" الفصل العشرين.. "
جلست إلى جواره تتأمله بدقة وتساءلت في توجس :
-مالك؟!
أدار رأسه ناحيتها مقطب جبينه ورد بصوت منخفض :
-الشحنة وصلت م**ره كلها
جحظت عيناها في ذهول ثم وضعت يدها على كتفه وقالت في دهشة :
-ازاي يا آدم؟.. العيب من أي طيب
آدم في حيرة بالغه :
-مش عارف.. أول مرة تحصل يا حياة
مسكت ذراعه ومسحت على ظهره باليد الأخرى وهي تقول بنبرة بكاء :
-متزعلش.. فداك مليون شحنة
رفع يده صوب وجنتها ليضع راحته عليها ناظرا إلى عينيها بعمق وقال مبتسماً :
-فداكِ أنتِ والبيبي..
اتسعت ابتسامتها فاختطف شفتيها المبتسمة في قبلة رقيقة استمرت للحظات ثم ابتعد عنها قليلاً وهمس بجدية :
-أول ما سمعت الخبر من مروان جيت على هنا عشان ارمي نفسي في حضنك
فتحت ذراعيها دون تردد فارتفع حاجبيه بمرح واستند برأسه على ص*رها.. فوضعت يدها على شعره تمسح عليه برفق ليجد نفسه يغلق عيناه ويلتقط أنفاسه براحة بال وكأن شيئاً لم يكن.. تحدث معها بلطف مستمتعا بكلماتها الرقيقة ونبرتها الناعمة.. رفع رأسه عن ص*رها ومسح بظهر يده على وجنتها ثم أمسك بيديها ونهض لتنهض معه وهو يقول بجدية :
-تسمحي لي برقصة؟
أومأت عدة مرات بحماس ثم أخذت الهاتف وقامت بتشغيل أغنية هادئة و وضعته على الفراش.. ثم وقفت أمامه بابتسامة واسعة.. أمسك بيدها وضعها على كتفه وأحاط خصرها بيده اليمنى وأمسك يدها الأخرى وبدأ يتمايل معها برفق.. ثم ادراها ليحتضنها من ظهرها ودفن أنفه بين خصل شعرها يستنشق عطرها الأنثوي الذي يخ*ف روحه.. بدأ يقبلها برفق حتى هبط بقبلاته إلى عنقها فميلت برأسها إلى الاتجاه الآخر عاقدة حاجبيها.. ارتفع بقبلاته إلى آذنها وهمس بنبرة حب صادقة :
-بحبك يا جنتي في الدنيا
التفتت إليه فقبلها على جبينها بلطف وهي تقول بصوت منخفض :
-أنا اسفه.. اسفه على كل حاجة.. أنا بحبك
احتضنها بكلتا يديه وقال مبتسماً :
-أنتِ ماتعتذريش.. كفاية كلمة بحبك تخليني أسامحك لحد أخر يوم في عمري
طبعت قبلة رقيقه على عنقه وقالت مبتسمه :
-ربنا يطول لي في عمرك
***
في الصباح الباكر ذهب آدم إلى الشركة وتفقد حالة الأجهزة المحطمة.. ثم نظر إلى مروان الذي يضع يده على جبينه ويبدو عليه الصدمة.. تقدم نحوه و وقف أمامه يربت على كتفه فنظر إليه بحزن قائلاً :
-صدقني يا آدم انا معرفش ايه اللي حصل للأجهزة.. أنا شحنهم كويس جدا ومفيش كرتونه وقعت من أيدي
أومأ تأكيدا على حديثه وقال مبتسماً :
-وحتى لو فيه جهاز وقع منك مش هيحصله كده.. دول محطمين بالأيد يا مروان
عقد حاجبيه بعدم فهم فطلب منه أن يلحق به.. ذهب الاثنان إلي غرفة المراقبة و وقف آدم أمام الشاشة قائلاً :
-وريني تصوير غرفة الأجهزة من قبل الشحن..
ضغط الموظف على زر لإعادة التصوير ليرى كل شيء كما هو.. فقال في حيرة :
-معقول في الساعات دي كلها ولا حركه حصلت
-تقصد أيه؟!
تساءل مروان بعدم فهم لينظر إليه واضعا يده على كتفه وأشار باليد الأخرى إلى النافذة الصغيرة الواضحة في التصوير قائلاً :
-يعني احنا في فصل الشتا والهوى شديد ودائما الشباك يتحرك من دفع الهوى.. مش معقول اكتر من ساعتين ثابت بالشكل ده
رفع الموظف رأسه إلى آدم قائلاً :
-تقصد حضرتك أن الكاميرات في الساعتين دول كانت واقفه؟
-تمام زي ما فهمت.. يا أما الكاميرات كانت معطلة بسبب فصل النت وده مستحيل يحصل أو حد دخل وعطل الكاميرات..
نظر إلى الشاشة الثانية متابعا :
-وريني مين دخل الغرفة دي
ضغط على زر لإعادة التصوير لذلك الوقت وعندما لمح أحدهم يدخل الغرفة طلب منه أن يبطء من حركة الكاميرات وبالفعل نفذ طلبه.. اتسعت عيني كلا من الموظف ومروان عندما تبين لهم أنه مالك.. لكن استقام ظهر آدم يتطلع إلى الشاشة بهدوء مخيف فكان يعلم من الفاعل جيداً لكي يجعله يشك في مروان كما حاول من قبل.. نظر مروان إليه وقال بجدية :
-أكيد مش هو اللي عمل كده.. ممكن يكون كان داخل الغرفة لغرض تاني
تحدث بذات الهدوء :
-أكيد يا مروان.. ما هو مش معقول مالك جوز أختي يأذيني في شغلي..
ثم ربت على كتفه متابعا :
-روح لمرام خليها تمضي على استلام الشحنة
خرج من الغرفة متجهًا صوب المصعد و وقف أمامه يضغط على زر الهبوط.. جاءت مرام و وقفت إلى جواره فنظر إليها بلهفة بينما هي قالت بحزن واضح :
-أيه اللي حصل في الأجهزة يا مروان؟
تنحنح بخفيه ومد يده بالمستند وقال :
-آدم أمر إنك تمضي على استلام الشحنة
أخذت المستند تتفقد أوراقه ثم رفعت عينيها إليه وقالت في حيرة :
-بس الشحنة مفيش حد استلامها
-مش عارف هو بيفكر في أي
أومأت بالإيجاب وبحثت عن قلم داخل الحقيبة فأعطي لها القلم الخاص به فأخذته ومضت على الأوراق.. وقف مالك ينظر إليهم عن بُعد ويبدو عليه الغضب الشديد.. استقل مروان المصعد وهي ذهبت للبحث عن آدم حتى تقابلت معه في الردهة وقالت بحزن واضح :
-ربنا يعوضك يا حبيبي.. فداك وفدانا كلنا
طبع قبلة حانية على جبينها ثم نظر إليها بابتسامة رضا قائلاً :
-الحمد لله يا حبيبتي.. كله خير.. يلا على شغلك
أمسكت بيده تشدد عليها ثم تركتها والتفت لكنها استدارت بكليتها ثانية عندما تذكرت شيئاً وتساءلت بفضول :
-أنت ليه خلتني امضي على استلام الشحنة
-عشانك.. اقصد عشان هعتبر الشحنة وصلت وحسابها عندي
ارتفع حاجبيها بعدم فهم ثم التفتت وتابعت السير.. أشعل سيجارة ثم ذهب إلى مكتب مالك وعند وصوله اقتحم الغرفة مغلقاً الباب خلفه بقوة.. نظر إليه بثبات مصطنع بينما صاح الأخير بحده مفرطة :
-أنت هنا في شركة بقالك أربع سنين.. وثقت فيك وجوزتك أختي الوحيدة وفي الاخر تدمر شغلي اللي تعبان فيه
نهض عن المقعد بثبات مصطنع وقال بلؤم :
-أن مش فاهم أنت بتتكلم عن أيه
تقدم نحوه وأخذ بتلابيبه بقوة محدقًا به بنظرة حادة قاتلة وقال بفحيح :
-أنت فاهم وعارف بتكلم عن أيه .. وللأسف مش هعملك حاجة عشان خاطر مرام بس.. لكن من النها ردة ملكش مكان في الشركة
تركه بدفعه فتراجع خطوة للخلف وما زال يتصنع عدم الفهم بسؤاله :
-ممكن أفهم انا عملت ايه؟
لم يحتمل خداعة أكثر من ذلك فسدد له ض*به قويه أسفل عيناه فتأوه بشدة فأمسك الأخير قميصه وقال بعصبية :
-الكاميرات فضحتك اللي دخلت تعطلها.. ربع ساعة والاقي استقالتك على مكتبي وقول أي حجة لمرام.. أنا عملت بأصلي ورفضت أقولها وحساب الشحنة اللي باظت دي عندي
تركه وترك الغرفة وغادر.. وضع يده أسفل عيناه ثم ض*ب على المكتب بقوة وجلس كي يكتب الاستقالة
***
" بعد مده من الزمن.."
دخلت مرام المنزل تنادي مالك بصوت عالٍ فخرج من الغرفة و وقف أمام الدرج يتطلع إليها في حده.. نظرت إليه وصعدت الدرج وهي تسأل في حيرة :
-أنت ليه قدمت استقالتك يا مالك؟!
وقفت أمامه فرد في حنق :
-عشان مش طايق أشوفك كل شويه واقفة مع مروان.. شوفتك النها ردة واقفة معاه
تن*دت بسأم من كثرة حديثه عن مروان وقالت محاولة إقناعه :
-أنت ليه حاطت مروان في دماغك.. كل كلامنا شغل.. شغل وبس يا مالك
قبض على مع**ها بشدة يحملق بها في حده قاتلة قائلاً :
-انا مبحطش حد في دماغي بذات حيوان زي ده.. وأنا بقولك لو اتكلمتِ معاه تاني هيبقى ليا تصرف مش هيعجبك
-مش هيعجبني يعني أيه ؟!.. وبعدين أنت مش واثق فيا
-واثق فيكِ لكن مش واثق في مروان
حركت رأسها في كلا الاتجاهين وهي تقول بسأم :
-التفاهم معاك صعب بجد يا مالك
قبض على مع**ها بشدة حتى تأوهت وحاولت تحرير مع**ها بحركة دائرية وهو يقول بحنق :
-اتكلمي معايا بأسلوب احسن من كده.. فاهمة
ثم ترك مع**ها بدفعة لتفلت قدميها وسقطت من أعلى الدرج.. جحظت عيناه وحاول امساكها لكن لم يلحق بها ففي لحظة سقطت.. وارتطمت رأسها في الأرض فأغشى عليها بينما هبط مالك الدرج سريعاً وجلس إلى جوارها يمسح على وجنتها ثم حملها على ذراعيه و وضعها على الأريكة برفق حتى جلب مفتاح سيارته من الغرفة.. ومن ثم حملها وخرج ليضعها داخل السيارة وذهب إلى أقرب مشفى..
عند وصوله أخذوها إلى غرفة العمليات وجلس على إحدى المقاعد.. بعد وقت ليس قليل خرج الطبيب وتحدث مع مالك للحظات وبدت علامات الذهول على قسمات وجهه بمجرد أن علم بفقدان الجنين..
-جنين؟!
-أه هي كانت لسه في بداية الحمل.. الله يعوض عليكم
غادر الطبيب فجلس الأخير على المقعد يتطلع إلى الفراغ في صدمة كبيرة.. ضيع كل شيء بيده.. خسر العمل و زوجته حبيبته وطفلة في آن واحد.. شعر بالجنون عندما فكر في كل تلك الأشياء وما فعله خطأ دون أن يفكر للحظة.. خرجت الممرضة ليخرج نفسه من كم الأفكار المزعجة ونظر إليها وهي تقول :
-مدام مرام طلبت أخواتها
دفن وجهه في كف يده يومئ بالإيجاب.. ثم نهض كي يخبر أشقائها بواسطة هاتف المشفى فيما تم نقلها إلى غرفة خاصة.. بدأت تبكي على فقدانها لطفلها على يد والده المستهتر.. أخذت تعاتب نفسها على إعطائها له فرصة ثانية للعيش معه.. وضعت يدها على جبينها لتشعر بالشاش الأبيض حول رأسها التي تؤلمها بشدة.. وقفت الممرضة إلى جوار الفراش تربت على يدها برفق قائلة :
-العياط هيتعبك.. والصداع هيزيد
أمسكت بيدها وقالت بترجي :
-عايزه أي مسكن عشان الصداع
-لازم الدكتور اللي يقول لي تاخدي أيه
دخل مالك مغلقاً الباب خلفه بهدوء.. جحظت عيناها بهلع وطلبت منها أن تخرجه من الغرفة.. وقف أمام الفراش وهم بالحديث لكنها صاحت بحده :
-أخرج بره أنا مش طايقه أشوفك
ما أن أنهت حديثها تأوهت واضعه يدها على رأسها فقالت الأخيرة بتأفف :
-من فضلك ممكن تخرج دلوقت
-مش هخرج لازم اتكلم معاها
هتفت من بين أسنانها بحنق :
-أنت معند كش دم.. بقولك مش طايقه أشوفك
تشاجرت الممرضة معه حتى دخل كلا من آدم الذي ركض إلى شقيقته وحازم وقف يتطلع إلى مالك وقبض على مع**ه بقوة ثم اتجه نحو الخارج ساحبا إياه خلفه.. وقف في مواجهته تاركًا مع**ه بعنف يتأمل عيناه بنظرات ناريه وقال :
-أنت قتلت روح يا مالك وده له عقاب شديد
-يعني أنت كنت عارف.. ازاي تعرفكم قابلي هو أنا مش جوزها
قال آخر كلماته بعنف فأخذ بتلابيبه وهتف بحده :
-هو ده اللي همك.. أنا هود*ك في داهية وهرفع عليك قضية..
تركه وربت على كتفه بعنف وتابع بنبرة متوعدة :
-حالا تمشي من هنا مانعًا للمشاكل
-عايز أطمن على مراتي
ابتسم ساخرًا ورفع حاجبيه بمرح قائلًا:
-مسكين
ثم تركه و دلف إلى الغرفة كي يطمئن على شقيقته.. قبض الأخير قبضته بقوة وهم أن يدخل لكن تراجع عن قراره ومن الأفضل أن يذهب الان وبالفعل غادر المشفى
***
يتبع