الفصل الرابع

1802 Words
خطوات بطيئة إقتربت من الحي الذي لم يهدأ منذ ثلاث أيام ماضية ، معالم الفرح و الزينة ملأت شوارعه و الشوادر المغطاه أحجبت ضوء الشمس عن معظمه فقط لإحياء الحفل المخصص لزفاف سيدة حُسن و جمال حي خلدون ! و اليوم إنتقلت المراسم إلى قاعة المناسبات التي تقع بالقرب من الحي فأشعلوا بها الأضواء و علا ضجيجها بأصوات الحضور ليصل إلى خارج حدودها لم تطاوعها قدماها على الدخول بل أنها أصرت على تقضية وقت إضافي بالعمل حتى لا تضطر أن تحضر حفل الزفاف شعرت بوقع أقدام يقترب منها فإلتفتت لتراه وجدته أمامها يطالعها بعيونه العسلية الصافية ، جبينه مقتضب و يبدو على وجهه علامات العبوث لم تتفوه بكلمة واحدة بل تحركت في **ت متمسكة بقوتها التي ترفض أن تظهر ضعفها أمام أحد حتى هو ! كلمة جعلتها تقف مكانها تغمض عينيها مستمتعة بوقعها على أذنيها :- فريدة إقترب منها و وقف خلفها واضعاً يديه بجيبي بنطاله شامخا أنفه إلى أعلى و قال :- إيه يا فريدة ما عرف*نيش إنتِ كمان زيهم ؟ ماذا عليها أن تقول ! هل عليها أن تخبره أنها لم تنساه و لو لدقيقة واحدة بكل ما مرت به من سنين ! أم عليها أن تخبره بروحها الممزقة بألم فراقه لحظة بل تخبره بوقع إسمها من بين شفتيه على قلبها الذي تراقص فرحاً كفرحة طفل صغير بسكاكر العيد ! سحبت نفساً عميقاً تستجمع به شجاعتها و رسمت إبتسامة باهتة على شفتيها ثم إلتفتت إليه تطالع عينيه بقوة قائلة :- لأ عارفاك ، علشان أنا مش زيهم .. مش أنا اللي الفلوس تعمي عنيها عن الحقيقة يا مراد ، أنا فريدة اللي إنت شكلك نسيت هي مين تراقصت الإبتسامة بعينيه و هو يراها كما كانت دوما قطة مشا**ة لا تخشى أحداً لف حولها بهدوء و هو يحرك رأسه يميناً و يساراً قائلا :- بس أنا ما نستكيش يا فريدة ( ثم مال عليها قليلا و أكمل بخفوت ) حتى فاكر لما كنتِ بتيجي تستخبي ورايا علشان خايفة من أبوكي تمردت على قلبها الذي يخفق بإضطراب و إستدارت إليه بقوة فإرتد هو للخلف قليلاً محافظاً على ثباته فقالت ببعض الحدة :- اه ، بس ابويا مات ، مات و ماتت معاه البنت اللي بتستخبى علشان خايفة منه و ما فضلش منها غير فريدة اللي إنت شايفها قصادك دي اللي لا بتخاف من حد و لا يفرق معاها حد همت بالرحيل لكنها عادت مرة أخرى و قالت :- اه .. نسيت أقولك مب**ك ( ثم أشارت إليه من أعلى لأسفل بعينيها و قالت ) خلاص دلوقتي ما شاء الله عليك بقيت تليق بست الحسن و الجمال وقفت قليلا ترى وقع كلماتها عليه لتجده جامدا غامضا كعادته لكنها تعلم جيدا أن كلماتها أصابت جُرحه القديم بقوة إبتلع غصة مسننة بحلقه و هو يضغط على فكيه بغضب أشعل السواد بعينيه و حانت منه إلتفاتة إليها و هي تأكل الطريق بقدميها الصغيرتين إنتبه إلى صوت عمر الذي تابع ما يحدث من على بعد و سأله :- مش دي فريدة ؟ مسح مراد بكفيه على وجهه و تجاهل سؤال رفيقه و رد و هو يتحرك بإتجاه قاعة المناسبات :- يلا علشان إتأخرنا نظر آسر إلى عمر مستفهما فحرك له الآخر كتفيه بعدم فهم فأغلق آسر باب سيارته و ذهب خلف صديقيه ******** في قاعة المناسبات المقسمة إلى قسمين أحدهم للرجال و الآخر للنساء كعادتهم بالأحياء الشعبية ، إزدحم المكان بحضور جميع أهل الحي وقف المعلم سالم خارج القاعة و قد بدأ القلق ينبش بص*ره بسبب عدم وصول مراد إلى الآن إقترب منه أحد صبيانه و الذي هو بمثابة ذراعه الأيمن و قال :- جرا إيه يا معلم المأذون قاعد من بدري و الناس إبتدوا يتكلموا و لا هو جه و لا حتى حد من أهله ض*ب سالم كفيه ببعضيهما و هو يكتم غضبه قائلا :- هيضحك عليا الناس إبن الذوات و لا أعرفله رقم تليفون و لا أعرف طريقة أوصله بيها رد الآخر :- طب و العمل يا معلم كاد سالم يتحدث حتى تهللت أسارير صبيه قائلا :- وصل يا معلم العريس وصل ثم إنطلق إلى الداخل يذيع الخبر ليصدح صوت الزغاريط عالياً سلّم مراد و أصدقاءه على سالم الذي لم ينتبه لعمر و أنه كان يقطن معهم بالحي لكنه تركه منذ فترة طويلة فقد ألهته الفرحة بقدوم عريس إبنته المنتظر لم يلتفت مراد لأحد بل ظل يتلقى المباركات بلاه مبالاه حتى فاجأ الجميع بجلوسه بجانب المأذون دون الذهاب ليحضر عروسه من الغرفة المخصصة لها أقبلت أم رضوى و إقتربت من زوجها تشده من طرف كم عباءته و قالت بالقرب من أذنيه :- إيه يا معلم ماله ده ، مش كفاية إنه جاي متأخر كمان مش هيروح يجيب البت من أوضتها همس لها المعلم سالم :- ما يمكن دي عوايدهم عند الناس العليوي ، أنا هروح أجيبها علشان نكتبوا الكتاب وصل إلى غرفة إبنته و فتحها ليجدها تجلس بتأفف و بعض من صديقاتها يلتفون حولها محاولين تهدئتها نهضت رضوى من جلستها عندما رأت والدها و أسرعت إليه تسأله بلهفة :- إيه يا أبا لسة ما جاش بردك رد سالم و عينيه تتجول على الفتيات بوقاحة :- لأ جه فسألته بعد أن هدأت نوبة توترها :- و ما جاش ياخدني ليه أحاط سالم كتفيها بذراعيه قائلا :- يا بت الناس الأغنية دول لازم أبو العروسة هو اللي يوصلها لعريسها أومأت له رضوى بعدم إقتناع لكنها إضطرت لمُجاراته أمام الفتيات و وضعت يدها بذراعه و تحركت معه متجهين إلى المكان المخصص للمأذون علت الزغاريط مرة أخرى معلنة عن وصول العروس ، و حين أقبل اهل الحي للسلام عليها و تقديم لها المباركات أشارت لهم بتعالٍ من بعيد فعاد كل إلى مكانه بغيظ من طريقتها المتعجرفة و جلست هي بجانب والدها على الجانب الآخر من المأذون إنتهت مراسم كتب الكتاب و صارت على إسمه بعد أن أعلنهما المأذون زوج و زوجة لم يترك مراد المجال مفتوحاً أمام الحضور للمزيد من التهاني الزائفة فهو يعلمهم حق المعرفة و يعلم نواياهم جيدا فقد عاشرهم كثيرا و فاض من سواد قلوبهم عليه فعانى منهم بما يكفي بالسابق فأمسك بذراع رضوى و جذبها متجهاً إلى خارج القاعة و تبعهم الجميع بينما آسر يتابع ما يفعله رفيقه بإستغراب إستقبلتهم زفة بالخارج العديد من الشباب يمسكون بألات موسيقية شعبية بأيديهم و عندما لمحوا العروسان صدح صوت المعازف عاليا فتهلل أسارير المدعوين و شاركوا الفرقة الرقص إشتعلت ملامح مراد بالغضب و قال بحدة لرضوى :- أنا مش قولت مش عايز فرح ؟ ردت رضوى ببعض التعالي التي لا تتخلي عنه :- عادي تلاقي أبويا حب يعملهالي مفاجأة ترك مراد يدها و إلتفت إليها قائلا :- أنا هستناكي في العربية إفرحي إنتِ بمفاجأة أبوكي لوحدك تفاجأت رضوى بما فعله و أخذت تنظر له بإستغراب لكنها قررت أنها لن تخضع لتصرفاته فتركته يرحل و وقفت هي تتابع الزفة و الضحكة مرسومة على وجهها . أحاط عمر و آسر صديقيهما بعد أن علت ملامح الوجوم وجهه فقال عمر بحيرة :- اللي بيحصل مش عاجبني يا مراد و للأسف مش قادر أتكلم لإنك إنت اللي طلبت مني دة سأل مراد بهدوءه المعتاد رغم ملامحه الغاضبة :- و إيه اللي مش عاجبك إن شاء الله رد عمر بحنق :- كل حاجة يا مراد ، كل حاجة بتحصل مش عاجباني ، مش دة الحي اللي مشيت منه زمان متهان و متداس عليك و على كرامتك ، و مش هي دي نفسها رضوى اللي بهدلتك إنت و مامتك من سنين و ف*جت الحي كله عليكم ( حاول أن يهدأ قليلا ثم أكمل ) ماشي هنقول قررت تنسى اللي فات طب و أمك و أختك ما فكرتش تفرحهم هما كمان معاك ليه ؟ مراد إنت واعي إنت بتعمل إيه ! رد مراد الذي لم يتضح عليه أي تأثر :- واعي جدا و أكتر مما تتخيل كمان ، بس إفتكر اللي طلبته منك يا عمر الموضوع دة بالذات محدش يتدخل فيه نظر عمر إلى آسر الذي يتابعهم ب**ت ثم عاد ينظر إلى مراد و قال :- ماشي يا مراد ماشي لما نشوف أخرتها دخل مراد سيارته و إتخذ موقع القيادة و فعل صديقيه مثلما فعل كل بسيارته و ما هي إلا دقائق قليلة حتى إنتهت الزفة و وصلت رضوى إلى السيارة برفقة والديها اللذان ودعاها ثم إنطلق مراد غافلا عن تلك الأعين الكحيلة التي تخفت بمدخل إحدى البيوت تتابع مراسم زفافه بدموع و ألم منذ قليل ألقت الكلمات بوجهه بحرقة قلب ضمدته آلام الفراق ، تعلم أنها دعست على جُرحه الغائر بقوة كلماتها ، لكنها لن تجامله و لن تلين أبداً معه و إذا تعاطفت معه بالسابق رغم نيران الغيرة التى إلتهمت فؤادها ، فلن تفعل ذلك الآن لن تمسح على كرامته المهدورة تحت سطوة حب مزيف بحنان ، بل ستضغط على جُرحه كي يزداد ألمه عله يستفيق من غيبوبته و يمحو غشاوة عينيه حانت منها إلتفاتة للخلف فوجدته تحرك الى القاعة فإنتهزت الفرصة و تسللت إلى إحدى البيوت تختبئ بمدخلها ، إنتظرت خروجه لتملي عينيها بسحر طلته و تمتع قلبها بزهوة رؤياه و لكن تمزق الفؤاد و هو يراه أمامها و بيده عروس أخرى غيرها ! هبطت الدموع الخائنة من مآقيها و خرجت أخيرا من محاجرها فقد طال حبسها و حان وقت الإنفراج عندما أوشكت الزفة على الإنتهاء خرجت من المكان التي تتخفى به ثم إتجهت تجر أذيال الخزي و الألم إلى بيتها حتى لا يراها أحد . ************ وصل مراد و عروسه إلى القصر فأخذت تنظر له بإنبهار لم يخفى عن السائر بجانبها فى **ت . كان القصر بحالة سكون و هذا ما كان يتوقعه و قد حمد ربه على ذلك فهو لن يتحمل المزيد من الضغط على أعصابه بهذا اليوم . أشار إلى رضوى فتبعته و هي تلتفت حولها يميناً و يساراً حتى كادت تتعثر إكثر من مرة لكنها كانت تسند نفسها جيدا حتى لا تظهر بمظهر البلهاء أمامه فتح مراد باب غرفته و تنحى عنه قليلا فدخلت رضوى لتكمل وصلة إندهاشها ، أغلق الباب خلفه بهدوء و وقف يعبث بهاتفه بعد أن خلع جاكيت حلته و ألقاه بعشوائية على الفراش فاقت رضوى أخيرا من هيامها بالمكان و نظرت له لتجده لا يعيرها أدنى إهتمام ، أخذت تفكر بطريقة لجذب أطراف الحديث معه فسألته :- ما قولتليش إيه رأيك في الفستان ؟ إلتفت لها برأسه و أرسل لها نظرة تقييمية ثم أعاد نظره الى الهاتف مرة أخرى و هو يقول :- بلاش علشان لو قولت رأيي هتزعلي تطلعت للفستان مرة أخرى و إقتربت منه قائلة :- يعني إيه ؟ الفستان مش عاجبك ! ترك هاتفه عندما وجدها بجواره و إلتفت إليها بكليته ثم نظر بعينيها بقوة قائلا :- هتزعلي لو قولت رأيي أصرت على أن يبدى رأيه فمال عليها قليلا و قال بخفوت :- شعبي أوي الحقيقة ، مكنتش أتوقع إن ذوقك وحش أوي كدة أهانها بطريقة جعلتها تشعر بالدونية أمامه فقررت رد الصفعة إليه فتفوهت بغيظ :- غريبة مع إني إخترتك على ذوقي رسم إبتسامة جانبية على ثغره و نفى قائلا :- تؤ ، مش إنت اللي إختارتي يا رضوى ، أنا اللي إخترتك و بمزاجي لم يشعر بالشفقة تجاهها حتى بعد أن رأى ملامحها التي إشتعلت غيظا لكنه تراجع قليلا وقال :- مش قصدي أزعلك ، خلاص إنسي ( أشار إلى المرحاض الموجود بجانب منزوي بالغرفة ) روحي غيري هدومك الحمام من هنا أطاعته و إتجهت إلى الخزانة ثم تناولت إحدى المنامات الخاصة بالعروس بعشوائية ثم دخلت المرحاض و قد شعرت بالدماء تغلي بعروقها أخذت تجوب بالداخل ذهاباً و إياباً فلمحت المنامة النسائية التي بيدها فنظرت لها بمكر و قالت بهمس :- لما نشوف أخرتها معاك يا مراد ، هتقدر تقاوم رضوى و جمالها و لا هتفضل تكابر كتير ..
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD