الفصل الاول

4443 Words
انطلقت سيارات الشباب تتقدمها سيارة منذر الذي تجاوره أسمهان وخلفها سيارة بشر يجاوره نزار وخلفهما عزيزة وسمراء و تولين الصغيرة وفي النهاية سيارة صفي الذي يقود بهدوء وتجاوره بلقيس التي تشعر بألم لكنها خشيت أن تظهره فيلومها لأنها خرجت وتسببت لنفسها بالتعب …….التفت نزار لبشر قائلا "الشعر الأبيض بدأ ينتشر برأسك، ألست صغيرا على هذا قليلا؟" قال له بشر "ومنذ متى أتدخل في أي شيء يحدث لي؟ لم ألتفت له أبدا لذلك لا تهتم" قال نزار بمكر "يبدو أنك فهمتني بشكل خاطئ فبالرغم من أن سنك صغير جدا على ظهور الشعر الأبيض إلا أنه يزيدك وسامة، فعميلتنا الجديدة كانت تسأل عنك اليوم باهتمام بالغ وأظهرت تأثرها لعدم رؤيتك فقد كانت تتمنى مقابلتك" تدخلت سمراء بغضب قائلة "ماذا حدث لشركتنا الطاهرة؟ هل أصابتها عدوى الفجور؟" ضحك نزار وقال "دعي الرجل يعيش حياته فلقد شاب قبل أوانه" تكلمت عزيزة بهدوء "لا تقل هذا يا نزار، بالع** أنا أرى أن الشعر الأبيض أعطاه وقارا وجاذبية، وبشر في كل حالاته رائع" أحنى لها بشر رأسه بطريقة مسرحية يشكرها ب**ت، فضحك نزار قائلا "دجاجتنا الأم راضية عنك، بماذا رشوتها يا شيخ الشباب؟" أوقف بشر السيارة عندما تحولت إشارة المرور إلى اللون الأحمر وقال لنزار بغيظ "لا تتدخل فأنا …….." قاطع حديث بشر صوت كمفرقعات العيد فنظر حوله باستغراب وفجأة فُتحت أبواب السيارة ووجد فتيات فرقة معايدة وهي فرقة من الفتيات يرسلها الأصدقاء أو الأحباب لبعضهم البعض في الأعياد والمناسبات لنشر البهجة وتقديم الهدية إذا تعذر على أحدهم القدوم، يسحبن سمراء التي كانت مذهولة بما يحدث ثم يلبسنها تاجا يشبه تاج الملكة وكان بعضهن يطلقن قذائف من الشرائط الملونة والغبار اللامع بالأجواء وواحدة منهن تغني أغنية معروفة لويتني هوستن وأخريات يتراقصن حولها، خرج الجميع من سياراتهم إلا بلقيس التي منعها صفي من التحرك فرضخت له فقد كانت تتألم، أضاءت الإشارة باللون الأخضر لكن الشارع لم يكن شارعا رئيسيا لذلك كان الوضع هادئا نوعا ما فوقف بعض المارة ليشاهدون العرض والشباب **توا بذهول لأنه لن يُعلن عن هوية المرسل إلا في نهاية العرض، كانت الأجواء تدعو للضحك، فها هم يتابعون عرض رقص فُجائي ينتقل من الأغنية الرومانسية إلى جو حماسي على وقع أغنيةٍ لمايكل جا**ون والعرض مستمر، أسند بشر ظهره على سيارته ووضع كفه على خده ينتظر انتهاء هذا السيرك، أما الفتيات ظللن يكتمن ضحكاتهن لبعض الوقت حتى وضعت إحدى الفتيات ألوان غريبة على وجه سمراء فانطلقن يضحكن بقوة وعاصي يصور ما يحدث وهو مذهول فهذه الحياة أغرب من أن نمرر لحظاتنا بها بدون أن نعيشها لكننا في تلك اللحظات لن نتخلص أبدا من الحنين إلى أحدهم وقول ليته كان هنا، وضعت عزيزة يديها على فمها وانطلقت تضحك بقوة والفتيات يجبرن سمراء مشاركتهن الخطوات وأسمهان تصفق وتشجع، مرت دقائق حماسية قبل أن تقدم إحدى الفتيات باقة من الورد الأبيض إلى سمراء وتلبسها طرحة بيضاء كأنها عروس وتهمس لها بأذنها "انظري إلى هذه الطائرة الصغيرة، إنها آلة تصوير عالية الدقة، لوّحي لصديقك" نظرت سمراء للأعلى فوجدت طائرة صغيرة كأنها لعبة ترتفع فوق رؤوسهم بمسافة ليست بعيدة فأكملت الفتاة همسها قائلة "يقول لك أنه يحبك ورغم المسافات هو معك دائما، لم يفارقك لحظه، فقط انتظريه" أغمضت سمراء عينيها وقد هدأ ضجيج مزعج كان يملأ داخلها من الصباح، خافت أن ينسى ويبتعد فالمسافات تخلق فجوة من الجفاء والجمود بين القلوب لكنه كالعادة أبهرها وفاجأها ورغم ذلك هي غاضبة جدا فقد كان بإمكانه الحضور لتنظر له ولو من بعيد، ففي وجوده يكون قلبها كطفل يتقافز من السعادة حتى لو بلغت قمة غضبها فكيف يتخيل الأ**ق أن تشعر بالسعادة عندما يحضر لها السيرك، قاطع دوامتها صوت الفتاة تقول "يقول لك مرت ست سنوات من الاحتراق" نظرت سمراء ليد الفتاة لتجدها تستقبل رسائل ليل على هاتفها الخاص، فأعطت باقة الورد لعزيزة وسحبت الهاتف من الفتاة بعنف وكتبت له "فلتحترق بنارك أيها الوقح الأ**ق، أنا أكرهك" ثم أعطت الفتاة الهاتف بغضب ونزعت التاج والطرحة وصرخت بهن "انتهى العرض فأنتن أخطأتن العنوان، لست أنا صاحبة المناسبة" رفع بشر يديه بالهواء وقال بملل "بعد هذا السيرك القومي، لست أنت صاحبة المناسبة ...حقا ...أنا أعيش وسط مجانين، لقد ظننت أن اليوم عيد ميلادك أو شيء من هذا القبيل لذلك أنت صامتة" صعدت إلى السيارة وهي تتلقف باقة الورد من عزيزة وقالت بغضب "ألم تطلب مني ألا أجاريه حين يظهر أمامي وأخبرك؟ ها هو، تصرف معه" نظر بشر حوله وقال "أين؟" أشارت بإصبعها نحو آلة التصوير وقالت "هو من أرسلهن" نظر بشر حيث تشير ثم عاد بعينيه إلى يدها التي تتمسك بباقة الورد وتضمها لص*رها، لينطلق فجأة صراخ من سيارة بلقيس فقال صفي برعب وهو يشاهدها كيف تتلوى بألم "ماذا بك؟ ماذا حدث لك؟ ألم أحذرك من الخروج؟" قال له منذر "لعلها تلد أسرع بها إلى المشفى" وقف صفي يرتجف وهمس برعب "لن أستطيع القيادة" تعالى صراخ بلقيس مجددا فقذف منذر مفتاح سيارته لنزار وركب سيارة صفي الذي كان ينقل بلقيس للمقعد الخلفي وهو يشعر برعب لا يماثله شيء ثم انضم إليها يحتويها فانطلق بهما منذر وأسرع نزار خلفه، فأغلق بشر باب السيارة وتوجه لكرسيه خلف عجلة القيادة وانطلق ينهب الأرض ولكنه لم ينسَ أن يهدي ليل نظرة متوعدة …… نظر ليل للرسالة التي وصلته وإلى عينيها اللتين تناظرانه بلوم واشتعال وفهم أنها تشتاق إليه لدرجة الغضب فهو يحفظ تفاصيلها أكثر من أي شيء، فهم أنها كانت تريد حضوره ….تحتاج وجوده ….وتتلهف لنظرة عينيه مثله تماما …..لكن ماذا يقول وهو لم يكن يملك تكاليف السفر؟ لقد كان أقصى مقدرته إحضار هذه الفرقة وباقة الورد ولكنها كالعادة تخبره بكل الطرق أنها ليست فتاة عادية لتنبهر بكل ما يجذب الفتيات، إنها أنثى خاصة من نوع خاص لا يسعدها إلا ما تريده، يحتاج لقربها أكثر من احتياجه لعودة الهواء إلى ص*ره كلما أطلق زفيرا لكنه هنا في أرض المعركة يحارب ولا يريد منها سوى أن تنتظره لأنه قادم مهما طال الوقت…... والانتظار ليس مطلبا تستطيع سمراؤه التملص منه بل إنه عهد الأمان مع قلبها الذي لا ي**ن ...فبرغم كل الغضب المشتعل في حدقتيها هو مطمئن … عندما علمت أنك رحلت لم يقتلني خوفي من أنك لن تعد لكن الشوق أضناني... ولازمني السهد في ليلي الطويل رغم أني كنت أعلم أنك مثلي مثقل بهوانا وعائد مهما تعثرت في دروبك.......... تجلس على سريرها كعادتها منذ عودتها تحاول قدر الإمكان عدم الظهور وكأنها تتمنى أن تصبح منسية لا يتذكرها أحد حتى يعود الغائب ويكتب الله لهما القرب، تجلس بصبر منتظرة ف*ج الله، منتظرة أن يمن الله عليها بالعصيّ الممتنع فليس كل قرب هين ولكن بأمر الله كل شيء يهون وهي صبرت كثيرا ولن يضرها أن تصبر أكثر، ويبقى رعبها كامنا في ذلك الذي من الممكن أن يطالب بها وينغص عليها سعادتها ويميت بص*رها الأمل، قلبت صفحات الرواية التي بين يديها وعيناها تجريان بين السطور بلهفة لترى نهاية الحب المستحيل بين البطلين …. تبحث عن الأمل حتى لو كان في خيال الشعر وجماله وستظل تدور وتدور عسى أن يمر الوقت ويصلها صوته حين يأتي مطالبا بها مجددا …...قاطعها طرق خفيف على باب غرفتها تبعه دخول تبارك ابنة أخيها تقول بغضب "جدي جعفر يريدك في مجلس أمي نعمة" قفزت غفران واقفة وقلبها ينتفض بعنف وسألت" لماذا يريدني؟ هل هناك شيء؟" قالت تبارك بحنق "بخصوصك لا أعلم شيئا، أما أنا فوالدي متعنت بشأن إكمال دراستي، ألم يكتفِ بأني فقدت عامين من عمري بدون دراسة؟ ما المشكلة في أن أكمل تعليمي طالما أن سبع الرجال الذي سيزوجونني له مسافر؟ تعالي معي لعلك تستطيعين التدخل في الحديث وإقناعه" نظرت لها غفران بقلة حيلة وقالت "تبارك، أنت تعلمين أن عقل عبد الرحمن أقسى من الحجر وأنا تحديدا لن يقبل مني كلمة، هل منير معهم؟" هزت تبارك رأسها نفيا فأسرعت غفران تقول "حسنا، اذهبي لحورية واجعليها تأتي بمنير، أظن أن هذا أملك الوحيد وأنا سأسبقك إلى المجلس" نظرت لها تبارك بيأس ثم تحركت باتجاه غرفة منير أما غفران فاستعاذت بالله من فراق يأخذ منها أملها في الحياة ثم أغلقت غرفتها وتوجهت إلى المجلس......... برود ليس له نهاية يجعلها تتألم، و**ت كالمقبرة ي**ق راحتها منها ويعلمها معنى الخوف الذي لم يسكنها يوما، تتذكر ذلك اليوم الذي فقد فيه الوعي أمام عينيها وأوهن جبروت قلبها الذي يعشقه ولكن بكبرياء خاص، يومها خطر إلى عقلها فكرة فقده فتداعت كطفلة بجانبه تبكي وتصرخ وتطلب النجدة حتى أتى الطبيب و شخّص حالته بضعف عام لقلة الأكل والنوم وكثرة الضغوط النفسية فشعرت حينها أنها وضعته بين ش*ي الرحى فظل يقاوم حتى أنهكته المقاومة فاستسلم مغشيا عليه أمام عينيها بعد أن قضت عليه بخبر حملها، انتظرته أن يعود لها ويتمالك نفسه لعلها تبرر ما حدث ولكنه عاد قطعة من الجليد وكأن من فقد وعيه أمامها شخص ومن أفاق من إغمائه شخص آخر، كانت نظرته لها مغلفة بشيء لم تستسغه وكأنه وصل منها حد الكفاية أو كأنه فقد الأمل فيما بينهما لكنها لم تستسلم كعادتها ع**دة في الحق، طلبت منه أن يتحدثا فيما حدث فأجابها "كان أمامك وقت طويل منذ أن علمت بحملك ولكنك فضّلت ال**ت فابقي على **تك إذاً فحديثك ما عاد يجلب سوى الألم، وإن كنت تريدين الرحيل من هنا فلك هذا، ولكن سأشتري لك منزلا وستظلين به تربين ابني وتأخذين مساحتك بعيدا عن جنون هذه العائلة وعني" يومها لم تجد ما تخفف به وطأة الألم عن قلبه، لم تعرف ماذا تقول وماذا تفعل، ظنت أنه سيحتاج لوقت لكي يهدأ لكن عينيه كانتا تقولان الع** …….طرق على الباب قاطع سكون الغرفة فتحركت نحو الباب بتثاقل يملأ قلبها لتجد تبارك تقف بارتباك فسألتها بهدوء "ما بك يا تبارك؟ هل كل شيء بخير؟" قالت تبارك "عمتي حورية من فضلك، أبي وجدي في المجلس يناقشان أمر تعليمي ويصران على عدم إكمالي للتعليم، وكنت أريد أن تتدخلي أنت وعمي منير لعلكما تستطيعان إقناعهما" برقت عينا حورية بتحدي وقالت "حسنا، اسبقيني وسآتي بمنير وأوافيك إلى هناك" انصرفت تبارك فأغلقت حورية الباب لينفتح باب الحمام ويخرج منه منير، طلته ال**بسة جعلتها على صفيح ساخن تنتظر أن يبادر ويقترب منها كاسرا كلَّ الحواجز كما عودها لكنه خالف ظنونها واتجه نحو الخزانة يخرج ملابسه وهو يقول ببرود "من كان هنا؟" ردت عليه بصوت مكتوم "تبارك، جاءت لتخبرك أن أباها وجدَّها في المجلس يناقشان أمر تعليمها وتريد منك التدخل" حمل ملابسه وتوجه نحو الحمام مجددا فأوقفه صوتها تقول "يريدان أن يحرماها من إكمال تعليمها" تصلب جسده قليلا لكنه لم يستدر إليها وقال "وطبعا أنت كمعترضة على أحكام العائلة تريدين بدء الحرب وعرض أوجه الظلم والجنون، عموما سأرتدي ملابسي وسأذهب لأرى ما يحدث وإذا أردت إفراغ كبتك في عرض قضايا المرأة لا مانع لدي، على أي حال لقد حان موعد رحيلك فلتتركي أثرا قبل الفراق كما تفعلين دوما فلا يبقى منك دوما سوى أثر، مها سعيت خلف الأصل وأضعت من عمري الكثير لا أجد سوى انعكاسك وأنت كما أنت هناك في مملكة ظنونك تعتلين عرشك بكل سطوة، استعدي لنذهب إليهم" دخل إلى الحمام وأغلق الباب بحدة فوقفت تعيد كل ما قاله بالحرف وعقلها لم يصل بعد لمعنى كلمة …..حان وقت رحيلك..... دخل منير بوجه مرهق عابس إلى مجلس أمه نعمة ومن خلفه حورية الصامتة، قلبها يدق خوفا وترقبا للقادم تشعر أنه هناك شيئا لم يستوعبه عقلها بعد كأنه شيء كُسِر بينهما أو اختفى ولم يعد له وجود أو لعلها تظن هذا، كانت منار تجلس بجوار عبد الرحمن ونعمة بجوار جعفر وتبارك تقف أمامهم كمحامي يدافع عن أولى قضاياه باستماتة وفجأة ظهر في نطاق رؤيته غفران فابتسم قائلا "مجتمعون على الخير دائما إن شاء الله" ردت عليه نعمة بحب وقالت "إن شاء الله يا حبيبي، كيف صحتك الآن؟ هل أصبحت أفضل؟" نظر لحورية بطرف عينه وقال "الحمد لله أفضل بكثير" وتوجه ليد جعفر ليقبلها فوجده يقول بحنق "ما كل هذه الدراما؟ ……..كيف حالك يا حبيبي! ها هو مثل الحصان يقف أمامك فلا داعي لمثل هذا الكلام الذي ليس له معنى" ابتسم وردَّ عليه مهادنا "أنت تعلم أن أمي ليس لها حبيب غيرك، إنها فقط تجبر بخاطري لأنني كنت مريضا" نظر جعفر لنعمة بعيون طفل مازال يتوسل حنانها رغم مرور هذه السنوات فتورد وجهها بخجل وقالت "أنت وأبوك رائقا البال، نحن هنا لحل أزمة هذه الفتاة وليس لنتشا** كالأطفال" قال منير وهو ينظر لتبارك بحب "ما الذي يحزن جميلة جميلات العزايزة؟" ابتسمت تبارك بخجل فقالت غفران "لم أسمعك تتغزل بي يوما... شكرا يا منير" نظر لها منير بطرف عينه وقال "لم يتدلل أحد كما تدللتِ، دعيني أرى ما بها تبارك هانم" تدخل عبد الرحمن بحنق قائلا "منير كُفَّ عن المزاح، هذا الأمر جديّ ولا يحتمل هزلكم، الهانم تريد أن تقدم أوراقها للالتحاق بجامعة في العا**ة، كيف تفكر أنني سأسمح لها أن تعيش بعيدا عنا وتختلط بمجتمع مفتوح كهذا؟ ثم ماذا سيضيف لها التعليم فهي ستتزوج قريبا وسيكون لديها منزل ورجل لتهتم به إذاً ما الداعي لذلك؟" نظر منير لتبارك التي كانت ترجوه أن يتدخل ب**ت ثم توجه بعينيه إلى حورية الصامتة التائهة ولأول مرة يشعر أنها خائفة لكنه لم يهتم فقد أرهقه الركض خلفها و السعي إليها وانتظارها كالبائس... ملَّ قوتها التي تهدف لإبعادهما ….لم يرَ منها غير ذلك ومن اليوم سيتركها إما أن تسعى إليه أو سيكون الفراق مصيرهما فعلاقتهما كانت قائمة على طرف يعطي بلا حدود أو انتظار للشكر والآخر يأخذ ويأخذ ولا يكتفي ولم يحاول أن يعطي ولو لمرة، تن*د منير استعدادا للجدال القادم وقال لعبد الرحمن "أولا، وقبل أي شيء أريد أن أبلغكم أنني سأنتقل وحورية إلى العا**ة وسنستقر هناك لفترة" نظر له جعفر بتدقيق وسأله "وماذا لد*ك في العا**ة لتبقى بجانبه يا بني؟ عملك هنا ...تجارتك وأرضك، إلى من ستترك كل هذا وتذهب؟" رد عليه منير بثبات "أعلم يا أبي لكنني أفكر في توسيع عملنا فأنا وعبد الرحمن لن نكتفي بالأرض والزرع والبهائم، العائلة متشعبة وغزت كل المجالات والمناصب فلماذا لا نجرب حظنا نحن أيضا؟ أنا أهتم بالأعمال وعبد الرحمن بالأرض" نظر له جعفر بشك وقال "منذ متى يا منير وأنت تفكر بالمال والأعمال؟ فأنت دونا عن كل أفراد العائلة لا تسأل عن ربح ولا تفكر في نفسك، فماذا حدث؟" نظر منير لحورية ب**ت ثم قال "سأصبح أبا يا أبي، أصبح لديّ من أعمل بجدٍّ لأجله، فالحياة دائما ما تأخذنا لأماكن كنا نظن أننا لن نطأها يوما" نظر جعفر لعبد الرحمن وقال "ما رأيك بهذا الحديث؟" رد عليه بتفكير "إذا كان خيرا سيعم على الجميع وفي النهاية أنا وهو شركاء فما سيسري عليه سيسري عليّ والله المعين" ابتسم منير ابتسامة لم تصل إلى عينيه وقال "توكلنا على الله، لنجلس غدا سويا ونناقش الأمر باستفاضة والآن لنتحدث بموضوع تبارك" عبس عبد الرحمن وهم بالرد فتدخلت منار تقول بهدوء "يا أبا جعفر فلتستمع أولا وبعدها تكلم وفي النهاية لن يحدث إلا ما يرضيك" أكمل منير حديثه قائلا "اسمعني يا عبد الرحمن، ابنتك قد تخرجت من المرحلة الثانوية بمجموع عالي وتستحق أن تكمل طريقها مادام عريسها غير موجود فما المانع، ثم إن ظافر يعمل في القنصلية وابنتك عندما تتزوجه ستتعامل مع شخصيات بارزة أنهت دراستها وفوقها ربما دراسات أخرى، فهل ترضى أن تكون ابنتك أقل من مثيلاتها؟" رد عليه عبد الرحمن بغضب "ابنتي زينة البنات ومن ينتقص من قدرها سأشرب من دمه" رفع منير حاجبه وقال "إذاً لتكمل تعليمها ليس لأجل نفسها فقط ولكن لأن زوجها سيحتاج أن تكون زوجته متعلمة ومثقفة لتستطيع أن تتعامل مع علاقاته في الوسط الدبلوماسي" تدخلت حورية تقول بتوتر "منير يقصد أن يقول لك يمكنك اعتبار تعليمها خطوة مهمة في نجاح زواجها" لم يلقِ منير لتعليقها أي اهتمام وقال لأخيه "الأمر ليس بالصعوبة التي تتخيلها، ابنتك ستكمل تعليمها لتستطيع المرور للوسط الذي يعيش به زوجها بسلاسة، ألم تتعلم الطبخ لتصبح سيدة منزل محترفة؟ ستكمل أيضا تعليمها لتصبح إنسانة مثقفة وعلى درجة من الوعي" رد عليه عبد الرحمن بعبوس "وحتى إذا اقتنعت بحديثك، لا يمكنها مغادرة أرض العزايزة، فمنذ متى وبناتنا يخرجن ويختلطن بمجتمع مفتوح؟" قال له منير بضيق "من أين أتيت بجملة مجتمع مفتوح هذه يا أخي؟ ابنتك ستذهب إلى العا**ة وليس إلى أمريكا وعلى أي حال في كل مكان هناك الصالح والطالح وأنت لا تحتاج مني أن أشرح لك عن تربية ابنتك" زفر عبد الرحمن بقوة وض*ب بيده على قدميه وقال "ما زلت غير مقتنع ولست مرتاحا للفكرة، ما الذي سيجعلها تسافر وتبقى بعيدا عنا؟ فلم يعد هناك أمان" ابتسم منير وقال "سآخذ غفران معي لتكمل دراستها، يكفي العام الذي فاتها وإذا كنت موافقا على المبدأ فلنأخذ تبارك معنا وسأكون مسؤولا عنهما، لا تقلق" اندفع عبد الرحمن يقول "آخر مرة التزمت بها بمسؤولية غفران وسافرت معك عادت إلينا عمياء، ماذا سيحدث عندما أرسل معك الاثنتين؟" صرخ جعفر "عبد الرحمن، الزم حدودك فقد تجاوزتها بمراحل" **ت عبد الرحمن ينظر لمنير الذي انسحبت الدماء من وجهه وقال له "لم أقصد شيئا وأنت تعلم هذا لكنني خائف عليكم جميعا" رد عليه منير وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة قائلا "ليتني كنت بدلا منها وما أصابها ألمٌ قط، لكنه قضاء الله ولا ملجأ منه إلا إليه" تدخلت نعمة تقول بلهفة "حماك الله من كل شر يا ولدي، كفانا حزنا، خذهما يا ولدي واذهبوا بأمان الله ولكن لا تطل الغياب، ومن له حديث بعد حديثي فليتكلم" هم عبد الرحمن بالحديث فقال جعفر "ليس بعد كلمتك كلمة ومنزلكم في العا**ة هدية مني للصغير القادم" انحنت تبارك تقبل يد نعمة بلهفة وتقول "لا حرمني الله منك يا حبيبة قلبي، أطال الله بعمرك وأدامك فوق رؤوسنا" تمتم جعفر بتأثر "آمين …. آمين" ثم قال بمحبة "وأنا؟ أليس لي من هذه القبلات نصيب؟" توجهت تبارك ليده تقبلها ثم توقفت أمام منير بأعين دامعة وقالت "أنت أفضل عم في الوجود، شكرا لك" هز منير رأسه بابتسامة مجروحة وقال لها "لا تنسي أن تقبلي يد والدك فنحن لن نتحرك من هنا إلا برضاه" وقف عبد الرحمن واقترب من منير ونظر بعينيه قليلا قبل أن يضمه بقوة ويقبل كتفه بحب كأنه يعتذر له ب**ت عما قاله، فأمال منير رأسه على كتف أخيه وعيونه شاردة بالأرض سارحة في خطوته القادمة رغم أنه مرهق جدا، ابتعد عبد الرحمن وقال "توكل على الله ولكن أثبت لي بأقرب وقت أن ما أنت ذاهب إليه يستحق بعدك عنا" ربت منير على كتفه فقال جعفر "متى تنوي الرحيل بإذن الله؟" **ت منير للحظات ينظر ليديه المتشابكتين ثم قال "بعد أسبوع بإذن الله" هدرت قلوب جميع من في الغرفة بداخل صدورهم وكلٌّ منهم يحمل أسبابه وعلته.....لكن أين الدواء؟ إحساس الدفء في قلب الأنثى يحتاج إلى رجل مشتعل، كلما طالها برد الحياة فنظرة من عينيه كفيلة بأن تشعلهما معا........ يسحبها من يدها كطفلة ينتقي لها هذا ويشتري لها هذا بدون أخذ رأيها، فقط ينظر للملابس ثم ينظر إليها كأن عينيه تنتقيان عنها ثم يأمر العاملات بإضافة ما انتقاه للمشتريات، ضاقت ذرعا من قبضته وقوته فبجانبه تتلاعب أوتارها الحساسة على ألف نغم ولا واحد منهم يناسب شخصيتها، لم تتحدث وهو لم يطلب رأيها فبعد ما دار بينهما أمس تيقنت أن حيان أصبح إنسانا آخر وحيان القديم مجرد سجين قابع بداخله، ت**يمه وقوته في رفض شروطها أقلقاها فالقادم سيربطها به ويا ويلها منه ومن نفسها، لمحته يقترب من قسم الملابس الداخلية فوقفت فجأة فالتفت لها يسأل "هل رأيت شيئا أعجبك؟ لماذا تقفين هكذا؟" أشاحت بوجهها بغضب وقالت "ما اشتريته يكفي ولا داعي للمزيد، لنرحل الآن" ضيق عينيه وقال "لكننا لم ننتهِ ومازال لدينا متسع من الوقت فالمأذون سيأتي بعد عدة ساعات لذلك لا تضيعي وقتنا ودعينا نشتري ما ينقصك" نظرت له بغضب وقالت "قلت لك لا أريد شيئا آخر، لقد انتقيت لي الكثير بالفعل" مط شفتيه باستياء وقال "أين هذا الكثير وكل ما انتقيته لك أثواب وبلوزات طويلة؟ فهذا أول محل ندخله وقد فكرت أن نشتري كل ملابسك من هنا لكي لا نتأخر" قالت بغضب "من البداية أخبرتك أنني لا أريد شيئا سوى تنفيذ شروطي التي تعنّتَ ورفضتها، هل ترى أن ما يحدث هنا طبيعي لتتعامل بكل هذه الأريحية؟ أرجوك دعنا نرحل فليس لوجودنا هنا داعي" اقترب بوجهه منها حتى ض*بت أنفاسه وجهها وقال "ورد، ما الداعي لهذا الآن؟ ظننت أننا أنهينا النقاش في الأمس ثم هذا ليس مكان للحديث... أخبرتك من قبل أن أسرارنا لها أربعة جدران لتحتويها وها أنت من الآن تض*بين بكلامي عرض الحائط، تحركي أمامي بهدوء وكفي عن دلالك" شهقت بعنف وقالت "أنا أتدلل؟ كيف هذا وأنت لا تكف عن تحكمك وفرض سيطرتك عليّ؟" مد يده محيطا عنقها من الخلف وقال "عندما ت**و وجهك حمرة قانية وتزوغ عيناك بعيدا وتتلبسك روح الطفولة هذه فمؤكد هناك ما أخجلك ودوما ما كان خجلك مدلا كحزنك تماما" ردت عليه بغضب وقد وترتها المسافة التي ألغاها بينهما "رغم كل ما حدث لي تراني مدللة، متى رأيتُ الدلال يا حيان؟ متى حدث هذا؟" استشعر قربها بكل حواسه وقال بصوت عميق "حين كنتُ أحملك على ظهري حتى أفقد الشعور بأقدامي لكي لا تتعبي، وحين كنت أفرد ذراعيّ لكِ كمظلة فتحرقهما شمس الصيف ويجمدهما برد الشتاء، هل تذكرين؟" ضمت شفتيها لكي لا تتحدث ولكي لا تكمل طريق الذكريات الذي يصر على جذبها إليه، نظر لعينيها وقال بإصرار "هل تذكرين كيف كنت لا أملك شيئا لأسعدك به فأهبك راحتي لعلها تسعدك؟" أغمضت عينيها محاولة أن تدفعه عنها بقوة لكنه كان كجبل لا يتزعزع، فأخذت نفسا قويا وفتحت عينيها تستحضر شجاعةً كانت تملؤها يوما ما وقالت "لا أتذكر شيئا، ولا أريد التذكر، حيان، لقد هربت من هذا الماضي لسنوات، هل تعتقد أنني سأعود إليه يوما؟ هذا مستحيل" عبس بشدة وقال لها "ومن سيسمح لك أن تعودي إلى الشارع؟ كل ما أريده هو أن تعودي لي كما كنتِ لسنوات طويلة جزءا موصولا بي لا ينفصل" اضطربت ملامحها وبدت وكأنها توقفت عن التنفس وقالت "هل هذا جزء من سداد الدين يا حيان أم…...شيء آخر؟" نظر لعينيها بقوة وقال "لا أعلم وإن لو كنتِ تعلمين أخبريني …..." أشاحت بوجهها في **ت فجذبها من يدها نحو قسم الملابس الداخلية وقال للفتاة العاملة به "أريد للآنسة ملابس داخلية وقمصان للنوم فهي عروس جديدة وأيضا ملابس مريحة للمنزل" تلون وجه الفتاة بالخجل ولكنها ردت بعملية "لدينا تشكيلة ستنال إعجابكما إن شاء الله، تفضلا بالجلوس" تحركت الفتاة بعيدا عنهما فقالت ورد لحيان بغضب "ما هذه الجرأة؟ أنا لن أسمح لك أن تنتقي ملابسي الد…..." **تت بخجل فرد حيان ببرود "لا أذكر أن هناك أحدا كان يتدخل غيري... فأنا من كان يشتري ملابسك بأكملها" وضعت رأسها بين كفيها بإرهاق لا تعلم في أي كارثة تورطت فحيان رجل غير مفهوم، أيريد قربها وحبها لينتقم أم لديه أسباب أخرى؟ وقلبها الذي ي**نها بالحنين للماضي يفرض عليها نوعا من السيطرة يجعلها مسيرة وراضخة كأنها واثقة أن القدر يريد وجودها هنا فكم من أماكن شعرنا أنها لا تناسبنا وسعينا للابتعاد عنها ولكن قدرنا ساقنا إليها لحكمة سندركها يوما ما.... وصل إليها صوته يقول للفتاة التي تعرض عليه أشياء مختلفة "أعطني هذه الحمراء وأحضري كل الألوان من هذا النوع فهو المفضل لديها" توسعت عيناها بصدمة ودارت الدنيا من حولها حتى خُيِّل لها أنها ستفقد الوعي............... لا تلمني يوما إذا تسرعتُ وألقيتُ نفسي في دفء عينيك ولكن لُم الزمان الذي لم يهدني سوى الصقيع وبرد المشاعر..... بعد ثلاث سنوات ............. نظراته شاردة في سقف الغرفة، تنفسه عالي وكأن ص*ره أضيق من أن يستوعب أنفاسه وعقله لا يكف عن العمل، يعد الدقائق بقلة صبر ويرهف السمع قدر المستطاع، التفت بوجهه نحو المنبه ليجدها السادسة والنصف صباحا فأغمض عينيه ينتظر بصبر ولم تمر ثواني قبل أن تنطلق الموسيقى في الغرفة المجاورة له بصوت يكاد يكون السبب في استيقاظ أهل الحارة جميعا ولكن يبدو أنهم اعتادوا هذا الضجيج لعامين على التوالي فلم يعد أحد يشتكي أو يهتم، سمع وقع خطواتها الرشيقة كخطوات الغزال فتيقن أنها ككل يوم ترقص ظنا منها أن الرقص رياضة للروح والجسد، ظل يتابع الدقائق بلهفة حتى مرت ثلاثون دقيقة كاملة وعندما دقت السابعة عاد الهدوء يملأ فراغ الغرفة من حوله ولكن استعدادا لبدء ضجيج من نوع آخر…. ها هو صوت أقدامها وهي تتجه للمطبخ وتبدأ رحلة ت**ير وتحطيم لكنها أقل بكثير مما كانت عليه قبل عامين فلقد أصبحت تتقن طهي أغلب أصناف الطعام وخصوصا الأصناف التي يحبها، ابتسم ببطء يتذكر كيف كان عليه التأقلم مع دلالها وفوضويتها وكيف تقبلها بكل هدوء واحتياج، فتحت الباب فجأة وقالت "صباح الخير أيها الوسيم، الفطور جاهز" نظر لها عادل نظرة لامعة وقال "صباح الورد يا جنوني، هل هناك كوارث في المطبخ؟ أريد أن أستعد للصدمة" حركت كتفها بدلال لم تعد بحاجة لتخفيه وهي تقول "طلبت منك ألف مرة أن تشتري لي غسالة أطباق ولكنك تعترض لذلك تحمّل كوارثي" استند بذراعيه على السرير محاولا الاعتدال فاقتربت تساعده ليتدلى شعرها الطويل جدا على وسادته فسألها بعتاب "لماذا تهملين شعرك بهذه الطريقة؟ ألم أنصحك أن تدعيه معقودا أغلب الوقت لأن هذا سيريحك من تصفيفه بشكل كامل يوميا؟" ساعدته لوضع قدميه على الأرض وقالت بحنق "لم يعد لدي وقت للاهتمام به فأنا لا أجد وقتا لنفسي ما بين الجامعة و المكتب والمنزل هذا عدا المذاكرة والنزهات الجانبية، لقد بدأت أفكر بقصه" نظر لها بعبوس وقال بلهجة خطرة "الأفضل أن تفكري في قص ل**نك، أعطني الفرشاة وأنا سأصففه لك" تخصرت بعبوس وقالت "عادل، هكذا سنتأخر ويجب أن أمرّ بملاك وسارة لأقلّهما معنا" قال لهما بلهجة مهددة "حووووور" تحركت مسرعة تقول "حسنا ولكن بسرعة وبهدوء فأنا لا أحتمل ألم التصفيف والحجاب قد أراحني من هذا الأمر" قال لها بسخرية "تقصدين أنك أصبحت **ولة، أعطني الفرشاة واجلسي" ناولته الفرشاة وجلست على الأرض أمام أقدامه فقسم شعرها إلى قسمين وبدأ يمشطه بهدوء وروية وهو يسألها "هل ستتغيب كنزي عن المكتب اليوم أيضا؟" تلاعبت بقماش ثوبها بتفكير وقالت "أخبرتني في الأمس أنها ستنهي التصاميم وتسلمهم في الموعد المحدد لكنها لم تؤكد لي حضورها، على كلٍّ ملاك ستكون معك حتى عودتي فليس لدي اليوم سوى محاضرة واحدة وبعدها سأذهب للتسوق ولكن لن أتأخر" انتهى عادل من تصفيف شعرها وجمعه بلفة حلزونية تعلمها منها لتسهل عليها ارتداء الحجاب ثم وبكل تركيز تناول القراص لكي يحكمه وبعد أن انتهى قال "ألم نكن نتسوق في بداية الأسبوع؟ اعترفي، إلى أين أنت ذاهبة؟" قربت منه الكرسي المتحرك وساعدته ليعتليه وهي تقول "أقسم لك أنني ذاهبة للتسوق لأن لدينا مناسبة خاصة ليلا وعلينا حضورها" سألها باستفسار "أي مناسبة؟ لا أذكر أنك أخبرتني شيئا عن هذا" تحركت به حتى قربت الكرسي من الطاولة الصغيرة الموضوعة في المطبخ وقالت "لأنني لم أكن أعلم بها فلقد فاجأتني سارة البارحة أنها حجزت لنا في مطعم بجوار جامعتها لنحتفل بعيد زواجنا الثاني، أليس هذا رائعا؟ أريد أن أشتري ثوبا ملكيا وسأشتري لك بدلة لونها متناسق مع لون ثوبي، ما رأيك؟" همهم قائلا "لا أظن أن هناك داعي لهذا يا حور، يمكنك الاعتذار من سارة ومؤكد ستتفهم" هزت رأسها بنفي قاطع واقتطعت من الرغيف الذي أمامها قطعة وغمستها بطبق الفول ثم قربتها من فمه ففتح فمه يستقبل الطعام وهو يسمعها تقول "بل هناك داعي لهذا، ألا ترى؟…. منذ عامين وأنا لدي أنت وهذا المنزل وهذا يكفيني للاحتفال كل يوم، وعدا هذا لقد تكلفت سارة ودعت عددا لا بأس به من الضيوف، ستكون سهرة رائعة" هز رأسه وبدأ يأكل بهدوء فسألته "متى سينتقل سيد وفرحة إلى هنا؟ لقد اشتريتُ هذا المنزل خصيصا لنجتمع، طاهر أكد لي أنه سينتقل إليه خلال أسبوعين على أبعد تقدير وسيبدأ إجراءات فتح العيادة في المنزل القديم، ما رأيك؟ لقد كانت فكرتي؟" ابتسم لها بود وقال "لا تقلقي، سيد أخبرني بالأمس أنه سيبدأ بالانتقال نهاية هذا الأسبوع، كل شيء سيسير كما تريدين، كم جنون لدينا؟" غمزت له بشقاوة وتحركت لتفتح أحد أدراج المطبخ وتخرج دواءه وهي تقول "أريد أن آخذك لطبيب آخر، فأنا أشعر أن طبيبك هذا فاشل" ضحك بخفوت وهو يبتلع طعامه وقال "ماذا فعل هذا المسكين لك؟ ألا يكفيك ما تفعلينه به كلما رأيته؟" بدأت تناوله العلاج باهتمام وتنظيم وقالت "يستحق ما يحدث له، العلاج كثير جدا ولا يعود عليك بأي نتيجة وأحيانا أشعر بك تتألم ولكنك كالعادة صامت" توترت نظراته وقال "ألم يخبرك أن نتائج هذا العلاج تظهر على الأمد الطويل؟ لا تشغلي بالك بهذا وركزي على لون الثوب" نظرت له بشك ثم ابتسمت وقالت "أريده أبيض وبه ورود وقصته محتشمة ولكن غريبة، هل تفهمني؟" هز رأسه بيأس وقال "وهل يفهمك أحد أكثر مني؟ أشعر أن الحفل سيبدأ وينتهي وأنت ما زلت تبحثين عن الثوب، أنا ذاهب لارتداء ملابسي" ض*بت قدميها في الأرض وقالت بطريقة درامية "سأجد ثوبي المنشود وأكون أميرة الحفل" تحرك ليخرج من الطبخ وهو يحرك يده بطريقة لامبالية فقالت له بطفولية "عادل، ألن تساعدني في غسل الأطباق؟" جاءها صوته من الصالة يقول "سندريلا كانت تغسل الأطباق في النهار فكافأتها الجنية وجعلتها أميرة في الليل، كلما غسلتِ الأطباق جيدا كلما كافأتك الجنية وجعلتك أحلى أميرة" رفعت تولين الأطباق بحنق وهي تتمتم بغضب "الخطأ خطئي فأنا من تركتك تشاهد معي أفلام الرسوم المتحركة حتى أتلفت عقلك" بدأت تغسل الأطباق بوجه عابس فهي لا تكره شيئا في حياتها سوى غسيل الأطباق ومرض عادل …….وتذكر الماضي.......
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD