الفصل الثاني

1096 Words
ظلال عينيك كنقش فرعوني خُطّ على جدران قلبي و لم تمحه الأيام بل أقام في قلبي حضارته الخاصة التي سيعود مجدها حين نلتقي مجددا ، يجلس في غرفته على طرف سريره وعيناه لا تفارقان الصورة الضخمة المعلقة على الحائط أمامه وأفكاره كذئب يعوي في فراغ فينطلق صدى عوائه كذبذبات قوية تجعله يثور وكأن به ماردا نائما وبدأ يستيقظ ، ماردا دفنه منذ أكثر من أربعة عشر عاما ولا يريده أن يعود لأنه لن يُبقي شيئا إلا وسيفنيه، ماردا حين يغضب أو يتألم لا يرتاح إلا عندما يُخرج كلَّ ما بداخله فيمن حوله وخاصة من أحزنه وغرز الخنجر في ظهره، ماردا إذا عشق لن يفوز بعشقه سواه وإلا مصير الجميع سيكون الموت وهو ليس ضعيفا ليُستهانَ بذكائه لهذه الدرجة ، جميعهم سيدفعون الثمن، كلُّ من كان له يد بهذا المخطط فليستعد فرائف عائد ، وقف واقترب من صورتها ونظر لعينيها بقوة وقال بصوت متألم " ما زلتُ لم أصدق أن يدك الصغيرة الرقيقة طعنتني، ما زلتُ لا أستوعب أن النيران الثائرة بص*ري كان لك يد بها، لخمس سنوات كنت أتألم بسكون و**ت حتى رأيتك فثار الألم، ماذا حدث وكيف أقنعوك أن تشاركيهم مخططهم في إبعادك عني؟ ألم تفكري بي وبقلبي؟ كنت أنتظرك بصبر جلبته من سنوات عذابي الطويلة، كنت أحبك بهدوء رغم شوقي واحتياجي لقربك، لماذا فعلتِ هذا يا صغيرتي؟ هل تدرين أن الوحش الذي ساعدتِه لينام بعينيك الطفوليتين في أول لقاء لنا بدأ يستيقظ؟ لم أكن أريد أن أعود رجلا مستعدا للقتل، كنت أريد أن أبقى نظيفا من أجلك أنت وابنتنا، لكن أقسم بمن وضع حبك بقلبي وروض وحوشي على يد*ك أنّ كل من له علاقة باختفائك سينال عقابه ولن أتراجع إلا وأنت حلالي فكفاني ضياع، كفاني ألم واشتياق ينخر في عظامي كأنه مرض سيقضي عليّ عاجلا وليس آجلا " طرق خفيف على الباب جعله يستعيد هدوءه ويقترب من الباب ليفتحه ليجد نفيسة تقول له " الأستاذ عصام والآنسة ياسمين وصلا وينتظرانك في المكتب " عبس رائف حين سمع اسم ياسمين فهو لا يذكر أنه طلب حضورها أو أن هناك عملا عالقا بينهما فسألها " متى ستعود رحيل وما هو برنامجها اليوم ؟" تن*دت نفسية بتعب من مجرد ذكر هذه الش*ية زرقاء العينين وقالت " ستعود من مدرستها لتتناول الغداء وترتاح لساعة ثم ستذهب إلى نادي الكاراتيه " نظر رائف إلى ساعته وقال " من الممكن أن أخرج ولكنني سأكون هنا قبل وصولها بإذن الله" ردت عليه نفيسة بحيرة وقالت " لا تتأخر فأنت تهملها منذ أيام ومشغول عنها أغلب الوقت وإذا عدت تكون شاردا بحزن كأنك تحمل هموم الكون على كاهلك " أغمض رائف عينيه لثانية وهو يفكر أن حبل تركيزه تشتت منذ أن صُدِم بوجودها فقال " لا تقلقي يا ست نفيسة لن أهدأ حتى أراضيها وأخبرها أنني أواجه بعض الضغوط في العمل " تمتمت بصوت وصل لأذنيه " ف*ج الله همك وجبر **رك ونصرك على من يعاد*ك " أمّن على دعائها ب**ت وهو يعبر إلى المكتب، وقفت ياسمين بخجل وعيناها تشعان بإعجاب وحب تخطى الوصف وبات يؤرقها، حاولت ترويض قلبها لسنوات ولكن ها هي تقف أمام رجل لا يراها وتُمنّي نفسها كل مرة أنه هذه المرة سيلتفت لما يعتريها ويفهم أنها أوقفت حياتها أمامه وهي ترفض العرسان كأنها مطمئنة أنها ستكون له، ولكن ها هي السنوات تمر وهو مازال لا يراها سوى فتاة يربطه بها علاقة عمل فقط، قال رائف باقتضاب " أهلا ياسمين، أهلا عصام هل أحضرت ما طلبته منك ؟" احتضنت ياسمين حقيبتها بخجل وجلست وقد لمعت عيناها بالدموع ولكنها أخفتها بثبات ورسمت ابتسامة عملية بحتة على شفتيها لكن عينيها كانتا تشعان بغرام مفضوح، نظر لها عصام وهو مدرك لما يحدث لها فمنذ سنوات طلب منها أن تبتعد لكنها ظلت تورط نفسها ومشاعرها مع رجل لن يلتفت لها مهما حدث، التفت لرائف قائلا " رائف، أنا أراقب الفتاة بشكل دائم على مدار الأربع والعشرين ساعة وأريدك أن تعلم أن مؤيد الجوهري يحكم قبضته حولها، ورقة بسيطة كقسيمة زواجها لم أستطع الوصول إليها رغم سهولة الأمر لذلك كل ما يخصها لن يكون بالهين كما علمت أن نزار العزايزي كان في فيلا مؤيد الجوهري ولا أستبعد أن هذه الزيارة تخصها، وهذه مشكلة جديدة فإذا كان لها علاقة بالعزايزة فاعلم أنها محصنة داخل قوقعة منيعة، أنا حتى لم أعرف ما هو اسمها الدارج في الأوراق الحكومية أو في قيد الجامعة، تلك الفتاة كشبح تراه بعينك ولكن ليس له وجود " ض*ب رائف على المكتب بيده بعنف أفزع ياسمين وقال " ماذا يعني هذا؟ هل جئت لتخبرني أنك لن تستطيع أن تأتي لي بما أريد؟ حسنا يا عصام أنا أعرف كيف سأجد ما أريده ومن سيأتي لي به، اعتبر نفسك مُعفى من هذا الأمر وكلّف الرجال ألا يغفلوا عنها لثواني وخذ لي موعدا مع غنام الحاوي " توسعت أعين عصام وقال باستنكار " هل ستتعامل مع هذا الرجل وأنت تدري مدي قذارته ؟ أنت حتى لم تستعن به حين تلقينا أكثر من ض*بة من منافسينا، كل مرة كدتَ بها أن تقع كنت تقف على قدميك ويداك نظيفتان وهذا ما جعل مطعمك مقصدا لأسماء كثيرة لها مكانتها في عالم السياسة والأعمال، أتريدنا أن نخسر كل هذا من أجل ورقة تخص فتاة لا أعرف علاقتك بها بعد ؟" صرخ به رائف بغضب " ليس من حقك أن تعرف و لستُ مطالبا بإرضاء فضولك بل أنت من عليه أن يؤدي عمله لا أن تأتي وتخبرني بكل بساطة أنك لا تستطيع إحضار ورقة" وقف عصام وهو يشعر بالإهانة وقال " هذا ليس تقصيرا مني يا سيد رائف فعملي كمحامي ومدير لأعمالك لا يؤهلني أبدا لحركات المجرمين هذه، وما قلته كان خوفا على تعب السنين الذي كنتُ شاهدا كيف وصلتَ له، لكن إذا كنت ترى أنني لا أصلح لشيء فاعتبرني مستقيلا " كان الجو مشحونا فشعرت ياسمين أنها جاءت لترجو المستحيل لكن قلبها الأ**ق تعلق برجل غامض لا يمكن لامرأة مهما بلغت من الجمال والأ***ة أن تلفت نظره أو تحتل اهتمامه، حاولت أن تساعد في تهدئة الوضع وكلها يتداعى وهي تراه سيُجنّ سعيا وراء فتاة متزوجة فقالت " اجلس يا عصام فمؤكد أن السيد رائف لا يقصد أن يهينك بأي شكل من الأشكال لكنه غاضب وهذا الكلام نتيجة غضبه لا أكثر، اهدأ ودعنا نحل الموضوع، فلا بد أن السيد رائف يسعى خلف هذه السيدة لأمر مهم" تن*د رائف وهو لا يعلم كيف تحول لإنسان نزق لا يحتمل أحدا ولا يريد سوى أن يتحدث معها ويقترب منها حتى تعود سنواته التي رحلت بدونها، حاول أن يلتقط أنفاسه فهدأ وقال " عصام، أنا أمر بفترة صعبة وحرجة وهناك حقائق تخص الماضي بدأت بالظهور ، حقائق قلبت كياني وجعلتني على صفيح ساخن لذلك من فضلك لا تغضب وتضع كرامتك بيننا فما بيننا أكبر من ذلك، يمكنك اعتبار ما أمرّ به ظرفا طارئا وأحتاج منك أن تقف بجانبي خلاله ولا تؤاخذني على كلامي المندفع " جلس عصام وقال " لا عليك يا رائف، ففي النهاية كما قلت ما بيننا أكبر من ذلك لكن لأكون صادقا معك هذا لن يغير من موقفي ونظرتي للأمور شيئا، هذه الفتاة محمية والوصول لأسرارها ليس بالسهل أبدا " ....
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD