الفصل السادس

2464 Words
_رواية عتمة الياسـمين_ _الفـصـلُ السـادس_ ______________________________________ في قلقٍ وارتباك شديدين وَقفَ صلاح يُطرقع أصابعهُ،فـ يدوي صوتها مخترقًا ال**ت المُسيطر على المُحيط،أخذ يُبلل ريقهُ الجاف مراتًا،ومراتًا دون جدوى في تخفيفِ وطأةِ حضور ذلك الرجل الأشيب بـ صحةِ شابٍ،حتى اخترقهُ صوتهُ الخشن القادم مِن أعماقِ جوفهِ المحترق بـ نيكوتين السجائر سائلاً: _هسألك تاني يا صلاح،فين ياسمين أختـك؟. تشتت نظراتهُ،وزاغت،ثم بعد لحظـة تكلم مُجيبًا مُحاولاً الثبات: _مانا قولت لـ حضرتك يا خالي،أول ما عرفت إني كلمتكم هربت.. رفع عصاهُ بضع إنشات فقط على الأرض،وأسقطها بـ قوة فـ دوى صوتها المصطدم بالأرض في حين انحنى شاب يشبه بدرجة كبيرة واقفًا وراءه عند أُذنهُ يهمس بـ خفوت: _أوعى تصدجه يابا،الكذب هينُط من عينيه. همّ بهجَـت بالحديث،لكن أوقفه أخوه الأصغرُ سنًا المجاور له حينما قال بـ هدوء: _وهتكون هربت على فين بجى يا صلاح،جول..يمكن نلاجيها!. تجرع الارتباك أكثر،وأحسَّ بـ تعرق كفيهِ بـ كثرة فيما قال بـ تعلثم: _صدقني يا خالي أنا لو هعرف أقولكم..انا هخبِ عليكم ليه يعني!،إذا كنت أنا اللي مكلمكم. _مرتك اللي مكلمانا،مش انت. هدِرَ بها نفس الشاب بـ حدة،فـ أوقفـهُ أبيه بـ إشارة من يدهِ،ثم عمّ ال**ت لـ ثواني إذ لم يجد صلاح إجابة مُناسبة،فاعتكف ال**ت حتى قالَ بهجت بينما يُلملم جلبابهُ المُرتخي فوق منكبيه: _ماشي يا ابن أختي،واحنا هنسيب مصالحنا كُلها بالبلد،وهنجعد هنا..وأختك الفاجرة لو كانت تحت الأرض هچيبها بردك،ويانا يا هي..!. ووثِب فـ ظهرت قامتهُ الطويلة العريضة،وعقبهُ أخوه بالنهوض كذلك،فـ رافقهما صلاح للباب مُرددًا بـ سرعة: _شرفتونا يا خالي،شرفتونا... رحل ثلاثتهم،وبقيّ صلاح يتنفس الهواء مرات مُتتالية بـ راحة تسللت إليه بعد رحيل هؤلاء،لكنه ما لبثَ القلق والتوتر أن تسللا إليه مُجددًا مُتذكرًا قرارهم الأخير،واحتمالية أن يعثروا عليها حقًا..تلك الفكرة جعلت قلبهُ يرتعب،حتى وإن كانت مُخطئة ومُذنبة ذنبًا لا يُغتفر،لن يستطيع خسارتها إلى الأبد،روحًا وجسدًا. مسح على وجههِ مُتأففًا بـ تعب واضح.انتبه لـ خطوات ميادة القريبة،فـ فتح عيناه لـ يُبصرها تقف على مقربةٍ منه تناظره بـ فضول لمعرفة لمعرفة كيف كان حواره معهم،بعد رفضه القاطع لـ وجودها في تلك الجلسة خوفًا من إفسادِ مُخططهِ بـ حديثها الغ*ي. _ميادة..قسمًا بالله كمان مرة لو سمعت بس إنك هلفطتي بالكلام مع أي حد حتى لو أمك،لـ تبقي طالق. قالها رافعًا سبابتهُ في تحذير،فـ هزت رأسها على الفورِ خاضعة خوفًا من تحمُلها لـ لقبِ مُـطلقة،وبقت مكانها تنتظر أن يقص عليها ما حدث بعد ضمان أنها لن تُخبر شيئًا،لكنُه لم يكن ينوِ إخبارها بـ أي شيء..يعلم أنها كانت تتنصت،ولكن لم تحصل على المعلومات الكافية. _واقفة عندك ليه؟،ماتـمشي.! امتعضت منه كثيرًا،والتوى ثغرها بـ تهكم،ثم استدارت مُغادرة. ** ** ** ** نوعًا ما شكلت يـاسمين شعور بالاسترابة داخل نفس عمتها بـ تصرفاتها المُريبة_بـ النسبة إليها_فـ هي تقضي أغلب الوقت حبيسة غرفتها،إما تجلس بالحديقة،وطوال الوقت شاردة..حتى أنها صبيحةُ اليوم،واليوم الماضي تصحوا عيناها مُنتخفتان وكأنها تقضي ساعات نومها في البكاء،حتى الطعام تعزف عنهُ بـ وجباتهِ الثلاثة،ظنت بالبداية أنهُ مجرد خجل فقط لا أكثر،لكن قلبها لا يؤيد ذلك . طرقت عدة طرقات على بابها المُغلق،فـ أتاها صوتها يسمح لها بالدخول،فـ.دلفت مُبتسمة بـ خفة ، واتجهت تجلس بـ جوارها على السرير قائلة: _العشا يا حبيبتي،يلا عشان تنزلي تاكلي. كررت ياسمين الجُملة المُكررة كثيرًا من قبلها على مسامعِ سُمية بـ نبرة تحمل همً خفيًا: _تسلم إيدك يا عمتو،بس أنا مش جعانة. اختفت ابتسامتها،وخرجت زفرة سائِمة،وتخلت عن لُطفها تمامًا مُرتدية قناع الشدة وبـ نبرة حادة ،وعالية بعض الشيء لـ أول مرة تسمعها منها: _وبعدين يا ياسمين؟!،انتِ مش بتشوفِ نفسك..مبتحطيش لُقمة في بؤك غير لما تطلعي روحي،وعلى طول قافلة على نفسك..مش شايفة وشك طيب؟!،انا كنت بقول في الأول يمكن م**وفة من القعدة معانا،بس أهو أسبوع وحالك بيسوء..أنا حاسة إن في حاجة غلط!. رفعت عيناها المُعاتبة إليها،رغم أنها مُحقة في كلِ حرفٍ قالتهِ،ولكنها مُجبرة..كل شيء يحدث خارج عن إرادتها،بـداية من ذلك اليوم الذي اُغتصبت فيها حتى تلك اللحظة،رغمًا عنها تزورها الكوابيس المُخيفة المُؤرقة للمنام،وعقلها يتلذذ بـ تذكيرها بـ كلِ ما مرت به وتفاقم شعور الظُلم داخلها حتى تَجهش بالبكاء الذي لا ينتهي إلا بـ سقوطها نائمة. تذكرت تحذير أخيها لها بـ ألا تقول أي شيء لـ عمتها،فـ قالت بـ هدوء مصطنع بعد لحظات : _مفيش حاجة غلط يا عمتو،أنا بس..بس صلاح وحشني،وتعبانة نفسيًا بسبب الدراسة. _انتِ حتى جامعتك مش بتروحيها!. أردفت بها بـ عفوية،ودون قصد منها..فـ هي قلقة عليها،ولا يوجد أسباب لما تمر به؛ لـ تنتبه لما تفوهت به وكيف ضايقتها فاعتكفت ال**ت،لـ تقول عائدة لـ حنوها النابع من قلبها: _خلاص يا حبيبتي ،انا مش هضغط عليكِ،وأُعذريني على طريقتي معاكِ..ممكن تنزلي تتعشي بقا.؟ هزت رأسها بانصياع مُرغمة،تَجنبًا لأسئلة أخرى،فابتسمت سمية أكثر،وفتحت الباب تهم بالخروج مُتفوهة: _أنا هستناكي تحت،ومش هاكُل غير لما تنزلي على فكرة. بادلتها ابتسامة مُقتضبة،فـ خرجت عمتها وقبل إغلاقها للباب أردفت مُتذكرة: _إلبسي طرحة قبل ما تنزلي عشان يونس وعمو إبراهيم موجودين تحت. أماءت مُوافِقة،فـ هي تعلم كلاهما،رغم أنها لم تراهما إلا قليلاً جدًا..وعليها الاعتراف أن سمية عمتها أجادت اختيار شريك حياتها بالفعل،فـ إبراهيم رجلاً يقطر حنانًا،يُشعرها بأنه أبيها..ولكنها غير قادرة على البقاءِ مرتاحة في وجود أي ذكر،تترهب كثيرًا جدًا حين ترى أي ذكرًا،حتى وإن كان زوج عمتها إبراهيم . انتهت من نزولِ الدرج بـ دقيقة بـ سبب بطئهـا،وأخذت بـ جوار عمتها مجلسًا لها وعلى جانبها تـاليا التي لم تبدو أنها تكف عن الحديث،فـ هذا ما انتبهت إليه مُؤخرًا وهو أن تاليا كثيرة الحديث والكلام،ولا يُصغِ أحد لها على ما يبدو سوا إبراهيم،والدتها. لم تصغِ لمن حولها،واخذت تتلاعب بـ طعامها بلا شهية رافضة أن يزور فمها الطعام بـ اشمئزاز عجيب مما حولها من أشيـاء،فيما تـاليا رغم أنها حبذت فتح حديث مع ياسمين إلا أنها تراجعت،فـ تصرفاتها العجيبة جعلتها تظنها مغرورة مُتكبرة،يال للأسف..فـ هي حين رأتها أعتقدت أنها ستكون الصديقة الأولى لها هنا بالقَاهرة،ولكن على ما يبدو هذا لن يحدث. _كفاية رغي بقى يا تاليا!. تفوه بها يونس فجأة ضجرًا من حديثها الكثير،فـ رفعت ياسمين رأسها لهُ بـ عفوية مُتفاجئة من وقاحتهِ في الكلامِ مع أختهِ التي لم تقضِ مدة كثيرة هنا،في حين زجرتهُ أمهُ بـ نظرة حانقة كما فعل أبوه؛ لـ تُلقي ياسمين نظرة مُشفقة لـ تاليا مُعتقدة أنها ستكون في أوجِ حرجها،لكنها لم تكن كذلك أبدًا بل ورفعت لهُ حاجبها المُنمق بـ تحدٍ قائلة ببرود حاد : _مش عاجبك سد ودانك يا عسل!. رأت كيف ضحك كلاً من سُميـة،وزوجها،بينما نفخ يونس سائمًا الحديث مع تلك الزائرة المُتطفلة..لمَ لا تكون مثل ياسمين تلك؟،لا تُصيب رأسه بالصداع الذي لا ينتهي،هو حقًا لم يكن يعرف أن ياسمين تلك كانت يومًا ما مثلها!،ولكنها كانت.. _دوقي يا ياسمين المكرونة دي،انا اللي عاملها بـ إيدي خلي بالك..أنا أكلي يفوق أكل عمتك جمالاً على فكرة. هتفَ بها إبراهيم مازحًا كعادتهُ؛ لـ تُجاهد الأخيرة لـ رسمِ الابتسامة فوق ثغرها ،وأردفت باختصار: _تسلم إيدك يا عمو إبراهيم.. وضعت سمية ساعدها أسفل ذقنها مُبتسمة كالمراهقات قائلة بـ دهشة مصطنعة: _يا سـلام،دا على أساس إن الأكل دا اتعلمته لوحدك بقى؟. قهقه إبراهيم،وألقى إليها بـ نظرة عاشقة لا يفهمها سواها جعلتها تخفض بصرها خجلاً،وكأنها لازالت مُراهقة بعد. أثناء ذلك تشكلت ابتسامة حالمة فوق شفتي تاليا،فـ هي لطالما حلِمت بـ مثل هذا الحب النقيّ،الذي رغم مرور الزمن عليه مازال كما هو طازجًا،بـ حلاوتهِ بينهما..رغم كونهما لم يُرزقان بـ أطفالٍ،إلا أن بذرة الخير داخل كلاً منهما جعلتهما يعتبران ابن كلاً منهما ابنهما سويًا. بهذا الحين كانت هناك ابتسامة بالكادِ تُلحظ فوق ثغر ياسمين ،وابتسامة عفوية تشكلت فوق محيا يونـس أيضًا. بعد سماعها الطرقات الخفيفة على الباب هتفت بينما تقوم بضبط شعرها المُسترسل بـ اهتمام شديد: _أُدخل. دلفت أمها،فارتفع حاجباها دهشةً حين وقع بصرها عليها وسألتها سريعًا: _انتِ لابسة كدا رايحة فين؟. أخذت تاليا أحمر الشفاه البُني ترسمهُ فوق شفتيها بـ حرفية شديـدة بينما تجاوِب: _رايحة فرح. _فرح وأنتِ لسه متعرفيش حد هنا..؟ أضافت لمستها الأخيرة وهي ارتداءُ الحذاء ذو الكعب العالي الذي أضاف إليها طولاً،ثم أردفت: _فرح ابن عمي يا ماما،هو الوحيد اللي عايش هنا. بعد لحظات هزت رأسها مُتفهمة وظهر عليها الاقتناع،وبعد لحظات أُخرى طرأت فكرة ما في عقلها جعلت وجهها يُشرق،وصارحتها به على الفور: _ايه رأيك تاخدي ياسمين معاكي؟ لم ترحب تاليا بتلك الفكرة؛ كون العلاقة بينها وبين ياسمين ليست وطيدة،وهي غريبة أطوار..فبالبـداية كانت تحاول خلق الأحاديث معها حين كانت تشاركها الغرفة لكنها مُنغلقة على نفسها،ومُكفهرة الوجه دومًا..إما شادرة،تظنها مغرورة،وإما لمَ هذه المُعاملة الجافـة؟. _أكيد يعني يا ماما هي مش هتعوز تيجي،يعني انا وهي مفيش بينا أي كلام رددت بـ اقتضاب،فـ ظهرت حيرة على وجهِ"سمية"التي قالت : _مهو عشان كدا بقول تيجي معاكي،هي انطوائية جدًا،لو راحت معاكي أكيد هتتصاحبو أي حاجة،م عاجبني حالها كدا . وافقت على مضض حتى لا تحزن أمها فقط،في حين شقت سمية طريقها إلى غرفةِ ياسمين الجديدة،ودلفت فـ وجدتها تنتهي من صلاةِ العشاء فـ تمتمت بـ حبور: _تقبل الله يا حبيبتي. _منا ومنكم يا عمتو. اتجهت تجاورها فوق السرير،وابتسمت بـ لطف قائلة: _تاليا رايحة فرح ابن عمها،إي رأيك تروحي معاها؟،تغيري جو بما إنك مخرجتيش من البيت من ساعة من جيتِ. رفضت ذلك وهذا كان بيّنًا على معالمها المُنكمِشة بانزعاج رفضًا لـ تلك الفكرة،وصرحت بـ ذلك متفوهه: _أنا مش عايزة أروح في مكان يا عمتو بصراحة،خليني أقعد فالبيت أحسن. لم تكف عن إلحاحها حتى نالت موافقتها المُرغمة بعد دقائق كثيرة من محاولاتها في إقناعها،حتى طرحت محاولاتها ثمارها ووافقت ياسمين على مضض،ورفض قمعتهُ سمية عمتها بـ ترجيها. لم تأخذ معها ما يُناسب مُناسبة كزفاف،لكنها أخرجت ثيابـًا ذات مظهرًا جميلاً،ولبقًا يُناسب الزفاف،واضطرت لـ وضعِ القليل من مستحضرات التجميل بعد اقتراح عمتها التي لم تستسغ ذهابها بـ وجهها الشاحب المصفر،والدوائر المُعتمة تلك حول عيناها،وكأنها جثة. .............. تجهَم وجه لُـؤي الواقف أمام مرآتهِ العريضة العا**ة لـ مظهرهِ بالكامل ،وبـ ملامح مُبهمة أخذ يضبط من ياقةِ قميصهِ السماوي،ويُعدل من هندامهِ المُتأَنق الواثق،ولكنه عن طريق الخطأ لمس الجرح الأعمق في ذراعهِ الذي لم يلتئم بعد ، فـ أص*ر تأوهًا مكتومًا بسبب عمق الجرح،وما لبث حتى استحالت عيناه إلى جمرتين من اللهبِ،تحرق كل ما تحطُ عليه. هو شخصًا شفاف،إن أحبك سيظهر حبه بازغًا كالشمس،وإن كرهِك..فـ في أقل إيماءةٍ منه سيظهر كرهك الكامن داخلهُ. واليوم..لن يع** ما يشعر به على تصرفاتهِ،رغم أن الجميع سيستطيع استنباط بما يشعر،ولكن ستكون أفعالهُ اليوم خير دليل على خطئِ فكرهم. أخذ هاتفه ووضعه على أذنهِ بعد الضغط على اسمِ يُـونس،وأتاه ردهُ،فقال: _انت فين؟ _أنا لسه واصل تحت بيتك حالاً،يلا أنزل. أغلق معهُ،وغادر شقتهُ ذاهبًا لابن عمهِ الذي سيضطر لـ أخذهِ معهِ اليوم؛ بـ سبب الدمار الذي حلّ بـ سيارتهِ . _انت كويس؟،زي ما قولتلك انت مش لازم انت.. خرج هذا السؤال القلق من فمِ يونس حين استشعر ما يموج داخله،لكن قاطعه الأخير : _متخافش يا يونس انا كويس،وبعدين لازم أروح..لازم أنقطهم بردو!. ثم ضحك فجأة،مما جعله يزفر سائمًا وخشيةّ داخله مما هو مُقدمًا عليه،تحديدًا أنه تلك المرة لا يستطيع توقعه،لكنهُ شيئًا ما متأكدًا منه أنه سيكون عليه تحمل نتائج أفعالهُ أيًـا كانت..هذا ما اعتاد عليه،أن يكون الأب لـ لؤي رغم فارق السن الصغير جدًا بينهما . بعد ثلاثون دقيقة تقريبًا ترجل كلاهما بـ ثقة مُتَشاركة،وكان في حضورهما إثارةلجدلاً كبيرًا بين الحُضـور،أليس غريبًا حضور لؤي ويونس الشواف وكلاهما كان خطيبًا للأُختين،والتي تكون أحدهما هي صاحبة العرس..؟!. ارتشفَ يونس القليل من العصير الكامن قبالتهُ،فـ سأله لؤي بـ ترقب: _مش هتروح تبارك؟ تبسم ساخرًا،وأجابه: _لأ روح بارك انت!. هز كتفيه بـ استسلام وخطَـى بعيدًا عنهُ حيث مجلسُ العروسين،فيما اقترب هذا الشاب الواقف بـ جوار يونس خطوة منهُ،وقال بعد هُنيهة بـ قلق: _هو لؤي باشا ناوي على ايه يا باشا؟،وهتسيبه كدا ازاي..؟ _لؤي مش صغير يا بشر،وانا زهقت من دور الأب اللي بقوم بيه دا..صحيح عمري ما هسيبه وهبقى جنبه في أي حاجة يعملها،حتى لو هو غلطان..بس مش هقدر أحسب كل خطوة بيعملها وأجبره على إنه يعمل حاجة،لازم يفوق من نفسه..ويعرف يميز. أجابهُ يونس بـ ابتئاسٍ مُستَشعرًا من نبرةِ صوتهِ التي يتخللها القلق الصادق على لؤي ذي ال*قل الصغير،حتى اخترق سمعهُ الصوت الأُنثوي الهادر بـ ذهول: _يُـونس!. لوى عنقه قليلاً حتى ذُهل هو الآخر من رؤيةِ تاليـا هنا..تقف مصدومة من وجودهِ،بل أنها بدت أحد الحضور بـ ثوبها الوردي الرقيق وتأنقها الواضح،فـ سألها على الفور بـ عينين مُتسعتين: _تاليا!،انتِ بتعملي ايه هِنا..؟ تضاعفَ ذهوله حين ظهرت ياسمين تلك،وهنا أجابته تاليا عفويًا: _العريس يبقى ابن عمي،انت بتعمل ايه هنا بقى؟!!. _بنت عم مين!!. كرر وكأن مدارك عقلـهُ ترفض استقبال جملتها الأشبه بالنائبة على رأسهِ،فـ كررت جملتها الصادقة في المقابل: _بنت عم سامر أبو الغيط،العريس يا يونس. أثناء ذلك توقف لؤي قُبالةُ العروسين ومادَّ يدهُ بابتسامة مُستفزة مُغمفمًا بـ صوتهِ المميز الذي تخلل سمعها: _ألف مب**ك!. رفعت عيناها المُزينتين بـ ألوان فاتحة ع**ت جمال حدقيتها،وشحب وجهها حين رأتـهُ غير مصدقة الجرأة التي لديه حتى يأتي إلى هنا في حفلِ زفافها!،أما زوجها فـ لم تدمُ دهشتهُ ثواني حتى وبابتسامة مستفزة كذلك يُغلفها البرود صافحهُ ببطء متعمد قائلاً على وتيرة بطيئة: _الله يبارك فيكءوعقبـالك. بادله النظرات بـ أُخرى عدوانية كارهة،وحاقدة إلى أقصى حد،ثم انتشل كفهُ ووجهه في وجهِ صفا العروس التي لازالت مُندهشة،وما لبث إلى أن تحولت نظراتها إلى أخرى غير مفهومـة،شفراتها يصعُب فكها سوا من شخصٍ يحفظها كاسمه،شخصٌ كَـ لُـؤي!. صافحتهُ بهدوء،وأشاحت ببصرها عنه سريعًا فيما غرز سامر أصابعهُ في لحمِ كفهِ بـ كمدٍ مكبوت،وحيرة..فـ كيف هو حيّ إلى الآن؟!،بالتأكيد قدومهِ اليوم ما هو إلا رسالة،يريد إيصالها إليه. وقعت عيناه الضيقتان فوق كفها الساكن منذ كثير من اللحظات داخل كف لُؤي،فـ ضغط على مرفقها دون أن يراه أحد ساحبًا ذراعها للخلف،وبالتالي فارقَ كفها يده. على الطرفِ الآخر مازال يونس يحاول استيعاب ما تفوهت به تاليا للتو،ابنة عمهُ!،ابنة عم سامر..!. أتى لؤي إليهم،فـ رمق الفتاتين بـ استغراب وسألَ يونس بـ عينيه هويتهما،لكنه لم يكن معهُ حتى؛ لـ تُردف تاليا: _أنا هروح أسلم على سامر وعروسته. ثم أخفضت صوتها موجهة سؤالها لـ ياسمين الشاردة : _تيجي تسلمي عليهم معايا؟. _لأ لأ،انا مبحبش أسلم على حد معرفوش..هَرجع للترابيزة. أجابتها بـ هدوء،فـ أماءت لها موافقة وذهبت في طريقها إلى مقرِ العروسين،والأخيرة عادت لـ طاولتهما،وجلست تتكئ على قبضتها بـ خدها شاردة،تتخيل لو أن تزوجت هي الأخرى،وعماد،لطالما حلِمَت بـ ذلك كثيرًا..لربما لولا ما حدث بالأخير،لـ كانت في هذه اللحظة خطيبته،لَربَـما. _مين اللي كانوا واقفين معاك دول؟!. سألهُ باستغراب،فمرت لحظات حتى تلقى الإجابة من يونس مصحوبة بـ تنهيـدة حارة: _دي تاليا أختي اللي قولتلك عليها،واللي معاها بنت عمتي. قطب لُؤي حاجباه اكثر،وسألهُ بـ تحفز: _وبيعملو إيه هنا؟،انت عزمتهم ولا ايه انا مش فاهم!. أخذ نفسًا عميقًا اختزنه داخلهُ مُستعدًا لـ إلقاءِ المفاجأة عليه كما أُلقيت عليه: _ماهي تبقى بنت عمه،تاليا.. ......................... منزل العروسين الحديث يكمُن قريبًا جدًا من الفُندق الفخم المُقام به الزفاف،وطبيعة الڤلل بـ هذه المنطقة:أن تكون هناك مسافة نوعًا ما كبيرة بينها وبين بعضها،وبينما انتهى الزفاف واتجه كلاً منهما للسيارة المُزينة بـ باقة ورود في مُقدمتها. أفتر ثغر سامر عن ابتسامة فيما يقوم بـ فتحِ الباب بـ نُبلٍ لـ عروسهِ،بـ هذه اللحظة تحديدًا وقع على مسامعِ أغلب الموجودين صوت انفجارّ جعلهم يرتعبُـون،وينكمشون على أنفسهم بـ خوف؛ لـ تخرج زفرة ضجرة من فمِ سامر،هو لا يهتم بصوتِ الانفجار وأسبابه،لكن ما سرق انتباهه هو الأدخنة المُنبعثة من اتجاهِ يعملهُ جيدًا،فـ هز رأسهُ ناهرًا نفسه على ما توصل إليه عقلهُ مُقنعًا نفسه بأنها أوهام. أخذ الهاتف يص*ر رنينًا باستمرار دون كلل،حتى أخرجه من جيبهِ مجاوبًا بـ نفاذِ صبر بينما يُغلق الباب السيارة بعد دخول صفا الشاحب وجهها بعد سماع الصوت المدويّ،وعبر الهاتف وصلهُ صوت لهاث حارس البيت يقول بـ نبرة باكية،مُرتعدة: _إلحقنا يا بيه،البيت ولع يا بيـه!. وقع الخبر عليه بـ مَثابةِ سكب دلو ماء مُثلج فوق رأسه على حينِ غرة،حتى أنهُ أخذ ثواني تحت تأثير صدمته بالفاجعة التي حدثت،حتى استجمع شتات نفسهُ وهدر بـ صوت جهوري أقلق تلك الكامنة داخل السيارة: _انت بتقول إيـه يا زفت انت!!. _والله العظيم دا اللي حصل يا بيه،البيت ولع ومبقاش فيه حتة متفحمتش. صوته الباكي جعلهُ يدرك أن ما يقوله هو الحقيقة،فـ التفت عفويًا لـ يرى الأدخنة السوداء المُتصاعدة في الأُفق،وأغلق دون شعور منهُ وبصره لا يحيد عن البيت الذي وضع فيه كل ما يملكهُ من مال،وادخر من أجلهِ الكثير،وبعد دقائق وصلته رسالة بـ صوتها المميز،ففتح الهاتف بلا رغبة لـ يرى،فـ كانت رسالة من لُؤي الشواف نصها يقول: _اعتبرها نقطتك يا كبير،ألف مب**ك مرة تانية. ونقطة في نهاية الجُمـلة.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD