_رواية عتمة الياسمين_
_الفصل الـخامس_
__________________________________
الاشتياق يتغلغل بـ فؤادها بـ قوة،لم تسمع صوتهُ منذ اليوم المشئوم،ولا حتى رأتهُ..وهاتفها مسحوب منها مِن قبلِ أخيها.
هبطت دمعة خائنة على وجنتها مُفكرة:أيُمكن أن يتركها بعد أن يعرف بما حدث لها؟،وأن هناك شيئًا مهمًا جدًا فقدتهُ على غفلة،كيف ستكون ردة فعله حيال ذلك..؟،ماذا لو غادرتها ونبذها بعيدًا عنه كما فعل أخوها وهو أقربهم إليها.
هزت رأسها رافضة تلك الفكرةب بشدة موقِنة من أن عماد سيصدقها،وسيتجاهل الحادث..وما يُهمه هي فقط،وأن تكون زوجة له،حتى وإن كانت ستكون زوجة غير طبيعية رُبما.
لم تتفاجأ من فتحِ الباب على حينِ غُرة بـ قدر تفائجها مِن رؤيتها لـ صلاح الذي بـ لحظة أحضر الحقيبة المليئة بالأتربة كونها مُلقاة منذ أشهر بـ جانب قولهِ بـ إيجاز :
_خمس دقايق وتكونِ لميتِ هدومك،وتلبسي..بسرعة.
أنهى جملتهُ حين رآها تهم بالاستفسارِ وهو مُتعجلاً،وخرج ينتظرها حتى تنتهي فيما زفرت ياسمين بـ حيرة،وبعد لحظات من التفكير وثبت تأخذ بلا اهتمام ما أسفل يداها،وارتدتهُ ثم عقبت بـ لملةِ القليل من ثيابها تاركة الكثير،فـ أضاءت فكرة ما في عقلها..وربما تكون هي سبب أمره لها،طفت الدموع بـ مآقيها،سـ يتركها لهم بـ هذه البساطة،بل ويبدو مُتعجلاً على التخلصِ منها،اقترب أجَلها للأسف،أسفًا فهي لم تودع أحدًا من أحبابها بعد..لا عماد،ولا فُتنة.
توقعت أن تجدهم بالخارج،لكن الصالون خاليًا سوا من صلاح المُرتبك بـ طريقة عجيبة..لم تجرؤ على سؤالهِ،واخفضت بصرها بـ نظرات مستسلمة يائسة،فـ قال صلاح مُتأففًا :
_كُل دا عشان تخلصي،إلبسي أي حاجة في رجلك يلا خلصي .
همت بالسؤالِ لكنه منعها بـ قولهِ بـ حنق:
_من غير ما تسألي اخلصي.
أخذت تفعل ما طُلب منها مُرغمة غير فاهمة لـ شيء مما يدُور حولها بينما القى صلاح نظرة عليها،وأشاح نظرتهُ بعيدًا مُتأففًا بـ مضض مُتذكرًا ما فعلهُ مساء البارحة.
أخرج صلاح دفتر قديمًا..ذات الدفتر الذي أحضرته ميادة مُسبقًا،واخذ يُقلب الصفحات بـ عينين مُدققتين مُتمنيًا فقط لو يجد ما يبحث عنهُ حتى لمعت عيناه بـ وميض متلهفٍ مُبصرًا ما يبحث عنهُ،فـ أخذ الهاتف وبسرعة ضغط على الأرقام ووضع الهاتف عند أذنهُ ينتظر الرد من الطرفِ الآخر بـ أمل يتمنى لو لا يخيب.
_مدام سُمية النجار معايا..؟!.
سأل بعد برهة حين تلقى الإجابة،فـ أجابته المرأة باستغراب:
_أيوا اتفضل مين معايا.؟
انشرح ص*رهُ،وتجلت الراحة على وجههِ،فـ تخلى عن أسلوبهِ الجديّ رادفًا بـ لهفة:
_انا صلاح يا عمتي مش فاكراني؟!،انا صلاح ابن أخوكي منعم..
مرت لحظات قليلة جدًا،حتى تكلمت"سُمية"بـ نبرة أصبحت كـ نبرته:
_صلاح..يا حبيبي يا ابني،عامل ايه،بقالي أدد ايه مشوفتكش بس..أُعذرني يا حبيبي والله انا نسيتك خالص،واختك الصغيرة عاملة ايه..؟
لـ شوقها وغبطتها بـ مُكاللمةٍ كهذا أعادتها للركنِ الأحبِ في ذاكرتها لم تنتبه لكمِ ما تفوهت به،حتى قال الأخير:
_بخير يا عمتي والله،المهم حضرتك تُكونِ بخير..
_بخير لما سمعت صوتك يا صلاح،انا لازم اشوفك..قولي انت فين وانا أجيلك .
_تنوري يا عمتي،بس الحقيقة أنا طالب منك خدمة.
أتاه صوتها عبر الهاتف فور انتهائهُ يدفئ القلب وهي تقول:
_خدمة بس يا حبيبي،انت تؤمرني.
بعد بُرهة من الزمن تمتم بـ شرود وتردد يغلب عليه:
_تسلم عينيكي ..الحقيقة يعني انا مسافر،وهاخد مراتي وعيالي معايا،وياسمين..مش هقدر أخُدها عشان دراستها..فـ انا مش عارف الحقيقة ممكن تقعد عند مين لحد ما ارجع،وحضرتك جيتي في بالي،خصوصًا أن علاقتنا مقطوعة بـ عيلة أمنا،حضرتك بس اللي فاضلالنا.
لم تمر ثانية وتلقى ترحيبًا شديدًا،ولهفة من عمتهِ سُمية للقاءِ أختهِ،وحين علمت بـ أنها ستأتي في صباح الغد تهللت أساريرها،وأراحت هكذا بـ ردة فعلها قلبهُ المُلتاع،وعقلهُ الضائع في دروبِ الأفكار والعجز.
عاد من شرودهِ على صوت ياسمين الخافت وهي تقول:
_أنا خلصت.
_يلا..
غمغم بها وفتح الباب،ونظر لها نظرة مفهومة فـ خرجت معهُ،وكونها لا تفهم ما يفعلهُ فـ قد توجست،والفكرة نفسها تتلاعب بـ رأسها،وهي الاحتمال الأقرب بالفعل...وإلا لمَ سيُخرجها من البيت هكذا مع حقيبة ثيابها..؟!.
يعلم صلاح أن الطريق من هنا حتى بيت عمتهُ التي أخذ عنوانهُ منها طويلاً،والعائلة قاربت جدًا على الوصول ويجب أن يكون موجودًا؛ لاختلاقِ حجة مناسبة لاختفاءِ
ياسمين ،وإلا ميادة هي مَن تستقبلهم..وهذه الغ*ية ستشي بـ كلِ شيء دون حتى سؤالها.
_هو في ايه يا صلاح؟!،وانا هروح فين..؟!
سألتهُ بعد نفاذ صبرها،فـ راقب صلاح سيارة الأجرة التي على شفا الوصول بـ هاتفهِ،وأجابها بـ صوت جاف:
_هتروحي عند عمتك سُمية،مش عايزك تقوللها اي حاجة..هتقوللها إني مسافر وهاخد مراتي وولادي معايا،وانتِ عندك دراسة مش هينفع تسافري معانا،متزوديش حرف..!.
لم تفهم بعد لمَ تذهب لـ عمتها هي حتى لا تتذكرها،ما الذي يُخفيه عنها..؟،قُبيل انطلاق السؤال من ثغرها أوفضت السيارة أمامهما فـ أسرع أخوها بفتح الباب مُرددًا بحدة:
_يلا اركبِ خلصي.
فعلت ذلك،وأغلق الباب ولكن نظر لها مُترددًا عبر النافذة المفتوحة،ثم أخرج هاتفها مِن جيبهِ وألقاه في حجرها دون النبس ببنتِ شفة،وأخرج عدة وريقات أعطاها للسائق الذي أخبرهُ بها مُسبقًا،وغادر بخطوات سريعة..وانطلقت السيارة،فـ منعت نفسها من البكاء بـ صعوبة،فـ هو حتى لم يودِعها،ولم يشرح لها شيئًا..وكأنها دُمية،عليها بالتنفيذ فقط.
انقضت ساعتان ونصف حتى توقف السائق أمام البيت المنشود بالضبط،ولأنها لم تكن على علمٍ بـ ذلك فـ إنه أخبرها:
_هو دا البيت يا أنسة.
_شكرًا.
همهمت بها فيما تفتح الباب،وتترجل..نظرت للبوابة الصغيرة المُغلقة بـ تردد،وشعور بالارتباك يغمر خلاياها،رفعت إصبعها تضغط على الجرسِ مرة واحدة فقط وقصيرة،فـ أقدم الحارس وفتح لها الباب ثم ألقى عليها نظرة فاحصة دون إفساح لها الطريق،وسألها فورًا:
_أؤمري يا ست..؟!.
تعلثمت لو تعرف بماذا تجببهِ..فـ هي الآن مُقدمة على مقابلة مرأة من المفترض أنها عمتها،وحتى وجهها لا تتذكرهُ،بل وستمكث معها فترة لا تعلم كم ستكون.
_انا..انا،سمية تبقى عمتي.
تغزه الشك بـ شأنها،وتعلثمها ذاك،فردد:
_لامؤخذة يا ست بس لازم أخذ إذن من المدام الأول.
هزت رأسها موافقة،فـ ذهب عنها لـ ثلاثين ثانية،وعاد فاتحًا البوابة على وسعها لـ تعبر مرددًا عبارات ترحيب كثيرة،فـ عبرت إلى الداخل وما هي ألى خطوات قليلة ووجدت نفسها تقف قُبالة عمتها عند الباب الداخلي والتي أخذتها بـ أحضانها على الفور مرددة بابتسامة مُتسعة على آخرها:
_يا أهلاً يا ياسمين يا حبيبتي..عاملة اي يا حبيبتي؟.
سكِن قلقها كذلك توترها بعد شعورها بالحب والحنوا النابع من تلك المرأة،وبعد لحظات رافقتها إلى الداخل، وتاليا جالسة على الأريكة تُشاهد مسلسل تركي مميز لديها،حتى انتبهت لـ تلك الضيفة فـ نهضت وسارت لـ كلتاهما بعد مُناداة سُمية لها،ووقفت بجانب ابنةِ أخيها مُعرفة بـ ابتسامة:
_دي ياسمين يا تاليا بنت أخويا،ودي تاليا بنتي يا ياسمين.
صافحتها بـود.بدت تاليا لها فتاة مُفعمة ببهجة تستطيع استشعارها عبر عيناها المتوهجة بالحماس المُناسب لـ سنها الذي يبدو صغيرًا ومقاربًا لها،بعد دقائق أخذتها سُمية لـ غرفة تاليا ودعتها للدخول مُتحدثة بابتسامة:
_بصي بقى يا ياسمين،دي أوضة تاليا..هتقعدي فيها كام يوم مش أكتر،لحد ما تيجي الست اللي بتساعدنا في التنضيف تنضف الأوضة اللي هتقعدي فيها وتظبطها معانا.
أومأت والحرج يطفوا على عقلها..تحس وكأنها ضيفة غير مرغوب فيها رغم أن ما تراه من تصرفاتٍ ع** ذلك تمامًا؛ لـ تَشكُرها بـ امتنان صادق:
_أنا متشكرة أوي ليكي يا عمتو،أنا عارفة اني هزعجكم..بس لحد ما بس ما صلاح يرجع من السفر.
أنهت جملتها بـ خفوت وكأنها تُداري الكذبة التي لا تعلم بعد سببها فيما أردفت عمتها بـ سرعة وانزعاج مما قالته:
_انزعاج ايه يا ياسمين!،دا انتِ بنت أخويا ولو عليا نفسي تقعدي معايا العمر كله..دا انا اللي مفروض أعتذرلك انتِ وأخوكِ على تقصيري في حقكم، وإني مسألتش عليكم الفترة دي كلها.
ابتسمت بـ خفة،لـ ترشدها بعد ذلك للمرحاض الصغير الموجود بالغرفة إن كانت ترغب به،ونصحتها بالنومِ والراحة بعد هذا الطريق الطويل الذي قطعتهُ في الوصول إلى هنا،وخرجت وتركتها ترتاح بعد دقائق .
أزالت ياسمين الحجاب عن شعرها البُني المُتغلغل به حمرة الحناء فـ أضفت عليه جمالاً،وأخذت تتأمل وجهها في المرآة المُعا**ة..مُتأملة ما آل إليه حالها،وكيف غدت بين ليلة وضحاها ياسمين أُخرى لا تعرفها،ولا تتقبلها..كيف خسرت ثقة أخيها،رغم أنها مظلومة،ولكنه لا يسمعها..وهذا أكثر ما يوجعها.
أخذت تُريح بالها عن طريق الصلاة بـ خشوع،والدعاء لـ ربها أن يفكُ كربها عاجلاً غير آجلاً.
** ** ** **
فشل لُـؤي في ضبطِ انفعالاتهِ اليوم والظهور بـ مظهرِ البارد،والجاهل بما يُحاك له خلف ظهرهُ..فـ بدأ عصبيًا،وصوت زعيقهُ يصل لـ آخر الممر المؤدي لـ مكتبهِ على أتفهِ الأسباب،حتى رن الهاتف الخاص بالسكرتيرة بالخارج فـ فتحهُ لتقول بهدوء:
_مستر لؤي،أنسة چيهان برا وعايزة تشوف حضرتك.
جز على ضروسهِ بـ غيظٍ مستعر مكتوم داخلهُ وهو يقول:
_خليها تدخل .
وأغلق،بـ ذاتِ اللحظة التي دلفت فيها امرأة تكاد تتخطى السابعة والعشرين..تسير الخيلاء ناظرة له بـ استعلاء وكأنه حشرة لا يساوي شيئًا لديها،وكأنها المَالِكة لـ كلِ شيء..هي وفقط.
ردد بـ استهزاء رافعًا حاجبه:
_بنفسك جاية تشرفيني!.
خلف أهدابها استكانت نظرة عدائية تُحركها خيوط الكُره الباطني..لهُ هو تحديدًا،ورفعت بطاقة دعوة مطرزة نصب عينيه،مُتحدثة ببطء وكأنها تتلذذ بوقع ما سَتقوله عليـه:
_جاية أعزمك..دا كارت دعوة لـ فرح صفا،وسامر..لازم تيجي يا لؤي،مهما كنت إننا مننا وعلينا بردو!.
نشبت النيران بـ يُسرٍ شديد فيه،واستطاعت جعلهُ يتلوى من كلِ المشاعر السيئة..الغيرة والألم والندم،لطالما كرهتهُ وفعل هو المثل..كانت تنتظر فقط إثبات كونهُ الشخص السيء الذي لا تستحقهُ أُختها،وبـ غبائهِ هو أثبت ذلك على نفسهِ .
_على أدد الندم اللي ندمته لما اختارتني،هتندم أكتر على اختيارها دلوقتي.
تمتم بها بـ أسنانٍ مطبقة،كاتمًا ما يشعر به داخلهُ هو فقط..لا يستطيع الإفصاح عنهُ،ولا يدرِ كم هو شفافًا لـ امرأة كـ چيهان التي تقلصت تعابير وجهها الفاتنة،وتمتمت في المقابل بـ احتداد:
_عمرها..عمرها ما هتندم على حاجة أدد ندمها عليك أنت يا لؤي.
استرعى انتباههما فتح الباب ببطء،وظهور يُونس الذي لم يظهر عليه دهشة بوجودها هنا..فيما لمعت عينا چيهان بـ وميض مختلف،ومُناقض للنظرة السابقة،حتى لم تشعر بنفسها وهي تتأملهُ هكذا بـوضوح حتى قال يُونس بسكون:
_أهلاً بيكي يا چيهان.
أشاحت چيهان نظرها سريعًا عنهُ عائدة لـ طبيعتها الجامدة،ثم قالت بـ برود:
_فرح صفا وسامر بعد اسيوع أتمنى تشرفونا يا يونس،عن أذنك..
_اتفضلي.
قالها ببرود مماثل،وجلس على الكرسي الجلدي بـ ذاتِ اللحظة التي خرجت فيها،ودون كلام أخذ الدعوة وتلاعب بها بـ أصابعهِ هادئ الملامح حتى سألهُ لؤي فجأة:
_يونس انت كنت عارف؟!
اصطنع عدم الفهم،وجعد حاجبيه مُتسائلاً:
_عارف ايه؟
_عارف إن فرح سامر على صفا بعد اسيوع يا يونس.
أردف بـ نفاذ صبر غير مُستسغًا ممتالطتهُ في إعطاءهِ إجابة يخشى أن تكون كما تصور.
_أه كنت عارف
اعترف يُونس مُتن*دًا،لـ ينظر له ابن عمه بـ دهشة استحالت لـ ضيق عظيم،وسخط بزغ في نبرتهِ حين هدِرَ بـ حنق:
_عارف!،وازاي تخبي عليا حاجة زي دي!،كنت مستنيني لما أتفاجأ يوم الفرح صح؟!.
مسِدَ يونس جفونهُ،ومازال على حالتهِ الهادئة تلك،فـ خزان صبره على تصرفات لؤي وحديثهُ الذي يكون غاضبًا وبنية للشجار لا ينفذ؛ لـ يردد:
_لأ مكنتش مستني لما تعرف يوم الفرح،عشان ردة فعلك اللي هتبقى غ*ية ومفيهاش ذرة عقل!.
_انتَ ناوي تجننـي!،ليه محسسني أن الموضوع مفيش أسهل منه عليا!.
هدِر بها لـؤي وبـ حرقة،وألم ملموسين بـ صوتهِ،مما جعل الأخير تتقلص معالمهُ بضيق حقيقي لـ أجلهِ فـ هو مُضطرًا أن يراه هكذا يُعاني من الألم الصامت مُتأنيًا اللحظة المُناسبة التي سيقول له فيها أنه أخذ انتقامهُ بالفعل.
أطلق زفيرًا حارًا عقبهُ بالقول:
_لأ انا عارف ان الموضوع مش سهل عليك،عشان كدا مكنتش عايز أقولك..ابقى معنديش ذرة ندم،ولا إحساس لو جيت قولتلك بـ بساطة فرح خطيبتك على عدوك بعد اسبوع يا لؤي..عشان كدا بلاش تروح،وانا هروح أملا مكانك .
تجلت نظرة غريبة غير مفهومة في زرقاويهِ بينما يرد بـ نبرة هادئة غريبة برد قاطع:
_لأ مش هتروح،أنا اللي رايح..خليني أباركلهم في يوم مميز زي دا.
** ** ** **
مع حلولِ القمر في السماء استيقظت ياسمين من غفوتها ذات الساعات الكثيرة معوضة الأرق الذي عانت منه،وسـ تُعاني بعد.
خرجت من غرفتها متجهة الأسفل..فـ هي ترى أن من الوقاحة نومها كل تلك الساعات،ولم تجلس مع عمتها ولو قليلاً.
أخذت تبحث عنها لكنها لم تجدها،وهتفت باسمها ولم تجدها كذلك،فـ همت بعودة أدراجها حيث الغرفة لكنها توقفت حين لمحتها من الشرفة السُفلية بالصالون،تجلس فالحديقة ذات المساحة المتوسطة على الأرجوحة الأشبه بالأريكة وفي يدها هاتفها تتصفحهُ باهتمام.
خرجت إليها بعد لحظات،وتمتمت مُبتسمة بينما تقف قُبالتها:
_مساء الخير يا عمتو.
رفعت نظرها إليها على الفور،وانزاحت قليلاً للجانب مرددة بابتسامتها الواسعة:
_مساء النور يا حبيبة عمتو،تعالي أقعدي جنبِ.
قعدت بـ جوارها،فـ أسرعت"سمية"تقول مُتذكرة:
_صح،انتِ مكلتيش حاجة من الصبح..انا هقوم أحطلك الأكل.
هزت رأسها نافية فَاقِدة شهيتها،وقالت بصدق:
_تسلم إيدك يا عمتو بس انا مليش نفس.
رفضت ذلك بـ شدة هازة رأسها باستنكار وضيق قائلة:
_ملكيش نفس ايه!،لأ لازم تاكلي..انا هقوم أسخنلك الأكل.
كررت رفضها،لكن سُمية لم تُلقِ لها بالاً،ونهضت تتجه للداخل حيث المطبخ تحضر لها طعامهـا،وبقت ياسمين وحيدة جالسة على الأريكة الهَزازة
بـ هذه الأثناء كان يُـونس يصتف سيارتهُ خلف المنزل،ويترجل منها مُتجهًا للبوابة مُخرجًا مفتاحه الخاص ليقوم بـ فتحها ويدلف،فـ رأته ياسمين رغم بُعد المسافة واستطاعت الاستنباط أنه ذكرًا،فـ رفعت بـ سرعة وشاحها الفاتح فوق شعرها تُداريه فاطنة أنه بالتأكيد أحد افرادُ البيت،ربما هو ابن سمية ،وربما يكون زوجها لا تعلم،ولكن بالتأكيد ستتحرج حين يراها ويسالها هويتها.
أطلقت زفيرًا مُتوترًا حين أبصرتهُ يقترب،فيما تقاربا حاجبي يونس في استغراب عندما رأى الغريبة الجالسة في الحديقة بـ أريحية،وسارع خطاه نحوها..من الطبيعي أن يذهب لـ سؤال غريبة في بيتهِ عن عملها هنا.
_انتِ مين يا أنسة؟!.
سألها ببعض الوقاحة،فـ رفعت عيناها إليه حتى تسنح لها الفرصة للوصول لـ قامتهِ الطويلة،وعفويًا ضبطت الوشاح فوق رأسها،ثم بللت شفتيها مُجيبة بـ توتر طفيف :
_عمتو سُمية،انا بنت أخوها..
_عمتو..!.
كرر بـ ذهول مع ارتفاعِ حاجبيهِ المُرتبين،لكنهُ تدارك نفسهُ وقال بسرعة:
_آه،اهلاً وسهلا ..نورتي يا أنسة.
وغادر بخطاهِ السريعة؛ لـ تشعر حينها ياسمين بـ كونها ليست مرحب بها بالنسبةِ إليه..فـ تناغص جبينها بـ ضيق.
بينما أوقف يونس سُمية قُبيل خروجها حاملة صنية فوقها أنواع أطعمة شهية متنوِعة،فـ قال:
_ثانية يا أمي.
_اي يا يونس،خش يا حبيبي غير هدومك أكون حضرتلك الأكل..
_سيبك من الأكل،في بنت برا بتقول إنها بنت أخوكِ.
قالها ببعض الغباء..وكأنه يتأكد من أقوالها؛ لـ تضحك سمية بـ خفة مرددة:
_أه يا يونس دي ياسمين،بنت أخويا بجد متخافش.
تَحرج بعض الشيء لكنه أماءَ مُتفهمًا،وتخطاها صاعدًا غرفتهُ،وشقت الأخيرة طريقها للعودة لـ ياسمين.
_شوفتِ يونس؟.
سألتها بينما تضع الصنية فوق الطاولة الزجاجية المُستديرة،فـ أجابتها بـ إيماءة بسيطة؛ لـ تـردف سُمية:
_يونس دا بقى يبقى ابني،من جوزي التاني إبراهيم.
لم تكن ياسمين على علمٍ بأن عمتها متزوجة لـ مرتين،ولـ هذا فإنها ناظرتها مُتسعة العينين مُتفاجئة للحظات،ثم ما لبِثَت أن تداركت نفسها وسألتها:
_وتاليا؟،أخته صح..؟
_لأ تاليا بنتي من جوزي الأولاني،ربنا يسامحه على اللي هو عمله..
لم تسألها عن فعلتهِ المُبهمة،فـ لا يجب أن تكون فضولية،وتسأل عما لا يخصها؛ لـ تحثها"سُمـية"على الأكلِ بعد انتباهها له:
_الأكل هيبرد،يلا كُلِ.
** ** ** **
بالكادِ أرشدتهِ أنوار سيارتهُ في الطريق الوعر المُحاط من جانبيهِ بـ أرضٍ زراعيه وهذا هو الطريق البعيد الذي أرشدهُ إليه يونس ، راقب لُـؤي بـ قلق البنزين الذي بدأ في النفاذ ،وبدأت ض*بات قلبهُ تتسارع والسيارة سُرعتها تبطؤ تأثُرًا بالبنزين ، أخذ نفس عدة مرات وحبسهُ داخل ص*رهُ قُبيل أن يفتح الباب ويُلقي بـ نفسهِ على الأرضِ الزراعية مُتدحرجًا فوق الأرض الطينية،والعشي الطويل قليلاً.
بمسافة بعيدة قليلاً جدًا انفجرت السيارة مُندلعة بها النيران المُتوهجة بـ لونها الحارق في هذا الظلام فور توقفها،وكأن كانت هناك قُنبلة مزروعة داخلها،فيما أخذ لُـؤي يئن مُتأثرًا بـ جروحهِ الناتجة من قفزتهِ المتهورة،التي لولاها لـ خسر حياته.
عانَ معاناة قاسية حتى أخرج هاتفه من جيبهِ،فـ رأى كيف ان**رت شاشته النصف..ولكن رائع فهو يعمل على الأقل،أخذ دقائق عصيبة حتى أرسل موقعهُ لـ رقمٍ ما مُدون بـ بِـشر.