الحكاية الثانية : صاحبة النافذة

3712 Words
فى إحدى من البلدان العربية الش*يقة وداخل أحد الشقق الصغيرة جداً يجلس شاب فى منتصف الثلاثينات يركز انتباهه فى الأوراق الموضوعة أمامه والتى يحسب فيها مدخراته المالية التى قضى سنين عمره وشبابه فى الغربة لجمعها أموال هى ثمن لأيام طويلة من الغربة والوحده والحرمان من الأهل والأصدقاء، ثمن لعمله ليل نهار يتنقل بين الوظائف لجمع أكبر عدد من الأموال حتى يعود إلى أرض الوطن حيث الأهل والعائلة والدفء والأحباب، حيث الحلم ... حلم صباه وشبابه تن*د فى اشتياق إلى وطنه وأسرته وسرح بخياله فى حلمه البعيد نعم، هو حلم بعيد فلا يمكن أن تنتظر فتاته المنشودة كل هذه السنوات بدون زواج وهى أجمل فتيات الحى وأكثرهن خجلاً وأدباً واحتراماً كيف لا يتهافت عليها كل من يراها وهى من تتعلق أعين شباب الحى بها عندما تتحرك بخطوات ثابته وسريعة دون رفع رأسها فى وجه أيا منهم، فلا يعنيها إعجابهم أو نظراتهم المستحسنة فهى الفتاة المحترمة التى أحسن والديها تربيتها فأصبحت ذو خلق عالى ودين وشخصية عاد عماد من شروده وهو يردد من قلبه : يارب أن كنت خيراً لها فاحفظها لى .. هذا دعائى لك منذ سنوات وأنت أعلم بالخير يا كريم ... أنا لا أجرؤ على سؤال والدتى عنها وعن احوالها وكيف أسأل ومن المحتمل أنها أصبحت زوجة وأم الأن ... ولكنى لا استطيع أن أمنع نفسى من هذا الدعاء .. أن تحفظها لى وأنت تعلم يا الله أنى لم أحاول الاقتراب منها أو محادثتها أبداً ولكنها حلم المراهقة والشباب، الأمل الذى سافرت من أجله حتى أكون زوجاً مناسباً لها وحرمت نفسى من ملذات الحياة وأجلت استمتاعى بالحياة حتى أحياها معها ... معها هى فقط تن*د بحرقة ليعود من شروده، لملم أوراقه ثم نهض فى تكاسل و أتجه إلى المطبخ يصنع لنفسه كوباً من الشاى وشطيرة من الجبن فتلك هى حياة العازب بالغربة فهو لم يشبع من المعكرونه المهترئة التى صنعها على الغداء اليوم وردد لنفسه بنبرة مشتاقه : أين أنتِ يا أمى لقد اشتقت لطعامك الشهى جداً تن*د فى حب وابتسامه تطل على وجهه وهو يردد بحرارة : اشتقت إلى حضنك يا أمى .. خمس سنوات منذ أخر زيارة لى بعيداً عن بلدى وأهلى هذا كثير، كثير جداً يكفى ... نعم يكفى، يكفى اشتياق وتكفى غربة ويكفى حرمان .. متى سأبدأ حياتى وأتزوج وأنجب أطفال من محبوبتى ... سأعود سأعود إلى وطنى وأهلى وحلمى ربما يجعل الله لى نصيباً فيها ابتسم عندما وصل إلى هذه النتيجة وعزم على العودة إلى الوطن، بدأ فى إنهاء أعماله وجمع متعلقاته وحزم حقائبه استعدادا للعودة إلى أرض الوطن الحبيب بعد أن حجز مقعداً فى أقرب طائرة مغادرة  خرج يتجول فى الأسواق لشراء بعض الهدايا لوالدته وأخواته وأبنائهم، وقف أمام أحد محال الذهب وخطر بباله أن يجلب هدية إلى حبيبته فالأمل فى قلبه لا يخبو، قرر أن يشترى خاتم الخطبة لها  تجول بنظره حتى استقر على خاتم ثمين من الذهب الأبيض يتوسطه حجر من الألماس، تخيل صورة حبيبته وفى أصبعها هذا الخاتم الفخم فاشتراه لها بسعاده ودون تردد، وهو يُمنى نفسه أن تكون هى صاحبته ﻻ أى عروس أخرى عندما وصل إلى مطار القاهرة بدأ التنفس من جديد وكأن الحياة قد عادت إلى الجسد، ردد الحمدلله بنفس راضية على نعمة الوطن والأهل   ********************** استقبله ش*يقه وزوج ش*يقته فى المطار بلهفه واشتياق بعد طول غياب ثم توجهوا إلى منزله وهم يتجاذبون أطراف الحديث بمرح عن ذكرياتهم السابقة وأحداث جديدة لم يستطع عماد أن يشاركهم فيها وخاصة أوﻻد ش*يقه الذى لم يتسنى له رؤيتهم بعد وصل إلى منزله وفتحت والدته الباب فألقى بنفسه فى أحضانها بلهفه واشتياق وهو يستنشق عبيرها بحب ويضمها إليه ويقبل رأسها ويديها وهى تربت على كتفه وتتأمل وجهه ودموع الفرحة تنهمر من عيونها بغزارة مرددة : أحمد الله أن رأيتك بخير حال يا ولدى ... لقد اشتقت إليك كثيراً وطالت غيبتك ياحبيبى قبل رأسها بحب هامساً بحنين : لقد أفتقدتك كثيرا يا أمى ولو تعلمى كم اشتقت إليكِ يا حبيبتى عاد يقبل يديها فى حب فتمسكت بيه والدته وهى تدخل إلى صالة المنزل وتجذبه معها وعينيه تدوران فى المكان يتأمل كل ركن فيه بحنين واشتياق وقد تسارعت إلى رأسه الذكريات والحنين إلى منزل نشأ وكبر بين أرجائه جلس بجانب والدته وهو يحيطها بذراعيه فى حب وأشقائه حوله يتحدثون فى صخب وينهالون عليه بالأسئلة والأخبار وهو ينظر إليهم بسعادة ويبتسم إلى حديثهم وراضى بعودته إلى جذوره من جديد فجأة وجد أطفال صغيرة تجرى فى إتجاهه فى صخب وهم ينظرون إليه فى خجل ويتوارون فى أحضان آبائهم منه خجلاً بدأ أشقائه فى تعريف أبنائهم عليه فمد يده نحوهم بمرح ليتقدموا إليه ويطبع على وجوههم الصغيرة قبلات مُرحبة وهو يتعرف على أسمائهم واحد تلو الأخر ويحاول التقرب إليهم بالحلوى مردداً بلطافة : لقد جلبت لكم هدايا كثيرة ولكن فقط لمن يعرف اسمى صرخ الأطفال فى وجهه بصخب مرح : عمو عماد .. عموعماد ضحك على شقاوتهم واحتضنهم برفق مؤكداً بهدوء : حسناً ... حسناً سأفتح الحقائب وأوزع الهدايا عليكم سارعت والدته بقطع حديثه قائلة : بعد الغداء الأن موعد الطعام تهللت أسارير عماد وقال بلهفة وهو يضع يده على معدته : نعم إنى جائع جداً ومشتاق إلى طعامك الشهى يا ست الحبايب طبعت والدته قبلة على وجهه بدفء قائلة بحبور : حسناً .. ولكن أدخل غرفتك بدل ثيابك وأغسل وجهك ويد*ك أولاً وسوف أجهز الغداء على المائدة فى الحال   ******************   ،دلف إلى غرفته وهو فى قمة السعادة مستمتعاً بدفء الأسرة وعبق الذكريات، وبمناسبة  الذكريات هرع إلى النافذة يُلقى نظرة ملهوفة نحو نافذة الجيران النافذة التى يأتى منها شعاع الحب الذى لامس قلبه صبياً ورجلاً   النافذة مغلقة!! تُرى هل تركوا المنزل أم إنها فى بيت زوجها أم تراها فى عملها ولم تعود بعد قطع تساؤلاته صوت والدته تتعجله للحضور : عماد هيا الطعام جاهز وأخوتك لن يصبروا ابتعد عن النافذة وهتف بمرح : أنا قادم يا أمى تجمعوا حول مائدة الطعام فى جو أسرى حميم افتقده عماد كثيراً فى سنوات الغربة وزاد من هذا الجو الجميل الدافئ ضحكات أطفال ش*يقه وش*يقته الذين يركضون حولهم فى مرح وشقاوة انتهوا من طعامهم وجلسوا يتسامرون لبعض الوقت حتى رحل أشقائه وأزواجهم وأولادهم بعد توزيع الهدايا عليهم فى جو من الصخب والبهجة  توجه إلى غرفته بعد أن ساد الهدوء المنزل ليرتاح قليلاً، اتجه إلى النافذة مرة أخرى فوجد نافذة الجيران مفتوحة والستائر تطير خارج إطارها من الهواء ابتسم على أمل بأن يراها وانتظر أمام النافذة يتابع الرايح والغادي ويسترق النظر نحو النافذة من وقت لأخر حتى أصابه التعب، تمطى ب**ل وقرر أن يريح جسده قليلاً فأستلقى فوق فراشه وغط فى نوم عميق مريح دون قلق أو أرق فى ظل أسرته الحبيبة   ******************   استيقظ عماد بعد مرور ما يقرب من الساعتين، نهض من فراشه بتثاقل واتجه بعيون ناعسه نحو نافذته المشرعة ثم نهض من مكانه يطمئن على نافذة الجيران، وجدها ما زالت مفتوحة فوقف قليلاً يستعيد نشاطه ويستنشق الهواء العليل، هواء الوطن المنعش  تابع حركة الشارع الصاخبة المليئة بالحياة التى افتقدها فى أرض الغربة وبعد عدة دقائق ولحسن حظه اقتربت من النافذة تزيح الستائر وتحجم تطايرها العشوائي خارج النافذة وكأن الشمس أشرقت فى عينيه، تهللت ملامحه بهجة وسرور من رؤيتها أمام عينيه بوجهها الملائكى الجميل الهادئ الملامح  أعتدل فى وقفته وقلبه يكاد يخترق ضلوعه ليطير إليها، يحتضنها فى شوق ولهفة يبثها لوعته وأشواقه ولكنها أغلقت النافذة سريعاً دون الالتفات نحوه فاختفت شمسه وانطفأ النور فى عينيه  وقف يحاول أن يلتقط أنفاسه اللاهثة واضعاً يده على قلبه الذى يخفق بقوة داخل جنباته وأعلن التمرد عليه والمطالبة بقرب معشوقته التى أضناه فراقها خرج إلى والدته في بهو المنزل وجدها تجلس تقرأ القرآن فى هدوء وسكينة اقترب منها وقبل يدها بدفء ثم جلس بجوارها حتى أنهت الأم قرآتها فأحتضنها بشوق ووضع رأسه على ساقها لينام فى حضنها كالطفل الصغير المشتاق لوالدته فانحنت على رأسه تقبلها وتداعب خصلات شعره الأ**د متوسط النعومة  تن*د براحة ثم تسائل بهدوء : أخبرينى يا أمى كيف أخبار الحى والجيران؟  تن*دت الأم واجابته ببساطة : الحمدلله يا ولدى على كل حال … كما ترى تغير شكل الحى وازداد ازدحاماً .. والجيران هناك من كبر صغيرهم وتزوج وغادر الحى .. وهناك من قضى نحبه ... وهناك من انتقل إلى السكن بأماكن أخرى رفع رأسه من حضنها واعتدل فى نومته على الأريكة لينظر إليها فى اهتمام وهو يردد بنبرة حاول أن يخفي الفضول داخلها : وأسرة الحاج عبدالرحمن كيف حالهم؟ أجابت الأم وعلى وجهها ابتسامة خفيفة فهى لم تنسى اهتمامه الزائد بابنة الجيران التى تقابل شقتها غرفته : توفى الحاج عبدالرحمن منذ سنوات ومرضت زوجته كثيراً وقد أصابها الشلل بعد وفاته أما سامى ولدهم فقد تزوج وانتقل من هنا ولا يأتى إلا للزيارة مع زوجته من وقت لأخر ثم **تت الأم متعمدة للتأكد من شكوكها فى سؤاله، فمازالت تذكر وقوفه أمام نافذته بالساعات منذ مرحلة مراهقته وحتى شبابه ليحظى بنظرة من ابنه الجيران الجميلة ردد بارتباك وصوت متقطع وكأنه يتذكر أمر قد نسيه : ألم يكن لديهم ابنه على ما أتذكر  ابتسمت الأم بمكر : نعم كان عندهم ابنة و**تت من جديد بمكر أنثوى لتدفع للأعتراف والإفصاح عما يريد أعتدل جالساً بانفعال وهتف بنفاذ صبر : أمى تكلمى ماذا حدث للفتاة ابنتهم؟  جاوبت الأم بهدوء ماكر : وماذا يحدث لأى بنت يا ولدى إما أن تتزوج أو تنتظر النصيب حتى يأتي إلى عتبة دارها أطرق برأسه وهو يردد بحرج وقد شعر بكشف والدته لغرضه من السؤال ولكنه استمر فى التحقق من الإجابة بنفاد صبر : وإيهما هى تنتظر أم تزوجت؟  أشفقت والدته عليه وعلى مشاعره المخزونة منذ سنوات فجاوبته بابتسامة رقيقة : دنيا فتاة بمائه رجل.. تحملت المسئولية بعد وفاة والدها ومنذ مرضت والدتها وهى ترعاها خير رعاية إلى جانب عملها وترفض الزواج… فقد وهبت حياتها لرعاية والدتها المريضة ابتسم عماد براحه مردداً بشرود وقد شعر أن الله استجاب لدعائه : إذن هى تنتظر النصيب أكملت والدته بتعاطف وهي تمسد على ظهره : تقدم إليها الكثير فهى جميلة وعلى خلق ولكن زواجها يعنى ابتعادها عن والدتها و زوجة أخيها استحوذت عليه ولا تهتم لها أو لوالدتها… فهى لا تستطيع ترك والدتها فى رعايتهم وهناك من العرسان من يشترط بوقاحه أن تضع والدتها بدار للمسنين حتى تتزوج منه وهناك من يطمع بالزواج فى منزل والدتها لأنه لا يملك أن يفتح منزل… فرفضت فكره الزواج بشكل عام ووهبت حياتها لوالدتها فقط شرد عماد بأفكاره بعيدا يكلم نفسه مؤكدا : ستقبلنى أنا.. فهى دعائى لسنوات ماضية وقد استجاب ربى وحفظها لى ... ولكن يجب أن أدبر أمرى أولاً أخرجته والدته من شروده وهى تربت على ظهره وتردد بحب : رزقك الله بالزوجة الصالحة التى تريح قلبك وتسعد أيامك وتسعدنى أيضاً برؤيته أولادك يا حبيبي  ابتسم فى وجه والدته بحب وضمها إلى ص*ره يردد بسعادة : حبيبتى يا أمى     ************* دلف عماد إلى غرفته بعد أن قضى السهرة مع والدته، اتجه إلى نافذته يراقب محبوبته ويفكر ماذا عليه أن يفعل الأن حتى يحصل على موافقتها للزواج منه؟ قرر عماد التفكير جدياً فى مستقبله فلا مجال لتضيع الوقت، فيكفى ما ضاع من سنوات العمر وعليه الأن تنفيذ أحلامه على أرض الواقع  وبالفعل تحدث إلى ش*يقه للبحث عن فكرة مشروع يستثمر به أمواله ويضع فيه خبراته وفى نفس الوقت بدأ البحث عن شقة الزوجية وبعد ثلاث أشهر من البحث، كان خلالهم الوقوف أمام نافذة هو سلوته الوحيده التى يطمئن من خلالها على محبوبته ويمتع عينيه برؤيتها الخاطفة حين يسعده الحظ ويلمحها تفتح أو تُغلق النافذة وخلال هذه الأشهر توصل لفكرة مشروع بالشراكة مع ش*يقه وزوج ش*يقته على أن يكون عماد هو القائم على إدارته كما عثر على الشقة المناسبة للزواج التى يبحث عنها، الأن أصبح مستعد وقد حان موعد التوجه إلى منزل محبوبته لطلب يدها اتصلت والدته بدنيا لتطمئن على والدتها وأخبرتها بزيارتها الليلة لهم فرحبت بها دنيا بحبور واستعدت لاستقبالها وفى الموعد المحدد توجه عماد ووالدته إلى منزل الجيران كاد عماد أن يطير من السعادة وهو يتحرك بجوار والدته قاطعاً الطريق من منزله إلى منزل الجيران وهو يردد لنفسه بسعادة غامرة : حلمى على بعد خطوات قليلة منى، أكاد لا أصدق، يارب اجعلها من نصيبى طرقت والدته الباب وفتحت دنيا تستقبلها بترحاب وابتسامة رقيقة جذابة : مرحباً بك يا خالتى .. تفضلي بالدخول شكرتها والدة عماد وقبل أن تدلف نبهتها بنبرة جدية : شكراً لك يا ابنتى ولكن معى عماد ولدى أتى ليطمئن على صحة والدتك لم تلاحظ دنيا من موقعها داخل الشقة عماد الواقف بعيداً عن الباب بحرج حتى تأذن له بالدخول ابتسمت بارتباك مرددة فى وجه والدة عماد : أهلاً وسهلا به يا خالتى… تفضلوا خطوة عزيزة دخلت والدة عماد وهو خلفها وقد خالف قواعد التأدب دون وعى وعينيه تكاد تلتهم دنيا بعينيه فهى أول مرة يراها من هذا القرب منذ عودته أجلستهم بالصالون واستأذنت لتحضر والدتها لمقابلتهم وماهى إلا دقائق حتى عادت تدفع بكرسى والدتها المدولب أمامها رحبت الوالدة بهما وهي تنضم إليهما فى حين انسحبت دنيا إلى الداخل تحضر واجب الضيافة لهما رحبت والدة دنيا بعودة عماد : حمدالله على سلامتك ياعماد لقد طالت غيبتك يا بنى ابتسم بخجل فى وجهها وبرر قائلاً : نعم يا خالتى ويالها من غيبة… ما أب*ع الغربة بعيداً عن الأهل والأحباب ناظرته والدة دنيا بتعاطف وقالت تواسيه : عوضك الله خيراً يا ولدى ربتت والدة عماد على ساقه برفق وقالت موضحة : لقد انتهت أيام الإغتراب وعاد ليستقر بوطنه بين أهله وأحبابه استندت والدة دنيا على مساند مقعدها ونظرت نحوه باستحسان : خير ما تفعل يا ولدى تبسمت والدة عماد وقالت تلمح بجدية : لا ينقصه غير العروس ليكمل فرحتى بيه  وهنا ظهرت دنيا تحمل صينية المشروبات وبعض الحلوى على باب الغرفة وقدمتها لهم بترحاب ثم اتخذت مكانها بجوار مقعد والدتها ابتسمت والده عماد فى وجه دنيا ودعتها لتشاركهم الجلسة : اجلسى يا ابنتى لا نريد إرهاقك…  سلمت يداكى قالت دنيا بصوت هادئ وصل لأذن عماد كأنغام الموسيقى : يسعدنى خدمتكم يا خالتى… أهلا بكم وسهلا  شكرتها والدة عماد ثم وجهت حديثها إلى والدة دنيا : اخبرينا كيف صحتك الأن؟  اجابت والدة دنيا بآسف : الحمدلله على كل حال… والله لا يحزنى غير تعب دنيا معى تفرس عماد فى ملامح دنيا مردداً : جزاها الله عنكِ خيراً يا خالتى أحنت دنيا رأسها فى خجل أمام مدح عماد لها  قالت والدة عماد بابتسامة محببة ونبرة ذات مغزى : لقد حان الوقت أن تفرحى بها وبرؤية أولادها يا أم دنيا تهللت أسارير والدة دنيا وقد فهمت المغزى من الحديث وقالت بقبول : أتمنى ذلك… أن كل ما أحلم بيه رؤيتها سعيدة مع زوج يحفظها ويقدر قيمتها بادرت دنيا تعقب على حديث والدتها : إن سعادتى فى خدمة والدتى ويكفينى رضاها عليّ لامست والدة دنيا كف ابنتها برضا ودعت لها : جزاكِ الله عنى خيراً يا ابنتى ابتسمت والده عماد ورمقت دنيا بنظره رضا ثم هتفت بثقة : وأنا أريد دنيا زوجة لعماد ولدى وأتمنى قبول طلبنا فالطيبون للطيبات  أخفضت دنيا وجهها حياء إلى الأرض وقد تورد لون وجنتيها خجلاً بينما تهللت أسارير والدتها لتهتف بفرحة متفحصة وجه عماد الذى ينتظر الإجابة بترقب : إن هذا شئ يسعدنى خرج صوت دنيا خافت وخجول ونظراتها موجه إلى وجه والدة عماد : اعذرينى خالتى … أنتِ تعلمين إنى لا أستطيع الزواج.. وليس هذا اعتراض منى على شخص الأستاذ عماد لا سمح الله ولكن آ آآ  قاطعها عماد وقد فهم ما يدور بتفكيرها فبادرها القول بإصرار : قبل أن تقررى آنستى يجب أن تعرفى عرضى بالكامل فربما نال إعجابك وقبولك نظرت والدة دنيا إلى ابنتها تستوقفها عن المقاطعة وقالت لعماد : تفضل يا ولدى أكمل حديثك أعترضت دنيا بخجل بصوت خافت : ولكن يا أمى أوقفتها والدتها بعتاب وهى تقبض على كفها برفق : إلى متى يا بنيتى تحملى همى يجب أن تعيشى حياتك… أن هذا سيسعدنى كثيراً أنا أرغب في الاطمئنان عليكِ التفت عماد نحو دنيا ينأملها بحب وقال موضحاً بحماس : آنسة دنيا لا يجب عليك الابتعاد عن والدتك لتتزوجى بى لقد قمت بشراء شقة قريبة من هنا حتى أكون بجانب والدتى أيضاً… والحمدلله الشقة ذات مساحة مناسبة وسيخصص بها غرفة لوالدتك لتكون بجانبك طول الوقت ابتسمت والدة دنيا فى سعادة على شعوره الجميل نحوها وقالت بامتنان : شكراً لك يا ولدى ولكن يكفينى أن تمر على يومياً لتطمئن عليّ أردف بحنو بجدية لا تقبل التفاوض : لا تحرمينا بركة قربك يا خالتى إذا أراد الله لنا النصيب (التفت نحو والدته مردفاً) ولولا أن والدتى تُعمر بيت والدى وتجمع به أخوتى وأولادهم وهو مفتوح ببركتها كنت طلبتها لتعيش معى أيضاً  ربتت والدته على ساقه بحب وبابتسامة حانية قالت : بيتى مفتوح بأنفاسكم يا حبيبى شعرت والدة دنيا بطيبة قلبه ومدى تمسكه بابنتها فقالت داعية لوالدة عماد : بارك الله لكم فيها يا ولدى لم تستطيع دنيا الحديث وشعرت بالحيرة والتخبط فى مشاعرها، فمن هذا الرجل الذى هبط عليها من السماء بعد أن استبعدت فكرة الزواج من حياتها ليقلب قناعاتها ويزلزل حياتها  ساد ال**ت لدقائق وأعينهم مسلطة على دنيا على أمل أن توافق على الزواج بينما سبحت دنيا فى بحر ذكرياتها تتذكر عماد مراهقاً وشاباً يقف خلف نافذة غرفته مسلطاً عينيه على نافذتها بالساعات وهى كانت تلمحه من داخل غرفتها وتبتسم على تصرفه وتشعر بالسعادة كمراهقة صغيرة تختبر مشاعر الاهتمام من الج*س الأخر لأول مرة في حياتها وبالرغم من اهتمامه الواضح إلا أنه لم يحاول التقرب منها بأي شكل ولو مرة واحدة  قطع عماد سلسة ذكرياتها بصوت هادئ قائلاً : فكرى فى الأمر كما تشائين وسأكون بانتظار جوابك مهما طال الوقت التفتت نحوه ولأول مرة التقت أعينهم فى نظره هادئة طويلة حملت الكثير من الحب والاشتياق من ناحيته والحيرة والتخبط من ناحيتها   ***************   مرت عدة أيام كانت بهم دنيا مشغولة الفكر بأمر خطبة عماد لها فصدمتها فى خاطبيها السابقين ليست بالقليلة، فمنهم الطامع فى شقة والدتها أو طامع فى راتبها الخاص ومنهم المتشكك فى كل من حوله ومنهم العاق بوالديه ومن ينول رضاها لا تكتمل الزيجة لأى سبب أخر غير معلوم وأخيراً بعد تقدمها فى السن ودخولها إلى عمر الثلاثين ظهر المطلق والأرمل، الباحثين عن أم لأبنائهم وخادمة لمنزلهم أو الباحث عن متعة شخصية بزوجة ثانية فمن أين جاء هذا العماد المتفهم لوضعها وارتباطها بوالدتها والغريب تلك المشاعر التى تتقاذف فى عينيه معلنة عن حب عميق واشتياق كبير رغم سنين الغربة التى قضاها فى البعاد  تن*دت بقوة ولجأت إلى الدعاء وصلاة الاستخارة حتى يهديها الله إلى الخير واستمرت والدتها بالدعاء لها ومحاولة إقناعها بالقبول حتى تطمئن عليها فى هذه الدنيا    **************** مرت هذه الأيام طويلة وثقيلة على نفس عماد كمن ينتظر نتيجة امتحان هام سيقرر مصير حياته  ولكن كان هناك أمل راسخ فى قلبه يطمئنه بأنها حتماً ستقبل الزواج منه، فإن كان الله حفظها له طوال هذه السنوات فلن يحرمه منها الأن أخيراً أعلنت دنيا عن موافقتها على الزواج وما أن أبلغت والدتها والدة عماد بقبولها للزواج  حتى كاد يحلق فى السماء من فرحته بتحقيق حلمه الذى طال انتظاره لسنوات وسنوات هرع إلى غرفته يصلى ركعتين شكر لله على إستجابة دعاءه وتحقيق حلمه الغالى إلى قلبه وما أن فرغ من صلاته وشكره لله حتى نهض ووقف أمام النافذة يتطلع نحو نافذة دنياه وعلى ثغره ابتسامة هادئة راضية وقلب هائم فى قرب اللقاء استقبلتهم فى المساء دنيا بوجه متورد من الخجل وابتسامة هادئة، رحبت بعماد ووالدته وأشقائه ثم اصطحبتهم  إلى غرفة الصالون حيث تجلس والدتها وش*يقها الذى نهض من مكانه واستقبلهم فى ترحاب وود جلسوا يتحدثون فى جو أسرى جميل لبعض الوقت حتى بدأت والدة عماد فى طلب يد دنيا من ش*يقها الذى وافق بسعادة بناء على ما عرفه عن عماد وبعد الانتهاء من قراءة الفاتحة أخرج عماد العلبة القطيفة التى تحوى الخاتم الماسى وقدمه إلى دنيا وهو يهمس بالقرب منها بنبرة دافئة : لقد اشتريته على أمل أن تكونى صاحبته ابتسمت بخجل ونظرت إلى الخاتم داخل علبته بسعادة ثم مدت يدها لتلتقط الخاتم تقلبه أمام نظرها وهى تردد بخجل : أنه أجمل خاتم رأيته … شكراً لك تعالت الزغاريد والمباركات بين أفراد الأسرتين فى سعادة وود وجو من البهجة والفرح   ***********************   أنهى عماد تجهيز شقة الزوجية فى أقل وقت واشترك مع دنيا فى اختيار الأثاث قطعة قطعة على ذوقها وبرغبتها لم يبخل عليها بأى طلب  أو رغبة أثناء تأسيس عشهم الجميل ومن خلال معاملته معها وتقاربهما استشعرت دنيا مدى حبه لها وحرصه على إسعادها مما أ**بها شعور بالرضا والسعادة مرت الأيام وجاء موعد الزفاف الذى كان عبارة عن كتب كتاب بأحد المساجد الشهيرة ثم اصطحب عماد زوجته على ظهر أحد السفن العائمة حيث برنامج غنائى راقص وعشاء فاخر ليحتفلوا بليلة زفافهم ولكن عماد لاحظ شرود دنيا من وقت لأخر أثناء السهرة وأدرك أن والدتها سبب انشغال فكرها خاصة إنها ستقضى هذه الليلة بمفردها لتترك العروسان يستمتعان بأول ليلة لهما معاً مد ذراعه عبر الطاولة وربت على كفها الموضوعة فوق الطاولة وهمس لها بنبرة حانية : لا تقلقى عليها يا دنيا فهى بخير و*داً سوف أحضرها لتكون معنا دائماً حاولت الابتسام فى وجهه بتردد وقالت بارتباك توضح  بحب صادق نحو والدتها  : نحن لم نفترق منذ سنوات وأخشى أن تنسى موعد الدواء أو آآآ تلعثمت فى الحديث ثم أردفت بخجل : لقد رفضت الذهاب إلى منزل أخى وفضلت المكوث ببيتها… صحيح هو يقضى الليل معها ولكنه لا يعرف مواعيد الدواء ولا يستطيع تلبية كافة طلباتها أدرك عماد خوفها وقلقها على والدتها فابتسم فى حب وهو يربت على كفها الصغير هامساً بحنان : لا تقلقى حبيبتى سوف نطمئن عليها رفعت رأسها إليه وفى عينها فرحة وامتنان وعلى شفتيها ابتسامة رقيقة أسرت قلبه بسحرها     ********************   بعد عدة ساعات وصل العروسان إلى منزل الزوجية وصعد عماد الدرج وهو يحملها بين يديه بحنو وعلى وجه ابتسامة هادئة وهى بين يديه يلهج ل**نها بالدعاء له حتى دخل إلى غرفتها ووضعها برفق فوق الفراش ثم التفت خلفه بابتسامة واسعة ناظراً إلى عروسه الجميلة بفستانها الأبيض المنفوش وابتسامتها الرقيقة وعيونها الدامعه تأثراً  نعم عروسه، فقد صعد إلى منزله ليلة زفافه حاملاً حماته بين يديه حتى أوصلها إلى غرفتها ثم انحنى يُقبل كفها مردداً : تصبحين على خير يا أمى ردت عليه والدة دنيا بقلب أم ممتن لزوج ابنتها : وأنت من أهل الخير يا ولدى… أسعد الله أيامك ورزقك بالذرية الصالحة البارة بك وبوالدتهم ابتسم فى وجهها ثم تحرك خطوتين نحو عروسة وتوقف بجوارها قائلاً بحب : سأنتظرك بغرف*نا   ثم تحرك خارجاً من الغرفة تاركاً عروسة ووالدتها سوياً هرولت دنيا إلى حضن والدتها هامسة بحب : لم أستطع على فراقك ولو لليلة واحدة يا أمى ربتت والدتها على ظهرها بحنو قائلة : بارك الله فيكِ يا ابنتى وأسعدك بأجمل مما تتمنى… أوصيك بزوجك خيراً فهو كما ترين لا يتردد فى إسعادك وإجابة مطالبك وأردفت بابتسامة حانية ونبرة ذات مغزى : ويكفى أنه صعد إلى عش الزوجية حاملاً حماته إلى فراشها ليلة زفافه… فقط لأنه يحبك ويريد إسعادك أجابتها دنيا بتنهيدة سعادة وعينيها تبرق بحب زوجها : نعم هو خير الرجال وأجمل مما تتمنى أى فتاة ويحبنى بشدة رددت الأم وهى تربت على وجه إبنتها بحنو : هو دعائى لكى على حسن رعايتك لى ... وهيا الأن إلى زوجك فهو فى انتظارك احتضنت دنيا والدتها بحب وقامت بخطوات هادئة وهى ترفع طرف فستانها المنفوش تتحرك نحو غرفتها بتمهل   فتحت الباب ببطء بعد أن طرقته بخفة وجدته جالساً بانتظارها فوق مقعد جانبي وما أن رأها حتى نهض مبتسماً يستقبلها بشوق ولهفة أغلقت الباب خلفها واتجهت نحوه بخجل حتى وقفت فى مواجهته مباشرة وهى تردد بصوت هادئ : لا أملك كلمات تكفى شكرك على تصرفك معى ومع  والدتى اليوم … لن أنسى لك هذا ما حييت وأعانني الله على حسن معاشرتك وإسعادك احتضن وجهها بين كفيه وهو ينظر إلى عينيها فى عشق وغرام متأصل بقلبه قائلاً بخفوت : لقد أسعدني الله عندما استجاب دعائى وأصبحتِ زوجتى ... فلم أتمنى سواكِ زوجة طيلة حياتى ... أنتِ أملى ودعائى أحنت رأسها بخجل وقد ترقرقت الدموع بعينيها وهربت منها الكلمات أمام مشاعره الغزيرة احتضنها بحب بين ذراعيه  يقربها إلى قلبه النابض بحبها وكأنه يعيدها إلى موطنها الأصلى بين ضلوعه     *******************   تمت بحمد الله  
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD