
جهاد : عرين انت طالبة مميزة للغاية عندي
و لا أريد أن أترك ذكرى سيئة عندك في آخر يوم
دراسي لي معكم ، و لكن مع ذلك علي أن أكون معك
ص**حا حتى لا تستمري في الاسراف من مشاعرك
بسببي .
عرين انا بالفعل أحب فتاة أخرى و ننتظر بفارغ الصبر
انتهاء الدوام المدرسي حتى نعلن إرتباطنا .
انتابني أسى خسارة شيء لم أمتلكه، لكن كان
امتلاكه حلمًا.
لم أستطع ان أمنع دموعي من السيل شعرت
بقلبي يتمزق ، إنه حلمي يتلاشى من أمام عيني
قلت بصوت باكي
عرين : من تكون هذه الفتاة ؟
جهاد : ارجوك يا عرين لا تبكي ، انا لا أريد أذيتك
عرين : من تكون هذه الفتاة ؟
جهاد : و ماذا سيفيدك معرفة اسمها ؟
عرين : أريد ان اعرف اسمها ارجوك
جهاد : انها رزان ، رزان صديقتك
ليتني لم أسأل ، ليتني لم أعرف ، ليتني لم أستجمع
شجاعتي و بقيت خجولة للأبد ، ليتني مت قبل هذا
كيف سأداوي جرحي الآن ؟ كيف سأشفى
من مما فعلته رزان بي ، لماذا أشعر الآن
ان الأ**جين قد اختفى من المكان ؟ لماذا أشعر
بحلقي جاف للغاية ، لم أعد أستطيع التنفس
بدأت أفقد التركيز ، شعرت بالدوار و أوشكت على
السقوط ، شعرت بيديه تحاوطني لتمنعني من
السقوط .
أمسكني و ساعدني للجلوس على الكرسي
جهاد : عرين هل انت بخير ؟
لم أستطع ان أنظر اليه ، لم أعد استطيع تحمل سماع
صوته ، فجأة تحولت كل مشاعري اتجاهه لكره كبير
لا أدري كيف ، لكنها حدثت في تلك اللحظة
نظرت اليه بنظرة محملة بالكره و قلت
عرين : أعطني ورقتي
جهاد بدهشة : ها ؟
عرين : أعطني ما كتبته لك و بسرعة
جهاد : تقصدين هذه الورقة ؟
أخذتها من يده من قوة و هممت بالمغادرة
جهاد : عرين هل انت متأكدة انك بخير ؟
عرين : ارجوك ابتعد عن طريقي .
ابتعدت عنه و عاودت الدخول الى الفصل
ركضت نحوي رزان بتساؤل و قالت
رزان : عرين اين كنت ؟ لقد بحثت عنك في كل
الفصول ؟
و لأول مرة أراها ق**حة للغاية نظرت اليها بتمعن
كنت أمعن النظر في عينيها المليئة بالخيانة
كيف استطاعت ارتكاب هذه الجريمة معي انا ؟
الى متى كانت ستظل تتظاهر ؟
كيف بإمكانها ان تكون مخادعة الى هذه الدرجة ؟
كيف تمكنت من مشاعري و قلبي و احلامي التي
اخترتها من بين الجميع لأبوح لها بهم
من سيجبر جرحي الكبير الذي فعلته يا رزان ؟
رزان : عرين عرين ما بك إنني أتكلم اليك
ذهبت الى مقعدي دون أن أجبها ، كانت مصدومة
من ردة فعلي الغريبة معها ، ظلت تحاول سؤالي
و الاستفهام مني عن سبب تصرفي بغرابة
إلا أنني اكتفيت بال**ت دون أن انطق بأي كلمة .
انتهى دوام المدرسة و خرجت دون أن انتظرها
لا أعلم كيف أقف على قدمي بهذا ال**ود الى الآن
دخلت الى المنزل متجهة الى غرفتي سريعا
رميت كتبي و أغراضي و ألقيت بنفسي على السرير
و غرقت في دموعي ، بدأت عيوني تخرج كل شوائبها
كنت أمطر لا أبكي
دخلت أمي الى غرفتي و هي خائفة ، هرعت إلي
بملامحها الدافئة و قالت بصوت قلق
بيان : عرين حبيبتي ما بك ؟ لماذا تبكين ؟
عرين أجيبيني
ألقيت بنفسي بين أحضانها دون أن أنطق بكلمة
واحدة ، عانقتني أمي بشدة و احترمت عدم قدرتي
على الكلام ، لكنها لم تتركني وحدي أبدا .
استمرت رزان في مهاتفتي و الاتصال بي ، لكنني
لم أحب على اي اتصال منها ، عرفت أمي
ان المتسببة في حزني هذا هي رزان ، عندما أتت
الى منزلنا تطلب رؤيتي ، و رفضت الخروج لاستقبالها
بيان : انا أصبحت أعرف تماما المتسبب بحزنك و ألمك
الآن ، و انا لا أجبرك ابدا على أن تخبريني السبب
و لكن مهما كان و مهما يكن ، تذكري أنه لا شيء
في هذه الدنيا يستحق دموعك الثمينة هذه .
كلهم هامش و انت الحقيقة .
غادرت أمي من غرفتي بعد أن أعطت قلبي مهدئا
هذه الأيام ستمضي انا متأكدة ، سأذكرها بعد مدة
من الزمن و انا أبتسم و اقول " لقد تخطيتها "
يالي من غ*ية لماذا اخذت مني كل هذا الوقت من
البكاء " " هذا المر سيمر بالتأكيد "
و هذا مستقبلي علي أن أركز به الآن ، امتحاناتي
النهائية على الأبواب علي أن أقضي وقتي بها عوضا
عن البكاء على خيانة رزان لي .
كنت أحاول جاهدة أن أقوى على هذه الفترة الصعبة
و لكنني فجأة أضعف و أبدء في تذكر كل شيء
أمضيت عدة أيام و انا على الحال نفسه
حتى دخل أبي الى غرفتي في ليلة باردة
أبي الذي لطالما كان صديقي قبل أن يكون أبي
كان أقرب إلي من والدتي منذ الصغر ، و كنت أحظى
بدلاله و حبه و عطفه اكثر من كل إخوتي ، كان
يعتبرني الأقرب الى قلبه من الجميع .
دخل و جلس على طرف سريري و قال
رائد : لقد غابت شمس منزلنا منذ أكثر من ثلاثة إيام
كنت أنتظرها ان تعود بملئ إرادتها و من تلقاء
نفسها ، و لكن عندما اشتد البرد في أرجاء منزلنا
لم أعد أقوى على الصبر أكثر ، و أتيتها راجيا الآن
أن تعود إلينا .
ابتسمت له بكل حب
رائد : أجل أريني هذه الابتسامة الجميلة التي أفتقدها
كثيرا .
عرين ببكاء : انا مجروحة للغاية يا ابي ، لم أعد أستطيع
تحمل هذا الألم .
عانقني بيديه الدافئتين ، التي لطالما شعرت و انا
تحتهما انه لا يمكن لأي سوء أن يصيبني ، شعرت
بالأمان و الدفء .
رائد : من قام بجرح أميرتي الصغيرة ؟
من تجرء على أذيتها بهذه الطريقة ؟
عرين : ربما أنا من جرحت نفسي ، حين وثقت بها
حين بحت بها بما لا يجب البوح به ، حين بالغت في
عطاءي لها ، حين ظننتها الأخت
انا من قمت بأذية نفسي يا أبي .
رائد : كل ما تمرين به في هذه الحياة من مواقف
و صدمات ، و تجارب ، كلها دروس ستعلمك الكثير
ستجعلك أقوى ، و أصلب ، و اكثر نضج و وعي .
هذه الدموع ستذكرينها لاحقا و انت تبتسمين
و تسخرين من نفسك في هذه اللحظة لأنك
ضيعتها في البكاء على من لا يستحق .
عرين : لكنها قامت بخيانتي يا أبي ، و خداعي لوقت
طويل .
رائد : ارميها وراء ظهرك حاولي أن تمحيها
من كل مكان ، تخلصي منها حتى من ذاكرتك .
عرين ببكاء : و هل ذلك بالأمر السهل ؟
رائد : لا شيء يصعب على أميرتي عرين
انت **مي على التخلص منها و ستستطيعين.
عرين بتلبك : و هناك شيء آخر لا أعرف كيف سأقولهلك .
رائد : إياك ان تنتقي كلماتك للحديث معي ، تكلمي
بالطريقة التي تجعلك مرتاحة بدون أي خوف أو تردد
عرين بتلبك : ا ا ان انا كنت أحب أحدهم
راقبت ملامح أبي لأشاهد تغيرها لكنني لم اجد
أي تغيرات و انا متأكدة أنه قاوم كثيرا ليتحكم
بملامح و ردة فعله
رائد : اجل اكملي ؟
عرين : كنت أحبه وحدي أي أنني أحبه من طرف واحد
أحمل له مشاعر تكبر كل يوم أكثر من اليوم الذي
قبله ، و كنت أشارك رزان مشاعري هذه ، دون أن
أخفي أي شيء، كنت أتكلم معها و كأنني أتكلم مع
نفسي ، أخبرتها كم مرة حلمت به و كم مرة كتبت
له و كم مرة تخيلته ، و كل شيء أشعر به اتجاهه
كانت تسمعني باصغاء شديد و اهتمام ، لم تطلب
مني يوما التوقف عن الحديث عنه ، بل كانت
مهتمة للغاية بمشاعري و شعوري و تسألني
باستمرار عن شعوري اتجاهه في كل لحظة .
كنت سعيدة بمشاركتي لها هذه المشاعر
كنت أشعر أنني لو تحدثت بها لأحد فلن تبقى
مشاعر وهمية في الخيال فقط ، بل ستصبح حقيقة
و كانت رزان خياري الأمثل لأنني كنت أعتبرها أكثر
من أخت .
ثلاث سنوات و أنا أشكي لها حبي و أصفه لها
ثلاث سنوات و أنا أطلعها على ما أكتبه له من
مشاعر و أحاسيس
ثلاث سنوات و انا أشاركها في كل تفصيل عنه .
لاكتشف مؤخرا أنها سرقت مني هذا السر اللطيف
و حولته الى حقيقة في حياتها ، لقد ارتبطت بحبيبي
السري .