الفصل التاسع

1541 Words
_عتمة الياسمين_ _الفصل التاسع_ ...................... استطاع سامر إيجاد شقة جديدة تجمعه بـ زوجتهِ ذات موقع متميز يطل على النيل،وأنبأ ابنة عمه بـ هذا الخبر بعد اتصالاتها المستمرة وأسئلتها القلقة عن أحوالهِ بعد حادثة منزلهُ..والتي بالمناسبة انتُسبت لقطع أحد أسلاك الكهرباء،وحين أخبرها شراؤه لـ شقة جديدة حبذت زيارتهُ هو وزوجتهُ،فلم يمانع ورحب بها ترحيبًا حارًا. وها هي الآن تستقل المصعد حتى شقته المنشودة بالطـابقِ الخامس،وما هي إلا ثوانٍ وكانت تضغط على زرِ الجرس مبتعدة خطوات ليست بكثيرة عن الباب بـ لباقة. وأثناء ذلك أسرعت صفا تضع هاتفها جانبها مُتململة في جلستها وهي ترى سامر يسير بسرعة حتى يفتح الباب لـ ابنةِ عمهِ التي أمرها باستقبالها استقبالٍ لطيف وحسِن فـ رحبت بها بحفاوة،ووثبت لترحب بها بينما تاليا تصافح سامر وابتسامتها الواسعة المُبهِجة مرتسمة فوق وجهها المثلثي،والذي يُجمله شعرها الطويل الأ**د المصبوغ من آخرهِ،والذي دومًا ما تضع بعضًا منه خلف أذنيها. عانقتها بـ ودٍ للحظات قليلة،وابتعدت عنها مرددة بابتسامة مرحِبة : _نورتِ يا تاليا. _دا نورك.. _اتفضلي اتفضلي يا تاليا. قالها سامر مُشيرًا بـ كفهِ للداخل،وسار وهي وراؤه مُتهذبة،حتى قعدت على كرسي قماشيٌ مريح وصفا ذهبت تُحضِر عصير كنوع من الترحيب اللبق،فيما أحست تاليا أنها تجلس على. شيء ما،فانتشلت الهاتف وبعد لمسها للهاتف فُتح على صورةٍ ما،فـ لم تهتم كثيرًا للصورة المُضيئة،وتركته على الفور بـ حرج ثم التفتت إلى سامر تُحادثه بـ لطف،وبـ ذات الوقت عطفٍ : _إحمد ربنا يا سامر إنها جت على أدد كدا.. خبت انفعالات سامر،وغيظه الذي استعَر داخله متذكرًا فعلة لؤي،وقال بعد بُرهة متصنعًا الابتسـام : _الحمدلله يا تاليا،لولا ستر ربنا محدش عارف كان حصل ايه. فتحت فمها تنوي مُفاتحته في موضوع آخر إلا أن الكلمات عِلقَت بـ حلقها وقد قفزت الصورة التي رأتها في هاتف صفا،ورافقهـا الوجه المألوف لديها،وتعرفها على صاحبهِ..إنه لؤي ابن عم يونس!،عن نوع العَلاقة التي تجمع صفا بـ لؤي ذلك أخذت تتسائل،وخصوصًا أنها تذكُر وضعية العناق الحميمي التي كانت بالصورة. خ*فتها من أفكارها صفا بعد وضعها الصنية الحاملة لـ ثلاثِ كؤوس من عصير التفاح المُعلب،وقدمت الكأس الأول لتاليا التي أخذته بابتسامة مُقتضبَـة. بعد دقائق استئذن سامر ليغادر مُفضلاً تركهما لوحديهما؛ حتى تأخُذان راحتيهما أكثر في أحاديثهما النسائية ، وبعد رحيلهُ أردفت صفا : _بس باين عليكِ خدتِ على القاهرة بسرعة،براڤو عليكِ..إنك تتعودي على مكان أول مرة تروحيه،وتبعدي عن المحافظة اللي اتربيتِ فيها مش سهل . _بالنسبالي أنا بحب أجدد،عشان كدا مش مستصعبة الموضوع يعني.. ثم أطلقت تنهيـدة بملامح **اها الحُزن،وقالت : _لولا بابا كان زماني دلوقتي عايشة مع أُمي،يلا بقى ربنا يسعده مع مراته الجديدة. ذمت الأخيرة شفتها السُفلى شاعرة بالشفقة على حال تاليا،فهي عاشت طوال هذه الأعوام من عمرها مُقتنعة بـ سلبِ الموت لأمها أثناء ولادتها بينما هي حية تُرزق بل وتبحث عنها. همّت بـ التكلم لولا تاليا التي سبقتها بـ سؤالها المُغلف بالتردد : _صفا هو انا ممكن أسألك سؤال؟ عفويًا وافقت صفا في لحظتها قائلة : اتفضلي يا تاليا. ابتلعت الأخير ريقها الوهمي مُترددة في إخراجِ السؤال المتردد بـ جوانبِ عقلها،لكنها تكره التدخل بـ شئونِ الآخرين،وما ستفعلهُ سيكون دافعهُ الفضول فقط..ويعد تدخُل مُتطفل في شئونِ صفا،ولـ هذا فهي صرفت الفكرة عن عقلها وابتسمت بـ خفة سائلةٍ بـ حماس : _قوليلي ، أنتِ اتعرفتِ على سامر ازاي ..؟ تدريجيًا انقشعت ابتسامة الأخيرة،وانزلقت عيناها نحو نقطة وهميـة بالفراغ شاردة للحظات حتى انتشلت نفسها نشلاً من دائرتها الغير مَرئية،وابتسمت ببعض الإصفرار..وببرود تخلل نَبرتها أجَـابت: _هو كان مُستثمر في سنتر والدي،واتعرفت عليه بـ حكم إني طول الوقت هناك..وأعجب بيا وجه اتقدم،وانا كنت معجبة بيه فـ وافقت عليه. خيبَت ظنون الأخيرة التي اعتقدت أنها ستَسمَع قصة حبْ من أولِ نظرة تُبهرهـا،كما تقرأ بالروايات الرومانسية..لكن يأتي الواقع دائمًا مصحوبًا بـ صخرةِ تحطيم الأحلام الوردية. ................ لم يكُـفّ عماد عن اتصالاتهِ المُتكررة بـ ياسمين التي كانت يدفعها خوفها لـ تجاهلهِ مُدركة أن معرفتهُ بالحقيقة دنت كثيرًا،وهذا يجعلها تجزع مُتصورة مُبارحتهُ لها،إن حياتها أصبحت مُنحصرة في زاوية مَن سيكون راغبًا في استكمال علاقتهُ بها بـ صورة طبيعية،وعدم ذمّها بـ أب*عِ الصفات التي تُهين أخلاقها،وما تربت عليه . ظلت ناظرة لـ ثوانٍ في الهاتف المضيء باسمهِ،حتى استجمعت شجاعتها وضغطت على زر الإجابة واضعةً الهاتف فوق أذنها فـ وصلها صوت عماد الضجر ممتزجًا بالحنق : _أخيرًا رديتِ!،ايه زهقتِ مني فقولتِ تردي ..؟! قُبيل خروج الكلام من فمها استَبقها بـ قولهِ الحازم : _نتقابل النهاردة،وتقوليلي مين دا اللي ركبتِ معاه العربية. خرجت منها شهقة صغيرة مُتفاجئة من رؤيتهِ لها..وكيف تناست وجودهُ هكذا،ورؤيتهُ لها شيء طبيعي،وأردفَ عماد: _ومش الكافيه اللي شوفتك فيه المرة اللي فاتت،هشوفك في كافيه هنا عادي..مش هروح المشوار دا تاني!،وفالآخر مطلعش منك بحاجة من اللي جبتيني عشانهـا!. تيسر لها إدراك كم هو حانقًا عليها،ولكنها تذكرت كذلك أنها لا تعلم بعد كيف تذهب إلى هناك..وهي لا تملك المال الكافي لـ توفير سيارة أجرة،وبالتأكيد لن تَطلب مالاً من عمتها..هذا مستحيل،فـ قالت بنبرة رجاء : _عشان خاطري يا عماد انا مش هعرف أروح هناك،لسه معرفش الطريق حتى!. _أومال أنتِ بتعملي ايه هنا!؟. تسائل مُتشككًا،فـ أجابت بـ خفوت بعد تنهِيـدة قصيرة: _مهو لو اتقابلنا أنا هقولك على كل حاجة.. لم يُحبذ ذهابه إلى تلك المنطقة البعيدة،وصرح عن ذلك مجددًا لها: _ياسمين..المكان دا بعيد أوي،وانا في مرة جيت بس اتبهدلت! _أرجوك يا عماد عشان خاطري..أنا مش هعرف آجي. بعد ثوانٍ من إلحاحها المستمر وافق على مضض بعد سئمه من إلحاحها،فاتفقـا على المُقابلة غدًا في وقتِ المغرب أو العصر،حسب ساعة وصول الأول. أغلقت معهُ ياسمين وهي شاعرة بـ اختناق عجيب،فأخذت أقدامها تقودها إلى الحديقة بعد أخذها لـ وشاحها الأ**د الذي يكفي لـ إخفاءِ شعرها،ولحسنِ حظها فـ إن الطقس كان مناسبًا جدًا لـ تحريرها من اختناقها،فأخذت تستنشق الهواء وبين فنية وأُخرى ترفع أصابعها للوشاح تعيدهُ محاولة تثبيتهُ فوق رأسها،حتى خ*ف انتباهها صوت مُواء مستمر؛ لـ تسديـر على عقبيها مجعدة كلتي حاجبيها بـ حيرة . استطاعت رصدُ جسم القط عند الجانب الأيمن للبيت،فـ مشت خطوات مُتحمسة إليه حتى وصلت،فـ رمقت القط ذو الشعر الكثيف الرمادي ولكن وجهه كان مشحمًا بالسواد بعض الشيء ويطلق مُواؤه وكأنه ينادي صاحبه،ثم امتدت يدها أسفله تحملهُ،وتسانده فوق ص*رها وقد ارتسمت ابتسامة جميلة فوق ثغرها وكفَها يتحسس فراءُ القط الكبير نوعًـا ما،بينما بادلها القط بنظرات خائفة قليلاً وحاول التَحرك لكنها أجادت إمساكهُ بطريقة ماهرة. _انت تايه يا قطقوط ولا ايه؟.. تحدثت وكأن القط يفهمها فيما تسير به إلى الداخل مُنفِذة رغبتها بالاحتفاظِ به،تقابلت مع سمية التي تهم بالخروج؛ لـ يرتفع حاجبي سُمية دهشة ثم قالت بعد استدراكها : _دا سيزر قط يونس!،دا كان تايه..لقِتيه فين يا ياسمين؟!. اندهشت كثيرًا فالمُقابل بكون هذا القط يعود لـ يونس،وأجابت تلقائيًا: _لقيته ورا البيت ،وكان بينونوا.! _طيب يا حبيبتي ممكن تطلعيه لـ يونس؟،هو يعيني كان هيموت عليه. خجِلت نوعًا ما لكنها رأت المقص الكبير الخاص بالأشجار،فعِرفت أنها ستفعل شيء لا يمكن أن تبادلها به بـ مهمة تسليم القط لـ صاحبهِ،فأماءت باقتضاب مُستسلمة،وأخذت القط تصعد لـ أعلى حيث غرفته التي عرِفت مكانها بـ مكوثها هنا ورؤيتهُ يدلف ويخرج منها أغلب الوقت.. ولكن يبدو أنها لن تضطر للذهاب إليه تحديدًا حيث رأتهُ يخرج ويسير بالممر وحين استدرك ما تحمله بيدها تسارعت خُطاهُ،وقُبيل تفوهها بـ كلمة هتف هو مذهولاً: _دا قطِ!،سيزر..لقتيه فين؟! قدمتهُ إليه أولاً،وعقبت بـ الإجابة عن سؤالهِ : _لقيته ورا البيت وكان بينونوا.. هَمهم مُتفهمًا مُتحسسًا فراءُ قطهُ الذي أخذ يموء تلك المرة بطريقة مختلفة،ورأسه يمسحها بـ ذقنِ يونس النامية ومرة بـ كتفهِ،وكأنه يبادلهُ اشتياقهُ،وبعد بُرهة بَزغت شبح ابتسامة فوق ثغر يونس قائلاً بامتنان حقيقي : _شكرًا..سيزر كان تايه،وملقيتهوش خالص!. ضحكت لثانيتين قائلةٍ ببعض المزاح العفوي داخلها: _حمدالله على سلامته..عن إذنك . وانصرفت سريعًا كعادتها الأخيرة،فـ هي تتجهز داخليًا لـ مُقابلتهما غدًا. في وقتِ الغروب الذي يسبق الليل بـ ساعات قليلة تلاعبت الصدمة بـ خيوطِ تفكير عماد،وما قصتهُ عليه يُعاد بـ عقلهِ مرات ومرات..لا يستوعب!،ولا يرغب بالتصديق..لوهلة كذب الموقف،ونعتَ نفسهُ بالموهـوم،لكن صورتها الباكِيـة بـ هذه اللحظة أجبراه على تقبلِ الواقع القاسي المفروض عليه وعليـها!. ابتلعَ رمقهُ بـ صعوبة مُرددًا بـ خفوت : _يعني أنتِ دلوقتي مش بنت!. تضاعف نحيبها بطريقة مؤلمة،فـ لم يعرف ماذا يقول والحيرة تستولي عليه،وبدقائِـق بث في نفسهِ الهدوء حتى يستطيع التفكير بـ رزانة،ويقرر ما سيفعلهُ..أسيُكمل معها وكأن ما مِن شيءٍ حدث،أم يتركها؟. تخيل نفسهُ يتزوجها،فـ علقت في جوفهِ غصة لم يتحملها..زوجتهُ لن يكون هو أول مَن مسّها،لقد ذاق من شهدها رجلٍ آخر،والسمعة التي التصقت بها وسط كل إنسيًا بـ منطقتها..ماذا سيقول لـ أبويهِ؟،وهو الآخر..الناس لن تَعتقهُ..سيقولون تزوج بـ ع***ة،وسيحني رأسه حينما يمشي فالشارع كأخيها،ولكنه يحبها..ولكن الحب ليس هو دائمًا كل شيء،لن يتحمل يقسم لن يتحمل أن تكون زوجتهُ اغتصبت من قبلٍ!. ولهذا فإنه حزم أمره وأخذ حاجياتهُ يُرمقها بـ جحودٍ بازغة في نبرتهِ الباردة حين قال وهو يثب : _أنا آسف يا ياسمين،بس انا مش هقدر أكمِل معاكِ!. توققت عن البكاء فجأة،وقد أصابتها صدمة عجزت عقلها عن الإدراك،والتصديق..ورفعت وجهها الباكي بلونه الأحمر إليه،وبمرور الدقائق همّ عماد بالمُغادرةِ إلا أنها أوقفتهُ ممسكة بـ ذراعهِ تتساءل بابتسامـة ارتعشت فوق ثغرها: _عماد!،انت بتهزر صح؟..أكيد انت مش هتسبني يعني.. رغمًا عنه أشفق عليها،ورمقها بضيق رافعًا يدهُ فوق كفها يبعده عن ذراعهِ مرددًا أسفهُ ال*قيم مرة أخرى: _انا آسف يا ياسمين حقيقي ليكي،بس انا مش هقدر أكمل معاكي..وأنتِ..عارفة ليه!. ترقرق دمعًا في مُقلتيها شاعرة بانهيار كل ما بنتهُ من أحلامٍ تجمعهما سويًا،وخُذلانًا استصعَب على قلبها تقبلهُ حتى أنه أخذ يدق بـ سرعة ملحوظة،فـ ارتعشت نبرتها وهي تردد : _بس دا مكانش بإرادتِ،انتَ مصدقني صح؟!. صحيح أنهُ صدقها لكن كما ذكر لن يتحمل الفكرة،ولن يتقبلها فـ أجابها بـ حاجبين معقودين شفقةٍ عليها : _مصدقك،بس أرجوكِ تفهميني..أنا راجل شرقي،ومقدرش أتقبل إن مراتي تكون مُغتصَية..حتى أهلي مش هيتقبلو كدا. انهارت على كرسي بعد فشل ساقيها في حملها،ويدًا وضعتها فوق وجهها منهارة في البكاء الموجوع..نفس درجة الوجع رُبما الذي شعرت به حين ظلمها أخيها هو الآخر،ورددت بـ ألمٍ لا يمكن وصفه ضاغطة بيدها الأخرى فوق كفه: _عشان خاطري بلاش تسيبني،انت الوحيد اللي قولت مستحيل يسيبني..بلاش تعمل فيا كدا ، مَتِـخذلنيش..! ربت بيدهِ فوق يدها ساحبًا كفهُ قائلاً: _الحب مش كل حاجة..انا آسف، مع السلامة. وغادر كالسراب الذي ظننتهُ ذهبًا بين يديها،ولكنه ما كان إلا صخرًا مُلونًا.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD