السعادة ليست باهضة الثمن كما يعتقد البعض و ليس من الصعب الارتقاء إليها ؛ السعادة بالنسبة لي في التعب الذي أتكبّده لأحضن حلمي ، في دموع القهر التي أذرفها كلّما تقرّبت خُطوة منه و دفعني عنه ، في اشراقة شمس صباح تُدغدغ بشرتي و تهمس لي نسائمها أن الليل و النهار مُتعاقبان كذا البُؤس و السعادة لأُسعد في الحين
لكل مفهومه الخاص فكما أنا قد نصّبتها مُرادفا لكلمة حُلم و مُتعة ، البعض الآخر قد يراها في شخص مُعين ، أو في مُجرد الاستيقاظ و مُشاهدة الشروق و الساعدة الغامرة تكمن في الأشياء البسيطة ، يا ما قابلت أُناسا أُغدِق عليهم بالمال لكنهم كانو من أتعس الخلق ؛ الحياة تُعطينا أشياء و بالمُقابل تأخذ منّا أخرى ، قد تختار ما بين الصحة ، العائلة و الذكاء .. لا أحد يحق له منعها من المُقايضة فالأسواق أيضا بيع و شراء ، لن تُشبع معدتك الجائعة ما لم تدفع .
هُناك نوع من الأشخاص السوداويين و هم أولئِك الذين يركضون في هذا الكون الفسيح بدون أن يعلموا ما هي وُجهتُهم ، أُشفق عليهم كلّ الشفقة فإما قد تجدهم يضيعون أوقاتهم فيما لا ينفع و ضمائرهم تضغط عليهم و تُنغص مُتعتهم و إمّا هم مُصغون إلى ضمائرهم التي تأسِرهم في صندوق يقتصر على الدراسة ، العمل ، ثمّ النوم الوجيز .
أنا لست شخصا سوداويا ؛ أفضل التفاؤل و الابتسام حتى و إن كُنت واقعة في موقف لا يُحسد عليه ، الحياة كثيرا ما تسرد علينا نِكاتها السمِجة و لأتملّقها كي تمنحني علامات جيّدة أضحك عليها بتكلّف . فإن لم تنطلي عليها الحيلة أكون قد نفّست عن قلقي و اتّخذت من الضياء موطنِا لي لا يمسّ قلبي فيه ضرر جسيم .
هبطت طائِرتي القادمة من نيويورك في مطار سول منذ أقل من ساعة ؛ كُنت قد قضيت أجمل أسبوع في حياتي ، أسبوع جعلني أرى كم أصبحت قريبة من حُلمي في أن أصبح مُ**ّمة أزياء معروفة ، كنت من الأوائل في الجامعة و مُنحت مِنحة لأحضر أسبوع الموضة الذي أقيم في نيويورك ، عرضت تصاميمي تحت عُنوان ' مُهرّجة الحياة ' لبعض المُ**ّمين المشهورين هُناك _ بعُسر _ و قد لاقت إعجابهم ، حصلت على بطاقة عمل أحدهم و أخبرني أنه سيُسرّ بتوظيفي لديه ، لكنّي رفضت ، أنا أريد أن أصنع ماركتي الخاصة لا مُشاركة أحدهم ، أُصبح مُتملّكة حينما يتعلّق الأمر بحلمي ، أنا أريده أن يُحلّق بي في سماء النجاح وحدي لا أن يحمل غيري معي ، من يعلم يُمكن أن يجعله ثِقله ينفجر بنا فنسقط !
إستقلّيت سيارة أجرة إلى مطعم جونغ إن حيثُ اجتمع زُملائي القُدامى ، بصراحة تفاجأت عندما اتّصل بي ليو و أخبرني عن فكرة المُعلّمان ، بعد كُلّ هذا الوقت ؟ ، وافقت في الحين لأنني أحبّ الحفلات المُكتظّة ، الموسيقى ، الرقص و كلّ ما يشتهيه قلبي ، طوال حياتي أنا لم أحرم نفسي من المُتعة حتى و إن كان الأمر يعني إهمال دروسي و واجباتي ، شخص حالم يحتاج الكثير من الطاقة ليقطع السبيل المُضني و غذاءه الوحيد هو البَهجة التي لا يمنحها سوى الأصدقاء و الخرجات .
جلست بين ليو و هيوري أعزّ صديقان لديّ و انجرفنا خلف أيامنا الخوالي نُلاحق ذكرياتِها بكلّ غِبطة ، كانت حُلوة لأنهما كانا معي ، وقتها تقاسمنا الكثير من المرح ، الأسرار ، المُخطّطات الشيطانية و المُذاكرة – بالإسم فقط – التي كانت تحشُد كثيرا ممّا سلف و القليل منها ، بل و كنّا نتبرّأ منها أحيانا ثم نلقي اللوم في تردّي علاماتنا على الأساتذة المساكين .
ما إن تُداعب ذكريات الماضي أوتار ذاكرتي حتّى أتطرب لها و أُحصر في عالم وردي لا مثيل له ، أيّام الثانوية كانت لا تُنسى رغم الضّنك و الآلام التي أمطرتها عليّ الحياة مِدرارا . كأيّ مرحلة من حياة الإنسان لم تخلو المُراهقة من الان**ارات الحياتية ، البُؤس ، الضياع و الضغوطات لكنّها لم تبخل عليّ بالمُسعفين الذين هُم أصدقائي الحقيقيين ، كنّا إذا ما تعرض أحدنا إلى ضائقة كان له الإثنان الآخران ذاراعا أريكة مُريحة تُسنده إلى أن يستجمع شتاته ، لم أُحسّ حقّا بالشقاء و اللوعة الذان كان يُفترض أن أحسّ بهِما بفضل الأشخاص المُهمّين في حياتي.
لم أتوقّع أنني سأراه هُناك ؛ تعرفت عليه حالما وقعت عيناي فوق عينيه الفراغيّتين ، هو لم يتغيّر و لو قيد أنملة باطنا ! ، أستطيع التخمين بمُجرّد التعمّق في قراءة نظراتِه ، أما ظاهريا فقد أصبح جسده أكثر خشونة ، عرُض منكباه و حدّت ملامح وجهه ، غيّر تسريحة شعره أيضا إلى أخرى مُتماشية مع هذا العصر و مع طبيعة عمله ، كانت ثاني ما لاحظته بعد عينيه ، خُصلاته المفروقة جانبيا من اليمين و بعضها مُنسدل على وجهه من الجهتين ، في الماضي كان يُسدله على وجهه ببساطة . هو أصبح وسيما حرفيّا
و قد أخطأ في تهجئة اسمي ، و أبى الإعتراف بخطئه ، تلاعبت به فقط ، كُنت واثقة أنه تذكرني ، من ينسى شخصا مُتطفّلا لم يعر لوجوده اهتماما مذ صار زميلي بالفصل و في آخر يوم قبل التخرج خاطبه و كأنه صديق مُقرّب .
فليشهد الله أنّي حاولت التقرّب منه حين لاحظت أنّه يُجالس الفراغ وقت الإستراحة و طوال الوقت مُنهمك بكُتبه ، خريطة مساره اليومي من البيت إلى المدرسة ، و من المدرسة إلى البيت لكنه كان دائما يتجاهلني ، سئِمت بالطبع ثمّ أنا كان لديّ ما هو أهم من مُعالجة توحّد الآخرين !
" إذا أدريان ، كيف كانت حياتُك ، الجميع هُنا يشعر بالفضول "
خاطبتُه و فمي ممتلئ بالطعام ، كُنت جائعة جدا إذ أن دعام الطائر لا يُسمن و لا يُغني من جوع ، الجميع أبدى المُوافقة على دعوتي إلّا أدريان الذي رمقني و كأنه يُمزّقني بداخله
" ما الذي تُريدون معرفته تحديدا ! "
سأل بفكّ مُتشنّج دلالة على استياء و حرّك بصره بيني و بين الرؤوس الأخرى ، فكرت بتمعّن في موضوع شيّق يُخرجه من ردوده المُقتضبة و الأهم أن يكون بعيدا عن العمل ، أراهن أنّه سيستهلك كلّ سهرتنا الجميلة إن فتحتُه الآن
" حياتُك الشخصية بالطبع ، هل تزوجت ؟ "
رمقتُه بأعين بحجم البالون غير أنها لم تُحقن هواءً بل فضولا بحتا ؛ ليو ذو الأعين الناعِسة غمز لي بمكر و كذا فعل بوم سوك الرجل الذي تهكّم على زلّة ل**ني ، بالطبع أعرف الفرق بين الإثنين .. أردت اقتلاع أعينهما لأنها تسيء فهمي و تحثّ الجميع على ذلِك فها قد سُلطت الأضواء عليّ
في تِلك الأثناء أدريان كان يُحاول ابتلاع صدمتِه ؛ ما الذي سيحدث له لو انتقلت لطرح أسئلة الكِبار؟ ، بديهي أنه غير مُعتاد على أجواء اللعب و المُتعة
بعد بُرهة من الزمن أومأ مؤكدا ثمّ استل الجواب اللفظي بهدوء " لقد تزوجت منذ عامين "
تعالت صيحات التهنئة في المكان و بعضها ضمّت الاستهجان ؛ شعرت بالإنتشاء لأن أحلام الصغيرة ميرا تحطّمت .. أخذ الجميع يتهامسون على وضعيتهم العاطفية ما جعل المعلم جون وو يوجّه السؤال للجميع
" هل من مُتزوّجين هُنا ؟ "
عشرة من أصل خمسٍ و ثلاثين شخصا قاموا برفع أيديهم من بينهم بوم سوك ؛ و أنا .. أنا عزباء ، فعلتُها عمدا لأتحرّى عن توقعاتهم بخصوصي . ساد **ت كاسد يضجّ بالنظرات المُستغربة كأنّي أخبرتهم للتوّ أنّني رشّحت نفسي للرئاسيات القادمة !
المدعوة ميرا كانت من بين الأوائل الذي شرعوا في إبداء تعابير السُخرية
" قد أصدّق كذبة أن أ**د القرن الحادي و العشرين صارت عاشبة و لن أصدق أنكِ تزوجتِ قبلي ، بل تزوجتِ "
" رأيي من رأي ميرا "
جا**ون صديق أدريان الذي اعتاد أن يُزعجني في الماضي قهقه ساخرا هو الآخر ثمّ ارتشف من مشروبه و ها قد ظهر المزيد من المُعارضين ، عدد جعل فكّي يسقط من صفحة وجهي ، حتّى أدريان ! .. هو لم يفُه بذلِك لكنّ ابتسامة تهكّمية أومضت في وجهه قبل أن يعود باردا مُجددا .
خبّأت انزعاجي بشكل جيّد تحت ابتسامة زائفة و هيئة واثقة ثمّ لدغتُها بل**ني
" و لماذا لن أتزوج ؟ ، مفاتني أكثر إغراء من مفاتنك ميرا ، على الأقل لستُ أرتدي حمالة ص*ر مُضاعفة الإسفنج ! ، أو رُبّما اثنتان من يدري "
انصرفت لتناول طعامي بعد أن أعلنتني الفائزة بجدارة ، بقية الحضور كانو مُنشغلين بتحديد مدى صحّة ما قُلتُه و البعض لم يُعجبه استحضاري أمرا خاصا كهذا ، لم ينصرم وقت طويل حتى ردّت بسُخرية كأنها لم تتأثّر البتة
" لا أرى هذا الذي تُسمّينه مفاتنا ؟ ، أين هُو روزا ! "
اتجهت أبصار الجميع تقيس حجم ص*ري و تُقارنه بها ، صوت الندغ الذي رصدته أذناي لم يُشعرني بالرضى .. ليو و هيوري اللذان يُفترض أنهما صديقاي كانا يُجاهدان الضحكة جِهادا ، ما ذنبي إن كان قميصي فضفاضا مُحتشما !
" انّهما كحبّتيّ بازِلّاء "
أتاني صوتُها بسُخية جهنّميه أوقد في نفسي الغضب رغم أنني من بدأت ؛ نحن لا نُطيق بعضنا منذ الثانوية و بيننا العديد من المشاكل و تاريخ عريق من المقالب .
" قوية ميرا ، كيف سترد عزيزتُنا روزا على انتقاد كهذا ! ، هل سيدوم **تُها طويلا لا أعتقد ، ها هي ترفع أكمام قميصها أنصح الجميع بالانبطاح تحت الطاولة و إلّا ستكون النهاية مأساوية ، شد الشعر ؟ ، هل ستُحيي الماضي ؟ "
بوم سوك ظلّ يُقلّد المُعلّقين في مُباريات كُرة القدم بدون ملل و لم يُهمل أيّ تفصيل ، كنت أفكر في القيام و البدء بشدّ شعرها بالفعل لكنني صِرت كبيرة على ذلِك فاكتفيت بالتهكّم
" معي شريط القياس ، هل تودّين المُنافسة ؟ ، بالطبع عليكِ ارتداء حمّالة ص*ر عادية "
قضمت شفتي بانتصار و أنا أراقب ثِقتها تنهار ؛ لقد كنّا بنفس فصل السِباحة و قد لاحظت الفرق .
" مُعظمنا شباب هُنا ، ألا تجدون الأمر مُحرجا ! "
أدريان أفسد مِزاجي بمُداخلته التي صبّت في صالِحها على ما أعتقد فأنا من بدأت ؛ نفخت على وجهي بغضب و شرِبت من النبيذ مُتجاهلة انتقال عدوى الإبتسام إلى ميرا . لم يكُن الحديث مُحرجا على الإطلاق بل هو المُتحفّظ هنا ، لقد اعتدنا مُطارحة مواضيع أكثر خصوصية و نحن في الثانوية !
حين طوت الدقائق على ذلِك الموضوع الذي كاد أن ينتهي بشجار طاحن ، التفت إلى أدريان الذي كان يشرب العصير بملل و على حين غُرّة منه بادرت
" أراهن بحياتي على أن زواجك مُدبّر "
نفث بعض القطرات خارج فمه مُتفاجئا قبل أن يُتمتم " آسف "
عمّ ال**ت و كُلّهم آذان صاغية تترقّب الجواب بلهفة ؛ هو حقّا مِحور اهتمام الجميع الليلة لكن لِحُسن حظّه جلجل صوت أقدام صرف انتباهنا عنه إلى الواء ، كان جونغ إن الذي لم يُوفّر ثانية في التذمّر و هو يمشي نحونا
" ا****ة على العائلة ، هل تصدّقون أن والدي هددني بسحب بطاقة الائتمان إن لم أرافقه إلى حفلة شريكه الجديد ؟ ، و بالطبع كي يُعرفني على ابنته .. لقد ضحيت بالكثير في سبيل الحضور "
تريّث بجانب ليو و ارتشف النبيذ الذي كان يحتضنه كوبه دفعة واحدة ثمّ سأل
" هل فاتني الكثير ؟ "
" كُنا بانتظارك حتى نبدأ الحفل "
= = = = = =