الفصل الاول

1300 Words
إذا فقدت الصديق فخذ الليل صاحبا، ففي سكونه صحبة، وفي هدوئه صحبة وفي ظلمته ستر وصحبة، وفي طوله مواويل من أسرار تُعزف لا تستطيع شمس النهار أن تكشفها أو أن تكون لها صحبة … يشعر بسخونة هاتفه بين يديه ومع ذلك مستمر في النقر على شاشته بإلحاح وقدمه تهتز بتوتر، أذنه تستمع إلى رنين الهاتف وعقله يكاد يأخذه لأماكن مظلمة لا يريد أن يصل إليها، تفكيره في أسباب عدم رد أسد عليه منذ الصباح يقطع أوصاله بسكين صدئ، هل يمكن أن يكون أسد قد تخلى عنه بعدما رأى حقيقة عائلته؟ هل ما حدث بالأمس جعله يخاف منه أو يظنه مريضا لأنه ترك والده بذلك المستنقع ورحل ؟ هل يمكن أن تكون علاقتهما من البداية ضعيفة لهذه الدرجة ولكنه لم يرَ هذا جيدا ؟ .... أفكار من الجحيم خرجت لتنهش رأسه وتزداد كلما انقطع الخط دون إجابة من أسد، دخل فخر إلى المكتب يقول " ليل، أين كنت؟ هل بتّ ليلتك هنا ؟ " أمسك ليل جانبي رأسه من شدة الألم الذي ينخر به وقال " كان هناك بعض الأوراق التي تتطلب مراجعة دقيقة ، سهرت لأنهيها ثم غفوتُ قليلا على الأريكة ولكني أشعر أنني لم أحصل على قسط كاف من النوم " نظر له فخر بشك وقال " ليل، لماذا أشعر أنك تخفي عني شيئا؟ ولماذا لم تهاتفني لأطمئن عليك؟ منذ الصباح وهاتفك مشغول، أهو أمر يخص والدينا؟ " وقف ليل وترنح لوهلة قائلا "لا تضخم الأمور، أخبرتك أنه مجرد عمل عالق، وآسف لأنني لم أهاتفك فعقلي كان شاردا قليلا " اقترب فخر يسأله بتوجس " ليل، هل سمراء بخير؟ ليس هناك أمر سيء حدث، أليس كذلك؟" قال ليل بلهفة " لا ، هي بخير ولن يصيبها مكروه بإذن الله، أنا قلق على أسد فأنا أهاتفه منذ الصباح ولا مجيب" رد عليه فخر بحيرة " مؤكد نائم أو مشغول مع إخوته، لماذا لا تسأل إياد عنه؟ " أجابه ليل وهو يتجه لحمام جانبي بالمكتب " اطلب لي كوبا من القهوة وهاتِف إياد لعله يفيدنا " لمح فخر أخاه وهو يضع رأسه تحت صنبور المياه فرفع سماعة هاتف المكتب وطلب القهوة لأخيه ومعها بعض الشطائر لأنه متأكد أنه لم يضع شيئا بفيه بعد ثم طلب رقم إياد وفتح مكبر الصوت، حينها وصله صوت إياد يقول بحنق " هاتفي أصبح لا يتوقف عن الرنين بأرقامكم يا أبناء العزايزة، كأنه ما عاد ورائي غيركم " ابتسم فخر وقال " زادك الشرف يا بن القاضي وهل تطول؟ " رد عليه إياد بصوت نزق " إذا كانت مغبة ذلك هذا الإزعاج فلأبقَ عقلة الإصبع، ماذا تريد؟ " اقترب ليل وهو يدلك رأسه بالمنشفة بقوة ويقول " إياد، أين أسد؟ ولماذا لا يجيب على هاتفه؟ " استغرب إياد فهذه سابقة من نوعها أن يسأل ليل عن أسد فدوما ما كان هو من يُسأل عنه فأجاب باستغراب " لقد كان مع إخوته في المطار ثم أخبرني أنه لن يحضر إلى الشركة اليوم كالعادة " فسأله ليل " إذاً هل هو في منزلك أم في شقته الجديدة؟ " قال له إياد " أظنه مازال في الفندق فقد مدد فترة الحجز إلى نهاية الأسبوع وكالعادة بدون إبداء أسباب " قال له ليل وهو يسرع في جمع أشيائه المبعثرة من على المكتب " شكرا يا إياد " أغلق إياد الخط دون أن يرد فقال فخر لليل "إلى أين أنت ذاهب؟ " رد عليه وهو يسرع إلى الخارج " ذاهب لأقابل أسد، أريده بأمر هام، ابقَ هنا وتابع العمل حتى عودتي، لن أتأخر " رفع فخر حاجبه وهو يستشعر أن أخاه يخفي عنه شيئا وهذا ما يزعجه كثيرا …... كان أسد ينام على السرير في الفندق ينظر للسقف مستشعرا الهدوء من حوله، يهيم بذكرى عزيزة على قلبه، ذكرى أول اعتراف بالحب، أول شعور يغزو قلبه ويقلب كيانه، يهيم في تفاصيل رحلة حبه وملامح عزيزة تتص*ر المشهد من البداية، كل ابتسامة ودمعة، كل خجل وغضب وكل لحظة غيرة نهشت ص*ره، كان يحاول أن يهرب من الواقع، كان يعيد تفاصيلها كأنه يتأكد أنه مازال يحفظ كل شيء يخصها، ابتسم بحنين وهو يهمس "أدركتُ أن لا غالب لقلوب الوحوش سوى الحب، آمنت أنني حين أقف أمامك وأحني رأسي لأصل إليك أحنيها طوعا، آمنت أن الشوق قاتل يا بنة عمي" تن*د وظل يتذكر متى آخر مرة قال في حبها شعر فاعتدل يسحب ديوان شعر لفاروق جويدة ابتاعه وهو عائد من المطار وظل يقرؤه بهدوء وكلما وجد سطور شعر تصفها ظللها بقلمه، تفاجأ بصوت طرق مفزع على باب الغرفة فتحرك يظن أن أحدهم أخطأ في الغرفة لأنه طلب من خدمة الغرف عدم إزعاجه ففتح الباب وهو يقول بغضب "هل ست**ر الباب؟ ……." **ت وعيناه تقابلان أعين ليل الغاضب الذي دفعه بقوة إلى الخلف ودخل الغرفة وهو يقول "وسأ**ر رأسك أيضا، أين كنت مختفيا منذ البارحة؟" أغلق أسد الباب وتقدم نحو الأريكة وألقى جسده عليها بإرهاق وقال "ليل، لا أريد أن أتحدث مع أحد، ارحل وأغلق الباب خلفك" توجس ليل من طريقة كلامه وقال "أسد، ماذا حدث؟ هل كل هذا بسبب والدي؟ لقد أخبرتك أكثر من مرة أن عائلتي لها ظروف خاصة، كنت أنتظر منك أن تحدثني عما أزعجك لا أن تتجاهلني وتجعلني أقلق عليك وأعيش لساعات طويلة مع أفكار أهلكتني" تن*د أسد وقال وهو يتحرك للغرفة الداخلية "ليل ارحل فأنا لن أستطيع أن أخوض في أي نقاش الآن، أنا مرهق للغاية" تحرك ليل خلفه وهو يقول بغضب "لماذا لا تقف وتحدثني مثل البشر؟ ماذا حدث لك؟" التفت له أسد وقال بغضب "لأنني لا أريد أن أتحدث، هيا ارحل واتركني وشأني" توحشت أعين ليل وأمسك أسد من تلابيبه وقال "لا تتحدث معي أبدا بهذه الطريقة، من حقي أن أعلم سبب تغيرك وأعدك بعدها أن أرحل وأتركك وربما بعد أن تخبرني أكتشف أنني لا أرقى لمستوي صداقتك فيكون رحيلي أفضل لكلينا" نظر له أسد بغضب وقال له وهو يحاول أن يتحرر من قبضتيه "ليل، لا تنقصني حماقاتك فبداخلي ما يكفيني، طلبت منك أن ترحل وأنت كالعادة غ*ي ومصر على أن تضغط عليّ وليس لدي أدنى احتمال" نظر ليل لعيني أسد بقوة وقال "لا تجعل ما رأيته يؤثر على نظرتك لي، لا أحد يختار أهله يا أسد، لا تجعلنا نخسر بعضنا من أجل أمور لا يد لنا بها" قال له أسد وقد نفض قبضتيه بعنف "ليس هناك شيء سيجعلني أخسرك يا ليل، وكل ما تتفوه به لم أفكر به حتى ولكنني أحتاج للبقاء بمفردي، أحتاج لوقت مستقطع بعيدا عن كل ما يحدث، أحتاج أن أجلس مع نفسي وأعيد حساباتي وأفكر كثيرا في وضعي" سأله ليل باستغراب "إذاً ماذا حدث؟ أهناك ما لا تريد إخباري به لذلك تدفعني للرحيل؟ هل سمراء بخير؟" قالها ليل وقلبه يسقط من ص*ره حتى رقد تحت أقدامه، وحين لم يجد ردا من أسد صرخ به "انطق، هل سمراء بخير؟" رد عليه أسد وهو يشعر بالاختناق "بخير ولكن ليس لوقت طويل يا ليل، كلنا حاليا بخير ولكن ليس لوقت طويل، هل ارتحت الآن؟" أجابه ليل وهو يدور في الغرفة كأسد حبيس "كيف أرتاح بعد هذا الحديث؟ لماذا لا تخبرني بما لد*ك بطريقة مباشرة؟" ابتلع أسد مرارة ناشبة بحلقه وقال "بالأمس حضر الشيخ جعفر العزاء و…….." **ت أسد لا يقوى على إخباره فقال ليل بصراخ نافذ الصبر "وماذا؟" أجابه أسد باندفاع كأنه يزيح ثقلا أتعب قلبه "وقد تحدد موعد الأفراح هذا العام" قال له ليل "وما علاقتنا بذلك؟ ألا تدفع المبلغ الذي يفرضه كل عام؟ ما المشكلة إذاً؟" رد عليه أسد بحسرة "هذا العام ليس هناك مفر، لقد أخبرنا أن كل فرح تأجل سيقام، ولا المال ولا أي شيء آخر سيجعله يتراجع عن قراره" توحشت أعين ليل وسأله بجنون "كيف حدث هذا؟ هل تعني أن كل ما سعيت له لسنوات مجرد سراب؟ هكذا فجأة كل شيء سيضيع من بين يدي! لا….لا، هذا لن يحدث لو أطبقت السماء على الأرض" تحرك ليل خارجا من الغرفة مندفعا فأوقفه أسد يسأله "إلى أين؟ ماذا ستفعل؟" قال له ليل "سأجد مخرجا من هذه الورطة وإن لم أجد لن يستطيع أحد منعي من الوصول إليها وإن فكرت فقط أن تقترب منها سأقتلك يا …..صديقي" توسعت عينا أسد بهلع فها هو ما يخشاه صار واقعا وليل بدأ يشعر نحوه بالتهديد فصرخ به "أيها الأ**ق ماذا تقول؟ سمراء أختي" ألقى ليل عليه نظرة ضائعة تائهة وأسرع نحو المصعد فأسرع أسد يرتدي سترته واندفع خلفه وهو يفكر أن كل ما يتمناه أن ينير الله لهم قبسا من أمل وهو يقسم أن ينقاد وراءه بدون تفكير...
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD