في اليوم التالي
-متخافيش يا ماما منستش الدوا
-و متنسيش تحطي هدوم تقيلة، الجو برد جدًا يا حوراء…
تن*دت حوراء بـ تعب وهي تنظر إلى والدتها التي تحزم حقيبتها هي الأُخرى معها، لا تفهم سر إبعادها مع كيان، أجل مُسافران من أجل أمور العائلة والتي تكرهها كثيرًا فـ هي تعلم نوايا أقرباءها ولكنهم لم يتركوها قبلًا
وضعت آخر قطعة ثياب ثم أغلقت الحقيبة لتردف بـ إبتسامة ضعيفة
-أنا معرفش أنتوا بتفكروا فـ إيه، بس هثق فيكوا…
إقتربت والدتها منها وربتت على وجنتيها ثم قبلتها وقالت بـ حنو
-لازم تثقِ يا روحب…
عانقتها حوراء بـ شدة وكذلك فعلت والدتها ليقطع لحظتهما صوت رفعت والدها
-متعمليش مشاكلل يا حوراء.. كيان عندها أمور شخصية و عندها حاجات مهمة و أنتِ عارفة، فـ خليكِ عاقلة…
-رفعت حوراء حاجبها وأردفت بـ غيظ:وهي دي كلماتك الأخيرة و أنت بتودع بنتك!
-أجابها هو بـ نبرةٍ ذات مغزى:و دا لأني عارفك أكتر من صوابع يدي…
إبتعدت حوراء عن والدتها لتتجه إليه ثم وقفت أمامها هاتفة بـ شقاوة
-تمام يا صاحب المنزل.. يلا هات بوسة عشان كيان زمانها على وصول…
إبتسم رفعت رُغمًا عنه لترتفع حوراء على أطراف أصابعها ثم أودعت وجنة أبيها قُبلة رقيقة كـ شفتيها الصغيرتين وقالت
-بحبك يا بابا، متتأخروش عشان هتوحشوني أكتر مما بحبكوا…
كان دور رفعت ليودع جبينها الأبيض قُبلة ثم قال وهو يُحاوط وجنتيها بـ كفيهِ المجعدين
-متقلقيش يا حبيبتي، أنتِ عارفة مقدرش أعيش من غيرك…
إبتسمت حوراء بـ إتساع وقبل أن ترد كان بوق سيارة يصدح أسفل الشرفة، ليسحب رفعت نفسًا عميق ثم هتف بـ جدية
-تمام يلا عشان كيان وصلت، و إفتكرِ يا حوراء، إبعدي عن المشاكل
-فهمت سيدي…
جذبت حقيبتها وتحركت إلى الخارج يتبعها رفعت و زوجته المريضة بـ **تٍ مُتألم
بـ الأسفل وقفت كيان تتكئ إلى سيارة الأُجرة تنتظر خروج حوراء والسيد رفعت، تلك الليلة المُؤرقة التي قضتها ما بين الصحوة والغفوة، كابوسها الذي لم تتغير أحداثه ولو لمرةٍ واحدة، بل يُعاد بـ تفاصيله المُؤلمة والنهاية الشنيعة التي تتمنى أن يعود الزمن لتُغيرها
رسمت على شفتيها إبتسامة عملية وهي ترى حوراء تقترب منها بـ إبتسامة مُشرقة ع** خاصتها لتُعانقها ثم أردفت الأخيرة
- هتقل عليكِ بس معلش أنتِ قلبك طيب و هتستحملي…
ربتت كيان على ظهر حوراء والتي تصل فقط إلى كتفها ثم قالت بـ نبرةٍ هادئة
-أنتِ زي أختي متخافيش
-رفعت حوراء رأسها وقالت:صحيح سمعت إنك هتتخطبي، ألف مب**ك يا كيان، هنقضِ أوقات حلوة و إحنا بنجهزك يا عروسة…
ض*بتها كيان على جبينها ثم هتفت بـ غيظ
-بطلي يا حوراء، أنا عارفة دماغك و بتفكرِ فـ إيه…
ضحكت حوراء بـ خُبث فـ أجبرت كيان لتضحك هي الأُخرى حتى إلتفتا على صوت رفعت وهو يردف بـ جدية و صرامة
-لما توصلوا محطة القطر كلميني يا كيان عشان عارف إن بنتي مش هتتصل، و لما يتحرك و لما توصلوا وآآآ
-قاطعته كيان قائلة بـ ضحك:متقلقش يا مستر رفعت أنا مش عيلة عندها عشر سنين، أقدر أتصرف كويس
-أُعذري قلقي و خوفي
-إبتسمت بـ تعاطف قائلة:فاهمة متقلقش…
نظرت إلى ساعتها ثم قالت وهى تنظر إلى السيدة فـ حيتها بـ رأسها لتردف وهي تنظر إلى رفعت
-لازم نتحرك عشان نقدر نلحق القطر…
عانقت حوراء والديها مُجددًا ثم صعدت السيارة مع كيان وقبل أن تتحرك سيارة الأُجرة أردف رفعت بـ قلق
-خدوا بالكوا من نفسكوا، و متنسوش تتصلوا بيا…
أومأت كيان وهي تبتسم بـ إطمئنان لتنطلق السيارة.. ظل رفعت يُتابع رحيلها حتى إختفت ثم توجه إلى زوجته وهتف بـ نبرةٍ مهمومة وكأن قطعة قد أُنتزعت لتوها من قلبه
-يلا نحضر شُنطنا، الطيارة معادها بعد كام ساعة، لازم نستعد…
********************
إتسعت عيناها بـ فزع مُؤلم وهي تجد تلك الجُثة تسقط جوارها بعدما تلطخ وجهها بـ بعض الدماء
إنتقلت تلك النظرة المُرتعبة إلى ذلك الذي يقف أمامها يحمل السكين بـ يدهِ،سكينه المُلطخ بـ دماء غزيرة حتى أنها بدأت تتساقط أرضًا مُحدثة دويًا قاتل، قاتل و مُرعب
هو يُحدق بها، هيئتها الرثة، الكدمات التي تُغطي وجهها، الخدوش على ساقيها العاريتين،والعبرات الحارقة التي تُلهب وجنتيها الورديتين، نظرته كانت قاسية لا حياة بها، لا تحمل ذرة من المشاعر الإنسانية
ثم صرخة مدوية مزقت أُذنيه، لينتفض فزعًا وهو يفتح مديته ويلوح بها أمامه
قا**ه الفراغ، الدماء إختفت وهي تبخرت وصرختها أُستبدلت بـ صوت آلات ضخمة و بعض المُحركات
مسح حبات العرق الباردة التي تعلو جبينه و أخذ يتنفس بسرعة ثم أغلق مديته وأعاد وضعها بـ جيب بنطاله الخلفي، أتاه صوت أحد زُملائه بـ العمل وهو يردف مازحًا
-نايم تاني فـ الشُغل، لو عرف صاحب الشغل، هيطردك ومش هيرجعك تاني…
نظر إليه قُتيبة بـ أعين قاتلة قبل أن يهتف بـ صوتٍ صخري
-ملكش دعوة و إطلع من دماغي
-هتف زميله بـ غيظ:المرة الجاية هعرف صاحب الشُغل و هف*ن عليك…
نهض قُتيبة بـ جسدهِ الضخم وقد بدأت عضلات فكه تتشنج بـ قوة ليس لِمَ قاله الشاب ولكن لذلك الكابوس المُرعب الذي عاود الظهور بعدما قد بدأ بـ الإختفاء تدريجيًا ثم قال بـ جمود قاتل
-لو باقي على حياتك.. فـ أمشي من وشي الساعة دي سعيد…
توتر المدعو سعيد ولكن صرخ بـ تردد نابع من خوفهِ
-آآ.. بتهددني يا قُتيبة؟…
لم يُكلف قُتيبة نفسه عناء الرد بل أخرج مديته من جديد ولوح بها أمام وجه الآخر والذي فَقَدَ ألوانه ثم هسهس بـ فحيح
-شايفني بهزر؟
-حد يساعدني…
تدخل آدم وهو يسحب قُتيبة بعيدًا عنه ليركض سعيد و لكنه هتف قبل أن يخرج من تلك الغُرفة الضيقة
-أنت مجنون، السجن أثر على مُخك
-هدر آدم بـ صرامة:إمشي حالًا يا سعيد وإلا أُقسم بالله هسيبه يقتلك…
هرول سعيد مُبتعدًا ليدفع قُتيبة صديقه الذي أردف بـ غضب حقيقي قلما تملكه
-أنت غ*ي؟.. ولا أنت لسه متخلصتش من العادات دي؟ أنت معتش موجود فـ السجن تاني، إهدى يا قُتيبة…
لم يرد عليه بل جذب المديّة من يد آدم الذي إنتزعها منه على حين غفلة و عاود الجلوس فوق الأريكة، ليقترب آدم منه ثم زفر مُستغفرًا وهتف بـ خفوت
-نفس الكابوس تاني!...
أومأ قُتيبة دون أن يفتح فمه.. ليومئ آدم ثم أكمل بـ غرابة
-الكابوس دا مجاش ليك من فترة كبيرة، أنا مشوفتكش بتعاني من الحوار دا غير أول الشهور اللي شوفتك بيها
-معرفش…
فتح أزرار قميصه المُهترئ لتظهر ثيابه الداخلية الضيقة مُظهرة عضلاته المُتناسقة ثم حك م***ة عُنقهِ وقال بـ صوتٍ مُتباعد
-أنا معرفش إيه اللي حصل و اللي بيحصل الفترة دي
-ربت آدم على كتفهِ وقال:ممكن يكون بسبب كلامنا إمبارح…
نهض قُتيبة وجذب حقيبته ثم أردف وهو يفتح باب الغُرفة
-يلا نرجع شُغلنا، مش لازم نتأخر…
********************
ض*بت بـ قدميها أرض مدينتها الساحلية بعد غياب دام طويلًا، كان قلبها يكاد يقفز بين أضلعها تاركًا إياها، تُرى هل خرج وعاد إلى حيهم الصغير؟، هل ستراه الآن؟!، أم بعد تلك الحادثة قد ترك المكان بعد ما تناقله أهالي الحي!
-هو إحنا وقفنا ليه؟…
تساءلت حوراء وهي تجذب حقيبتها خلفها ناظرة إلى كيان المُتجمدة أرضًا، شاحبة الوجه وكأنها رأت شبحًا لتو
نظرت كيان إلى حوراء ثم إبتسمت بـ إهتزاز وقالت بـ خفوت هادئ
-تعالي فيه مكان لازم نروحه الأول قبل ما نروح البيت…
تبعتها حوراء بـ فضول ثم تساءلت بـ تعجب
-هو مش المفروض نروح البيت الأول؟!!
-أجابت كيان بعد مدة:لأ، المكان دا مُهم، و هتحبيه…
رفعت حوراء كتفيها بـ بساطة وهي تمط شفتيها ثم تبعت كيان والتي بدت وكأنها بـ عالم آخر، عالم لا يوجد به سواها و سواه
ركضت حوراء تحلق بها واضعة يدها فوق قُبعتها حتى لا تطير مع الرياح ثم تساءلت بـ فضول غير قادرة على قمعه
-رايحين فين يا كيان؟ مش هتجاوبيني!...
نظرت إليها كيان مُبتسمة إبتسامة لم ترها حوراء قبلًا جعلت فمها يفغر بـ إنبهار
- هنروح شط البحر…
بعد دقائق قليلة كانتا تقفا فوق الرمال أمام البحر الأزرق الشاسع أمامها، المياه الدافئة تُداعب أقدامهم الع***ة فـ تُدغدغهما بـ لُطف يُجبرهما على الضحك
لاعبت حوراء الماء بـ قدمها ثم قالت بـ سعادة
-المكان هنا جميل جدًا وقت الغروب، كان هيفوتك المنظر دا…
أومأت كيان مُبتسمة والرياح تُداعبها بـ رقة و ثوبها الأبيض يتطاير حولها فـ أ**بها هيئة حورية البحر الهاربة ولكنها تحمل بـ داخلها قصة حزينة، لا أن تبحث عن أميرها
إلتفتت على صوت الأطفال القادمة خلفها وهما يتضاحكون بـ صوتٍ عال وما أن لمحها أحدهم حتى صرخ بـ سعادة وهتف
-رجعت.. كيان رجعت يا صحابي…
ضحكت كيان والأطفال يلتفون حولها بـ سعادة بينما حوراء تقف مُبتعدة تُحدق بهم بـ إنبهار سعيد
-مين البنت الجميلة؟!...
سألت فتاة صغيرة وهي تُشير إلى حوراء لتُجيب كيان مُبتسمة
-دي صاحبتي…
حياها الأطفال ثم عاود آخر سؤالها
-هتفضلي هنا!
-أيوة، شوية
-عبست طفلة وقالت:ليه؟ أنتِ وحشتينا…
تن*دت كيان بـ حرارة كيف تشرح لهم ما يختلج داخل قلبها المُمزق، كيف تُخبرهم أنها تُحب هذا المكان و تمقته بـ الوقت ذاته!، كيف لها المجئ من الأساس؟، هذا المكان بـ خواءهِ وصوت الرياح القوي يُرعبها كما لم يفعل من قبل، من قبل كان هذا المكان ملجأ وجنة بـ النسبةِ لها ولكن كل هذا تهدم ذات يوم
أخرجها من شرودها يد طفلة تسحب ثوبها لتتساءل كيان بـ إبتسامة واسعة
-في إيه يا حبيبتي!
-تعالي نلعب
-رفعت حاجبها وتساءلت:دلوقتي؟ مش الوقت إتأخر!
-حركت رأسها نافية وقالت:لأ، إتبقى لينا نص ساعة عما نرجع البيت…
تقدمت حوراء منها وهي تضحك بـ إشراق و شقاوة ثم قالت
-رغم إني تعبانة، بس هعلب معاكوا
-هتفت طفلة بـ صوتها الرفيع:بس عاوزة أخد بوسة الأول وحشتني، كيان وحشتني أوي
-وأنا
-وأنا كمان
-و أنا كمان مش هاخد ولا إيه!...
ضحكت كيان بـ قوة.. كانت أفتقدت ذلك الدفئ والبراءة.. كيف لها أن تكره ذلك المكان وأؤلئك الأطفال؟
لذلك نهضت و قذفت نعليها ثم ركضت وهي ترفه ثوبها الطويل، حافي القدمين، تضحك بـ قوة رادفة وهي تنظر إلى الأطفال من خلفها
-اللي هيعرف يمسكني الأول، فـ هياخد جايزته…
و الجائزة كانت قُبلة، قالتها و هي تُشير إلى وجنتها علامةٍ على إعطاء قُبلة، وحين إستدارت إصطدمت بـ جدار صلب، قوي و كِلابيّن حديدين يُحيطان خصرها و صوتًا لم تسمعه مُنذ سنوات يردف بـ صوتهِ العميق بـ مكر
-دلوقتي أنا مسكتك، ينفع آخد جايزتي؟!...