الفصل الثامن

1285 Words
_رواية عتمة الياسمين_ _الفصل الثامن_ .................. اتخذت مقهى قريبًا جدًا من البيت للقاءِ بهِ،ولا تستطيع وضع حدًا للـ ارتباكها الكامن داخلها بينما تنتظرهُ في المقهى تفرك كلتا يداها ببعض تبث بهما ما تشعر به داخل نفسها من وجل،فـ ألقت نظرة على بجانبها حيث طريق السيارات السريع،وصدفة وقعت عيناها عليه يعبر الشارع السريع بـ حذر،ولم يأخذ سوا ثوانٍ حتى أصبح قبالتها،فـ نهضت على الفور تصافحهُ وترحب به وقد بدت طريقتها الرسمية غريبة عليه. _ها يا ياسمين،ممكن أفهم في ايه؟.. سألها مُتحفزًا،في حين أن ياسمين لم تجرؤ على البوحِ بما لديها بعد،فاتخذت المماطلة سبيلاً لها حتى تُلملم شجاعتها؛ لـ تقول بتوتر: _طيب بس ممكن نطلب حاجة نشربها،يعني انت جاي فالشمس وأكيد تعبت. حبذ ذلك فعلاً ، فـ رأسهُ فعليًا توجعه بسبب سيره على الأقدام بعد ترجلهُ من سيارةِ الأجرة وحرارة الشمس تشن عليه هجومًا. _ياريت،أنا معرفش الحقيقة أنتِ ايه القصة في إنك تجبيني المسافة دي كلها عشان نقعد في كافيه!. نطق مستنكرًا،فنظرت إليه طويلاً ولم ترد وقد جاء النادل مستفسرًا عن طلباتهما،فتولى عماد مهمة إخبارهُ طالبًا لـ كأسين من عصير المانجو إذ يعلم كم تحبه الأخيرة،ولا تشرب غيرهُ تقريبًا. لم يأخذ العصير سوا دقائق قليلة وأتى بصحبة النادل مرة أخرى،فـ تبادلا بعض الحديث بينما يشربان حتى قال عماد : _كنت بكلم ف*نة أطمن عليكي منها،بس هي كمان مكانتش تعرف حاجة تقريبًا،لحد امبارح هي كلمتني وطمنتني..لما أنتِ كلمتيني انا كنت لسه هكلمك بردو. أماءت مستحسنة تصرف ف*نة كونها لم تشِ بشيء يخصها وبما أباحت به لها،ثم ابتلعت ما في جوفها من العصير البارد تتحفز لـ إخبارهِ بما تحمله في جعبتها،فأحست بطرقِ قلبها في قفصها الص*ري،وألم في بطنها ناتج عن توترها. بهذه الأثناء توقفت سيارة يونس أمام المقهى وأخذ مُقتنياتهُ ينوي الترجل من سيارتهِ؛ لـ يدخل المقهى راغبًا بـ شراءِ بعض القهوة المُثلجة،إلا أنهُ توقف مشخصًا بصرهُ في ياسمين،وعماد ، فـ لم يلبث وزفر بـ انزعاج..فـ هذا المقهى تحديدًا كل العاملين به،وصاحبهُ كذلك يعلم بـ هويتهم،وأصبح وجود ياسمين شيئًا معروفّا بالنسبة لـ جيرانهم،صحيح أن رؤية ياسمين مع شخصٍ غريب لن تصنع كلامًا،ولا شيء من هذا القبيل إلا أنها كانت حجة يونس المقيدة بالفضول الذي دفعهُ لـ يعرف من هذا الشخص معها؟،وتلك الانطوائية التي لا تتكلم إلا بعدد كلمات تعد على اليد من ذلك لـ تتكلم باستفاضة هكذا؟!. ترجل واستند على سيارتهِ منتظرًا أن تراه،وبالفعل..بعد لحظات رأتهُ ياسمين،فانتهز الفرصة ورفع يده إليها بمعنى أن تأتي،فأخذت ثواني تستوعب المعنى،فراودها استغراب شديد في سبب فعلتهُ إلا أنها تذكرت كونها جالسة مع عماد..ولم تبوح له بشيءٍ بعد،فشعرت كأنها تحررت من فكرة إخبارهِ،واستغلت ذلك على الفور ثم قالت بإيجاز : _عماد،انا لازم أمشي دلوقتي حالاً!. ارتفع حاجباه بـ ذهول..فـ هما لم يكملا ساعة واحدة،وتريد الذهاب،وهي مَن أرغمتهُ على القدومِ إلى هنا! كما أنه كان متحفزًا لسماع ما تكنه،فهتف مُحتجًا : _تمشي ايه!،احنا مكملناش ساعة واحدة..وبعدين انتِ حتى مقولتيش اللي كنتِ عايزة تقوليه. أصرت على الذهاب أكثر،وهي غير مدركة أن ما تفعله ليس سوا هروبًا لا مفادة منه،وعاجلاً أم آجلاً سيعرف،ولكنها تجيد الهرب..وتهواه. _أنا أسفة بس لازم أمشي حالاً،مع السلامة. واكتفت بالتلويحِ بيديها،بينما تعبر الطريق بلا انتباه حتى وصلت قبالةُ يونس تناظره بتعجب،لكنها ممنونة له على كل حال في حين ألقى يونس نظرة على عماد،وتحدث لـ ياسمين: _ممكن تركبِ العربية؟. أخذت ثواني تستوعب فيها طلبهُ الغريب،لكنها امتثلت له،واتخذت المقعد الأمامي المجاور لهُ،ويونس لحظات وكان بـ جوارها..وهي تناست وجود عماد،وكيف أنه رآها!. بعد لحظات من ال**ت بادر يونس ببدء الحديث فقال بهدوءهِ المعتاد: _أنا آسف إني قاطعتك،وخليتك تسبيه وتمشي. ودت لو تشكرهُ على إنقاذها،لكنها تغاضت عن ذلك وتحفظت بـ رسميتها ثم قالت: _لأ ولا يهمك..بس أكيد في مشكلة صح؟،عشان كدا خليتني آجي. أماءَ فأحست بالقلق،وترقبت لما سيخبرها به؛ لـ يقول يونس بنفس وتيرة الهدوء : _الحقيقة هي مش مشكلة زي ما انتِ فاكرة!،يعني هو حاجة قولت لازم أكلمك فيها لما شوفتك قاعدة معاه.. راودها بعضًا من التوجس،فازدادت عقدة حاجباها فيما أردف الأخير يشرح : _شوفي يا ياسمين،انتِ من أهلنا صح والبيت بيتك..بس الناس والجيران شايفينك ضيفة،والكافيه اللي أنتِ اختارتِ تقعدي فيه مع صاحبك..دا كل الناس فيه عارفانا،وتعتبر عرفتك،والحقيقة إنها هتبقى وحشة في حقنا الكلام الكتير عنك!. استَرقتها الدهشة للحظات حتى استوعبت ما تفوه بها من كلام أجاد به جرح مشاعرها الهشة بـ لا قصد!،فـ تذكرت حديث ف*نة كذلك عن السمعة السيئة التي التصقت بها التصاقًا في منطقتهما،وهنا كذلك..كما قال يونس!،لم تكبح جماح رغبتها في البكاء،فـ انفجرت في البكاء على حين غرة. هيمنَ الذهول على حواسهِ بفعلتها تلك،وتلملم في مقعدهِ متوترًا جاهلاً بما عليه فعلهُ في موقفٍ كهذا...لم ينال فرصة لـ تجربتهِ،وها هو الآن يجربه..لكنه فالحقيقة أصعب مما تصور،وموترًا!. _في ايه!،بتعيطي ليه دلوقتي ؟!. هذا السؤال الأول الذي طرأ على ذهنهِ،ونطقَ به ل**نه فلم يتلقَ إجابة سوا استمرارها في البكاءِ،ففكر مرتبكًا حتى انتشل منديلاً ورقيًا مدهُ إليها رادفًا : _طيب خلاص إهدي،اتفضلي منديل. أخذتهُ منهُ محاولة الكفّ عن بكاءها المبرر بالنسبة إليها،وجففت دموعها ومُنظفة أنفها كذلك،وقبل خروج السؤال العفوي من بين شفتيه ركضت الإجابة من فمها تستبقهُ..قالت: _على فكرة أنا سمعتي مش وحشة،ولا أنا واحدة مش كويسة وقليلة الأدب..هما اللي ما بيصدقوا يمسكو عليا حاجة!،حتى لو هما مش عارفين الحقيقة.. قصدت ياسمين بـ كلامها دون قصدِ منها ما ورد على الألسن يلوث سمعتها في منطقتها،فـ اتخذت معانيها شكلاً مبهمًا ليس بصلة بما قالهُ،ولكن ما استطاع ترجمتهُ هو فهمها الخاطئ عن المعنى في حديثهِ فأسرع يشرح لها مقصدهُ قائلاً : _أنا مقصدش اللي فهمتيه دا خالص؛ الناس كلامها مبيخلصش ومش معنى أنه حد اتكلم عليكي وحش..يبقى انتِ وحشة،كل واحد بيألف على مزاجه.. علت شهقاتها رغم توقفها عن البكاء،فـ توتر يونس أكثر شاعرًا بالعجز والجهل عن طريقة يساعدها بها..فقط ما كان عليه أن يتكلم!،فتكلم بعد لحظات : _خلاص إهدي يا ياسمين،أنا آسف يا ستي. مسحت بقايا العَبرات العالقة بـ أهدابها،ولكن الماسكرا بسبب دموعها لطخت وجنتيها وحول عيناها،وحين التفتت إليه بقى للحظة مدهوشٍ حتى ضحك فجأة بلا قهقهة مُشيرًا لهذه الأثار قائلاً : _,لو اعرف ان العياط هيعمل في وشك كدا،مكنتش خليتك تعيطي. استوعبت ما قالهُ،وسببهُ فابتسمت فقط وأخذت منديل آخر تمسح به ذلك السواد قدر الإمكان،في حين انطلق يونس بـ سيارتهِ ينشد البيت القريب من هنا. ...................... في وقت الغروب كان قد وصل عماد أخيرًا إلى منزلهِ،وهو ناقمًا على فعلتها الحمقاء في حقهِ..فهو قطع كل تلك المسافة لـ أجلها،وبالنهاية أم تستكمل ساعة واحدة في الجلوسِ معه وغادرت..مع رجلٍ لا يعرف هويتهُ!. زفر مجهَدًا شاعرًا بـ خمول يستولي على جسدهِ،وتمدد بـ جسدهِ على الأريكة والهدوء يلفهُ..فـ والديه بهذا الوقت يأخذان قيلوتهما الشبه يومية. رن صوت هاتفهُ المزعج،فـ أجاب بعد علمهُ بـ هويةِ المتصل..قالت ف*نة: _عماد..قابلت ياسمين؟!. _أيوا. تحفَـزت ف*نة في جلستها،وسألتهُ بـ ترقب متحمسة: _ها؟،حكيتلك عن اللي كانت عايزة تقوله؟!. _لأ.. أجاب سائمًا حانقًا،فـ خمدَ حماسُ الأخيرة ولوت شدقيها بـ عبوس قبيل قولها: _ليه مقالتلكش؟،أومال قعدتو سوا قولتو ايه؟! ذكرتهُ بما قامت به وتسبب في حنقهِ الآن،فـ أفصح لها وقال: _هو احنا لحقنا؟!،الهانم بعد ما جابتني المسافة دي كلها مكملناش ساعة وقالتلي إنها مضطرة تمشي..وركبت مع واحد العربية!. تسمرت ف*نة مُتفاجئة مما قالهُ،وما لبث أن غمرها حماسًا عجيبًا وسألتهُ بـ سُرعة: _واحد..ومتعرفش دا يبقى مين؟!. _لأ معرفش،بس هكلمها دلوقتي وأعرف منها.. أماءت له بسرعة ، وأغلقا سويًا وف*نة تأكلها الحيرة،والفضول لـ معرفة من ذلك..الذي جعل ياسمين تترك عماد وتذهب معه؟. ................ بعد وصولهما وترجلهما من السيارة رأتهما سمية صدفةً من شرفتها،فـ قطبت حاجبيها مستغربة اجتماعهما المُريب،ولم تلبث أن نشدت خروجها إليهما..وبالفعل حين انتهت من نزولِ الدرج ،كانا قد دلفا وقبيل اتجاه كلاً منهما في طريقهِ استوقفتهما سمية هاتفـة: _استنو.. ثم تقدمت بضع خطواتٌ حتى صارت قبالتهما وأردفت سائلة : _ايه اللي جابكُم سوا..؟!،فيه حاجة ولا ايه!. توترت ياسمين واحمر وجهها حرجًا،بينما لم يأخذ يونس الكثير من اللحظات حتى أجاد اختلاق كذبة مناسبة قالها بابتسامة : _هو أنتِ مش كنتِ قايلالي أجيب ياسمين معايا البيت من الجامعة وانا راجع؟،انا روحت جبتها فعلاً. ابتسمت بـ وسعٍ مُحبذةٍ فعلتهُ النبيلة،وقالت مؤيدة : _براڤو عليك يا يونس،انا كنت خايفة على ياسمين عشان هي لسا متعرفش المكان. التفت نظره فقط إليها،وتابع بـ معنى مبهم واضح لياسمين : _ياسمين طلعت عارفة المكان أصلاً،ما شاء الله عليها. تحرجت الأخيرة واحمر وجهها..ليس عاديًا أن يراها ابن عمتها بـ رفقةِ شابٍ غريب،هذا جعلها تخجل من الوقوفِ لـ وقتٍ أكثر في وجودهِ،فانصرفت بلا حرف مما جعل سمية تذم شفتيها بعدم رضا،لكنها ابتلعت ضيقها داخلها وانحرفت لـ حديثٍ آخر مع يونس.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD