عندما يحتار المرء بين عقله و قلبه يشعر بالتشتت حتى ينتصر الجزء الاقوى منه و هنا إما أن ينجح الجسد بحل تلك المعادلة الصعبه و يتناسق مع المنتصر ام أن ينخذل فيسقط مريضا او صريعا ، و لكن ماذا ان كان الشقاق بين روح المرء بعضها البعض إن انتصر جزء خسر اﻻخر فبالنهايه تكون الخسارة نصف روحك فلا يوجد منتصر بتلك المعادلة .
هذا ما حدث معها فقد ظلت بصراع مع نصفي روحها ، نصفها اﻻول و المعاصر لحياتها تشعر معه بالرفض الدائم و لا يتناسق معها ابدا و نصفها الثاني المعذب و الذي لا يظهر اﻻ باحلامها او اثناء سيرها و هي نائمه و الذي تشعر فيه بالكمال و اﻻكتمال و لكنه ليس واقعا ملموسا تعيشه ، فظلت بتلك الصراعات مع نصفي روحها حتى اتمت عاملها الرابع عشر لتكثر بتلك الفتره زياراته لها الملك ( سيتي ) و الذي اخذ بكل زيارة يخبرها اكثر عن حياتها السابقة معه فتستيقظ من احلامها بفزع و صراخ و هي تنطق باسمه .
التحقت دورثي بمدرسة بلايموث للفنون و بدأت بجمع الكثير من الآثار المصرية من المزادات العامة بجميع أنحاء بريطانيا و ساعدها على ذلك والدها الذي كان يعمل بصناعة السينما .
واصلت دراستها للحضارة المصرية القديمه من خلال زياراتها المتكررة للمكتبة العامة بايستوبرون لتلفت نظر خبير الآثار إي واليس بادج الذي تبناها علميا و علمها الهيروغليفية بطلاقة و اشبع شغفها بالحياة القديمة للقدماء المصريين .
لم تتوقف احلامها و سيرها اثناء النوم مطلقا بل ازدات اكثر و اكثر بمرور الوقت حتى اتمت عامها السابع عشر و التحقت باداء مسرحية غنائيه لايزيس و اوزوريس و غنت بها ترنيمة الرثاء لوفاة اوزوريس فكان لعشيقها وقتها رأي آخر .
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
كان ذلك الحضور اﻻقوى على اﻻطلاق الذي استخدم فية الفرعون كامل طاقته للمثول امامها بروحه و جسده ليمنعها من رثاء من ظن انه محبوبها اوزوريس فتمثل بجسد احد الحراس او باﻻحرى الممثل المساعد الذي يقوم بذلك الدور و اقترب منها و هي تشدو بصوتها فسحبها بقوه من ذراعها و هدر بها بغضب جحيمي : ترثين اوزوريس و قد نسيتني بنترشيت !
ردت مدافعه عن نفسها و هى ترى حمرة الغضب و الشراسه بعينيه : انا فقط اؤدي دورا لا اكثر مولاي و حبيبي .
زمجر بحده صارا على اسنانه و قال بضيق : انا امنعك من رثاءه ، و امنعك من نسياني و امنعك من الوقوع بالعشق و حتى انني امنعك من الحياة بدوني فقريبا ستعودين لي بنترشيت .
رمقها بنظره حزينه و اضاف : لقد انتظرتك آلاف السنوات فقط لاجتمع بكِ و لن اتركك بعد ان وجدتك جميلتي ، لا تنسي من انتِ .
هدأته ببكاء و انحنت امامة بخضوع هاتفه : انا لك مولاي و لن اكن لغيرك ما حييت .
اعقب عليها بغضب و حده : و حتى بعد مماتك بنترشيت .
اومأت موافقه و مردده : و حتى بعد مماتي مولاي .
تركت المسرح و غادرت على الفور و ما كان من المشاهدين و الحضور الا أن رأوها تحدث نفسها و هي تنظر لذلك الحارس المتعجب من افعالها و انحناءها امامه و كأنها تتحدث معه ، فهاتف مخرج العرض المصحة العقلية على الفور فجاءت سيارتهم لاصطحابها للمشفى وسط صراخها و رفضها الذهاب معهم و هى تقول بصياح : اتركوني ، اريد العودة لدياري .
ظلت تنتفض بين يديهم و هي تطلب المساعدة منه هو حبيبها : مولااااي ، انقذني من بين ايديهم اتوسل اليك .
و لكنها لم تجد مساعدة او ظهور حتى اودعت المصحة العقليه من جديد و هناك زارتها والدتها التي جلست تبكي بجوارها هاتفه بحزن : الم يحن الوقت بعد للتوقف دورثي ؟
نظرت لها بوجوم و قالت : انتِ تعلمين من انا لذا توقفي عن نعتي بذلك اﻻسم و اخرجيني من هنا .
بكت هانده و توسلت لها : اتركي ابنتي اتوسل اليكِ ، اتركيها و شأنها و كفى كل تلك السنوات و هذا العذاب الذي لا ينتهي .
ابتسمت بمكر و اجابتها : انتِ تعلمين أن ابنتك ماتت عندما كانت بالثالثة من عمرها ، انا فقط احتل جسدها لذا كُفي عن الهراء و محاولة استعطافي و اخرجيني من هنا .
هدرت هانده بحدة وتحذير : إن لم تتركي ابنتي ساتركك هنا ما حييت حتى تتعفني بذلك المكان و لن تستفادي شيئا .
اتسعت بسمتها و نظرت لها بشر و قالت : الا تعلمين إن خرجت ما سيحدث لذلك الجسد ؟ هل انتِ ساذجة الي هذا الحد لتعلمي إن خرجت انا ستجدينها مجرد جثة لا روح و لا حياة فيها .
رمقتها هانده بنظرات متفحصه لتتأكد انها لا تكذب او تماطل فبكت و بكت و قالت بتوسل : إن اخرجتك هل ستتدعين انكِ ابنتي على اﻻقل امام المجتمع و الناس ؟ فقط لاعيش حياة طبيعية و اوهم حالي انكِ ابنتي و أن كل شيئ على ما يرام !
صمتت و رفعت حاجبها هاتفه : شرط أن تتركيني اعود لموطني باقرب وقت .
حركت رأسها بحيره و سألت : ماذا ؟ كيف ؟
اجابتها موضحه : بمعني أن اعود لمصر .
ضحكت هانده بحزن ساخرة و قالت : و ما استفادتي من ذلك ؟ انا اريد ابنتي معي و بحضني و انتِ تريدين المغادرة .
ردت بلامبالاة : هذا عرضي لكِ ، اقبليه او ارفضيه كما تشائين و لكن اعلمي فأنا لن ابقى هنا طويلا بمساعدتك او بدونها .