prologue

3907 Words
-التاسع والعشرين من شهر ديسمبر- نيويورك – مانهاتن. مشفى سولان مومريال التعليمي. ألقت الطبيبة ساندرا أوبريان إزارها الأبيض في الكرسيّ المجاور لها واسندت رأسها للحائط ثم أطلقت نفسًا عميقًا، نزعت السماعات عن عنقها وتناولت كوب القهوة الموضوع في الحامل، أخذت رشفة ومباشرةً بصقتها مجددًا في الكوب، كانت القهوة قد صارت باردة ومرة غير أنها في الأصل رديئة ونسيانها لمدة ثلاث ساعات كاملة لم يحسن من طعمها، بتذمر ألقت بالكوب في حاوية النفايات التي طبعت عليها علامة "قابل للتدوير" وعندما اصطدم الكوب بقاعها أص*ر ضجة لفتت انتباه بعض المرضى إليها فابتسمت ناحيتهم. أطلقت نفسًا أخر من ص*رها وعقدت يديها بإحكام، "ا****ة على ذلك السكير لو كان يقوم بعمله كما يجب لكنتُ الآن أنعم بالنوم في غرفة الاستراحة الضيقة...لا بل ا****ة علي...الطب؟ حقًا ساندرا؟ بدلًا عن تصبحي مطربة مشهورة كما كنتِ تحلمين في أيام المراهقة...هاه بالله عليك كيف تحول الحلم من الغناء والرقص...إلى الرقص مع المعاناة؟!" "أوبريان!!" هتف لوكاس وحذاؤه البلاسيتكي يحتك بالأرضية اللامعة، كان يركض بهلع وعندما توقف أمامها وضع يديه على ركبتيه محاولًا اِلْتقاط أنفاسه، في هذه الأثناء تحفزت ساندرا وارتدت إزارها والسماعات بحركة عفوية سريعة وعيناها مثبتتان عليه. "كود أورانج! اسرعي! غرفة الطوارِئ في فوضى عارمة!" "إلهي الرحيم! لماذا يحدث هذا دائمًا في مناوبتيّ!" "ساندرا!" "أعلم أعلم!" ركضت عبر الممر فترنح شعرها العسليّ والمسدل على ظهرها وراءها، أخرجت نظاراتها الطبية من جيب الإزار العلويّ وما إن دلفت غرفة الطوارئ اقتربت من الطاولات في منتصفها وقالت لليزا –إحدى الممرضات اللائي ارتدين زيًا زهريًا فاتحًا-: "كم حالة؟" "لا نعلم بعد، لكنه باص حضانة...انحرفت شاحنة وقود وارتطمت به فانقلب عدة مرات." وضعت ساندرا يديها على رأسها وفي تلك اللحظة عبر الباب الخارجي نده مسعفان، "آرون بلاكويل." "أربعة أعوام" "إصابة في الرأس والعنق." "اضطررنا لاسعاف قلبه في الطريق." "ارتجاج وفقدان وعيّ كامل." اقتربت ساندرا من النقالة المتحركة وأجرت كشفًا سريعًا على حالته، عندما فرغت أشارت لهما بأخذه إلى غرفة الحوادث الأولى، دخلت وراءه مباشرةً نقالة أخرى، هتف المسعف، "روزا جونز." "أربعة أعوام." "إصابة في الصدر." "تعجز عن التنفس من دون الأنبوب." "ارتجاج وحالة نزيف حاد." "لوكاس!" هتفت ساندرا فاتجه لوكاس ناحية المسعفين ليكشف على الحالة الجديدة، وراءها دلف مسعف آخر وقبل أن يعلن عن الحالة أمسكت ساندرا مرفقه وقالت: "كم حالة؟!" "لا نعلم بعد! نقل بعضهم لمشفى سي- هارلم لكن هنالك 15 سيارة إسعاف في طريقها إلى هنا!" لم يكن هنالك وقت لتفقد ساندرا أعصابها لهذا التفتت إلى الخلف حيث تتواجد الطاولات المكتبية والحواسيب وهتفت: "ليزا، مارك، شارلي، ابحثوا عن أي طبيب متفرغ سواء مقيمٍ أو جراح لا يهم! أي طبيب!! أي شخصٍ يرتدي زيًا أخضر وأحضروهم إلى هنا سريعًا! لماذا تحدقون بي؟! اذهبوا الآن!!" سمعت ساندرا صراخًا صادرًا من غرفة الحوادث الأولى فهرولت إلى هناك، كانت امرأة في الثلاثنيات من العمر تضع يدها على فمها وتحدق بالسرير برعب، نظرت ساندرا إلى الصبيّ المستلقي في السرير وعلاماته الحيوية التي كانت تنخفض سريعًا، جذبت عدة انعاش القلب وندهت: "ممرض! أحتاج إلى ممرضٍ هنا!" مزقت قميص الصبي المخضب بالدم، مسحت العازل فرأت رسومًا بقلم الشيني على ص*ره ولاصقة سبايدرمان، أزالت اللاصقة ووضعت اليدين الكهربائتين، تحول النبض في الشاشة إلى خطٍ مستقيم أص*ر صفيرًا مزعجًا فشحنت العدة ثم أطلقت شحنة، اهتز الجسد المتشنج للطفل مع الض*بة الأولى، راقبت الخط الذي ظل على حاله، واحد اثنان ثلاثة، أطلقت مجددًا، حضر ممرضٌ ووقف بجوارها، أطلقت شحنة ثالثة فقال: "استعدنا النبض، العلامات مستقرة." أخرجت ساندرا نفسًا لم تكن تعلم أنها تكتمه ثم التفتت إليه وقالت: "راقبه! إياك أن تتحرك من هنا على الإطلاق هذه المرة الثانية التي يتوقف قلبه فيها خلال ساعة واحدة!" خرجت من الغرفة فارتطمت بشابٍ بقوة، رفعت رأسها إليه، كانت يديه تنزفان على البلاط وهنالك جرح عرضيّ في جبينه، نظرت إليه بذعر لكنه بادرها نظراتٍ خاوية تمامًا، كما لو أنه لا يشعر بأي ألم، أمسكت بمرفقه وقالت: "آسفة لا أستطيع مساعدتك حاليًا، إن عثرت على ممرضٍ متفرغ دعه يضمد جراحك وسأتي لرؤيتك لاحقًا، إن لم تجد تلك عربة الاسعافات عالج نفسك كيفما اتفق ريثما ننتهي!" أفلتت يده وخطت بضع خطوات لكنها عادت سريعًا: "هل تعاني من خطبٍ ما؟" "المعذرة؟" "هل هنالك شيء سوى النزيف؟ هل تعرضت لحادث؟! ض*بت رأسك؟ لد*ك مرض خطير قد يؤثر على حالتك؟!" تجعدت زوايا عينيه وقال بابتسامة جعلتها تجمد بمكانها، "أنا بخير." أومَأت ناحيته ثم ركضت لتفحص الحالات الجديدة، كما أخبرها المسعف توالت النقالات التي تحمل أطفالًا لم يتجاوز عمرهم الخامسة واحدةً تلو الأخرى وجميعهم مصابون بجراحٍ خطيرة، توفيّ سائق الشاحنة مع الارتطام وعندما علمت ساندرا بذلك فكرت أن هذا أفضل له، لو أنه نجا ليرى صنيع فعلته لما تمكن من أن يعيش مع نفسه، كانت المسؤولة عن الفصل امرأة ثلاثنية لم تصب بأي خدش لكن الصدمة جعلت حالتها الذهنية تتداعى، ظلت تنتقل من فراشٍ إلى فراشٍ وهي تنده أسماء أطفالها، تمسك بأيديهم الصغيرة وهي تبكي بهيستريا، في النهاية اضطر لوكاس إلى أخذها خارج قسم الطوارئ وطلب من طاقم الكافتريا مراقبتها. جلس الشاب في زاوية بعيدة، فوق قزحيتيه الخضراء انع** المشهد المضطرب، كان الأطباء يعملون بدقة وسرعة والممرضات تقمن بتغيير أكياس المحاليل الوريدية واعطاء الحقن اللازمة، بدت كفوضى عارمة لكنها تمضي بإيقاع منتظم، حدق بمرفقيه، كان دمه يسيل عبرهما ويملأ الشاش حتى يتشبع به ثم يسقط كقطراتٍ كبيرة في الرخام الأبيض، أخذ قطعة شاش جديدة ولفه بعشوائية. من بين الأطباء، كانت الطبيبة التي تحدثت معه سابقًا هي الأسرع، كل حركاتها مدروسة ودقيقة، كل أوامرها مقتضبة وفعالة، بدت له كآلة عالية الكفاءة مارست عملها سنواتٍ عدة لكن من شكلها اليافع قدر أنها طبيبة بعامها الثاني أو الثالث في الاختصاص، طب الأطفال ربما؟ أو الطوارئ؟ سقطت خصلة سوداء على جبينه فأرجعها بيده مما تسبب بفتح الجرح فانسال الدم على طول وجهه ولطخ بنطاله. "سيدي. دعني أساعدك." جر أحد الممرضين كرسيًا متحركًا وجلس أمامه، بدأ بالعمل على يديه بسرعة وقال: "الخدوش ليست خطيرة لكنها عميقة، تطهيرها سيؤلمك قليلًا." أمسك بالقطن وعلبة المطهر ووضع يده وفق شاشٍ أبيض، "كيف أصبت بهذه الخدوش؟" انفجر الصحن على الحائط بالقرب من وجهه، تناثرت شظاياه وأصابته إحداها في جبينه، لم يتحرك، ظل يرمقها بنظراتٍ بلا روح فرمت صحنًا آخر ثم ثانيًا وثالثًا وصرخت، كان شعرها الأشقر مبعثرًا والماسكرا سالت على وجهها، بكت بهستريا مثل حيوانٍ جريح وهي تص*ر أصواتٍ غير آدمية، مت! مت! مت! لم لا تموت! "كنت أعمل في الورشة ولم أنتبه." "لم تنتبه لكل هذا؟" أثنى رأسه ومنحه ابتسامة لطيفة، "أنا أندمج في عملي ولا أشعر بشيء عندما يحدث ذلك." "آههه، سمعت بهذه الحالة، يسمونها منطقة التركيز المطلق. أغلب لاعبي كرة السلة المشهورين مصابون بها!" نظر إليه بابتسامة متسلية وسأل: "هل أنت لاعب كرة سلة مشهور؟" هز رأسه نفيًا، حدق جيك بعينيه الخضراوين وفكر بداخل نفسه أن هذا الشاب غريب. يبدو لطيفًا، لكن هنالك شيء لا يستطيع القبض عليه. شيءٌ خاطئٌ فيه. سمع الممرض الجالس في غرفة الحوادث الأولى صرخة دامية فالتفت ناحية مص*رها، دلفت مدرسة الفصل وأمسكت بقميصه، كانت يدها القابضة عليه ترتجف، "روزا روزا تتقيأ دمًا!! ساعدني! ستموت روزا! روزا!!" نظر الممرض إلى الطفل المسجى بالقرب منه، كانت علاماته الحيوية مستقرة والمحلول الوريدي يقطر بانتظام، بدأ الاصفرار يختفي من لون بشرته، حسم قراره سريعًا وخرج برفقتها، تحرك إصبع الطفل حيث اتصل سلك قياس النبض وارتعش. مرات ثوانٍ بدأ بعدها الجهاز بإصدار صفيرٍ حاد وتحولت الأرقام في الشاشة إلى اللون الأحمر. "ساندرا ساندرا!!" صرخ لوكاس فأبعدت ساندرا سماعتها عن ص*ر الطفلة التي كانت تستمع إلى دقات قلبها والتفتت إليه، "كود بلو! كود بلو! الطفل في غرفة الحوادث الأولى!" أشارت ساندرا للطبيب المقيم بجوارها أن يتولى حالة الطفلة وركضت إلى الغرفة بالقرب من البوابة الداخلية، دلفت بسرعة فرأت خطًا مستقيمًا على شاشة العرض وشفاه الطفل مزرقة، أسدل رموشه باستسلامٍ على وجهه وبدا كدمية لا تتحرك ب*عره الداكن الكثيف وبشرته البضة، اقتربت منه تناولت آلة الانعاش من الممرض الذي بدا فزعًا ومتجمدًا بمكانه، أطلقت مرة، فاهتز الجسد بتشنج، واحد، اثنان، ثلاثة، أطلقت مرة ثانية، ثم ثالثة، ثم رابعة، وبعد خمسة دقائق تجمدت يديها في الهواء وقد انطلق صفيرٌ حاد في الغرفة. لمعت عينا الممرض وقال بصوتٍ أجش: "وقت الوفاة الثالثة وخمسة وأربعون دقيقة." نظرت ساندرا إلى لاصقة سبايدرمان التي علقت بطرف السرير، مررت إصبعها فوقها وشعرت بكتلةٍ حارقة تنشب في حلقها، انهارت على الأرض ثم ركلت الرخام، "تبًا تبًا تبًا!" تجول الممرض بنظره في الغرفة وقد بدا عليه الذنب، حدجته ساندرا بنظرة غاضبة وقالت: "وا****ة جو أين كنت! لم لم تبدأ بإسعافه مبكرًا!!" "الطفلة بالغرفة الأخرى بدأت بتقيؤ دم ففزعت المدرسة وندهت لي—ألم أقل لك ألا تبعد عينيك عنه! أخبرتك يا جو أخبرتك وا****ة!!" "ساندرا..." نهضت ساندرا من الأرض ونفضت إزارها ثم تختطه إلى الخارج وارتطمت بكتفه. "آرون!! آرون حبيبي!! آرون أين أنت!" هتفت سيدة في منتصف عمرها واندفعت عبر البوابة، كانت ترتدي فستان حفلاتٍ باهظ الثمن بذ*لٍ طويلٍ جرته وراءها، توقفت أمام الأسرة وتفقدت الأسماء المعلقة في كل واحدٍ بهلع، اقتربت منها ليزا وقالت: "سيدتي اهدأئي—ابتعدي عنيّ! أين آرون! أين ابنيّ! ابنيّ!" تجمدت ساندرا بمكانها وحدقت بالمرأة بعينين جاحظتين وقف لوكاس بقربها وقال: "هالي بلاكويل، إنها منسقة حفلات مشهورة اتصلنا بها قبل قليل وأعلمناها بما حدث..." "آرون..." زم لوكاس شفتيه، دلفت المرأة غرفة الحوادث الأولى وشاهدت جسد آرون المسجى على السرير، الأسلاك تتصل وتخرج منه لكن العلامات على الشاشة خالية، صوت الصفير العاليّ كان ما يزال يشق الصخب، اقتربت من حافة السرير وامسكت بطرفه، "آرون حبيبي، ماما هنا..." "آرون..." ابتلعت ساندرا ريقها واقتربت من المرأة، وضعت يدًا على كتفها ونظرت في عينيها عميقًا، "سيدة بلاكويل، لقد بذلنا ما في وسعنا من أجل إنقاذه لكننا لم نستطع، تعازي الحارة." "لااا، لاااا..." أسندت ساندرا جسد المرأة المتداعي وانزلقتا في الأرض سويًا، قبضت على كتفيها ونشجت، "لااا ابنيّ لاااا..." "آرون لااا...لماذا يا الله...لماذا آرون..." "ابنيّ! لااا...آرون لاا...قال ماما...قال..." بح صوتها وت**ر، " قال ماما لا أريد الذهاب إلى المدرسة...آه يا رباه... أريد الذهاب معك يا ماما...يا الله...آرون لااا..." وضعت يديها على رأسها وارتج جسدها للأمام والخلف، احتضنتها ساندرا لكن صراخ المرأة ازداد علوًا، "لو قلت نعم...لو قلت نعم...لم آرون حبيبيّ...لم فلذة كبدي...لم لم تأخذني أنا يا الله...لمّ..." كانت هاليّ امرأة جميلة ومع مساحيق التجميل والفستان الباهظ بدت كوردة حمراء وهي جالسة على الرخام، لم يسل مكياجها، كانت طلتها مثالية لولا نحيبها العاليّ الذي يمزق القلب. انسابت الدموع على وجه ساندرا وسقطت كرقعٍ كبيرة على أكتاف المرأة، ظلت تمسد على ظهرها وتهدئها، عبرتها حينها فكرة مرعبة، كانت العائلات تجد من يخفف حزنها دائمًا، لكن ماذا عنها؟ ماذا عن قلبها الذي ينفطر كل يوم لتعود بعد ذلك إلى شقةٍ خاوية، مليئة بالأواني المكدسة في المجلى، الفساتين التي لم تجد مناسباتٍ لترتديها فيها، والعديد من شرائط الأفلام الملقية بإهمال أمام التلفاز. بكت ساندرا ب**ت، لم تكن تبكي الطفل الصغير المسجى أمامها، ولا والدته التي يتمزق قلبها إربًا إربًا بين يديها، بكت نفسها، سنين عمرها التي كانت ولم تكن، الحياة التي مرت بها دون عيشها، بكت عائلتها وكلمة عائلة، راعها الإدراك... أنها عندما تموت لن يأتي أحد منهم لدفنها! بكت ساندرا نفسها وسمحت لكل ما كبتته عبر الأعوام بأن يفيض الآن. *** زمت الممرضة شفتيها في خطٍ مستقيم، كانت تحاول منع نفسها من الابتسام فقد فرغت للتو من حقن الطفلة الصغيرة بمضادٍ حيوي لذا كانت عينا الطفلة ذات الرداء الورديّ ممتقعتين بالدموع، ولم يكن هذا المشهد مضحكًا لو لم تجلس ساندرا بجوار الطفلة وعينيها أيضًا محمرتان ومنتفختان من البكاء كدب الباندا. مسدت ساندرا على ظهر الطفلة وقالت: "أرأيتِ كانت لحظة واحدة فقط من الضيق!" هزت الطفلة رأسها: "لم تكن لحظة! تألمت كثيرًا والدواء حارق..." نظرت ساندرا إلى الممرضة باستنجاد فحركت الثانية كتفيها بما عنى أنتِ في مصيبتك لوحدك. باتت غرفة الطوارئ هادئة نسبيًا بعد أن تم نقل عدد من الأطفال إلى المشافي الأخرى وبعض منهم تم وضعه في غرفٍ خاصة، لم يتبقَ سوى خمسة يحتاجون إلى مراقبة لصيقة واغلبهم تفادوا مرحلة الخطر بنجاح، عدا عن آرون وسائق الشاحنة، نجا الأطفال المتبقون وسائق الباص والمعلمة من كارثة محققة. "إيما. انظريّ." قالت ساندرا للطفلة ورفعت يدها في الهواء، رمشت إيما وهي تنظر إلى يدها الفارغة، حركت ساندرا يدها ومن خلف أذن إيما أخرجت قطعة حلوى بالفروالة ووضعتها في كفتيها الصغيرتين، باعدت إيما بين شفتيها وقالت: "بابا يفعل هذا أيضًا! أنتِ ساحرة مثل بابا!" قهقهت ساندرا على تعابيرها اللطيفة مالت وهمست لها بتواطؤ: "سأخبرك بسر...أنا وبابا درسنا في هوغوارت سويًا لكن لا تخبري أحدًا." ابتعدت ورفعت إصبعها إلى فمها: "إنه سر بيني وبينك فقط!" هزت الفتاة رأسها بشدة فتراقصت خصيلاتها العسلية، أمسكت بخصلة من شعرها القصير ولاحظت أنه يشابه شعر الطبيبة الساحرة، "أنا أحب قص شعريّ لكني سأخبر ماما أن تدعه يطول حتى يصبح مثل شعرك!" "إياك!" هتفت الممرضة فالتفتت الفتاتين إليها، وضعت يدًا على خصرها وقالت: "إن دي دي تسرح شعرها مرةً كل كريسماس! ألا ترين كم هو متقصف؟" قطبت ساندرا وأمسكت بخصلة من شعرها بينما مدت الطفلة شفتها السفلى، عقدت يديها أمام ص*رها وقالت: "لكنها جميلة،" تلفتت يمينًا ويسارًا بتلصص ثم همست لهما،"أنتِ أجمل من الطبيبة التي تقطب هكذا." وحاكت بيديها تعابير الطبيبة هاثواي: جراحية متخصصة قامت بتخيط جرحٍ في معدتها، تمتاز ب*عرٍ أحمر مقصوص بطريقة حادة وعينين زمردتين كحيلتين، إلا أن تعابيرها الصارمة تجعلها مخيفة بالنسبة للأطفال. حركت ساندرا خصلة من شعرها وراء كتفها وقالت بثقة: "سمعتِ أنا أجمل من هاثواي. قد أعتزل فعليًا وأصير مطربة." رمقت الممرضة إيما بنظرة معاتبة لملئها رأس رئيستها بالأمل الكاذب لكنها تجاهلتها وحدقت بقطعة الحلوى بين يديها بإعجاب. كانت الفراولة بالحليب المفضلة إليها، وكلما فعلت شيئًا جيدًا يعطيها والدها واحدة، وبعد مشقة نجحت في تجميع العديد منهم في جرة زجاجية، قبل النوم تخرج الجرة من الدرج وتحتضنها كما لو أنها علبة مجوهرات غالية، وبمنظورها البرِئ كانت الحلوى أغلى ثمنًا من المجوهرات. قبلتها الطبيبة الجميلة في بداية شعرها ثم قالت وهي تنهض: "ناميّ الآن لترتاحي ماما ستعود بعد قليل." هزت إيما رأسها بطواعية: "تصبحين على خير، أحلامًا سعيدة." "وماذا عني أنا؟" سألت الممرضة بحاجبٍ مرفوع فأشاحت إيما بوجهها: "لقد وخذتني بالإبرة." وضعت ساندرا يدها على كتفها وقالت بنبرة شامتة: "على نفسها جنت براقش." فُتح الجرح وامتلأ الشاش بلون الدم الأحمر أثناء كتابته على الدفتر، تردد إيفرت في إخبار الممرض بذلك فقد كان مشغولًا بالعناية بطفل مصابٍ في رقبته، أدخل الدفتر إلى جيبه وتن*د، بهدوء راقب اللون القرمزي الداكن يتموج فوق الضماد كرقعٍ كبيرة، همّ بالنهوض من الكرسي لكنه عاود الجلوس مجددًا حين شعر بيدٍ وضعت على ركبته، حدق بعيني صاحبتها البراقتين وانتظر، لم تكن ضيفته تتجاوز طول الكرسي الذي يجلس عليه. "إنها تؤلم كثيرَا! أنت شجاع!" قالت إيما وهي تنظر إلى مرفقه الملفوف بالضماد. حدق إيفرت إلى يده وبدا عليه استيعاب أنه من المفترض أن يتألم. هز رأسه وقال لها بصدق: "إنها لا تؤلمني." مع انهائه لجملته حدق بكف يده المفتوح فوجد قطعة حلوى بالفروالة موضوعة فيه، عندما رفع رأسه وحدق بإيما منحته ابتسامة بسنينٍ مفقودين وألصقت إصبعًا بشفتيها: "حلوى سحرية! لن تشعر بالألم أو الحزن لو أكلتها! بابا يقول ذلك." ابتسم إيفرت من القلب وتجعدت الخطوط حول عينيه، تحركت يده السليمة من تلقاء نفسها وبرفق لامست شعر الملاك الصغير أمامه. "شكرًا لك." "آه فتح الجرح مجددًا؟ دعني أغير لك الضماد." قال الممرض بعد أن أزال الستار الفاصل وجثى بالقرب من إيما، "أنتِ عودي للفراش وإلا سيفوتك الحلم السعيد!" لوت إيما شفتيها، أعطته ظهرها وقالت: "ليس فيلم كرتون ليفوتني، أنت كبير هكذا ولا تعلم ذلك." هز الممرض رأسه على تحذلق أطفال هذا الزمن أما إيفرت، قبض يده المضمدة على الحلوى الوردية وشعر بموجة صغيرة من الدفء تحرك شعورًا ظل راكدًا بداخله لوقت طويل. *** ألقت ساندرا المنديل وكورت أنفها بضيق، ما تزال أثار البكاء واضحة على ملامحها رغم أنها غسلت وجهها عدة مرات وحاولت تحسين المنظر بوضع القليل من المكياج، جالسة على كرسي طرفي مررت القلم على الورقة أمامها وقرأت البيانات المكتوبة فيها بتآني، "إيفرت والس." "ذكر." "23 عامًا." "التاريخ المرضي: 9 جلسات كيماوي، استئصال سرطان من البلعوم في المرحلة الأولى." عندما قرأت الجزئية الأخيرة رفعت رأسها إلى الشاب الجالس قبالتها وعينيها متسعتين، "لقد سألتك سابقًا إن كنت مصابًا بمرضٍ قد يزيد حالتك سوءًا وأجبت بالنفيّ." مرر الشاب يده على الضماد المحكم حول ساعده وقال: "تم استئصاله." "أنت ما تزال تخضع للعلاج الكيماويّ!" "إنها الجلسة الأخيرة." وضعت ساندرا اللوحة فوق الطاولة بنفاد صبر وقالت: "ألا تعلم ما يفعله الكيماوي بجسدك؟ لقد نزفت كثيرًا واللَّعنة!" انتبهت إلى أنها تلفظت مع نهاية حديثها فأطلقت نفسًا حارًا وحدقت بسطح الطاولة، "آسفة، أعصابي منهارة قليلًا..." "لا بأس." أجابها بابتسامة صغيرة وحاجبيه مرفوعين للأعلى، لم ترقها تلك الابتسامة ولم ترحها كذلك، أمسكت دفترًا وكتبت فيه بضع كلمات بخطٍ أنيق، "سأكتب لك تحويل دم، إلهي، رجاءً المرة القادمة عندما يسألك طبيب عن حالتك أجبه بشفافية." "حسنًا." لم تنظر إليه وتابعت حديثها: "أعلم أنك كنت تراعي للظروف فالأطفال حينها كانوا بحاجة لكامل انتباهنا...أٌقدر لك ما فعلته ولكن عليك الاهتمام بنفسك أكثر." "طيب." رفعت نظرها إليه فابتسم مجددًا، شعرت أنه يجاريها في الكلام وحسب ولا يهتم بما تقوله فعلًا، التفتت وراءها وندهت: "جو، أحضر كيسين من الدم من فئة أو بوستڤ ولا تسمح له بالمغادرة قبل أن يكتمل النقل." حدجته بنظرة حادة، "هذه المرة أبقِ نظرك عليه." "آسف..." اختلجت تعابير ساندرا بملامح تنّم عن الذنب، حملت الأوراق معها ونهضت من الكرسي الدوار، تابعها الشاب بعينيه حتى اختفت وراء ستارةٍ في نهاية الردهة. "سيد إيفرت، رافقني لو سمحت." أومَأ وتبعه الخطا، ساعده جو على الاستلقاء في غرفة خاصة، أتت ممرضة وغرزت فراشة بوريده، لاحقًا عاد جو برفقة كيسين من الدم علق واحدًا في المشبك وناوله قنينة ماء باردة، طلب منه الانتظار ريثما يحضر له بقية الأوراق المطلوبة لملئها ثم غادر. "كيف حالها؟" سألت ساندرا ليزا، كانت تقف أمام غرفة السيدة هاليّ بلاكويل النائمة وقد اتصل بصفحة يدها محلول شفاف. "استقرت حالتها بعد جرعة من الميدوزلام." تن*دت ليزا وراقبت جسد المرآة المستلقي على السرير، "المسكينة لا أستطيع تخيل صدمتها...تكونين في حفل زفاف أختك وفجأة يتصل بك أحدهم لإعلامك أن ابنك الصغير أصيب بحادثٍ مريع." هزت رأسها، "لا أعلم كيف ستتعافى من هذه الصدمة." شدت ساندرا يديها حول لوحة المتابعة التي تحملها وقالت بهدوء، "لن تتعافى..." نظرت إليها ليزا بدهشة فأكملت الثانية بابتسامة صغيرة، "لا يتعافى المرء أبدًا..." حينها فقط تذكرت ليزا أن والديّ ساندرا توفيا مع العديد من الرهائن الأخرين عندما اقتحم رجالٌ ملثمون البنك المركزي قبل ثمانية أعوام، حدث ذلك وساندرا بمنتصف جلسة امتحان الثانوية العامة، خرجت فرحة بأدائها الذي من المؤكد سيسمح لها بدخول كلية الفنون في جامعة جوليارد، لكنها تلقت حينها مكالمة غيرت حياتها كلها...وخيارها للكلية التي تريدها أيضًا. لم تستطع إنقاذ والديها لذا قررت البحث عن العزاء بإنقاذ عائلات أشخاصٍ آخرين. طرفت ليزا بعينيها دموعًا علقت في أطرف رموشها وقالت بخفوت: "آسفة..." "ليس هنالك ما تأسفين لأجله." ردت عليها ساندرا بابتسامة واستدارت ناحية الردهة، مشت ثم جلست في نفس كرسيها السابق، ألقت بإزارها والسماعات واتكات برأسها على الحائط، ببطء أغمضت عينيها وتمنت لو ي**ت الصخب...لو ي**ت العالم بآسره فقط لثانية واحدة. لكن احتكاك أحذية الأطباء والممرضين وآنين المرضى الخافت لم يمنحها هذه الثانية، حاولت تخيل نفسها في مكانٍ آخر، زمنٍ بعيد، فرشاة رسم بيدها، غُراب يحمل بمنقاره قطعة ذهبية بها نقش تاج، أرض نفايات مسودة، مشهد من المفترض ألا يشبه الفن لكنها جعلته جميلًا، حولته للوحة جاذبة للنظر. سمعت صوتًا بجوارها ففتحت عينيها، كان الشاب المصاب بالسرطان -إيفرت؟- يجلس بجوارها، ممسكًا بيد قضِّيب الشماعة التي عُلِق بها كيس الدم وبالأخرى كوب قهوة، التفت ناحيتها وبابتسامة مد إليها الكوب. دون تركيز تناولت منه الكوب وقالت: "شكرًا..." "العفو." أجابها وحدق أمامه مباشرة، مرفقه على ركبته ورأسه مستندٍ فوق قبضته، عيناه تنظران بشرودٍ للحائط المقابل. "ما الذي تفعله هنا؟ من المفترض أن تستلقي في الغرفة." "بدوتِ لي بحالة مثيرة للشفقة." "المعذرة؟" حرك كتفيه ولم يضف على ما قاله، باعدت شفتيها قليلًا، شعرت بلسعات الكوب الحار بيدها فحولت تركيزها إليه، أخذت رشفة، وتفاجأت عندما اكتشفت أنها لم تكن قهوة رخيصة من الكافتريا! انتشر الطعم القويّ في فمها وشعرت برأسها يهتز بالطاقة، نظرت إلى الشاب الجالس بجوارها بهدوء وأثنت رأسها، مع إضاءة السقف البيضاء بدت عينيه الخضراوين مزيجًا غريبًا من الأزرق والأخضر، قطبت وهي تتساءل إن كان لونهما قد تغير؟ أو ربما يرتدي عدسات؟ لديه لحية سوداء خفيفة عمرها أيام، ذقنه حاد الزاويا ووجهه بلا ملامح...كان من المستحيل أن يخمن الشخص بما يفكر. "لم يكن خطؤك." "ماذا؟" "ما حدث لآرون. لم يكن خطؤك." تن*دت ساندرا وأحاطت الكوب بيديها الاثنتين، حركتهوراقبت التموجات البنيَّة على سطحه، "أعلم ذلك، وأعلم أنه ليس خطأ جو كذلك،تقيؤ الدم حالة خطيرة، لو كنت مكانه لتصرفت مثله أيضًا...لكني منزعجة ولا أستطيعالتحكم بذلك... آه...تبًا وها أنذا أشكو لمريض سوء حالي..." "لا تحتاجين للشكوى، مظهرك الخارجي أكثر من كافٍ." "يا هذا هل يمكنك أن تكذب ولو من باب الشفقة عليّ؟" نظر إليها وأثنى رأسه لجانب واحدٍ، "أنا لا أحب أن أكذب." "أنا أسمح لك أن تكذب. أقسم لك لن أتضايق، هيا تفضل اكذب وقل شيئًا لطيفًا يريحني." حدق بوجهها مدة شعرت بها غير مريحة فأشاحت بنظرها بعيدًا، "تبدين جميلة؟" "إلهي، إجعلها كذبة تصدق!" "تبدين مثيرة للشفقة ولكن هذا لأنك عملتيّ بجد...أكثر من أي أحدٍ آخر." وضعت ساندرا كوب القهوة في الحامل، غطت وجهها براحتي يدها وتحدثت عبرهما، "وما فائدة العمل بجد؟ ههه ما فائدة أي من هذا؟ عندما نجحت في الامتحان الذي يؤهلني للتخصص في طب الأطفال لم أجد من أحتفل معه، لماذا؟ لأن حياتي هنا! أهدرتها بالعمل بجد! قبل عام خضت الامتحان الثاني فخرج جميع زملائي للاحتفال سويًا لكنهم لم يقوموا بدعوتي، لأني الساحرة المزعجة التي لا يرضيها عمل أي شخصٍ سواها، تطالب دومًا بالمثالية رغم أنها نفسها ليست مثالية، وبعد بضعة شهور أخرى سيكون هنالك امتحان آخر واتساءل الآن إن كنت سأجريه أم ربما سأعتزل وأصير مطربة هاويَّة." "هل صوتك جيد؟" "إنه نشاز، كلمة ب*ع لا تعطيه حقه." فرد يديه وحدق بالفراشة المغروزة بيمناه، "أنصحك إذن بمتابعة مهنة الطب." "آههههه لأنها كل ما أجيده. رباه. بسببك الآن بت أشعر بالسوء أكثر...هيا اذهب لغرفتك سريعًا." ابتسم بزاوية فمه لكنها لم تره، كان شعرها مسدلًا حول يديها، أطرافه مقصفة ويبدو أنه لم يسمع بالفرشاة منذ دهورٍ مضت، "لم أكذب عندما قلت تبدين جميلة." رفعت نظرها إليه بتعبيرٍ مستنكر. "تبدين جميلة عندما تعالجين مريضًا، تبتسمين من القلب وتكشرين من القلب، كأنك في مكانٍ يناسبك تمامًا، ربما ما تفعلينه ثقيلٌ عليك لكنه ثقيل لأنك تحملين أعباء غيرك." "لا تتفلسف." "يقولون أن المقبلون على الموت يحظون بنصيبٍ من الحكمة." قالها بابتسامة خفيفة كأنما لا يتحدث عن موته هو، ثبتت عينيها عليه، ولَّجت عبر بوابتي روحه عميقًا وراعها ما رأت...قنوط...قنوط تام! "أنت لن تموت، ولست مُقبلًا على الموت." "أنا عرضة للغزو وإعادة الغزو، ميتٌ مع وقف التنفيذ." "كلنَّا موتى مع وقت التنفيذ." التفت إليها، راقب وجهها من الجانب وهي تمرر إصبعها حول حافة الكوب. كانت ملامحها رقيقة وبعينيها نظرة شاردة، كأنما تُعايش زمنًا آخر، رأى ألمها جليًّا وجعله ذلك يشعر تجاهها بالإلفة. "يمكنني أن أخرج من المشفى إلى الشارع وتصطدم بي شاحنة مسرعة، أركب الباص فينقلب وت**ر عنقي، من المحتمل أثناء عملي في غرفة الطوارئ أن أخدش بحقنة غير معقمة وأصاب بهبوطٍ حادٍ في الدم، أو اذهب لفتح حسابٍ جديد في البنك فأصاب بسبعة عشر طلقة من رشاش لصٍ جبان...جميعنا موتى مع وقف التنفيذ." عادت إلى كرسيها في الخلف ومددت ساقيها الطويلتين للأمام ثم تن*دت بصوتٍ مسموع: "إلهي، بعد كل هذا سأموت دون يحتفل أحد معي بنجاحي، دون أن أشاهد أحدّث أفلام البو** أوفيس ومن غير أن أحظى بصديقة وفية واحدة...أنت محق، لابد أن مظهري الخارجي مثير للشفقة تمامًا كما أشعر في دواخلي." قهقه بصوتٍ أجش ووضع يده أمام فمه، التمعت عيناه مع الضوء، تبادل فيهما الأزرق والأخضر وظهرت غمازة مختبئة أعلى خده الأيسر، فكرت: من فيهما الجميل حقًا؟ بالفعل كان يكذب عليها... "تزوجي بي وسأذهب معك للاحتفال بعد كل امتحان سواء نجحتي فيه أو لا." ظنت أنها سمعته خطأً فالتفتت نحوه بسرعة وعلى وجهها تقطيبة، ابتسم ناحيتها وقال: "وأيضًا سأخذك كل أسبوع لمشاهدة أحدث فلمٍ يص*ر في البو** أوفيس. أما عن الصديقة الوفية، أعتقد أن أخي سيشغر هذا الدور، بالرغم من كونه شاب إلا أن التسكع معه ممتع." أرجعت خصلة وراء أذنها وقالت بحمرة زحفت على وجنتيها: "لا تمزح هكذا." "أنا جاد." نظرت إليه، فأكمل بوجه مستقيم: "إن وضعي الماديّ جيد، يمكننا أن نبتاع شقة صغيرة بالقرب من المشفى حتى نستبعد احتمالية انقلاب الباص بك." قهقهت على كلامه الأخير وهزت رأسها بعدم تصديق، "لابد أن الكيماويّ عبث بدماغك!" "أرأيتِ؟ فقط شخصٌ بمثل قسوتك هذه يلاؤم شخصيتي، تزوجي بي." "أنت تصغرني بثلاثة أعوام." قالت بنبرة هامسة وقد ألصقت عيناها بالأرض. "لكني أبدوا أكبر منك بسبعة على الأقل." "أنت لا تعرف عني شيئًا سوى أني أحب القهوة القويَّة." "سأعرف مع الوقت." أجابها وبعينيه نظرة م**مة، كان من الواضح أنه جاد تمامًا، كما أنه شخص ينجح في العادة بمعظم الأشياء في حياته. نظرت إليه هنيهة وابتسمت، "ماذا لو لم يعجبك ما عرفته حينها؟" "سأتدبر أمريّ، ومن ثمة، أنتِ من سيقبل بزوجٍ معطوب مع احتمالية موت كبيرة." "هراء، يمكنني أن أموت قبلك! من الممكن أن أموت في هذه اللحظة والآن!" "لا تموتي، وسيكون من الجيد لو لم أمت أيضًا." أخبرها بتعابير مرتخية، رأسه مستند على الحائط وملتفتٌ ناحيتها جزئيًا. ضحكت ساندرا، تجعدت زوايا عينيها وانسكبت القهقهات عبرها بخفة، انتبهت إلى أنه ينتظر منها ردًا، حملت كوب القهوة وقالت: "أنت من سيعد القهوة صباحًا." "موافق." "إذًا موافقة." ومع إجابتها التي لم تفق همسة سقطت أخر قطرة من كيس المحلول الوريدي.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD