" الفصل الرابع والعشرين.."
أما آدم فجلس على الاريكة يتطلع إلى صورة الجنين وباليد الأخرى يحمل سيجارة بين السبابة والوسطى يحرقها كما حرق البقية.. يؤذي ص*ره وقلبه دون أن يشعر.. رفع مقلتيه للأعلى حامدا ربه على عدم نطقه للطلاق.. لكان الأن يض*ب رأسه بالحائط نادمًا كما هو يشعر بالندم الان على كلماته القاسية التي هتف بها أمام فاتنته..
لما يعاند وهو مغرمًا بها بل عاشقًا لعينيها التي بالنسبة له لون الدنيا بأكملها.. يعشق صوت دقات قلبها وأيضا نبضات التوتر عندما يتغزل بها ويحدثها بكلمات الحب العذبة.. حمرة الخجل التي تلطخ وجهها عندما تشتاق إليه وتود احتضانه.. يعشق كل تلك التفاصيل وأكثر.. لكنه للمرة الأولى في عشقه يستمع إلى عقله بدلاً من قلبه..
دخلت مرام أخرجته من شروده عندما وقفت أمامه تطلع إلى كم السجائر التي تحرق ص*ره قبل أن يحرقها.. وباقة ورد لتعلم أن حياة كانت هنا.. جلست إلى جواره واضعه يدها على كتفه بلطف وتحدثت بهدوء :
-معذب نفسك ليه بس يا آدم
-جيتي ليه يا مرام؟!
تساءل ببحة صوته الرجولية ودخن السيجارة التي بيده.. تن*دت بحزن واضح وردت بنبرة مؤلمة :
-عشانك طبعا وعشان احاول أقنعك تطرد فكرة الطلاق من راسك
**ت للحظات يتبع الدخان الذي يصعد للأعلى بعمق.. فيبدو أنه يشبه بقلبه الذي تبخر فجأة وجلس العقل مكانه ليتحكم به بالكامل وقال بجدية :
-حياة كانت هنا واتفقنا على الطلاق
اتسع بؤبؤ عينيها قليلًا واندفعت بنفاذ صبر :
-وابنكم.. انتوا ليه مبتفكروش غير في نفسكم.. ماما هتجنن يا آدم وعندها امل احاول أقنعك
أطفأ سيجارته بعنف وأشعل غيرها في لحظة واندفع بنبرة حادة :
-كل واحد يخليه في حياته.. دي مش أول كذبة من حياة و يا عالم لسه مخبية ايه
-مش مخبية أي حاجة صدقني..
فتحت سحابة الحقيبة وأخرجت الظرف الذي وجدته داخل الغرفة ومدت يدها به متابعة :
-شوف بنفسك.. حياة اعترفت لك بكل حاجة على الورق
أطرق عيناه إلى الظرف للحظات ليتذكر عندما رأى خلفها على المقعد.. أخذه من يدها وقام بفتحه وبدأ يقرأ كل شيء وما زال يدخن سيجارته التي أصبحت جزء من كل دقيقة تمضي عليه.. يحرقها وكأنه يحرق الدنيا وما فيها..
كتبت له كل شيء منذ سفرها إلى أوربا حتى لقائها به وكل شيء علمه هي كتبته.. حتى وصل إلى أخر ورقة معبره بكلماتها العميقة بالحب كم هي تحبه بل غارقة في عشقه بكامل إرادتها.. وبعض الكلمات تحمل " أنت صديقي وشقيقي وأبي.. أصبحت الم**ر الخاص بقلبي.. لا أستطيع أن أغفو ألا وأنا بين ذراعيك.. التي بمثابة جبل يحتويني ويحميني من كل شيء شديد الخطورة.. أعشق نظراتك سواء نظرات حادة أو نظرات حب و ود... أخاف من عاصفتك احترامًا لك سيدي وأعشق هدوئك أكثر من الدنيا.. لقد جعلت من حياتي وردة مفتحة في عز ربيعها فأرجوك لا تكن مثل الخريف وتجعلني أذبل.. أعشقك يا آدم أرجوك سامحني.. فاتنتك الخاصة بك.. "
احترقت السيجارة في يده دون أن ينتبه لها نتيجة غرقة في كلماتها.. ترك تلك السيجارة و وضع الأوراق داخل الظرف بينما مسحت مرام على ظهره بحنان وقالت بصوت منخفض :
-بتعشقو بعض.. اتمنى اقابل واحد يحبني زيك وانا احبه زي حياة
أدار رأسه ناحيتها ورفع يده ليضعها على وجنتها قائلاً :
-هتقابلي الأحسن مني كمان
أمسكت بيده وضعتها بين راحتي يديها مبتسمه.. تطلع هو إلي الأمام عاقدًا بين حاجبيه واضعًا يده الأخرى على ص*ره الذي يحرقه بشدة.. لم يستطيع التماسك أكثر فتأوه بخفة لتنظر إليه بلهفة قلق :
-مالك يا آدم؟!
تن*د بعمق بدلًا من أن يتحدث فيبدو أن حنجرته ابتلعت كلماته.. أخذت تمسح هي على شعره من الأمام للخلف عدة مرات لكن عندما ساءت حالته ساعدته على النهوض وغادرا الشركة واستقلا سيارتها ثم تحركت إلى أقرب مستشفى
***
" فيلا كاميليا.."
جلست على الاريكة تضم قدميها إلى ص*رها مرتكزه بذقنها على ركبتيها ودموعها تهبط واحده تلو الأخر.. وكاميليا توبخ آدم اولًا وحياة ثانيًا بصوت عال وهي تتابع عملها داخل الغرفة المفتوحة على الهول.. خرجت متجه نحو المطبخ وما زالت تتحدث بحنق :
-انا مش هبقى في صفك ولا في صفه.. انا في صف الطفل المسكين اللي هيتولد وابوه وأمه مجانين ومنفصلين..
نظرت حياة إليها بحزن دون أن تعقب على حديثها بينما هي تضع المياه الساخنة داخل الكوب ثم بدأت تقلب السكر في المشروب متابعة :
-عارفه لو ينفع استعر منكم كنت عملت كده من زمان.. انا مالي ومال النكد ده انا ست فرفوشه..
تناولت اول رشفة بحرص كي تقيم نسبة السكر لكنها أعجبت به وحملت الفنجان وخرجت عائدة إلى غرفة المكتب وهي تتمتم :
-يا سلام عليا وعلى جمال عمايل ايديا..
توقفت عند باب الغرفة تطلع إلى حياة ف*نهدت بنفاذ صبر وغيرت مسارها إليها وجلست إلى جوارها تتأملها عن قرب ثم هتفت بحنق :
-يا حبيبتي دموعك دي مش هتفيد بحاجة
مسحت دموعها بكلت يديها وكادت أن تتحدث لكن منعها صوت جرس الباب.. فتركت الأخيرة الفنجان أعلى المنضدة ونهضت متجه صوب الباب و وقفت تطلع إلى من في الخارج بواسطة العين السحرية لتجد جيهان والدة آدم.. فتحت على الفور ترحب بها واحتضنتها.. اعتدلت حياة في جلستها ونهضت عن الأريكة.. دخلا بعد أن أغلقت كاميليا الباب وبمجرد أن اقتربت من زوجة ابنها والتي تحمل حفيدها داخلها احتضنتها بشدة.. لتشعر حياة بالحنان والأمان وهي بين ذراعيها.. طال عناقهم ثم جلسوا إلى جوار بعضهم البعض فقالت كاميليا مبتسمه :
-احضر بقى طبق فاكهة كبير لعيونكم
غادرت إلى المطبخ بينما أمسكت جيهان بيد حياة وتحدثت بجدية :
-ارجعي معايا البيت.. عشان اول حفيد ليا لازم يتولد فيه
-انا روحت لآدم وم**م انه يطلقني
قالت كلماتها بنبرة م**ورة فقالت بحده :
-براحته المهم الفيلا بيتك انتِ وابنك وآدم اللي يمشي..
ثم أردفت بحزن :
-يا بنتي انا قعدت معاكِ فترة حسستيني اني اعرفك من سنين.. أنتِ مش وحشة وبنوته جميلة زيك مستحيل تفكر في انتقام.. وبعدين بقى آدم اللي غلطان ازاي يسمح لنفسه ياخد حق مش من حقه
ردت بلهفة :
-انا خلاص مش عايزه أي حاجة غير وجوده
استمعت كاميليا إلى كلمات الفاتنة العاشقة وهي تقترب نحوهم و وضعت طبق الفاكهة أعلى المنضدة وهي تقول مبتسمه :
-يا سيدي علي الحب
تناولت الفنجان وجلست على المقعد المجاور للأريكة فقالت حياة بتأكيد :
-أه بحبه جدًا بس هو عنيد
-انتوا الاتنين أعند من بعض
قالتها كاميليا بتأكيد وعندما استمعت إلى صوت رنين الهاتف نهضت متجه صوب غرفة المكتب.. ودخلت والتقطت الهاتف من أعلى سطح المكتب واجابت بمجرد أن رأت اسم مرام.. استمعت إلى كلماتها الممزوجة بالدموع :
-عمتو آدم تعبان جدا ونقلوه العناية المركزة
شهقت بهلع وسقط الكوب من يدها لينسكب المشروب بالكامل على السجادة.. ألقت نظرة سريعة عليهم في الخارج ثم همست بنبرة ارتباك :
-أنا جاية لكِ حالًا بس ابعتي عنوان المستشفى
أنهت المكالمة وابتلعت ل**بها ثم ابتسمت باضطراب وخرجت تطلع إليهم وقالت بتلعثم :
-أ أنا.. جـ جالي مشوار مهم ها.. البيت بيتكم طبعًا
ثم تنحنحت بخفيه واتجهت نحو الدرج ومن ثم صعدت إلى الطابق العلوي.. شردت حياة في الفراغ تتحسس بطنها فطال ال**ت بينهما فتساءلت جيهان :
-مالك؟ تعبانه؟
-عايزة أكلم آدم
ردت بشرود فاتسعت ابتسامتها وقالت بمكر :
-طب ما تكلميه.. ايه اللي منعك؟
***
أوقف حازم سيارته بسرعة جنونيه فأص*رت صوت صرير مزعج أثر احتكاكها بالأرض.. ترجل راكضًا إلى الداخل و وقف أمام المصعد يضغط زر الهبوط بعنف لكن أحدهم تاركًا بابه مفتوح بالأعلى.. فصعد إلى الطابق المنشود بواسطة الدرج..
اتجه صوب غرفة العناية المركزة ليجد شقيقته تبكي بمفردها.. وقف أمامها فنهضت عن المقعد واحتضنته بشدة فأخذ يمسح على شعرها بلطف وقال بهدوء على ع** النيران التي تأكل قلبه :
-أهدى يا روحي هيبقى كويس بإذن الله
تحدثت دموعها المنهمرة قبل شفتيها :
-عنده ذ*حة ص*ريه يا حازم
زم شفتيه وأغلق عيناه لبرهه ثم ابتعد عنها ليطبع قبلة حانية على جبينها وساعدها على الجلوس.. ثم اتجه نحو باب العناية وأخذ يدق عليه بخفة وبعد لحظات فتحت الممرضة فطلب منها مقابلة الطبيب المسؤول عن حالة شقيقه.. استأذنت للحظات وعادت إليه سامحة له بالدخول فدخل يتطلع حاوله مشمئزا من رائحة البنج والأدوية.. أشارت إلى حوض يقع على جانب الغرفة وهي تقول بصوت منخفض :
-من فضلك عقم ايد*ك
اتجه نحو الحوض و وقف يعقم يده في حين جلبت له قفازات وكمامة وأعطتهم إليه فأخذهم وبدأ في ارتدائهم وأيضا حذاء خاص بالغرفة.. ثم فتحت له باب غرفة العناية ودخل ليرى شقيقه نائمًا في سبات عميق.. أشاح بوجه بعيدا فلم يحتمل رؤية شقيقه الذي مص*ر قوته في الحياة بهذا الشكل.. وقف الطبيب أمامه فتساءل بصوت م**ور :
-عامل أيه دلوقت؟
-أحسن الحمد لله.. كويس إنك جيت عشان بصراحه مقدرتش اتكلم مع أخت حضرتك..
أومأ بتفهم وتطلع إليه باهتمام فتابع بصوت منخفض :
-اللي عنده ده بسبب التدخين الكتير عنده ذ*حة ص*ريه.. جت سليمة الحمد لله لكن لازم تمنعه عنها خالص
أومأ بالإيجاب ثم اتجه نحو الفراش و وقف إلى جواره يتأمل ملامحه واضعا راحته على ظهر يده.. فتح الأخير عيناه ناظرًا إليه ورفع يده الأخرى ليسحب كمامه الأ**جين عن وجهه وقال بصوت منخفض :
-مستعد لتوبيخك
ابتسم ابتسامة خفيفة وتحدث بهدوء :
-هوبخك لكن لما تقوم بسلامة
قام بوضع كمامة الأ**جين على وجه أخيه وقبله على جبينه برفق ثم شكر الطبيب كثيرًا وغادر.. بالخارج جلست كاميليا على المقعد المجاور لمقعد مرام وضمتها إلى ص*رها وهي تدعو الله أن يصلح حال الجميع.. خرج حازم بعد لحظات يتن*د بهدوء وجلس على المقعد المجاور إلى شقيقته من الجانب الآخر فابتعدت عن ص*ر عمتها وتساءلت عن شقيقها بلهفة.. أحاط وجنتيها براحتي يديها ومسح دموعها بإبهامية وقال مبتسمًا :
-بخير جدَا الحمد لله ده حتى اتكلم معايا
-بجد؟
-اه طبعًا بجد وشويه وندخل نشوفه
ضم رأسها إلى ص*ره وأخذ يمسد على شعرها برفق ثم نظر إلى كاميليا وقال بحزن :
-عمتو من فضلك قولي لحياة ان.. أن هنا توفيت إمبارح
رفعت رأسها عن ص*ره تطلع إليه في ذهول فيما اتسع فاه كاميليا وهتفت في دهشة :
-بنت عمها!.. لا حول ولا قوة الا بالله
-بلغيها عشان نستلمها من المستشفى ويتم الدفن بعد صلاة العصر
***
ما إن سمعت خبر وفاة ابنة عمها قتلت نفسها بالبكاء الحاد.. احتضنتها كاميليا و وجدت نفسها تبكي هي الأخرى وتهون عليها.. فقالت جيهان بعد أن مسحت دموعها :
-حرام عليكِ اللي بتعمليه ده.. ادعلها يا بنتي
رن جرس الباب فابتعدت كاميليا عنها واتجهت نحوه وفتحت لتجد حازم فرحبت به فدخل وهو يغض بصره.. حتى التقطت حياة اسـدال الصلاة خاصتها لترتديه.. طلبت والدته أن يقترب فتقدم نحوهم وجلس على المقعد في حين جلست كاميليا إلى جوار حياة ممسكه بيدها.. تحدث بحزن :
-البقاء لله يا حياة
مسحت على أنفها بمنديل وقالت بنبرة بكاء :
-ونعم بالله.. شكرًا يا متر على كل شيء.. وقفت جنبها ونصرتها
-لا شكر على واجب.. المهم هتقدري تيجي الدفن
-أه طبعًا.. بس انا لازم اكلم أهل والدتها عشان يعرفوا
أومأ بتفهم وأخبرها بمكان المسجد فنهضت عن الاريكة وصعدت إلى الغرفة و وقفت تتحدث في الهاتف مع شقيقة والدة هنا لتخبرها بالخبر الحزين.. ثم نظرت إلى زهره التي ترسم داخل الدفتر لتهبط دموعها على وجنتيها بغزاره.. تلك المسكينة لم ترى والدتها قط وأصبحت يتيمة بالفعل.. و والدها لا يود أي يراها..
التفتت تمسح دموعها بأنامل يدها ثم بدلت ثيابها إلى عباءة سوداء فضفاضة وحجاب بذات اللون ثم ارتدت نظاره شمسية سوداء وخرجت ومن ثم هبطت إلى الطابق السفلي وذهبت برفقة الجميع تاركة زهره مع المساعدة الخاصة بكاميليا
***
" بعد مدة من الزمن.."
انتظر جميع النساء داخل السيارات حتى انتهاء الصلاة ومن ثم ذهبوا إلى المقابر الخاصة بعائلة حياة.. وقفت معهم وهم يضعوها داخل قبرها بجوار والدها بينما الدموع ما زالت تغرق وجهها بالكامل.. وقفت مرام إلى جوارها تمسح على ذراعها وقبلتها على جانب رأسها ثم أخذتها وخرجا لتتقابل مع جنى التي احتضنتها.. وتعزيها بحزن واضح..
تمتمت بالشكر على وجودها وهي تبادلها بالعناق القوي.. ثم ابتعدت عنها واستقلت السيارة واراحت ظهرها إلى المقعد واضعه يدها على بطنها.. انتهى كل شيء في خلال وقت ليس بقليل انتهى كل شيء واستعد الجميع للمغادرة.. جلست جيهان على المقعد الأمامي بجوار حازم في حين جلست كاميليا إلى جوار حياة وامسكت بيدها.. قاد السيارة ببطء حفاظًا على حياة التي شعرت بألم أسفل بطنها.. شعرت بالحزن على عدم وجود آدم وتساءلت بنبرة بكاء :
-هو آدم مجاش ليه؟!
تنحنح بخفيه ولم يجد ما يقوله في حين ردت والدته بحنق :
-كان المفروض يجي.. مش عشان بينهم خلاف ما يجيش
-انا ما ما قولتش حاجة لآدم يا أمي
-هو آدم تعبان؟
قالت حياة كلماتها بنبرة مؤلمة فقد شعرت بألم في قلبها لكونها تشعر به ولم يهدأ بالها حتي تطمئن عليه.. رد بهدوء وهو ينتبه إلى الطريق جيدًا :
-لاء بخير
-بس قلبي مش بخير
***يتبع