الفصل الأول

3134 Words
_________________________________ وقت الظهيرة تقريبًا؛تحديدًا الساعة الواحدة و النصف كانت أشعة الشمس المُنكبة على كوكب الأرض في أوج حرارتها كما المُعتاد في شهر حُزيران،و على أثر هذا الحر تململت في فراشها مُنزعجة و هي تمسح م***ة عُنقها المُبتل و لم تلبث أن فتحت عينيها رامشة مُتضايقة غير مُتحملة لـ هذا الحر الشديد. إستعادت وعيها سريعًا فـ جلست على سريرها و نظرت لـ أعلى حيث المروحة المُعلقة في سقفية غرفتها الصغيرة؛لـ تجز على أسنانها غيظًا و غضبًا ثم نهضت و إتجهت صوب مرآة الزينة العائدة لها و ضغطت على مُفتاح الكهرباء الذي يُجوارها و هي تهمس بـ بقايا نُعاسها: _ربنـا يـسد عنك الهوى زي ما بتطفي عليا المَروحة كُل يوم كدا يا بنت بياع اللبن.. كانت تمتمها غاضبة كَحالها و هي تشاهد المروحة تَزيد سُرعتها تدريجيًا حتى عادت تَشعر بـ تلاشى الحر و تلاشي حبات العرق عنها فـ عادت لـ سريرها تتسطح فوقُه دافنة وجهها في الوسادة مُحاولة العودة لـ سُباتها. و بـ خارج الغُرفة،و تَحديدًا في المطبخ الخالي سوى من ميادة التي كانت تتصبب عرقًا و هي تقف أمام الموقد تتنقل بين الأواني مُنذ ساعتين..ضغطت على شفتيها و قد طفح كيلها فـ هذه التي بـ الداخل لن تستيقظ على ما يبدو؛لـ تخرُج من المَطبخ و تسير لـ غُرفتها. دلفت مَيَادة تستشيط غضبًا منها و صاحت بـ حدة: _يـاسـمـيـن..يا ست الحُـسـن،قـومي ساعديني بدل ما تطفحي ببـلاش.. إنزعجت ياسمين بـ شدة بعد أن كانت على شفا الغرق في النوم و حاولت أن لا تُبدِ إهتمامًا لها و تتصنع النوم.لكن الأُخرى لم تكُن تنوي تركها كَعادتها في عَدم ترك ثغرة تُساعدها في نَشب عراك بين" ياسمين و أخيها..حينها لم تتحمل الأخيرة و نهضت مُستشاطة منها و صاحت بـ إنفعال: _هو أنتِ مش ناوية تسيبيني يوم أتخمد من غير متسمعيني الإسطوانة بتاعتك دي؟!! أوشكت على الرد عليها و قذفها بـ أب*ع الشتائم التي لا يمُر يوم إلا و بصقتها من شفتيها لكن مَنعتهاياسمين و هي تَدفع جسدها السمين و تمُر من جوارها مُتجهة صوب المِرحاض؛لـ تختفي خلف بابه أمام أنظار ميادة التي حدَقت في أثرها بـ عينان مُحتقنتان و هي تهمس بـ غِلٍ: _بقى انا بت مفعوصة زيك تعمل معايا كده؟!،طبعًا مانتِ بنت******،بس مبقاش أنا إن ماوريتك..! ثم رحلت بـ هدوء ع** ثورتها مُنذ قليل،و لكن عن ثورتها القادمة فـ لا يعلم بها أحد سواها. قضت ياسمين في المِرحاض حوالي خمسة عشر دقيقة إغتسلت فيهُم و رطبت بشرَتها بـ الكريمات الخاصة بها التي تَركت فيه وجهها و يديها رائحة جوز الهند ثم خرجت. ................. ساعة تقريبًا إحتاجَتها لـ تتجهز فـ انهت ربط حذاءِها و نهضت ممسكة بـ حقيبتها ذات اللون الأ**د مُتجاهلة رنين هاتفها بـ توتر حاولت إخفائه حين إستشعرت إنتباه ميادة لها فـ أسرعت بـ غلق هاتفها نهائيًا كما أسرعت في خُطاها لـ باب المنزل و قبيل أن تُدير المقبض كان الباب يُفتح الباب و يطل ش*يقها من خلفُه و قد بدا مُتجهمًا و حزين بعض الشئ فـ اثار بـ هذا قلقها كما مَيَادة التي تركت ما في يدها و هرولت لـ تكون أمامُه و هو يُلقي بـ جسده فوق الكُرسي. _إيه دا يا صلاح؟؟،اول مرة ترجع بدري كدا ! سألتُه زوجتُه بـ إستنكار و دهشة كذلك و إنتظرتا الإجابة منهُ في قلقٍ حتى قال هو: _أتا إترفدت من الشُغل!. _نـعـم!! صاحتا بهما مَصدومَتين..فـما يقولُه لا يُمكن أن يكون حقيقيًا..فصلاح هو مص*ر إستقرارهما هو..بـ دونُه لا تستبعدا النزول لـ أقصى درجات الفقر..بـ هذه اللحظة لم تتحمل ياسمين أن رفد أخيها من الممكن أن يتسبب في توقف تعليمها فـ و بدون إطالة تفكير خرجت من الشقة صافقة الباب خلفه و تركتهما.. فور ذهابها توترت مَيَادة فـ هي لم تجد ما تقولُه و ذهاب تلك الحمقاء وضعها في مأزِق؛لـ تتصنع الإبتسام بـ توتر ثم قالت مُتعلثمة: _ و لا يهمك يا حبيبي..إنشاءالله تلاقي شُغلانة أحسن منها..خُش ريح إنت بس شوية و هتلاقي الأكل جاهز..دا انا عملالك بقى مَحشي بتنجان إنما إيه،تـ آآ.. قاطعها بـ نهوضه و هو يقول مُتعبًا حزينًا: _خلاص يا مَيَادة..أنا داخل أنام.. و أنهى حديثُه بـ إبعاد ناظريه عن الباب و قد تفاقم الحُزن داخلُه لـ فعلة ش*يقتُه التي خيبت أمالُه فـ هو ظَن أنها سـ تقف بـ جواره و لن تترُكه و ها هي خذلَتُه فـ لم يتحمل البقاء أكثر داخل شَرنقتُه التي لا يستطع الخروج منها؛لـ يقرر النوم علُه يهرُب من أفكارُه التي تُطارد عقلُه. ........................ كانت ياسمين شاردة طوال الطريق من بيتها إلى جامعتها حتى أنها لم تنتبه للـ سائق الذي بدأ في الغضب و هو يُخبرها للمرة الرابعة بـ صوتٍ أعلى: _يا آنـسـة وصـلـنا يا آنـسـة على أثر صوتِه العالي عادت لـ أرض الواقع فـ هزت رأسها مُرتبكة و أعطتُه ورقتين من المال ثم ترجلت دون أن تهتم لـ نظرات الرجُل الإعتراضية لـ هذا المَبلغ. دخلت إلى جامعتها دون تَكلُف إثبات هويتها للـ حارس فـ هو يحفظ وجهها كَحال اغلب الطُلاب هُنا و على ذكرُهم شعرت بـ صداع يُداهِمها لـ تَداخُل الأصوات العالية أُذنيها و مع كثرة التفكير شعرت أن رأسها ستنفجر حَرفيًا. هَمَت بـ إكمال سيرها لكن هذا الصَوت المُنزعِج أوقفها و هو يهتف حانقًا: _يـاسمين..أنا مِستنيكي كُل دا.. عشان لما تيجي مَتاخديش بالك مِني!. إلتفت على عَقبيها و نظَرت لـ عِماد قليلاً ثم بررت بـ توتر و خَشيت من إنزعاجُه أن يؤدي إلى شجارهما: _أسفة يا عماد..بس أنا سرحت و مَخدتش بالي مِنك.. صَمت هنيهة و شعر أنها ليست على ما يرام فـ وضع يدُه فوق كتِفها و قال: _شَكل في حاجة حصلت..تَعالي نُقعد في الكافيتريا. إنصاعت لهُ دون تفكير و قد شعرَت ب جلسا سويًا صامتين حتى بادر عماد بـ الحديث و سألها : _ها..قوليلي مالِك بقى؟ صَمتت لـ ثواني تفرُك فيها يديها مُتحيرة..هَل اُخبِرُه أم لا؟..هَل ما حدث لـ ش*يقها أمرًا عاديًا و هي فقط مُبالغة في ضيقها؟. _بـصراحة.. صلاح أخويا إترفد من شُغلُه،و هو واجِه صعوبة في أنه يلاقي شُغل أصلاً..و إنت عارف مصاريف الجامعة و كدا...بس..هو دا اللي مضايقني أص*ر الأخير همهمة تَدُل تفهمُه و سارعت الشفقة في رسم خُيوطها على تَعابيره و نبرُته عندما أردف بـ حنوٍ: _ميستحقش كُل الزعل دا منَك..أكيد يعني دا مش آخر شُغل فى مصر..و في خلال إسبوعين هيلاقي شُغل.. و إسترسل حَديثُه مُمسكًا بـ كفها: _متقلقيش إنتِ نفسك بس..و ركزي في الدراسة.. الإمتحانات على وصول. إبتسمت بـ خفة و قد أشرق وجهها بعد حَديثُه..لا تدرِ هل كَلامُه فعلاً هو مَا أزاح الحمل عنها أم أنها اوهَمت نفسها بـ هذا؛لـ تسعَد بـ مُساندتُه لها و لو بـ حفنة كلماتٍ فقط... رُبما هذا هو خطأنا نحنُ البشر نظُن إن لم تكُن المُساندة بـ الفعل فـ إنها فارغة من المشاعر و الحُب الذي نُريدُه يجب علينا أن نُدرك أن القليل من الكَلمات قد تُساندنا أكثر من الأفعال.. يكفي أن تمس قلَبنا لـ تُحيي الأمل بهِ من جديد. انكبت ياسمين على الكُتب العديدة والأوراق المُلونة بالحبر الأزرق المفروشة على الطاولة أمامها تستذكر ما فاتها مِن دروس كثيرة بـ سبب **لها المُبرر أحيانًا ، وأحيانًا بلا تبرير..فـ حين تعزف عن الدراسة يكون أغلب الأحيان بـ سبب انشغالها مع عماد ، وقضاء أغلب الوقت معهُ مُدعية أمام أخوها وزوجتهُ المُتربصة لـ كلِ فعلة تقوم بها أنها دروس مُكثفة. شُتت تركيزها حين أتاها صوت هاتفها بـ نغمة مميزة تعود للرسائل ، فكادت أن تُمسك بـ هاتفها بـ لهفة عارِفة المُرسل ، لكن توقفت يداها فالهواء مُتنبهة للعهد الذي اخذتهُ على نفسها قبل ثلاث ساعات من الآن وهو ألا تمسك بـ هاتفها نهائيًا إلا حين انتهائها بعد أربع ساعات مُذاكرة..فقط ساعة يا ياسمين ، ساعة وتنتهين..حفزت نفسها لتعود تستكمل ما تبقى لها من الدرسِ الأخير ، ومُجددًا يُشتت تركيزها..لكن تلك المرة مِن قبل ميادة التي اقتحمت الغرفة بـ طريقة خالية من الذوق وكأنها تعود لها بـ جانبِ قولها ببرود : _فُتنة صاحبتك برا... _خليها تدخل ، إنتِ سايباها برا..!! رددت باستنكار على طريقتها في التعامل مع صديقة عمرها ، فـ رمتها بـ نظرة ساخطة ثم عادت أدراجها للخارج لـ تسمع"ياسمين"غمغمة آتية من الخارج ، وعقبها دخول المُسمى بـ فُتنة..صديقتها ، وجارتها منذ الطفولة ، ولأنها لم تنعم بالأخت فـ قد هادت لـ فُتنة هذه المكانة التي تستحقها بـ جدارة؛ كونها تستئمنها دومًا على أسرارها ، وتجعلها على علمٍ دائمٍ بـ تفاصيل حياتها ، وأيضًا..لم يُحالفها الحظ في الحصول على أصدقاء..فقط ف*نة ولا غيرها . ابتسمت لها بـ اتساع ، ورقة بادلتها إياها الأخيرة وهي تجذب كرسيًا تجلس عليه بـ جانبها ، ثم قالت بينما تراقب الورق المنثور : _انتِ بتذاكري ولا اي..؟ أماءت بـ الإيجابِ بـ جانب قولها بـ قليل من الانزعاج والابتسامة انقشعت عن ثغرها : _أيوا ، فايتنِ كتير وبحاول ألِم اللي فايتني على أدد ما أقدر.. لم تُعير فُتنة اهتمامًا كبيرًا لما رددتهُ ، وهتفت بـ حماس : _طيب تعالي ننزل نتمشى.. _ننزل نتمشى! ، أنا بذاكر يا بنتي. ذمت الأخيرة شفتها بـ ضيق ، ولكنها لم تتخلَ عن محاولاتها في أخذها معها؛ لـ تسألها بهدوء مُبتسمة برقة : _إنتِ بقالك أدد إيه بتذاكري ؟ _ تلات ساعات ، وانا كنت عاملة حسابي على أربعة ، ساعة وننزل . ظهر الامتقاع على وجهها المُستدير ، فـ أجادت اخفاؤهُ فيما تُردف تدفعها بـ ذكاء إلى الموافقة : _نص ساعة يا ياسمين ، نص ساعة وترجعي تكملي..وأهو ترجعي قادرة تذاكري أكتَر.. _لأ لأ لما أخلص يا فُتنة أحسن. _عشان خاطري بقا وافقي ، هما نص ساعة.. رددت بـ رجاء شديد وإلحاح دفنا اعتراض الأخيرة ، واختارت الموافقة أمامهما؛ لـ تُمتم باستسلام : _خلاص خلاص هننزل . لفت ذراعيها حولها في عناق حماسي مُرددة : _حبيبتي يا سوسو حبيبتي.. _قولتلك متقولليش الدلع دا تاني. قالتها بـ عبوس تفصل عناقهما ، فـ تناهى لـ سمعها أصوات أُنثوية مُختلطة استطاعت تمييز من بينهم صوت زوجة أخيها ، فـ قاربت بين حاجبيها البنيين في استغراب مِن ذلك..أيكونوا زُوَار ؟ ، فـ نهضت فيما تقول لـ"فُتنة" : _شكل في حد جه ، هروح أشوف مين. ومضت للخارج حتى رأت سيدتان واحدة منهما تعانق ميادة بـ ودٍ شديد ، وتبعتها الأُخرى ثم سمعت المرأة الأولى تقول بـ حبور : _والله كنتِ وحشانا يا ميادة.. _وانتو كمان..اتفضلوا اتفضلوا.. دعتهما للجلوس ، وجلست في قبالتهما ورددت : _منورين_ مراتًا عدة ، وبعد الأسئلة الروتينية التي دارت بينهن انتبهت زوجة أخيها لها واقفة فالرواق غير ظاهرة للسيدتين ، فـ هتفت على الفور : _تعالي يا ياسمين..سلمي يا حبيبتي. ارتفع حاجباها بـ دهشة حقيقية مِن الودِ في لهجة الأخيرة ، والتي لم تسمعها منها قبلاً ، وتقدمت منهن أسفل النظرات الشاخصة للسيدتين لها ، فـ أشارت لها ميادة بالجلوس ، ثم قالت بـ ابتسامة واسعة : _دي ياسمين أخت جوزي.. اضطرت ياسمين للوقوف ومُصافحة المرأتان اللتان تكاد نظراتهما تَخترقها وما زاد هذا إلا ابتسامة ميادة اتساعًا ، وعادت للجلوس ملتصقة بـ ميادة؛ لـ تميل على أُذنها هامسة بـ صوت غير مسموع : _هو في أي..؟!! لم تتلقَ منها إجابة إلا أنها كادت تتفوه بـ شيء لهما ، لكن سبقتها المرأة التي تبدو أكبر سنًا مِن الأُخرى بـ سؤالها الموجه لها بـ تطفل وبدا لها سخيفًا : _وإنتِ عندك كام سنة بقى يا ياسمينا..؟ لم تستسغ الاسم الذي لقيتها به ولا سؤالها الفضولي السخيف ، لكنها تغاضت وأجابتها ببساطة : _٢٢ سنة يا طنط. وكأنها ألقت سبّة وليس سنها إذ تبادلتا السيدتان النظرات المُستنكرة بـ شدة ، ثم عادت تقول نفس المرأة بـ طريقة فجة مُصرحة بـ نبرتها تق**حها لما قالتهُ : _ و مش مشبوكة..؟!! الآن تفهمت سبب نظراتهما..فـ هاتين مِن الأتباعِ الجاهلين لـ كلمة"العانس" ، رغم أن سنها صغيرًا بعد ، لكن تبدوان بالنسبةِ لها تُؤيدان الزواج للفتاة من سنٍ أقل من ثمانيةِ عشر رُبما ، ولـ هذا فـ إنها لم تعبأ بهما عالِمة الطريقة الأنسب للتعامل مع مثليتهما ألا وهي..الابتسام ببرود هكذا والقول بـ ذاتِ البرود : _لأ يا طنط مش مشبوكة ، ومش ناوية أتشبك . _هتعنسي يعني!. رددت المرأة الثانية بـ اغتياظ قابلتهُ بـ برود تحسد عليه وهي تقول : _أيوا هعنس... تبادلتا مجددًا النظرات الناقمة تلك المرة ، ورمقتاها بـ ازدراء لم تُلقِ لهُ اكتراثًا ، وحانت منها نظرة إلى وجه ميادة الأحمر حرجًا..تلك الخبيثة! ، الآن تفهم..بالتأكيد للسيدتين عريسٍ لها وهي أول المرحبين بـ هذا رغبةّ في التخلصِ منها ، ولكن ليتهن يعرفن أنها لن تتزوج أبدًا سوى عماد..حبيبها الوسيم ، وستنتظر قدومهُ لـ مُقابلةِ أخيها قريبًا جدًا . انتشلها مِن شرودها الولهان ترديد ميادة بـ صوت حاولت جعلهُ هادئًا من بين أسنانها المطبقة حنقًا وألا تفتك بها أمام ضيفتيها : _قومي يا ياسمين إعملي للضيوف حاجة يشربوها . قدمت لها فرصة ذهبية للابتعاد عن تلك الحمقاوتين ، والانشغال بـ إعدادِ ما تشربانه وهي تدعوا داخلها أن تذهبا سريعًا وإلا لن تكفا عن بثِ سموهما بـ شأن تزويجها في رأسِ ميادة وتنتقل تلك السموم من ل**نها إلى أخيها الذي يستمع أغلب الأوقات إلى ما تقررهُ ، ويأخذ بـ أوامرها التي تأتي مُتمثلة في هيئةِ نصائح . انبعج ثغر ميادة عن ابتسامة واسعة تُداري بها حرجها ، وحنقها مِن ياسمين وسألت السيدتان مُتدرجة لموضوع آخر : _مقولتوليش..انتو ايه اللي جابكم منطقتنا هنا ؟! استحالت نظرات المرأة الأكبر سنًا للوجوم ، وألقت نظرة على زوجةِ ابنها التي بدا عليها الارتباك ، ثم قالت بـ صراحة : _صيت الشيخ مب**ك مسمع في كل حتة ، جينالهُ عشان يشوفلنا حل في البت اللي باين عليها أرض بور دي !. تلوت شفتاها ناظرة للمرأة بـ تعالي ، وسُخرية..وأتت صورة أولادها الثلاثة الذين يلعبون في الشارع؛ لـ تزداد سرورًا كونها استطاعت أن تُثبت للناس أنها ليست أرض بور ، وقادرة على الإنجاب من الذكور ..وها هي لديها ثلاثة أولاد . ذمت شفتها بـ إشفاق ناظرة للمرأة التي ظهر الضيق جليًا عليها ، ثم قالت : _إن شاء الله خير ، ومادام جيتو لحد الشيخ مب**ك يبقى مش هتخرجوا م**ورين!. بـ هذا الحين خرجت ياسمين تحمل صنية الشاي المُحلى ، ومُحتقنة الوجه بسبب ما سمعتهُ منهن مِن جهلٍ وكُفرٍ بـ مشيئةِ الله ، ووضعت الصنية على الطاولة ببعض القوة بينما تُناظر المرأتان شزرًا ، ولم تستطع كبح جماحها وهتفت بـ ضيق شديد : _اللي انتو بتقولوا دا كُفر..ودجل وشعوذة.! اتجهت الأنظار إليها في دهشة لم تدم ، واستحالت لـ تكون مُتحججة ومُمتقعة غير مُقتنعين أبدًا بما قالته من حقيقة حتى صاحت المرأة الأصغر سنًا بها بـ ضراوة : _الكُفر هو اللي أنتِ بتقوليه دا يا حلوة؛ دا شيخ وبركته مسمعة..وجارتنا راحلته ومخيبش ظنها. لوّت شفتاها بـ تهكم مُتمتمة بتبرم : _سواء راحت أو مراحتش ربنا كاتبلها تحمل من غير البركة اللي انتو بتقولوا عنها دي !. لم تتلقَ استجابة منهن ، فـ عانقت عيناها اليأس..رغم توافُر التكنولوجيا ، ورغم كونهم يعيشون بالمدينة إلا أن تلك العادات المُتخلفة لازالت رائجة بين نساء عدة ، وفتيات كذلك..أما بالنسبة لمن لـ قبنه بـ الشيخ مب**ك رغم أن الصفة لا تليق بـ مُشعوذ مثلهِ أبدًا ، فـ حيّهم قد اشتهر بـ سبب مكوثهِ به ، وبالعادة هي تمر على البناية العتيقة الماكث فيها يُمارس فيها أُمورهُ السحرية الخرافية ، وفي كل مرة تندهش مِن كم الزُوار إليه ، وتزداد حسرةً عليهم..وكأن هناك حجاب فوق أعينهم يمنعهم مِن التفريق بين الصواب والخطأ ، ويزدادون غرقًا في وحلِ الإشراكِ المُتسبب به الرئيسي عادات قديمة بُنيت على الجهل . عادت لـ داخل الغرفة مُتأكدة أن فُتنة ضجرت لـ أقصى حد من انتظارها ، حينها نهضت المرأتان مودعتان ميادة ، وقالت أحدهما : _نمشي احنا بقى ياختي... _خليكم انتو ملحقتوش. _عشان نلحق دورنا مع الشيخ..يلا مع السلامة. وودعنَّ بعضهن بالقبلاتِ الكثيرة كَحين ترحيبَهن ، وخرجتا ، ثم أغلقت ميادة خلفهما وبـ ذاتِ الآن تركت ياسمين طرف حجابها البُني ذو الطبقة الخفيفة_الشيفون_يتدلى على كتفها ، وتسرد بـ انزعاج لـ صديقتها مُقابلتها مع السيدتين ، حتى تنبهت لـ اختفائهما حين خرجت ووقوف زوجة أخوها عند الباب ، فـ قالت بـ نوعٍ من الارتياح : _يلا الحمدلله مشيو !. وجهت لها نظرة نارية بينما تدب على الأرض بـ قدمها على الأرضِ تنتظر فقط كلمة منها تبدأ بها الشجار هي ، لكن الأخيرة بدت على قدرٍ من الارتياح وتجاهلتها تمامًا مُتأبطة ذراع فُتنة مُتحدثة معها ، حتى خرجت دون أن تُعيرها نظرة واحدة حتى..وهذا جعلها تُصفق الباب وراءها في عنف نامي عن كمدها . ................... بعد مرور ساعة أو ربما أكثر حان دور المرأتان تفيدة ،ومنال ، فـ تقدمن مُسرعتين وداخلهما تخوف من الشقة الأشبه بالمَقبرة من حيث الرائحة ، وتلك الجُدران الساقط منها لونها الباهت المصفر خلف المرأة العجوز التي تُمثل دورًا أكثر رُعبًا..واكتملت الصورة بـ وجود أولئك النساء جالسات على الأرائك الأشبه بالحجارة..وحالهن مختلف بطريقة غريبة ، ولكن على كلِ ها قد حان دورهما وستنتهيان من كل هذا . على الع**ِ الصورة الثابتة عن الدجالين ، ليس رجلاً جالسًا خلف منقد يتصاعد بُخار البخور الكثيف جدًا منهُ ، بل رجلاً ليس عجوزًا جدًا..كهلاً بـ لحية سوداء وشعر أ**د لا تتخللهما شعرة بيضاء واحدة..يرتدي جلبابًا أ**د بدا وكأنه يرتديه منذ عقود أمامهُ إناء كبير أ**د به ماء ، ونقوش غريبة وأحرف كبيرة على الجدران ورسوم كذلك ، وهناك أقفاص تحمل ح*****ت ساكنون بـ طريقة عجيبة. فرد مب**ك كفهُ أمامهما فـ تبادلتا النظرات المُتحيرة ثم التفتا أعينهما عيناه المُخيفة الأشبه بـ عينِ ضبعٍ في ظُلمةِ صحراء ، وبدون تفكير أحنى رأسهما يُقبلان كفهُ الأ**د ذو الرائحة العفنة؛ لـ تُشير المرأة العجوز الساكنة خلفهُ بـ الجلوس ففعلتا ، وهنا أخذت تفيدة تتحدث مُتلجلجة بسبب الخوف الذي انتهابها في حضورهِ : _احنا جايين كلنا عشم عشان ناخد بركتك يا سيدنا عشان مرات ابني تحمل !. التمعت عيناه ببريق شيطاني جشع..هذا من أكثر الطلبات إليه ، وأقربها إليه..نصف ثروتهُ من وراءِ النساء الراغبات في الإنجاب ، وهو يُجيد تنفيذ طلباتهم جيدًا !. .................. _يعني هو قالك إنه جاي يتقدملك..! هتفت بها فُتنة مُحدقة بـ ياسمين بـ حاجبين معقودين فيما هي غارقة بـ سعادتها الكبيرة كَحين سمعت ذلك الخبر منهُ ، والتفت حول نفسها ضاحكة بينما تهتف بـ حماس : _أيوا يا فُتنة ، بجد انا فرحانة اوي اوي..بس مامتهُ تقوم بالسلامة وهو هيجي هو وهي . أجابتها بـ سخرية لاذعة مُغمغمة بـ تبرم : _تلاقيها حِجة!. توقفت ونظرت لها بـ عبوس شديد سائلة بـ احتجاج : _ليه بتقولي كدا..؟! أجابتها ببرود على الفور وكأن الإجابة محفورة بـ ذهنها : _يمكن بيتسلى يا ياسمين ، مش معنى أنه قالك إنه هيتقدم يبقى بيحبك..تلاقي حوار أنه مامتهُ تعبانة دا عشان يأجل الموضوع لحد ما تنسي.. عكر ما قالتهُ صديقتها فُتنة صفاء عقلها ، ولم ترتضِ به إطلاقًا..عماد بالتأكيد يُحبها ، وإلا ما كان فاتحها بـ موضوع الزواج ذاك مُنذ البداية..نعم هي كانت تُفاتحه أحيانًا كثيرة ، لكن تلك المرة هو من فاتحها وأخبرها بما جعلها تُحلق في السماء سعيدة ، وها هي فُتنة تفسد عليها سعادتها؛ لـ تُغمغم بـ ضيق ورفضٍ قاطع : _كل اللي أنتِ بتقوليه دا غلط ، ومش حقيقي . حركت الأخيرة كتفاها دلالة على استسلامها للأمر ، وقبضت على ذراعها بـ خفة تجذبها نحو العصارة الصغيرة الكامنة على مقربةٍ من بيت الدجال المزعوم ،وهي تُردد بهدوء : _خلاص فكك وتعالي نشرب مانجة . أومأت مؤيدة الرأي ، ووقفت بالخارج تنتظر حتى ظهرت فُتنة بـ دقائق تحمل كوبين بلاستيك من العصير المُفضل لديها وتبتسم بـ وداعة ، وأعطتهما أحدهما ، فـ شكرتها بلطف وشرعت في ارتشافهِ بـ تلذذ حتى قالت فُتنة فجأة : _أنا هروح أجيب حاجة من السوبر ماركت ضروري ، استنيني هنا . وقبل أن تتلقى منها شيئًا استدارت تسير بـ خطوات مُتفاوتة ، وتركت خلفها ياسمين تُكمل ارتشافنا العصير حتى انتهت من نصفهِ تقريباً..وهنا راودها دوارًا مُبهمًا أغشى عن عينيها الرؤية بـ وضوح ، كذلك أفقد توازنها بعد لحظات من مُجابهةِ هذا الدوار الغريب والشديد..حتى أنها لم تنتبه لـ فُتنة الآتية مُهرولة إليها ، وكادت أن تقع أرضًا فاقدة لـ وعيها لولا اليد التي أجادت إمساكها ، وبـ آلية سارت بها لـ داخلِ البناية العتيقة ومنها إلى الشقة القديمة ، وحين رأتها العجوز سارت أمامها حتى إليه..ذاك الذي ما إن رآها حتى تراقصت ابتسامة مقيتة وغير مُحببة بالمرة فوق شفتاه وأمر الجالسة أمامهُ بـ خشونة أن تخرج ، وحين فعلت ألقت تلك بـ ياسمين على أقرب أريكة مُجهدة الأنفاس وهي فاقدة لوعيها بالكامل ، وتمتمت ببرود شديد : _أنا كدا نفذت وعدي ليك ، ياريت بقى انت كمان تعمل بوعدك !. _كلهُ بياخد نصيبه يا ست ، ونصيبك محفوظ..!. _______________يُـــتــبـــع________________
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD