حين كُسِرت يدي في عامي السابِع أخبرني الطبيب أنّها سَتُشفى ولَكِنّها لن تَعود أبدًا كما كانَت في السابِق، كذلك قَلبي الذي يوقعني في فَخ حُسنك، إن تجنبتك سيكون بِخير، وإن اقتربت سيُ**ر ولَن أتمكن مِن إصلاحه مرة أخرى.
في الثامِن مِن أغسطس مساءً، فِي هذا المَقهى الّذي نجلس بِه الآن بالضَبط وجدتك أول مَرّة لوكاس، وشعرت بِ
***ة غريبة، غيمات سكاكِر وفراشات تأبطت رأسي، وفي ذلك الحين علمت أنك ستكون بيلادوناتي.
لقد جذبت انتباهي بطريقة غريبة، فوجدتنّي أسحب كرسيًّا حتى أجلس بجانبك دون تفكير مرة أُخرى، دون أن أستأذِن حتى.
أتذكر جيدًا تعابير وجهك المُتعجبة التي أخفيتها بسرعة آنذاك، ثُم نظرت إلي وابتسمت.
كانَت عيناك تسألانني، ما الذي يؤلمك أيتها الجميلة؟
لا شيء، أقسم أن رؤيتك أبادت الألم العظيم الذي عِشته في حياتي القصيرة.
لَم تتحَدّث، وكأنّك تعلم كيفية التَعامُل مَع الفتيات المُضطربات.
طَلبت لِي بكلاسيكية مَخفوق الحَليب بالفراولة وأخبرت الفتاة أن تاتي بقطعتي حلوى من الشوكولاتة والفانيليا.
كُنت قَد خُذلت في عملي، لم أُرِد الحديث عن شيء، فقط أردتُ أن أنظر لك فاحترمت **تي وقدّسته، لَم ترَني مجذوبة لسحب كرسيٍ بجانبك والجلوس في **ت، لم تشعُر بالريبة بسبب طول نظري لَك بَل كُنت أكثر الناس راحة للأعصاب وأمسكت بيدي ثم ابتسمت.
سألتني «أتريدين الحديث؟» فهززت رأسي نافية سريعًا، أريد إطالة النظر في عينيك وغمازتيك وشفتيك وشعرك، لا أريد أن أتحدث عن ما قد يُعكر صفو لحظتنا هذه.
«أتدرين؟ في بعض الأحيان يكون العالم قاسيًا، عليكِ فقط إظهار أنيابك له وأن تقاتلي بشراسة حتى تصلي إلى ما تريدين» أخبرتني وأنت تُقلب مشروبك وتفكر بعُمق، ثم أكملت «اتركي بعض الخدوش إن استطعتِ» إلى أن قاطعتك النادلة حتى تضع ما طلبت لِي على الطاولة.
نظرت إليك حتى تشجعني بنظراتك على الأكل مع ابتسامتك الخفيفة فبدأت بشرب مخفوق الحليب فقط، ابتسمتَ ثم أخبرتني نظرية مخفوق الحليب « أتعلمين؟ يقال أن الفتاة حين يُ**ر قلبها تُركز على مخفوق الحليب بالفراولة» نظرت لك بعدم استيعاب أثناء حديثك، هل تقرأ عقلي؟
«والفانيليا أيضًا، حين تكون ناضجة وذات وعي عالٍ، تُصلحها كثيرًا» تحدث في حين غرزت شوكتي في كعكة الفانيليا الصغيرة.
«أتعلمين؟ أظُنّك في مرحلة انتقالية، فقد قيل أن الإنسان يبحث عن الأصفر حينما ينتقل من مرحلة لأخرى» تحدثت مشيرًا إلى حقيبة يدي.
«ات...» لم أسمح لك بإكمال جملتك ودفعت شفتيّ نحو شفتيك حتى ترقصا التانجو، الغريب في الأمر أنّك لم توقف الرقصة بل أمعنت في انتقاء الحركات كي تكتمل رقصة شفتَينا الصغيرة ويولد شيء مُختلف، شيء يحدث في الأساطير فقط.
أتذكر تفاصيلك الصغيرة لوك، كيف لم تطلُب منّي المزيد رغم أن أي ذكر في مكانك كان سيفعل، لم تستغلنّي قط، لقد كانت قُبلة شغوفًا وتوقفت عندها ثُم أكملت حديثك معي كأن شيئًا لم يكُن، أو كأن شيئًا لن يكون مثله مطلقًا.
وجودك مُطمئِن لوكاس، حتى لو كان بيننا مسافات وناس وصَمت، يكفيني أن يُقال اسمك فأشعُر وكأنّ الصُلح ما زال قائمًا بيني وبين الحياة.
أتذكر حينما عرفت نفسك بعدئذٍ «أنا لوكاس آنستي، غارق في بحور عينيكِ» ورغم كونها جملة غزلية مُبتذلة إلا أنها لم تكن كذلك حين خرجت منك، بل كان وقعها أفضل مِن ألف جملة غزلية مبتكرة وأصلية.
في ذلك اليوم ودعتك بقُبلة قدمتها لعينيك، لم أكُن بمثل تلك الجرأة مطلقًا، أتذكر الرسالة التي قررت كتابتها لك جيدًا بعد هذا اليوم وعقدي العزم على إعطائها لك شخصيًّا حالما أراك.
أتذكر لمعة عينيك حين هممت بالذهاب فسألتني «هل لي بطريق وصل؟» هززت رأسي وابتسمت ثُم غيرت رأيي في آخر ثلاث ثوانٍ ويدي على مقبض المقهى، أخبرتك «في يوم حزين كهذا في هذا المقهى ستراني».
أتذكر هذا اليوم عن ظهر قلب، كلماتك التي كانت كالماء العذب رَوت أذني الذابلة، الابتسامة التي فاضت من عينيك وتفهمك إياي، لاحقًا حين علمت من هو لوكاس أيقنت أنّك لن تفكر بي كشيء مُميز كما قالت رفيقتي، فالفتيات يتهاوين تحت قدمك، ولكِنَّ ما شعرت به هذا اليوم لم يكُن كذبًا لوكاس.
عقدت العزم على أن أذهب إلى ذلك المقهى في اليوم المليء بالغيوم ودموعي، وجدتك جالسًا عند مائدتك نفسها فأزعجتك مرة أخرى وجلست جانبك، نظرت إلي وابتسمتَ ثُم طلبتَ مخفوق الحليب بالفراولة وكعكة الفانيليا، ابتسمت بخفة كونك قد علمت مفضلاتي في حُزني الثقيل، احتضنت يُمناك يُسراي بكل رقة وهمست «لقَد انتظرتك ثلاثة أشهُر أيتها الجميلة» ابتسمت بضعف، كانت صديقتي على خطأ، فقد انتظرتني بالفعل رغم كونك شخصًا قادرًا على إيقاع أي فتاة وفي أي وقت.
كُنت المقبول الوحيد أثناء تلك الفترة العصيبة التي رفضت الجميع فيها، أظُنني قد نسيت عقلي في مكانٍ ما بسبب حركاتي المريبة منذ عرفتك، ولكن حمدًا للرب فأنت تتفهم.
كُنت الراحة الكامِنة لقلبٍ يحتضر من شدة التعب.
أتت النادلة بطلبك لي ولم أرد الطلب بل أردت لوكاس، بِعفوية أخرجت أحمر شفاهي و دونت عنوان عقاري على منديل ثُم ذهبت دون أن أنبس ببنت شفة.
لقد أتيت فعلًا، وقد كان ذلك اختبارًا، في الواقع ظهورك كان مُخيبًا آمالي عن ظنونك نحوي، ولكِن غرضك أشعل ذهولي، فقد أتيت عقب بابي في ليلة ممطرة فقط حتى تسألني «هل تقبلين أن تكوني حبيبتي يا فتاة المقهى؟» اصطبغ وجهي بلون المخفوق وتوترت، ماذا عساي أفعل لوكاس؟ فكُلمَا أتيت لك مُلمحة بحُبي في رسائلي أجدني كتبت أنا أكرهك!
كيف لي أن أقبل؟ شعرت بإهانة عنفواني لكنني رأيتك تبتسم وتخبرني «لا تقلقي، لن أُخبر مص*ر عُنفك بأنّكِ قلتِ نعم» فوجدتني أضحك دون أن أفكر حتى، ثُم اقتربت كي أحتضن جسدك المُبتل خارجًا وأنا قد أيقنت أن القصص الخيالية تحدُث لأولئك المحظوظين في الأرض فقط.
بعد كُل ما مررنا بِه يا لوكاس ها نحن ذا نجلس في هذا المقهى أبكي لك بسببك، في عيدنا الأول واجهتك بأنّي لم أعُد أستطيع مُجاراة ما يحدث، أخبرتك دون خجل أنّي أحتاج إليك بكُل ما أوتيت من قوة، لِكنك أخبرتني بكل ما أوتيت مِن عنفوان أنّك سترحل، وإلى أين سترحل وأنت مُعجزتي التي حلت بردًا وسلامًا على قلبي أخيرًا؟ هل ستترك صغيرتك وتذهب في جولة؟
«كم مُدتها؟» سألتك بتوتر وأنا أرتشف القهوة السوداء فأجَبتَ «ستة أشهر»، وهل أنا جماد حتى أتحمل بُعد من سكن القلب ستة أشهر؟
«ماذا عنّي لوكاس؟» سألتك فأجبت «دائمًا في قلبي وسلوان الحياة، دائمًا ما سأراكِ في المرايا و في العروض، سأرى وجهك المتسلل بين الجمهور وسأحدثك يوميًّا، لن أقوى على يوم دون سريان صوتك في شراييني سِيسِيل، فأنتِ تملكتِ الفؤاد، كَمن لديه دُمية فودو يحركنّي بها كما يهوى ويؤلمني متى شاء».
لقد بدأ كُل شيء في مقهى دوڤاتايل وسينتهي في مقهى دوڤاتايل.
تَمّت.