" الفصل الثاني والعشرين.."
دخل الفيلا بالمفتاح الخاص بشقيقته ليجد مالك يحتل الأريكة واضعا رأسه بين كفيه ويبدو عليه الندم الشديد.. الندم الذي يقتل القلب رويداً رويداً.. جلس إلى جواره دون أن يتفوه بكلمة فرفع الأخير رأسه ناظرا إليه بعينين لا يوجد داخلهما الروح كأنهم انفصلوا عن جسده بفضل الدموع التي لم تتوقف للحظة.. هتف الأخير بهدوء على ع** الغضب القاطن داخل ص*ره قبل قلبة بفضله :
-أنا مقدر اللي أنت فيه يا مالك.. عشان كده سبتك يومين مع نفسك
-أنا بموت بالبطيء يا آدم
أطلقت الحنجرة صراح كلماته بصعوبة بالغة فأدار الأخير رأسه ناحيته.. برغم حالته التي يرثي لها لم يشفق عليه حتى بنظراته.. فمصلحة شقيقته فوق كل شيء وقال بثبات :
-أنا جاي اخدك ونروح للمأذون تطلق مرام
لم يندهش كأنه يعلم بأنه سيأمره بذلك.. وجد نفسه يحرك رأسه في كلا الاتجاهين رافضا ما أمره به بإصرار كبير وهتف بجدية واضحة في كل حرف يخرج من بين شفتيه :
-أسف يا آدم مستحيل أطلق مرام.. أنا لازم اعوضها عن كل اللي حصل.. لازم اثبت لها قد أي أنا بحبها.. ماكنتش أعرف أنها حامل والله العظيم ما كنت أعرف.. وكل اللي عملته ده بدافع الغيرة
-غيرة؟!
خرجت الكلمة بنبرة ساخرة فرد بتأكيد متلاشيا سخرته :
-أه غيرة.. حط نفسك مكاني وشوف مراتك واقفة تتكلم مع واحد بيحبها.. هتعمل أي؟
ارتفع حاجبيه في تعجب ولم يفهم مقصده كأنه يتحدث بلغة رياضية صعبة الفهم.. فكرر كلماته الأخيرة بحده فأجاب آدم بحده عالية :
-أنت تقصد أي؟!.. وضح كلامك
-أقصد مروان.. مروان بيحب مراتي وكل مرة بشوفه معاها بتجنن
الأن فهم كل شيء ولما فعل كل ذلك.. نهض عن الأريكة وهتف بحسم :
-اجهز عشان تيجي معايا ونخلص موضوع الطلاق
وقف أمامه يتطلع إليه بعينين حادتين وتحدث من بين أسنانه :
-أنت ازاي مش فارق معاك اللي قولته
-لأنه كلام مجانين.. أنت مش ماسك قلوب الناس عشان تتحكم فيها..
أشار بسبابته إليه متابعا بحده عالية :
-المشكلة فيك أنت يا مالك.. كان المفروض تثق في مراتك اكتر من كده وتفهم أن اللي بينها وبين مروان شغل وبس..
ربت على كتفه بعنف وتركه متجه صوب الباب قائلاً :
-عالج قلبك قبل نفسك يا مالك.. أنا مستني في العربية
***
" فيلا آدم.. "
صعدت جنى مباشرة إلى الطابق العلوي بعد أن تقابلت مع جيهان بالأسفل.. وقفت تدق باب غرفة مرام ودلفت إلى الداخل بعد أن آذنت بالدخول.. جلست على حافة الفراش لتحتضنها..
-عاملة أيه النها ردة يا قلبي؟!
اغمضت عينيها لتسقط دمعه ساخنة على كتف جنى امتصتها سترتها وردت بنبرة مؤلمة :
-زي ما أنتِ شايفه.. مفيش جديد في حياتي
ابتعدت عنها ومسحت علي وجنتيها وهي تقول بان**ار :
-الحياة حملها بقي تقيل جدا.. انا حقيقي تعبت من كل حاجة
-مالك أنتِ كمان؟!..
تساءلت بتمعن فلم تجيب وأخرجت الهاتف من الحقيبة وبدأت تبحث عن شيء ما ثم أدارت الهاتف إليها بمجرد أن وجدت ما تبحث عنه.. أخذت الهاتف من بين أنامل يدها وتطلع إلى خبر خطوبة المخرج الشاب شريف.. اغمضت عينيها بلهفة وبعد لحظات فتحتهما لتطلع إليها وهتفت بهدوء :
-ملكيش نصيب معا
أخذت الهاتف تتطلع إلى الخبر للحظات حتى تحركت الدموع داخل عينيها بأريحية.. وهبطت على وجنتيها عندما نظرت إلى الأسفل وقالت نادمة :
-أنا السبب في اللي بيحصل معايا.. اخدت أيه من التمثيل يا مرام؟!.. اتجوزت واحد عشان انسى بيه حبي وعشان اوصل للفن بسرعة.. طب ليه استعجلت على الجواز وعلى التمثيل.. كان ممكن اصبر وربنا يرزقني بالأفضل واوصل للي انا عايزاه خطوة خطوة
احتضنتها وأخذت تمسح على شعرها بلطف.. دق الباب فابتعدت جنى سريعاً تمسح دموعها بكلتا يديها فطلبت منها أن تذهب إلى المرحاض لتنفيذ رغبتها فوراً ودخلت المرحاض في حين آذنت مرام بالدخول.. دخلت حياة بابتسامة بشوشه تطيب الجروح وجلست أمامها تربت على ركبتها بكفها الصغير قائلة :
-مبتفكريش تخرجي
-مش عايزه اشوف الناس.. وحدتي أفضل بكتير
مسحت على جانب شعرها وقالت بصوت مبحوح :
-بالع** لازم تخرجي وتشوفي الشمس والناس.. أحنا اتخلقنا عشان نقابل ونتعلم..
استمعت جنى إلى حديثها عندما خرجت من المرحاض وتقدمت نحوها و وقفت تسلم عليها.. ثم صعدت إلى الفراش وجلست إلى جوار مرام.. الاثنان ملامحهم واحده في الحزن والبؤس وكأنه جزء من ملامحهم.. أخذت تنتقل ببصرها بينهم وقالت في تعجب :
-لاء يا بنات احنا اتخلقنا عشان نكون مبسوطين
بالأسفل دق جرس الباب فركضت الخادمة إليه وفتحت الباب لتجد كمال يصيح بها دون مقدمات واقتحم الفيلا ينادي ابنائه بحده بالغة.. بينما دخلت جيهان بعد أن تركت الحديقة وتطلعت إليه في دهشة حادة خرج حازم من غرفة المكتب و وقف في مواجهته فقال بعصبية :
-عايز بقيت الفلوس يا حازم.. هو مش خلاص البنت اتكتبت باسمي
-لسه ورقة طلاق هنا
ما أن أنهى حديثه استمع إلى صوت رنين الهاتف أتي من داخل غرفة المكتب فعاد إليه وأجاب على الطبيبة المسؤولة عن حالة هنا لتخبره بكل شيء.. في حين وبخت جيهان ذلك اللعين عن تركه لأبنائه وحالة مرام الصعبة وما حدث معها وهو غير مهتم.. خرج حازم متجه نحوه كالبركان المنفجر وأخذ بتلابيبه لتندهش والدته في حين صاح بصوت غليظ من فرط العصبية :
-أنت ليه تروح المصحة عند هنا وتهددها بالقتل
مختار بتلعثم :
-أ أنا مـ مروحتش المصحة
-متأكد انك روحت وهنا مش هبله عشان تقول أي كلام
حاول تحرير نفسه من قبضة لكن بلا جدوى فاندفع بسأم :
-أه روحت عشان اخد حقي منها وبنت المجنونة ض*بتني في دماغي
خرجت حياة على الصوت العالي بعد أن ارتدت اسـدال صلاة و وقفت على حافة الدرج تنظر إليهم بنظرة توجس.. في حين دخل آدم وفض ذلك الاشتباك.. وغادر حازم المنزل ذاهبا إلى المشفى كي يطمئن على حالة هنا..
في الداخل أمره آدم بكل هدوء أن يغادر الفيلا فرفض وانتقل ببصره بينه وبين حياة للحظات ثم قال بأسف :
-عرفت توقعك في حبها يا آدم زي ما خططت بالظبط
-أنت تقصد أيه؟!
رد بلؤم :
-حياة اللي كانت كل ليلة تحلف تنتقم منك..
جلست حياة على الدرج مستسلمة لأمر واقع.. فقد جاء كمال ليدمر حياتها من جديد كما يفعل دائما.. استدار نصف استدارة ينظر إليها بنظرة عتاب أصابت قلبها مباشرة.. وبدأ يدق برهبة وعلى وشك أن يخرج من بين ضلوعها.. في حين تابع كمال حديثه قاصدا أن يخرب بينهم :
-الأراضي اللي اخدتها مني عشان حقك انت وأخواتك.. أراضي والدتها.. والدتها ماتت بحسرتها على الأراضي دي يا آدم.. يعني أنت السبب في موتها .. حياة دخلت حياتك عشان تنتقم منك مش عشان بتحبك ومغرمة بيك
غادر المنزل بمجرد أن أنهى حديثه في حين جلست جيهان على أقرب اريكة عندما شعرت بالدوران المفاجئ وهبطت دموعها على وجنتيها بغزاره على حال أبنائها وعلى ما يحدث حولها.. تتمنى لو كان كابوسا طويلاً وستستيقظ منه عم قريب.. لكنها فاقت من شرودها عندما صاح آدم في وجهه زوجته بفضل كذبها المستمر وقبض على مع**ها بقوة واتجه صوب الغرفة جاذبا إياها خلفه.. ادخلها الغرفة أولا ثم دخل مغلقا الباب بقوة فانتفض بدنها رغماً عنها.. قالت بنبرة بكاء صادقة :
-والله العظيم كنت هقولك على كل حاجة
حرك رأسه في كلا الاتجاهين ورد في حيرة :
-ليه تخليني كل يوم اكتشف مصيبة أكبر من اللي قبلها
جلست على حافة الفراش تبكي بشهقات متقاطعة فوبخها بشدة على بكائها وطلب منها أن تقص عليه كل شيء.. فقالت بصوت مبحوح من فرط ما يحدث :
-كلامه صح..
جحظت عيناه في صدمة كبيرة حيث تابعت بنبرة تعلوها البكاء :
-فعلا قررت انتقم منك واخد حق أمي منك.. بس والله قابلتك بالصدفة عند عمتو كاميليا.. يومها قولت لنفسي أي السرعة دي والصدفة الغريبة دي.. يمكن رسالة من عند ربنا اني أعرفك كويس قبل ما أفكر اعمل اي شيء جنوني..
رفعت رأسها إليه تنظر إليه بنظرة حب صادقة كما تتحدث بصدق :
-انا حبيتك يا آدم ومقدرتش اعملك حاجة ولا حتى أواجهك بالحقيقة.. وعرفت انك ملكش أي ذنب في اللي حصل و والدك هو السبب في كل ده.. انتقامي وقف ومستحيل أنفذه.. عشقي ليك أقوى من أي انتقام
-مخبية أيه تاني؟!.. أو اصدقك ازاي؟!.. أصدق فعلا انك خرجتي الانتقام من دماغك ولا لاء؟!.. أنا مش قادر اصدقك لأنك كدابه.. اكتر حاجة بكرهها في حياتي الكدب لكن انا اتحملت كدبك كتير.. ويا عالم في أيه لسه مخبياه..
رمقها بنظرة نارية طويلة بعد أن توحشت ملامحة وقال بحسم :
-مش عايز اشوفك هنا.. خدي زهره واقعدي في الشقة
ترك الغرفة وخرج مغلقا الباب خلفه بقوة فانتفض جسدها ثم تركت الفراش وجلست على الأرض تبكي بحرقة وندم شديد
***
عند وصوله دلف إلى الداخل واستقل المصعد إلى الطابق المنشود ومن ثم ركض إلى الغرفة التي بها هنا وقف ينظر إلى الطبيبة فنهضت عن المقعد وهمت بالحديث لكن خرج الطبيب وانتقل ببصره بينهم ويبدو عليه الحزن الشديد وقال بأسف :
-البقاء لله
صدم من قول الطبيب فيما شهقت الأخيرة بصرخة خرجت رغما عنها وجلست على المقعد تبكي.. غادر الطبيب فانتقل الأخير ببصره بين غرفة العمليات والطبيبة وأخذ يوبخها بشدة.. فنهضت عن المقعد وتحدثت ببكاء :
-أنا ذنبي أيه.. انا كنت بحمي نفسي من شر عمها
-بس أنتِ ما صدقتيش أن جوزها حاول يقتلها
ردد بعصبية مفرطة مشيرة إلى نفسها :
-أنت بتحملني ذنب موتها
-لاء يا دكتورة.. شكرًا على تعبك معاها طول الفترة اللي فاتت.. ارتاحت
غادر ما أن أنهى حديثه فحدقت به حتى اختفى من أمام عينيها وجلست على المقعد ثانية.. خرج من المشفى يبدو عليه الإرهاق واستقل سيارته واراح ظهره على المقعد يعصر جبينه بأنامله.. فكر في شيء ما ليفتح باب السيارة فاصطدمت فتاة به متأوه.. ترجل وأغلق الباب متمتما بالاعتذار لكنها جزت أسنانها بغيظ قائلة :
-مش تفتح يا انت
-ما قولت أسف انتِ هطولي ل**نك ليه
رددها بحده فاندفعت بحده :
-اطوله أقصره ل**ني وانا حره فيه
-اتلمي يا بنت انتِ بدل ما اسجنك
قال كلماته بنبرة متوعدة فض*بت الأرض بقدميها وغادرت من أمامه.. ض*ب كف على كف ثم دخل المشفى واتجه مباشرة نحو غرفة مكتب الطبيب
***
يتبع