_رواية عتـمةُ اليـاسمين_
_الفـصـل الـثاني_
"لَرُبمـا كانَ الحلـم هو التمهيـد للكابـوس !"
____________________________________
كان ص*رهُ يغلي بـ غضب عارم ، وكذلك قلقًا عليها..على حسابِ ما أخبرتهُ به زوجتهُ فـ هي بالخارج منذ أكثر من خمسِ ساعات وهذه المرة الأولى ، وليس هذا فقط..بل أنهُ اتصل فقط أكثر من أربعين مرة والنتيجة واحدة؛ لا رد !..القلق يختلج جنبات ص*رهُ قبل عقلهُ ، فـ ليست تلك ياسمين أبدًا؛ لم يكن من شيمها التأخر على البيت ، هي دومًا تُحدد ساعاتً محددة لخروجها وتخبره بها ، وإن اضطرت مرة للتأخير تتصل به ، أو على الأقل تجاوب على إتصالاتهِ..ولا مِن كلِ هذا قد حدث ، فـ أين قد تكون هي ؟!.
هز ساقيه بـ عصبية ضاغطًا على ثغرهِ بانفعال تواطءَ مع نبرتهِ وهو يُردد :
_انا مش عارف هي فين كل دا ! ، أول مرة تحصل وتتأخر كدا..دي حتى كمان مش بترد عليا !..
رمقتهُ ميادة ، والفضول يكاد يأكُلها..أين ذهبت الفتاة ؟ ، بالتأكيد هذه ثغرة جيدة تنفذ بها لـ عقل زوجها ، وتضمن العائد عليها ، فـ فكرت بـ خبث لـ ثواني ، ثم أخذت مجلسًا لها بـ جانبِه ، ولوّت شدقاها بـ عبوسٍ فيما تُغمغم مُصطنعة الحزن والحسرة بـ خبث دفين :
_فينك بس يا ياسمين ، والله يا اخويا قلقانة عليها ولا كأنها أختي!، وخايفة..اصل بنات اليومين دول مش ولابُد ، والله أعلم..يا خوفِ تكون ياسمين اُختك اتلمت على واحدة فيهم ، اللي بتهرب مع حبيبها واللي استغفر الله العظيم..دا غير بقى اللي بتتجوز عُرفي.
قفزت من عينيهِ نظرة حادة نشِدت ما تتفوهُ به؛ لـ تُطبق على الكلمات داخل فمها فورًا برضا ، فـ على كلٍ..هي نفذت مُرادها ، وانبثق سُمها ، واستمعت لـ زوجها حين هدِر بها غاضبًا لـ أقصى حد :
_انتِ اتجننتِ يا ولية؟! ، هي ياسمين كدا..! ، ياسمين عمرها ما كانت كدا ولا هتكون !.
ظلت على وتيرتها الهادئة في الكلام مُسترسلة :
_محدش قال غير كدا يا صلاح ، بس الشيطان شاطر بقى...!.
_اوف ، اسكتِ..اسكتِ خالص متتكلميش .
_حاضر ياخويا ..
أمسك صلاح هاتفهُ مجددًا يُعيد الاتصال على صديقتها والتي كانت معها بعدما لم يتلقَ ردًا منها فـ البدايـة ، وعند الرنة الأخيرة وصلهُ صوت فُتنـة الهادئ :
_ألو..
_ألو يا فُتنة ، انا صلاح اخو ياسمين.
بعد لحظات من ال**تِ الغريب من طرفها رحبت به فُتنة بـ نبرة أكثر هدوءٍ عن سابقهِ..وكأنهُ خافتًا ، وقُبيل أن تُرحب به هتف بها بـ لهفة :
_ياسمين كانت معاكي يا فُتنة ، ولحد دلوقتي هي مرجعتش ، هي عندك صح ..؟؟؟
_لأ والله مش عندي.هي مش في البيت ؟!
_لأ دي مجتش من ساعة ما نزلتوا سوا..
_والله يا صلاح احنا مكملناش نص ساعة ، وروحت أشتري حاجة من السوبر ماركت رجعت ملقيتهاش ومكانش معايا رصيد أتصل بيها ، فـ قوت يمكن روحت ومشيت..
_تمام يا فُتنة شكرًا ، مع السلامة..
وأغلق مُلقيًا الهاتف بـ قوة على المنضدة فيما عينان تستشفان بـ فضول وترقب ما تلقاهُ من فُتنـة ، ومن تعابيرهِ..تيسرت في اكتشافِ أن ما سمعهُ ليس حسنًا أبدًا ، حتى فُوجئت به يثب ويتجه للباب يخرج مُرتديًا حذاءهُ المنزليًا ، فـ هتفت فيه باستغراب :
_رايـح فين..؟!
_نازل أدور عليها فالشارع.
وترك الباب خلفه دون اغلاقهُ ، ثم أخذت قدماه تعدوا في نزولها وكاد أن يتعثر مرات لولا تمسكهُ بالثبـات .
** ** **
بلا خيط ضوء واضح ي**ر الظُلمة الحالكة بـ تلك الغُرفة التي لا تُرى فيها شيئًا يُذكر ، يسودها **تًا يُناسب الظلام ، حتى اخترقهُ صوت أنات ضعيفة موجوعة بالكاد تُسمع ، عائدة لـ ياسمـين المسجية على شيءٍ صلبٍ..وحين أخذ الوعي يتسلل لـ عقلها تدريجيًا ، استدركت شعورًا مُبهمًا بينما تفتح عيناها وتُغلقها بين ثانية وأُخرى ظانة من الظلام أنها لازالت مُغيبة بعد؛ لـ تستدرك أن المشكلة ليست ببصرها وإنما هي بـ ظلامٍ بالفعل .
شعرت بوجع غريب يفتك بـ جسدها ، وساقاها تحديدًا ، فـ جاهدت لـ تنهض والذهول لم يتمكن من عقلها بعد لما هي فيه من تَغيُب عن الوعي ، وما هي إلا لحظات حتى استدركت أن جلدها مُعرض للهواء مُباشرةً ، فـ ببطء لمست مناطق مُتفرقة من جسدها؛ لـ تكتشف أنها بلا أي ساتر! ، اتسعت عيناها جحوظًا ومدارك الحس لديها استفاقت من غيبوبتها فجأة ، فـ أخذت تلمس نفسها بـ هيستيريا تتأكد..وأيضاً تأكدت أنها في مكانٍ مظلم تمامًا ، وهناك أصوات غريبة تجعل الرهبة تتسلل إليها..حفيف أشبه بـ حفيف الأفاعي ، وصوت مواء قطة وكأنها تتعذب قادم من بعيد..وكأنـهُ وهمًا ..
لمست أصابعها شيئًا ناعمًا لم تدخر وسعًا لـ تعرف أنهُ هاتفها ، فـ أخذت تفتحهُ بـ لهفة مُكتشفة أنهُ مُغلق..وبينما يأخذ لحظاتهُ حتى يفتح أضاء آخر الصور التي تتذكرها ، لا شيء غريبًا فيها..سوى أنها شعرت بالدوار وفقدت وعيها ، وتستفيظ لـ تجد نفسها في هذا المكان ذي الرائحة الكريهة..ع***ة ، وأصوات غريبة تسمعها...ما القصة ؟!.
وجدت الكثير من المكالمات من أخيها ، لكن ليس هذا چلّ اهتمامها الآن . أضائت الكشاف تستكشف الغُرفة التي أثارت الهلع داخلها..أقفاص ح*****ت مُثبتة على الحائط ، وحوائط وحدها مثيرة للرعب..نشدت ثيابها مُلقاة على الأرضية المُتسخة ، آخر ثياب كانت ترتديها؛ لـ تأخذها وتبدأ بارتدائها بـ سرعة والدموع تتقافز من عينيها السوداوتين غير مُستدركة لما هي فيه..أين هي؟! ، وماذا حدث لها..؟! ، أضاءَ الكشاف أيضًا المصيبة الأكبر والذي كادت أن تقع أرضًا من هولِ الصدمة حين أبصرتها..إنها بقعة دماء فوق الأشبه الفراش الذي كانت مسجية فوقهُ ، وهي..هي استيقظت ع***ة ، وكانت فاقدة لـ وعيها.أيُمكن أن يكون..!!.
بالكاد تماسكت لـ تسير للخارج مُستندة بـ كشافها الذي أرشدها حيثُ الباب حتى خرجت نهائيًـا ، وزادت صدمتها ضعفًا عندما وجدت نفسها كانت في بناية ذاك الدجـال! ، ورُبما كانت أيضًا تلك شقتهُ...نعم هي بالتأكيد ، فـ لا من شقة ستكون اغرب من شقتهِ العفنة التي يُمارس فيها شعوذتهِ ، ولكن السؤال الأهم..ماذا كانت هي فاعلة بالداخل..؟!!!.
لا تعلم متى وصلت إلى باب شقتها وهي تسير بـ تيه وضعف ، وعقلها تتلاعب به الظنـون السيئة والتي تتخذ الكفة الأرجح أو بالأحرى إنه احتمال واحد هو المُرجح..ولكنها تعود تهز رأسها تنفي ذلك بـ إنكـار شديد ، ثم رفعت قبضتها تطرق على الباب الخشبي وبـ لحظات فُتح الباب وزيادة تظهر من خلفهِ سائلة بـ سُرعة :
_ها يا صلاح لقيتها..؟!.
لكن فُغر فمها باندهـاش مُحدقة بـ ياسمين ، حتى تداركت نفسها وبـ فظاظة أمسكت بـ رسغِ الفتاة تسحبها للداخل مُغلقة الباب خلفها ، وهدرت بها مُعنفة بـ ملامح مُتقلِـصة بـ حنق :
_كنتِ فين كل دا يا بت ؟! ، ولا بتُردِ على تليفونك وسبتِ صاحبتك ومشيتي..
تمتمت بـ تيه وعينان شاردتان :
_سبت صاحبتي ومشيت..
_ايوا ، أخوكِ كلمها وهي اللي قالتله كدا ، دا نزيل يدور عليكي فالشارع...انطقي يا ياسمين كنتِ فين كل دا وروحتِ فين ؟.
وجدتها تجلس على الاريكة ، ومازال بصرها مُعلق بـ الفـراغ دون إعطاء إجابة لـ ميادة، وفُتح الباب عبر المُفتاح الخاص بـ صاحبهِ..صلاح ، فـ دارت أنظارُ زوجتهُ بينها وبينهُ وقد رآها بـ ترقب وحماس ، في حين أن الأولى لم تنتبه حتى لهُ شاعرة بالضياع والعجز على فهمِ أي شيء ، لكنها انتبهت له حين أحكم قبضتهُ حول ذراعها يُنهضها ويصيح بها بـ قوة تاركًا لـ غضبهِ العنان :
_أهي الهانم جت ، كنتِ فين يا ياسمين كل دا ! ، وانا قاعد برن عليكي لحد ما نزلت بدور عليكِ فالشارع ...!
لكنها ظلت صامتة رغم زعيقهُ الذي يخترق آذانها فيما أخذ ش*يقها يهزها حينما لم يتلقَ منها إجابـة ، وقد زادت عصبيتهُ أكثر ، حتى خرج صوتها أخيرًا خافتًا..تائهًا :
_انا..أنا بعد ما شربت عصير دوخت ، وأُغمى عليا..و..و.
_يعني أنتِ أغمى عليكي فالشارع ؟؟
_ايوا..
همت بـ سردِ له الحقيقة كاملة لكنها توقفت الكلمات عند حلقها..رُبما لن يُصدقها ، كما أنها لا تتوقع ردة فعلهُ؛ لهذا فهي اختلفت كذبة داخل رأسها ، وأخذت تقول له :
_أغمى عليا ولما صحيت لقيت ستات حواليا ، قالولي أن أغمى عليا فالشارع وهما لحقوني ، وكل دا متأخرة عشان مرضيوش يمشوني غير لما يأكلوني حاجة...أنا آ آسفة.
قطب حاجباه وسألها ببعض الشك :
_وموبايلك كان مقفول ليه..؟!
_انا لما وقعت موبايلي كان في إيدي ، فلما اتخبطت فالأرض اتقفل لوحدهُ..بس هو دا اللي حصل.
تركها بـ هدوء محدقٍ فيها ، ثم وظهرت بوادر تصديقهُ لها على وجههِ الذي استحال من جمرةٍ من النار إلى مياهٍ راكدة ، حتى نبرة صوتهُ هدأت تمامًا عندما قال :
_طيب يا ياسمين انا هصدقك ، بس المفروض كنتِ كلمتيني أول ما فوقتِ ، عالعموم انا هقفل عالموضوع..خُشي اتارحي..
دلفت للداخل صامتة واجِمة. وهناك شيئًا بـ عقلها ستفعلهُ حتمًـا..يجب عليها التأكُد ، وإلا ستفقد عقلها من كثرة التفكير ، وهذا القلق الذي يستوطنها .
...............................................
استيقظت باكرًا فاليوم التالي ..أو هي لم تنم حتى تستيقظ ، وظلت في سريرها تنتظر الوقت المُناسب حتى تستطيع الخروج والذهاب لـ وجهتها المُبهمة فيما القلق والتوتر يسطوان عليها وهي تقف أمام العيادة النسائية ، والرهبة المُبررة تجتاحها ، فـ حثت نفسها على التقدم بـ خطوات وئيدة حتى صارت بالداخل وسط مجموعة من النساء تنتظر كلاً منهن دورها لدى الطبيبة ، ولـ شدة خوفها كادت أن تتراجع رهبةً لكنها تماسكت وحجزت دورها ، وانتظرت .
............................
والشمس تنقشع عن السماء في وقت الغروب ، وبـ منطقة كالتي تُشاهد بالأفلام..نائية ، وخالية من أشكال الحياة المُعتادة؛ لـ تكون مُناسبة لـ أرض المقابر ، المُخيفة في ذلك الوقت..وحينها أخذ صوت خطوات تحتك بالأرض التُرابية تشق السكون الاعتيادي في ذلك المكان ، وقد كانت خطواتها تُحاكي رهبتها من وجودها هنا بـ مفردها لـ أول مرة ، وازدردت ريقها تنشد طريقها إلى القبر الذي أخبرها به الحارس بعد أخذ الورقتان الماليتان التيّ كانتا بـ حوزتها مُقابل المُفتاح الخاص بالقبر .
وصلت إليها ، فـ بأصابع مرتجفة وأصوات أشبه بالزحف تتلاعب بـ أوتار ثباتها بـ مهارة بينما هي تعود للريح المُتلاعبة بالتُراب ، واستطاعت بعد دقائق فتحها وظهر السلم الصغير أمامها ، فـ أخذت الكشاف الأ**د المُضيء لها الظُلمة بالأسفل بـ تماسك تنزل بجسد منحني وحذر شديد السلم غير عابئة بـ حُرمةِ الموتى ، وهي فالحقيقة لا تعبأ بـ أي شيء أمام تنفيذ مُرادها .
كما طلب هو تمامًا..جُثة حديثة ، مازالت كما هي بـ لحمها..حدقت فالشابـة المسجية على الرمال بارتباك تغلبت هي بـ مجهود جاثية على رُكبتها قُبالتها وهي ترتجف أكثر وأكثر مادة أناملها إلى فمها المُطبق الفاقد للونهِ بالكامل كحال وجهها ، واستطاعت فتحهُ بدقائق ثم أخذت بسرعة تخرج القماشة البيضاء الملفوفة بـ شيء كلما تذكرتهُ تقززت..تذكرت كيف أمامها أخذ قطعة من لحمِ كلبٍ ميت ، وأخذ يكتب عليها ولا تعلم كيف حروف وأشكال غير مفهومة ول**نهُ يُردد بها مُغمغمًا .
وضعت هذا الشيء داخل فمِ المُتوفية وعادت تغلقهُ داخلهُ ، وكما دخلت خرجت ولكن بـ خوف أكبر..لا يُمكنها تصور ما فعلتهُ ، ولكن..الغاية تُبرر الوسيلة ، والنتيجة ستكون ما حلِمت به لـ وقتٍ طويلٍ ، وتلك الفعلة التي بالنسبة لها ليست مُخزية أو خطأ حتى هي التي ستقودها لـ تحقيقِ حلمها..وأيًا كان المُقابل ، هي فعلت ما هو أكثر من ذلك .
رنّ هاتفها مُهتزًا بصوت مكتوم ، فـ أُقشعر بدنها حين رأت اسمها يُضيء الشاشة ، وذُعرت وكأنها علمت بالحقيقة ، فـ تجاهلت اتصالها ولكن الأخيرة ظلت تلِحُ عليها بالاتصال فـ أجابت بالنهاية بنبرة ثابتة تحسد عليها :
_أيوا يا ياسمين .
أتاها صوت ياسمين من الجهة الأُخرى المُجهش بالبكاء ، والنحيب مُتقطعًا مُغمغمةً :
_إلحقيني يا فُتنة...
واخبرتها بـ جمل متقطعة زيارتها للطبيبة حتى أنها لم تنتبه أنها لم تخبرها السبب المؤدي لـ زيارتها إلى حين إعلام الدكتورة لها بـ كونها ليست عذراء..!
فُتح الباب فجأة بـ همجية شديدة ، وظهر ميادة بـ وجهٍ محتقنٍ ، هي داهيـة كفاية لـ تعلم أن تلك الفتاة منذ أن أتت البارحة وهي ليست طبيعية ، والكذبة المُنطلية على أخيها لم تنطلِ عليها ، وعبر تصنُتها عليها عرفت ما تُخبئهُ ، وستواجِهها الآن..