_رُوايـة:عتمـةُ الياسـمين_
_الفـصلُ السابـع_
_______________________________
جنونهُ،وعصبيتهُ الزائدة منذ تلقي هذه المُكالمة الواردة قبل ساعة من الآن،أقلقانها وجعلاها تخافهُ..رغم أن ردة فعلهُ طبيعية اتجاه ما حدث لـ بيتهم،واضطرهم للمَبيتِ عند جيهان ش*يقتها التي رحبت بهما،ولم تمانع،فـ لا سيما أنها كانت حاضرة وأول العالمين بما حدث.
ظلت الكلمَـات المُتوعدة لـ لُؤي بالقتلِ تخرج من شفتيهِ بـ زعيق وهدير عصبي جعلاها تتجرأ أخيرًا يعد كثير من ال**ت،وتقول:
_إهدا يا سامر،خلاص اللي حصل حصل.
التفت إليها فجأة بـ عينيهِ المحمرتين،وكأن هناك شررًا يتطاير منهما لـ يُصيبها،لـ يصيح بها بـ سخط:
_إهدا ايـه!!،انتِ مُدركة للي حصل!،بس طبعًا لازم تقولي كدا..مهو كله عشان حضرتك أصلاً!.
أنهى جملتهُ بابتسامة ساخرة،فـ ارتفع حاجباها بـ دهشة حقيقية لما قالهُ..رُبما معه حق في ذلك،ولكن كيف يقولها لها هكذا؟!،فتحت فمها تنوي الرد عليه إلا أن صوت جيهان الهادر استوقفها وهي تـَقول بقوة:
_عشانها إزاي بقى يا أستاذ سامر،فهمني!.
هدأت نبرة الآخر نوعًا ما بـ وجود ش*يقتها،فـ قوة جيهان تمنعهُ أحيانًا من التحدث بـ لهجة قد تضايقها،كما أنها لا تترك الأمر يمر مرور الكرام إن تفوه بـ شيء يُسيء لـ صفا أختها.
لـ يقول بعد برهة:
_هو بيعمل كدا عشان خدتها منه.
حنقت أكثر بعد تفوهه بهذه الجملة والتي شعرت فيها بأن يشبه أختها بالصفقة التي يتسابقان عليها،فرفعت سبابتها في وجههِ بـ تحذير بيّن في لهجتها الحادة حين تكلمت:
_حافظ على ألفاظك يا سامر وانت بتتكلم عن أختي،فاهمني ولا يبقى المأذون يحكم أحسن؟..أنا أختي مش صفقة عشان تتسابقو عليها انتو الاتنين.
تقهقهر سامر للخلف فاقدًا لـ عصبيتهِ المشتعلة قبل ثواني،بينما تقف في مواجهتهِ..هكذا هو،فاشلاً ومُتقهقرًا حسن يواجه شخصًا تحاوطهُ هالة من القوة.كَجيهان.
_مش قصدي طبعًا كدا،انتِ يعني..عارفة إنه كان خطيبها،فـ هو مقهور عليها عشان كدا عمل اللي عمله.
تكلم مُتعلثمًا،فاستعادت البعض من هدوئِها،وعادت خطوة إلى الخلف قائِـلة بـ هدوء:
_من الناحية دي هو هيتجازا،اطمن.
واستدارت على عقبيها تسير عدة خطوات حيث الباب ،وقبل تخطيها للباب أردفت دون النظر لهما:
_يا ريت مسمعش صوت زعيق منك تاني يا سامـر،البيت بيتكم..تصبحو على خير.
وغادرت بـ هدوء كما أنت،فـ فور أن تأكد من مغادرتها شخص بصرهِ المشتعل من الغيظ في زوجتهِ الخافية لـ نشوتها بـ دافعِ ش*يقتها عنها،وتمتم بـ صوت خفيض وكأنه خائفًا من سماعها له :
_أختك دي إيـه!،شيطـان..؟!
_أناديها؟.
قالتها رافعة لـ حاجبها المنمق،فـ تراجع مقوسًا شفتاه رادفًا :
_خلاص الطيب أحسن.
.......................................
بدا مزاجهُ رائقًا بـ طريقة شديدة اليوم،لا يشغل وجهه العبوس كما هو أغلب الوقت،بل هناك ابتسامة جانبية تلوح على ثغرهِ طوال الوقت،وكأنهُ غير مهتمًا بـ نتائجِ أفعالهِ،والـحق يُقال هو أن هذا هو لُـؤي:لا يهتم بـ نتائج ما يقوم به ويونس يتحمل هو نصف النتائج،ويصدُ عنه الأذى الناتج عن تهورهِ.
وبـ ذكرِ يونس،فـ إنه كان على ع**هِ،فـ قد كان مزاجه المُتعكر بينًا في أفعالهِ،وتعابير وجهه..وكأن هناك همًا خفيًا يحملهُ.
احتك إصبعيّ لؤي في بعضهما بالقوة مص*رين صوت جعل يونس ينتبه إليـه،فنظر له بـ عبوس؛ لـ يقول بـ ابتسامة سائلٍ :
_خير يا باشا؟،سرحان في ايه؟!.
ظهرت بوادر العصبية عليه من بعد سؤالهِ الأ**ق بـ نظرهِ،وهتف بوجهٍ متقلص:
_هو انت غ*ي يا بني آدم!!،بقولك أختي طلعت بنت عم سامر..مش مستوعب ولا ايه بالظبط؟!.
رغم انزعاجهُ الضئيل مما هو واقعًا،وعلى يونس تقبلهِ وبالتأكيد سيُسبب الكثير من المشاكل إن حدث،وعرفت تاليا أخته تلك بالعداوة الشرسة القائمة بينهما إلا أنه نظر للشيء الإيجابي من وجهةِ نظرهِ:
_بس هي مش أختك يعني،أختك بالاسم بس..غير كدا هي هتعرف منين؟!،وحتى لو عرفت..يعني هتعمل ايه؟!.
بعضًا من حديثهِ منطقيّ،ولكن حدسه يُخبرهُ بـ حتمية حدوث مشكلة ناتِجة عن القرابة التي تجمع الإثنين،فـ فركَ جبهتهُ مُزفرًا بلا حديث؛ لـ يُغير الأخير الحديث على الفور سائلاً بـ شهية انفتحت لتوهـا:
_مقولتليش..طنط عاملة إيه أكل النهاردة؟.
_انت في إيه ولا فإيه!.
تمتم مُستهزءًا بـ تبرم،ثم أجـاب مُتذكرًا أخذها بـ رأيهِ صبيحةِ اليوم:
_عاملة نجرسكو.
ظهرت البهجة فورًا على وجهِ لؤي،وفرك كفيه وكأنه يستعد بـ لمعانِ عينيهِ بـ حب عميق مُتمتمًا بـ حماس:
_لأ دا انت تعزمني بقى!.
ببساطة استطاع انتشالهُ من فوقعةِ أفكارهِ المتزاحمة في بعضها،وجعلهُ هو الآخر يشعر بالجوعِ،فـ نهضا بعض لحظات متجهين إلى الخارجِ حيث سيذهبان إلى البيت.
.............................
بتوتر بلغَ مبلغهُ منها أخذت ياسمين تقضِم أظافرها وعيناها مُثبتتان على اسمِ عماد المُتص*ر لـ قائمةِ الأسماءِ مُتحيرة في الضغطِ على اسمهِ،فـ هي متأكدة أنه قلقًا كثيرًا عليها والدليل هذا الكمّ الهائل من المُكالماتِ منه أثناء غلقها لـ هاتفها مُجبرة،عليه أن يعلم بما حل بها..ويُقرر إما أن يستمر معها أو...
دق قلبها وجلاً بالتفكيرِ في احتماليةِ اختيارهِ للقرار الثاني،هي لا تريد أن يفترقا وينبذها لـ أجلِ شيءٍ حدث رغمًا عنها،دون ذرة إرادة منها.
حاولت قدر الإمكان لفظ تلك الأفكار عن عقلها،ورفعت إصبعها تنوي الضغط على الاسم،لولا هاتفها الذي أخذ يتراقص مص*رًا رنينهُ المزعج،ودون اسم فُتنة عليه.
أجابت على الفورِ،فأتاها صوت ف*نة الهادر:
_انتِ فين يا يـاسمين؟!،بقالي أكتر من اسبوع بتصل عليكي ومحدش بيرد..أنا حتى روحتلك البيت،وأخوكِ قعد يقولي سافرت ومش سافرت ومفهمتش منه حاجة!.
احتفظت بهدوئها،ووجدت أن فُتنة أتت في وقتها،فبالتأكيد سُتساعدها وتشدُ إزرها،وتنهي عنها تلك الحيرة،سيكون في وجودها إزاحة بعد الثقل عنها.
_إهدي يا ف*نة،انا هشرحلك كل حاجة بس مينفعش بالتليفون..هبعتلك عنوان تجيلي عليه..
تذكرت أنها لا تحفظ العنوان،فـ بحثت بـ عينيها عن شخص يقف في الحديقة،لكنها لم تجد فـ همت بالدخول لـ سؤالِ تاليا أو عمتها،إلا أن تاليا ظهرت تخرج بالفعل فسارت نحوها سريعًا،وسألتها حين توقفت قابلتها:
_تاليا،من فضلك قوليلي عنوان البيت..
نظرت لها ببعض الأسترابة إلا أن شرحت لها ياسمين :
_صاحبتي هتجيلي وهي متعرفش العنوان.
أماءت بعد ذلك بـ سماحة،وأخذت تملي عليها العنوان حتى عادت أدراجها بعد انتائها؛ لـ تعطي لياسمين خصوصيتها في التحدثِ مع صديقتها،فيما راحت هي تملي العنوان كما سمعتهُ على أذن فُتنة التي تمتمت بدهشة واستنكار:
_أيوا بس دا بعيد أوي!.
_عارفة..بس حاولي يا فُتنة أرجوكِ،أنا محتجاكِ ومش هقدر آجي البيت.
مرت لحظات حتى تمتمت الأخيرة مُستسلمة بـ مسحةِ استنكار:
_طيب حاضر،هظبط يوم وأجيلك فيه.
شكرتها بامتنان كبير،وأغلقت معها،وبعد ثوانٍ همت بالاتصال بعماد لولا هتاف تاليا من خلفها :
_الأكل يا ياسمين..
لمَ تشعر بأن القدر يؤخرها عن هذه المُكالمة؟!،زفرت بانزعاج وأغلقت هاتفها مستديرة إلى الخلف تهم بالدخول،إلا أن توقفت حين لمحت كلاً من يونس وهذا الذي لا تتذكر اسمه من وقتِ الزفاف،وإصرار يونس على أخذهِ لهما إلى البيت يسيران هما كذلك للباب،فـ أسرعت تدلف بـ خطى متفاوتة.
بعد مرور بعض الوقت التف الخمسة على المائدة ذات الخشب الثقيل البُنية المرتص عليها أنواع شهية من الطعام،فبزغت شهية من كان فاقدًا شهيتهِ في حضرةِ هذه المأكولات،وبينما تضع ياسمين الشوكة المُلتقط بها المعكرونة بين أسنانها جاءَ سؤال سُمية عمتها تقول:
_صح يا ياسمين أنتِ كلية ايه؟.
_كلية آداب قسم إعلام يا عمتو .
ابتهجت تعابير سمية حين سمعتها،وابتسمت بـ اتساع قائِـلةً بحماس:
_بجد!،طيب حلو اوي..كليتك في طريق يونس لشغله،ممكن يبقى ياخدك في طريقه لما تيجي تروحي..
رفعت عيناها المُتسعتان فجأة عفويًا بـ وجهٍ أحمر حرجًا؛ لـ تتفاجأ بـ عيني يونس المُتَسعة هي الأُخرى،فـ أشاحت بوجهها سريعًا بـ ضيق،وحرج ولم تخرج منها كلامًا كيونس أيضًا،فـ بعد لحظات من الحرج الذي يطفوا على الأجواء تكلم لؤي بابتسامة متسعة مزيلاً الحرج عنهما:
_تسلم إيدك يا ست الكل،أحسن واحدة تعمل أكل والله.
ابتسمت له،وأخذت تتبادل معه الكلام بـ محبة كبيرة،وكأنه ابنها..فالحقيقة هي تعتبر كل مَن في محيطها ابنًا،وابنةً لها.
في اليوم التالي أخبرتها فُتنة بـ حضورها إليها في المساءِ،فـ جلست تنتظرها على أحرِ من الجمرِ وداخل جوفها الكثير من الكلام،والحديث الذي لا تستطيع البوح به سوا لـ شخصٍ واحد تثق به ثقة عمياء،وهي فُتنة.
بالكادِ ابتعدت عن أحضانها بعد دقائق،وهي على شفا البكاء،وبعد الترحيب بها اتجهت بها إلى الصالون لتقعد معها،فـ جاءت بعد لحظات سمية تحمل صنية بها كأسين زجاجين يحملان داخلهما عصير المانجا،وقدمته لـ كلتيهما قائلة بـ حفاوة:
_منورة يا حبيبتي.
_تسلم إيدك يا عمتو تعبتك معايا.
تفوهت بها ياسمين بامتنان حقيقي لها،وبعد مغادرة عمتها وتأكدها من خلوا المُحيط من أي شخص قد يسمع ما سوف تحكيه،فـ سألت فُتنة بحيرة بعد ارتشافها من العصير قليلاً :
_يلا إحكيلي بقى يا ياسمين..في ايه؟!.
شرعت في سردِ كل ما حدث حتى هذه اللحظة،وما لبث حتى انخرطت في البكاء العنيف غير قادرة على كبحِ جماحِ ألمها الداخلي ، وفقدت زمام ثباتها محررة رغبتها في النحيب المكتومـة،بينما امتدت يد ف*نة تُربت على ظهرها بـ ملامح منكمشة بتأثر،وشفقـة قائلة بـ حنوا :
_خلاص يا حبيبتي إهدي ، إهدي يا ياسمين.
بهذه اللحظة كان يونس يهم بالدخول وهو على جهلٍ بـ وجودِ صديقةِ ياسمين،لكنه تسمر في نقطتهِ مندهشّا أو بالأحرى مصدومًا من رؤيةِ ياسمين تلك على هذه الحالة،راودهُ فضول غريب ورغبة قوية لـ يعرف ما حلّ بها لـ تكون على هذهِ الحالة؛ إنه متأكدًا من كونِ هناك شيئًا ناقصًا،شيئًا لا يعلمهُ أحدًا..هذه القصة عن أن أخيها مسافرًا،وهي لا تستطيع الذهاب معهُ لدراستها ينقصها تفاصيل مخبأة،ياسمين وتصرفاتها المُريبة تُثير تساؤلات كثيرة اعترف بها داخل نفسه الآن.عاد من حيث أتى .
_مش عارفة أعمل ايه يا فُتنة!،مش قادرة أقوله إني مظلومة..هو حتى مش طايقني ومش بيرد عليا خالص!.
قالتها باكية متذكرة محاولاتها الكَثيرة في الاتصالِ به،ولكنها كل مرة لا تتلقَ ردًا منه حتى خالجها اليأس،وصرحت بـ الفكرة التي تتلاعب بـ رأسها:
_انا بفكر أبلغ،أبلغ عن اللي عمل فيا كدا!.
جزِعت ف*نة لما سمعتهُ،وتوترت متسعة العينان استنكارًا لـ تهتف بـ احتجاج شديد:
_لأ طبعًا يا ياسمين دي فضيحة..كفاية الكلام اللي..آ..
سكتت حين انتبهت لما كادت أن تتفوه به،لكن ياسمين كانت مُنتبهة جيدًا وسألتها بـ حذر متوجِـس:
_كلام ايه يا فُتنة؟!
_كلام ايه،مفيش كلام ولا حاجة
صاحت بها بـ نفاذ صبر وقد تفاقم القلق داخلها:
_انطقِ يا فُتنة كلام ايه؟!!
تعلثمت الأخيرة وهي تجاوبها مضطرة مطرقة رأسها بـ خجل:
_يعني ..في الشارع بيقولو إنك هربتِ من البيت!،وفي ناس تانية بتقول..إنك مشيتِ شمال وأخوكِ طردك من البيت.!.
_ايه!.
نطقتها بـ وجهٍ باهت،وصدمة سيطرت على حواسها غير قادرة على تصديقِ ما يقال عنها في المنطقة من كلِ من هب ودب بعد أن كانت لا يستطيع أحد التفوه معها بـ كلمة،وليت هناك من يعلم الحقيقة..ما حال صلاح بعد هذا الكلام المُلفق؟!،كيف يسير بين الناس؟ وكل من رآه بالتإكيد لا يرحمهُ جلدًا بـ هذه الكلمات،والعبارات البعيدة كل البعد عن الحقيقة.
........................
انتشل من أفكارهِ المُتضاربة صوت الرنين المستمر للمكالمة الواردة،فـ أجاب بـ ضجر بعد معرفة المتصل والذي لم يكُن سوا جيهان التي قالت على الفور بـ نبرتها الباردة:
_يونس،هبعتلك ماسدچ فيها لوكيشن الكافيه اللي هقابلك فيه؛ في موضوع عايزة أكلمك فيه.
تيسر لهُ توقع الموضوع المهم الذي ستحادثه فيه،لكن رأسه ليس في حالة جيدة تسنح بـ سماعِ مناوشات وتهديدات جيهان التي لا تنتهي منها،فـ أجاب بعد لحظات:
_مش النهاردة يا جيهان،خليها بكرا..النهاردة مش هقدر.
لم يرغب في سماع اعتراضها المتذمر فأغلق مودعًا إياها،وعاد إلى فوقعتهِ مرة أخرى حتى انتبه إلى خروج ياسمين وبرفقتها صديقتها رافقتها إلى بوابةِ الخروج،ثم عانقتها تودعها ، فـ تمتمت ف*نة :
_ياسمين ، عماد لازم يعرف منك..قوليله النهاردة قبل بكرا.
أماءت لها بالإيجاب ، وقلق داخلي لا تستطيع كبحهُ،لكن كما قالت فُتنة..عليه أن يعرف منها قبل وجود أي مسمى رسميّ بينهما.
بعد ذهابها سارت ياسمين تخطوا عائدة أدراجها إلا أن توقفت فجأة حين استمعت لـ صوتهِ الرجولي يأتي قائلاً:
_ياسمين..
التفتت إليه رافعة حاجباها مُتعجبة من مناداتهِ لها إذ لم يدور بينهما أي حديث منذ وجودها هنا،فـ توتر يونس ناهرًا نفسهُ على ما تفوه به بلا شعور،وما لبثَ حتى قال بـ توتر طفيف:
_هي أُمي فين؟!
_طلعت أوضتها تقريبًا.
أجابتهُ بـ آلية،فهز رأسه إيجابًا مُتَمتمًا :
_تمام.
انصرفت بعدها مختفية عن أنظارهِ،فـ عاد يونس وحيدًا فالحديقة مجددًا إذ غادر لُؤي إلى بيتهِ.
مرت الساعات التي تفصله عن لقاءهِ مع جيهان سريعًا،وفي هذا الحين حيث تخفّ الشمسُ من حدةِ أشعتها،ويسود اللون البرتقالي المميز التقى يونس بـ جيهان فالمقهى المُختار من قبلها.
للحظات قليلة تناست جيهان ما تريد قوله،وعيناها سارحتان في وجهِ يونس الذي أصبح برونزيًا بـ تلونهِ بأشعةِ الشمس،وأصبحت عيناه عسلية رغم كونها بُنية،حتى شعره ذو اللون الأ**د استحال لـ بُني داكن..هامت به ككل مرة تراه فيها.
انتشلت نفسها انتشالاً،وارتدت قناعها الحديدي،وغمغمت مستهزئة بلا مقدمات:
_انت عارف أنا عايزة أقول ايه.
لم يدعِ الجهل بل وافقها الكلام وهز رأسهُ مؤيدًا دون تغير ملامحهُ المُرتخية،وقال بهدوء:
_آه عارف ، أنتِ عايزة تكلميني في اللي عمله لؤي صح.
لم يكن سؤالاً بـ قدرِ كونهِ تأكيدًا لـ معرفتهِ،فأيدت جيهان دون كلام ودون دهشة لاعترافهِ بتلك البساطة،فأردفَ يونس زامًا شفته:
_بس مش عارف الحقيقة أنا مالي،يعني لؤي هو اللي عمل كدا..يبقى تحلو مشاكلكم سوا،أنا ميخصنيش.
حركت جيهان ساقها الموضوعة فوق أختها بـ عصبية بينة في نبرتها حينما هدرت باكفهرارٍ :
_يعني مكنتش تعرف اللي هو ناوي عليه؟!،مساعدتـوش يا يونس؟!!.
هز رأسه سلبًا قائلاً بـ نفس الهدوء ،والصدق:
_لأ مكنتش أعرف اتفاجئت زيي زيك الحقيقة.
_مصدقش.
تمتمت بها مُبتسمة بالتواءٍ ساخرةٍ،رغم إدراكها الداخلي أن يونس يقول الحقيقة بلا خوف،وإن كان متواطئٌ مع ابن عمه فلن يخجل بالتص**ح بـ ذلك دون خوف؛ لـ يُجاوبها بلا اكتراث على كلمتها الأخيرة :
_تصدقي أو لأ يا جيهان دي حاجة مترجعليش..عن إذنك.
ووثِب مخرجًا ورقة نقدية من فئةِ المئتي جنيه تركها فوق الطاولة داخل دفتر الحساب تزامنًا مع أخذهِ لمتعلقاتهِ الشخصية،وغادر تاركًا إياها وراءهُ تتأفف بسخط مرات عدة،ثم وثبت هي الأخرى آخذة حقيبتها اليدوية ذاهبةً.
..........................
دُفع الباب الجهتين بـ عنف وقوة مقصودين،واقتحم سامر المكان،وزعابيبهُ في بدايتها،فالتقى بـ بصرهِ بـ عيني لؤي الهادئتين كبحرٌ أمواجهُ ليست بعاتية بل مريحة للنظر،والحقيقة أنه انتظر هذا اللقاء منذ فعلتهُ الانتقامية،لـ يتلذذ برؤية الغضب المسيطر عليه والكمد المهيمن على حواسهِ،فين حين صاح بـ لهاثٍ لشدة غضبهِ البيّن للعيان :
_فاكر نفسك كدا بتاخد حقك مني يعـني!!.
_تؤ تؤ ، أنا بمهد مش أكتر.
أجابهُ باستفزاز،وبرود مطلق،فـ قصدَ الأخير الضغط على وترهِ الحساس ببراعة صائحًا باستفزاز مُبتسمًا :
_شوف مهما تعمل هتفضل بردو مراتي،انا اللي اتجوزتها في الآخر بردو مش انـت..
ببساطة استطاع تغيير مزاجهُ،وجعله متعكرًا ، فـ ضغط على ضروسهِ محاولاً الحفاظ على برودةِ ملامحهِ قدر الإمكان حتى لا يظهر بـ مظهرِ المنهَزم،فيما أكمل بابتسامة مستفزة أخذت تتسع أكثر :
_شوف انت حاربت قد إيه عشانها،وأنا في يوم وليلة خدتها منك!،محروق انت من جواك صح؟!!.
فقدَ زمام تحكمهُ بـ أعصابهِ،ووثب مظهرًا السخط الكامن بـ داخلهِ،والذي يتزايد كل وقت كلما يتذكر كم حارب من أجلِ الفوز بـ حبِ صفا،وحين نالهُ..أتى سامر بـ كلِ فجاجة أخذها منهُ،وهو لم يفعل جزءًا يذكر مما فعلهُ هو من أجلها.
بلحظة أصبح قبالتهُ تمامًا،وكور قبضتهُ القوية يلكمهُ بـغل نابع من دواخلهِ،وفؤادهُ المحترق،وبلا رأفة أخذ يصب على أنحاءٍ متفرقة من جسدهِ جم غضبهُ،ولكن لم يكن الأخير بـ سهلٍ كذلك إذ استطاع تسديد له ض*بات موجعة وكلاً منهما يصيح بأب*عِ الألفاظ التي طرئت على أذنِ السكرتيرة بالخارج التي ركضت إلى مكتبِ يونس القريب من هنا تستجدي مساعدتهُ.
حضرَ عددًا لا بأس به من الموظفين؛ لـ يشبعوا فضولهم بعد سماع أصوات الصياح،ورؤية العراك الشرس القائم بالداخل،حتى جاءَ يونس ركضًا وبلا تردد تدخل لـ فضِ النزاع مستخدمًا قوتهُ الجسمانية للـ إحالة بينهما،ورغم ذلك إلا أنه لم يستطيع ولولا تدخل اثنين من الموظفين لـ مساعدتهِ وفض هذا النزاع لم يكن سيستطيع.
_كل واحـد على شغله يـلا!.
صاح بها في وجهِ المُتف*جين،وأغلق الباب بـ قوة عائدًا بـ وجهٍ ارتسمت عليه إمارات السخط،ثم وقف قبالتهما موزعًا بصرهُ بينهما هاتفًا بـ تهكم شديد :
_ايـه القـرف اللي حصل دا؟!!،فاكرين نفسكم في شارع!،بلطجية كل واحد بيفرد عضلاته عالتاني!.
لم تحرك كلماتهُ ساكن فيهما،فالصراع الذي بينهما أكبر من أن تؤثر فيه بعضًا من كلماتِ يونس المُوبخة؛ ليأخذ يونس شهيقًا زفرهُ على دفعات قُبيل أن يقول بـ حزم :
_أنا مش هسمحلكم تبوظو سمعة شغلي بـ خناقتكم دي ، عشان كدا الأمن هيمنع سامر إنه يخش الشركة دي تاني!.
رفع سامر رأسه إليه بغتة وقد صُدم بـ هذا القرار المحرج له،وبالتأكيد جعل لؤي ينال لذة الانتصار،وهذا كان حقيقيًا فعلاً إذ ابتسم لؤي بـ تشفي،وإذ تنقشع ابتسامته فجأة حين وجه يونس دفة الحديث إلى سامر قائلاً بـ صيغة الآمر الناهي :
_وانت يا سامر،الأمن عندك يمنع لؤي من إنه يدخلك..
_بس..
_مش عايزة أسمع صوت حد فيكم،شرف*نا يا سامر.
تكلم مستاءً قاطعًا طريق اعتراض لؤي،ووجه جملته الأخيرة حازمًا إلى سامر الذي تضرج وجهه بحمرة الحنق والإحراج في آنٍ،ووثب وترجل مغادرًا غير منتويًا على الخير،وترك يونس ولؤي.
الأول يخترقه بـ نظرات تحرقه في موضعهِ،فـ تململ لؤي مبللاً شفتيه بـ توتر،ثم تجرأ بعد لحظات ليتكلم :
_هو اللي جاي يتخانق.
هز رأسهُ بلا استستاغٍ لـ حجتهِ الواهية،وقال بضيق:
_بس يا لؤي بس،أنا مش عارف انت هتكبر امتى! ، ١٠٠ مرة أقولك لازم يكون عندك ثبات انفعالي يا لؤي.
تضايق لؤي تلك المرة بسبب رؤية يونس لهُ دومًا كالطفل،هو يعترف أنه متسرعًا ومتهورًا،لكنه ليس طفلاً ويعلم ما عليه فعلهُ..رُبما.
.................
أخذت ياسمين تدور في غرفتها ذهابًا،وإيابًا مرات ومرات بـ ملامح تشي بـ حيرتها الشديدة فيما هي مُقدمة على فعلهِ،وكيف ستلقي نتيجة الفاجعة في وجههِ،وكيف ستكون ردة فعلهُ..تخوفت بينما تتمعن باسمهِ المدون بهاتفها،وأسفلهُ رقمهُ الخاص،وما كادت تلمس زر الاتصال حتى تراجعت بـ تخبط وقلبها يطرق وجلاً،فـ مسحت على وجهها مُتأففة وأخذت شهيق وزفرتهُ على مهلٍ في محاولة لـ نيلِ السكينة الداخلية.
وبعد دقائق استطاعت التغلب على ترددها واختيار أحد الخيارين المَطروحين،وضغطت على زرِ الاتصال فـ لم تلبث حتى تلقت الإجابة من عماد..ملهوفًا،وبذات الوقت مشدوهًا :
_ياسمـين!!،انتِ فين يا ياسمين؟!،أنا كنت هموت من القلق عليكِ..انا افتكرت حصلك حاجة!.
أسبلت جفونها باشتياق جارف لسماعِ صوتهِ،ثم استاعدت ثباتها لنجعل نبرتها حازمة حين قالت :
_عماد أنا عايزة أقابلك ضروري النهاردة.