الفصل الثالث :
وقف ينظر أمامه في تلك الأرض الواسعه بعد أن أمر الرجل بتنفيذ ما يرغب هو يريد أن ينقلب هذا العرس إلي جنازة كبيرة يتحسر المدعون علي العريس الذي فقد عمرة يوم زفافه فمن مصلحته و مصلحت عائلته بالكامل أن
لا يتحد بدر الانصاري مع الرفاعية حتي يستطيع هو أن يصل إلي ما يريد فهو بالاصل من سعي ليسهل فتيل التار و النار بين العائلتين لياتي ذلك البدر و يخرب ما خططت اليه فكيف له أن يفعل و لكنه يقف أمامه سيخرب له الأمر برمته ف بالطبع آل الانصاري سيتهمون الرفاعية في ذلك الأمر و ستشتعل النار من جديد بدون جهد أو تعب مرة أخري فقط عيار ناري طائش سيحل له الأمر كله و سيقف هو يري إلي ماذا سينتهي الأمر . . هل هناك شياطين علي هيئة أناس يعيشون ويتنفسون كيف لواحدا كهذا يريد لبحر دماء أن تسيل يقتل هذا و يقتل هذا وهو يقف يضحك من بعيد و كل ذلك الأمر حتي يصل إلي الأفكار التي رسمت في فكرة المريض . . هل الشر طبع في الإنسان ام الإنسان طبع علي خير في المقام الأول و الإنسان هو من حرف فترته ليصل إلي اهوائة وما يرغب ما ذنب تلك الفتاة التي سيقلب عرسها إلي جنازة كبيرة يتحسر فيها الجميع علي زينه الشباب و هنا بعد أن تخيل وتصور تلك هذا ضحكة بشراسة شديدة و صوته يرتفع يجعل جسدك يقشعر من شدة الشر المتطاير في هذا المكان و النفور النفور هو الحل عدما قال بصوت محمل بكراهية :
- " والله لتدفعوا التمن غالي يا ولاد الانصاري و أولكم كبيركم بدر " ثم ضحك و بشدة
........ ... ............................
كانت تنظر إلي قصر عمها من شرفة منزلهم تريد أن تذهب إلي هناك لتري ابن عمها يُزف علي تلك الدخيلة التي ستأخذ ما كان يوماً لأختها الصغيرة الحبيبة إلي قلبها كيف له أن يتزوج غيرها كيف له أن يفعل هذا بعدما ماتت من أجل أن تسعده و هي في بداية حياتها تقسم أنها تود أن تذهب إلي هناك لتحرق الجميع فهي تشعر أن قلبها يحترق بوجع شديد و نيران الغيرة تشتعل بداخلها وبينما كان صوت شهقات أمها يتعالى من خلفها وهي تهتف بأصوات متقطعة بحزن " توحشتك يا فرحة اتوحشتك يا نضري اليوم جوزك بيتزف علي وحده تانيه غيرك يا نضري كلهم فرحنين وعم يطبلوا ويزغرتوا و أنا جلبي موجوع عليك يا حبيبتي قلبي مفطور من الحزن عليك يا أصغر عيالي يلي روحتي عروسة في عز شبابك يا بنتي يا حبيبتي "
اشتعلت عينيها بغضب شديد و كلمات امها تتردد داخل اذنيها و تلهب النيران بداخلها ف استدارت لتواجه أمها ثم هتفت بنفاذ صبر وبنبرة غاضبة " بكفياك يامه كن العديد والنواح ده هيرجعها كن اللي بتعمله ده ليه عازه حرام عليك صحتك و عنيك اللي هتبيض من الحزن بكفاية "
تعالت شهقات المرأة من جديد ومن يعلم ما تشعر به فهي أم منكوبة علي فراق ابنتها التي لم تري من عمرها إلا القليل وفارقتها و هي في عز شبابها تقسم أنها سوف تموت من شدة الحزن ولا احد يشعر بما تشعر به لا احد يستطيع أن يشعر بأم فارقت أحد صغارها تشعر بقلبها ينفطر بحزن وكأنه ينزف الدماء علي فقدان الاحبه فهتفت وهي علي حالها " بكفياني إيه يا صباح أنا هحزن علي أختك العمر كلّه دي فرحة داري اه يا بنتي يا حبيبتي روحتي من بين أيدي يا فرحة وانت لساتك صغار يا روح امك يا قلبي يا بنتي "
تأففت بضجر فهي تعبت من سماعها العويل والبكاء وليس بفائدة منه فلو كان بفائدة لصرخت و بكت هي الأخري ثم استدارت ذاهبه إلي غرفتها وهي تتمتم بجمود " احزني كَن الحزن و النواح والصراخ هيرجعها كنه ليه عازة من الاساس "
اه من تلك الاحزان التي تنشأ في القلب لتجعل ينزف دماء حزنه و يجعلة بموت يوما بعد يوم ليفقد حياته حتي الممات لماذا يسبقنا الحزن، ويقتطِّع جزءاً من أفراحنا القادمة، ولماذا يضاعف أحزاننا، وهو يحشر نفسه في ترقّبنا، ويحوّلنا إلى جمرٍ؟! ولماذا يظلّ الخوف ملتصقاً بأفئدتنا، حتى بعد أن نتأكّد أنّ الحدث السعيد قد حدث، وأصبحنا مطمئنين، والحدث الحزين قد حدث، وانتهى.
وجاء اليوم الموعود يوم زفافها ، هي ستذهب لبيت جديد لا تعرف فيه أحد، وستترك منزل أبيها ، المنزل الذي شهد علي ميلادها وطفولتها وصباها وأخيراً زواجها ، ستترك أبيها وجدها، وأخويها عبد الرحمن ومنذر، ستترك نعمة وتوأمها الحبيبان، ستترك الخالة أم السعد و زوجة عمها سكينه الجميع يبكي، وهي يخنقها هذا البكاء و وأمام جدها استطاعت أن تهوي لتجلس أمامه لتقبل يداه ، نظر إليها بحب شديد نيران أصبحت عروس وستذهب إلي بيت زوجها ، زهرة البيت ترتدي فستانها الأبيض لتذهب مع زوجها، ربت هو علي رأسها بحنو ثم رفع رأسها ونظر إليها وقال بحنان :
" يوم ما اتولدتي كانوا خايفين لزعل إنك بنت ، وچاتني أم السعد بيكِ وحطيتك بين يدي ، حسيت إنك أخدتي جلبى فرحت بيك ، وسميتك علي اسم سيتك لأنك كنتِ نسخة منيها ، رفعتك جدام أهل البلد كلتها وجولت چاتنا اللي هتعمر بيتنا بالفرحة، چاتنا اللي هتخلي أيامنا كلها عيد، وكنتِ إجده طول عمرك، أوعي تكوني فاكرة إن چدك ضحى بيكى لاه دا إنتِ روح چدك أنا أخترت اللي هيكون ليك عون وسند وظهر تتحامي فيه راچل صُح ، عوزك تعمري بيت چوزك، عوزك ليه عون في الدنيا تكوني رفيقة دربه وسكن ليه في وچعه، عوزك تكوني بنت صالح الرفاعي صُح وترفعي رأس أبوك وجدك "
ثم قبل رأسها بحنان، وبدون تفكير ارتمت داخل أحضانه تبكي بشدة وتعالت شهقاتها للجميع بينما أخذ الجد يهمس لها بحب :
"واه بتبكي يا جلب چدك، لاه عاوزك فرحانة وسعيدة عاوزك فرحانه بعرسك و ضحكتك مرسومه علي وشك "
ثم نظر إلي ذلك الوقف بدون علمها يتابعها منذُ دلوفها لكي تسلم علي جدها فهتف الجد بصوته الواثق :
" نيران أمانتي يا بدر ، إنت أخدت أغلي ما عندي فرحة داري فحافظ عليها يا ولدي "
انتفضت واقفة أمام جدها خائفة نعم تخاف منه تخاف من ملاقاته
وللعجب فهو زوجها منذُ أربع أيام ولم تعرفه حتي الأن نظرت إلي جدها الذي أكمل كلماته وقال :
" و يوم يا ولدي ما هتهمل أمانتي ردها ليا ولأهلها ، وصدقني إنت مكانتك عندي زي عبد الرحمن ومنذر وأنا حلفت الرفاعية إن يكونوا ليك ولناسك سند وظهر ويبجوا جوة وحدة، خد مرتك يا بدر ، وإبدأ من چديد وخلي بالك يا ولدي من سم النفوس وحقدها و هارجع وأقولك نيران يا بدر "
" في عيوني يا حاچ "
انتفضت حين استمعت إلي صوته خلفها ، ولم تقوي علي الالتفات والنظر إليه فظلت علي حالها و الفضول سيقتلها فجدها يردد ولدي ، والصوت الذي استمعت إليه صوت قوي شديد الحدة، فاقت من أفكارها علي صوت جدها وهو يأمرهم بالرحيل ويدعوا لهم بالسعادة والفرحة، فتقدمت لتقبل يده وحين ألتفت مرة أخري كان بدأ الرجال بالحركة للخارج ولم تستطيع رؤيته من جديد، وأمام الجميع كنت تودع بيتها بحب شديدة و بدأت تلك الشهقات تتعالي، فنيران حقاً يحبها الجميع ، حين تقدم الحاج صالح ليقبل رأسها ثم يقوم بتوصيلها إلي ذلك الهودج الذي سينقلها إلى منزل زوجها بينما أخذت نعمة تبكي في أحضان الخالة أم السعد ، وما هي إلا لحظات وتحرك الجميع خلف نيران ليقوموا بتوصيلها إلي منزل زوجها بدر نصار .
وأمام بوابة هذا القصر المهيب ، وقفت جميع النساء تغني والأطفال ترقص ، و هي في هودجها تنظر من خلف تلك الستارة الشفافة تتابع الطريق خائفة هي حقاً خائفة تذهب لمجهول لا تعلمة زوج لم تراه إلي الأن حياة مجهولة كيف ستكون هناك، ولكن بعد أن استمعت إلي كلامات جدها اطمئنان بعض الشيء ، ووجود أم السعد معها سيجعلها تشعر بالراحة فهي علمت من نعمة أن الجد أمر أن تظل معها ، وما هي إلا لحظات حتي استمعت إلي أخيها منذر يأمرها بالخروج من الهودج، فهبطت بإضراب ولكن حين حطت قدمها علي الأرض شعرت بمن يحملها فاتسعت عينيها وهي تراه من جديد ذلك الرجل الذي رأت ليلة عقد القران هل هذا زوجها ، هل هذا بدر نصار والإجابة كانت صوت أخيها حين هتف بفرحة :
"مبارك يا بدر ، موصكش علي نيران ثم هتف ضاحكاً وربنا معاك يا خوي "
تعالت ض*بات قلبها بشدة وهي ترفع نظراتها إليه ثم بيدها تعلقت به فشعر باضطرابها فهمس بصوت واثق :
"الله يبارك فيك يا منذر عجبالك عن قريب، ومتخافش نيران في عيوني "
خجلت بشدة من نظراته و ازداد اضرابها عندما شعرت به يهمس بجانب أذنيها ساخراً :
"كيف وجعتك يا نيران ؟"
اتسعت عينيها وكادت أن تبكي من توترها وخجلها ، أخذت تحمد ربها أن تلك الطرحة الشفافة تغطي وجهها ، بينما ارتسمت تلك الابتسامة علي وجه بدر وهو يشعر بها، ليسير وهو يحملها إلي داخل القصر وخلفه زهرة ونجاة وأم السعد ومُهرة و علي بعد يقف أخيه يحمل الصغير ويرحب بالرجال ولكن ما هي إلا لحظة حتي توقف كل شيء وتعالى صوت طلقات النار فأخذت النساء تصرخ والرجال تسرع والأطفال يهلهلون، الجميع مطرب وبشدة وصوت نجاة و صرخات زهرة اخترق السكون ، ففستان العروس تلطخ بالدماء، وهي بأحضان زوجها الذي مازال يحتضنها بشدة ،هذه الأن أمانته وزوجته عرضة وشرفة ، وهي بين أحضانه مُستكنه تغمض عينها تشعر بشيء ثقيل يكتم أنفسها و شيء أخر لزج يسيل علي يديها وصوته الهامس بنبرة حانية بجانب أذنيها :
" متخافيش إنتِ كويسة "
وصرخة نجاة القوية اخترقت مسامعها :
" بدر أنت اتصبت، يوالي يا أخوي "
ففتحت عينيها بسرعة، لتراه يحاوطها بيده، والدماء تغطي جلبابه الأبيض وفستانها هل سيموت زوجها وبصوت خائف مرتجف هتفت اسمهُ ولأول مرة :
" بدر"
نظر إليها بوهن ثم هتف بحنان ليطمئنها :
" متخافيش "
ثم أعتدل بوقفته ومازال يحملها بين يديه ورفض أن يحررها ثم ألتفت للجميع ليسرع له أخوه عمران من قبلة كان أخيها منذر ليقف أمام أخيه ثم قال بخوف وهو لا يعرف مص*ر تلك النيران :
"بدر "
" أنا بخير الرصاصة جت في كتفي "
أسرع عمران وأعطي الصغير لزوجته التي كانت تبكي بخوف ثم توجه لأخيه ليحثه علي ترك نيران ولكنه نظر له برفض في حين قال مُنذر وهو يتقدم إليه :
" تعالي يا نيران "
" لا يا مُنذر أنا اللي هطلع نيران مجعدها "
و برفض قاطع قالها فهتف عمران معاتباً :
" بس إنت متصاب يا بدر وچرحك بينزف "
لم يرد علي أخيه فهو حقًا يشعر بوجع شديد فاستدار ليدلف بها إلي المنزل وهي تبكي وترتجف بين يديه وخلفه تحرك الجميع ولكنه توقف في ردهة المنزل وهو يستمع إلي صوت عبد الرحمن الأخ الأكبر لنيران وهو يقول :
" بدر... نيران لازم تعاود معانا كدة ......"
" نيران مرتي يا عبد الرحمن مرت بدر الأنصاري وفي دارها روح لجدك وأبوك طمنهم علي خيتك وقولهم بدر محافظ علي الأمانة ويفدي مرته بروحه "
وقالها وهو يتحرك ليصعد بها إلي غرفتها ... وحين دلف بها إلي الداخل وضعها علي الفراش ثم نظر إلي عينيها وما هي إلا ثواني وفقد وعيه بالكامل ليتسطح جوارها ..هرولت هي خائفة تهتف باسمة بخوف :
" بدر .. بدر "
لا رد وشعرت بالخوف والخواء اختنقت وهي تنظر إلي ذلك الجرح الدامي ثم صرخت ليهرول لها الجميع
.....................................................
كانت زهرة تحتضن نيران العروس التي صُبغ دم زوجها ردائها الأبيض و يبكيان ب**ت ، بينما كانت نجاة هي وأم السعد ينظفون جرح بدر و الخدمات مازالت تسيل أكثر فأكثر أما عن حاله هو كان هو يتصبب عرقاً و النزيف لا يقف فهتفت نجاة بخوف علي حال أخيها :
" واه وينه عمران، اتأخروا بالحكيم ليه يااا رب سلم "
" اهدي يا ست نچاة ربنا هيعدها علي خير ببركة سيّدنا النبي"
قالتها أم السعد لتهدأ من روعها فهتفت الأخرى بنفاذ صبر :
" عليه الصلاة والسلام، بس اهدي لحد ما دمه يتصفى ويموت جدامي إجده وانا معرفاش اعمل حاجه "
" أنا عندي الحل يا ستي "
هتفت بها أم السعد في حين أسرعت نجاة تقول :
" انجديني بيه يا خالة "
" نكوي الجرح يا بنتي ده الحل الوحيد"
قالتها العجوز بترقب في حين شهقت نيران بخوف وفزع كيف هذا ، ونظرت إلي نجاة الحائرة ، نظرت إلي أخيها بحزن بالغ كيف يكون أخيها الحبيب بهذا لوضع هل كتب عليه الحزن و دائما فرحته محمله بالاحزان تسقط منها دمعه خائنه علي حالة فكيف لها أن تره هكذا مغرق بالدماء هتفت بثقة وكأنها حسمت أمرها :
" جومي يا أم السعد أعملي اللازم "
وأمام نظراتهم كانت تمسك ذلك السكين المتلهب كالجمر المشتعل في حين شقت نجاة جلبابة ليبقي أمامهم بالسروال ثم تحركت أم السعد ببطئ أمام أعين نيران لتضع تلك السكين علي جرحة النزف وتقوم بغرزها لتنتفض تلك الرصاصة ولكن قبل كل هذا سمعت صوته الصارخ بوجع يعلو ويتردد علي المسامه "
" فرحة "
وهذا كل ما وعت عليه قبل أن تسقط بحضن زهرة فاقدة لوعيها فكل ما مرت به أكبر من تحملها فهي مازالت صغيرة علي كل هذا
...........................