الفصل الخامس (5)

2642 Words
لقد خا**ه النوم في تلك الليلة, فقد أبى عقله أن يدعه يرتاح ولو قليلا, فمنذ أن أخبرته أمه بأن الفتاة أصبحت أخته وقد شرحت له بأنهما هي وأبيه تبناها وقد أضحت الأفكار تتصارع في عقله, فهو لم يكن جاهلا تماما بمعنى التبني فإنه لايزال يتذكر قصة زيد ابن حارثة الذي خُطف وبيع في سوق عكاظ وكان غلاماً صغيراً واشتراه حكيم بن حزام لعمته السيدة خديجة بنت خويلد"رضي الله عنها" فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له وتمضي الأيام وفي موسم الحج رآه بعض أقاربه فتعرفوا عليه وعادوا إلى ديارهم فأخبروا أباه الذي أسرع ليفتدي ابنه ويحرره, وكان زيد يحظى عند النبي صلى الله عليه وسلم بمكانة عظيمة، لدرجة أنه كان يقال عنه: "زيد بن محمد", حيث قد روي أن أباه وعمه جاءا إلى النبي قبل أن يتبناه، وطالبوا به، فقال له النبي: " إخترني أو اخترهما ". فقال زيد: " ما أنا بالذي أختار عليك أحداً، أنت مني مكان الأب والعم ". فقالا له: " ويحك! أتختار الع****ة على الحرية، وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟ " فقال لهما: " ما أنا بالذي أختار عليه أحداً. وإني يا أبي رأيت من ذلك الرجل الشيء الحسن فما أنا بمفارقه ". فحينها فرح الرسول ووقف على صخرة أمام الكعبة وقال: " يا أهل قريش اشهدوا، هذا زيد ابني يرثني وأرثه ". فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما وانصرفا. ومنذ ذلك الحين دعي بـزيد بن محمد، حتى جاء الإسلام فنزلت الآية الكريمة التي تحرم التبني فدعي منذئذ زيد بن حارثة، ونُسب بعد ذلك كل من تبناه رجل من قريش إلى أبيه. ولكن هذا لم يشبع فضوله بخصوص ذلك الموضوع, فنهض من على سريره وتوجه إلى مكتبه ثم فتح حاسوبه وأخذ يبحث ع الانترنت عن موضوع التبني والذي قد أجمعت كل الآراء على إنه حرام مستشهدين بالقرآن والسنة وموضحين أضراره وعواقبه وذلك ما زاد حيرته أضعافا, فكيف لوالديه أن يرتكبا مثل هذا الإثم؟ أليس هما نفسهما اللذين يخبراه دائما بأن السرقة حرام والغيبة حرام و الكذب حرام والسب حرام ويجب أن يبتعد عن كل ذلك؟ أليس التبني ككل تلك المحرمات ويجب اجتنابه؟ فكيف يقدمان عليه؟ ظل هذا السؤال معلقا دون إجابة مرضية إلى أن شعر بتعب نفسي قبل أن يكون ارهاقا بدنيا فقرر أن يخلد إلى النوم ولكنه عزم على أن يحدث والده بخصوص هذا الموضوع في الغد. **************************** وفي الصباح نهضت الأسرة باكرا كعادتها وجلس أفرادها بالاضافة للعضو الجديد حول طاولة الطعام لتناول وجبة الفطار, كان مازن يتناول طعامه مثبتا عينيه في شرود على تلك الطفلة التي تأكل حينا وتعبث بطبقها حينا آخر بينما عفاف تنهرها على ذلك بلطف. ظل مازن مترددا هل يفاتح والده في الأمر الذي قد عزم بالأمس على التحدث معه فيه أم يظل صامتا ويرضى بالأمر الواقع الذي فرض عليه؟ ولكنه في نهاية المطاف قرر ألا يتخاذل فهو حقا يريد أن يفهم, ثم فجأة ودون تمهيد للموضوع وجد نفسه يقول: بابا ! هو مش التبني حرام؟! كان السؤال مباغتا لدرجة ألجمت ل**ن كل من محمود وزوجته اللذين بقيا لحظات ينظران إليه بدهشة ثم يتبادلان النظرات فيما بينهما بينما ظل مازن يتناول طعامه وكأنه القى بسؤال عادي وهو يشعر بنظراتهما المصوبة نحوه مما جعله يدرك أنه قد ألقى بقنبلة موقوته كانت على وشك الانفجار ولكنه حاول أن يبدو أكثر هدوءا عما يشعر به حقيقة في داخله, ثم ولدهشته سمع والده يجيبه بكل ثبات: أيوة يا مازن التبني حرام. تعلقت عينا مازن بعيني والده وهو لا يعلم مالذي يمكن أن يقوله بعد هذا الاعتراف الصريح الي تفوه به والده؟ فهو على يقين بأن والده قد ادرك غرضه من هذا السؤال, ولكن مازن لم يكن مستعدا لتلك المواجهة بهذا الشكل فقد كان ينتظر أن يراوغه والده في الرد, ولكن أيا كان الأمر فسيكمل ما بدأه: طيب هو ليه حضرتك انت وماما اتبنيتوا دي دي؟ هو مش كدة يبقا انتوا عملتوا حاجة حرام؟ : مازن! كان هذا المعنف هو صوت والدته التي لم تتحمل المزيد مما يتفوه به ابنها, وكأن الحقيقة تؤلم دائما, ثم أكملت بصوت حاد: انت ازاي تتكلم مع باباك بالشكل دة؟ شعر مازن بأنه قد تمادى كثيرا وقد تعدى حدود الأدب مع والديه في الحديث, ولأن تربيته لم تكن تسمح له بذلك فأخفض عينيه سريعا بندم: أنا آسف. ولكن محمود الذي قد أنهى طعامه وحمد ربه على نعمته قال لزوجته برفق: عفاف! لو سمحتي فنجان قهوة. أيقنت عفاف بأن زوجها يطالبها بالانصراف لكي يخلو بمازن قليلا لذا فقد أطاعته وأخذت دارين معها, وعندما تأكد محمود بأنه قد أصبح بمفرده مع ابنه الذي كان لايزال خافضا رأسه لا يرفع عينيه عن طبقه, فابتسم بلطف وهو يسأله: قولي بقا يا مازن, انت ايه اللي تعرفه عن موضوع التبني؟ هدوئه وابتسامته شجعت مازن على أن يسترسل في الحديث ويخبره عما قرأه على الانترنت وكان محمود مع كل كلمة يقولها ابنه يبدي استحسانه لما يسمع حتى انتهى مازن, فقال له محمود ونظرات الاعجاب تشع من عينيه: برافو عليك يا مازن, جميل جدا انك عشان تفهم رحت بحثت وقرأت بنفسك, انا بجد فخور بيك. رغم سعادته بمديح والده إلى أنه شعر به يحاول أن يتهرب من الإجابة عن سؤاله, فكرر سؤاله مترددا وهو يخشى أن يثير سخطه كما حدث مع والدته: طيب هو ليه حضرتك عملت كدة؟ خرجت منه تنهيدة طويلة قبل أن يجيب وقد شعر مازن بأن والده يحمل عبئا ثقيلا على عاتقه حتى سمعه يقول: قبل أي حاجة لازم تعرف ان فعلا التبني حرام وما كنش المفروض اننا نعمل حاجة زي كدة, بس اللي انت متعرفوش يا مازن إني لو كنت رفضت أتبنى دي دي كان ممكن نخسر مامتك, انت فاكر طبعا ايه اللي حصلها بعد ما هدى أختك ما ماتت الله يرحمها, فمامتك أول ما شافت دي دي وهي حست انها تعويض من ربنا عن موت بنتها اللي ما كنتش مصدقة لحد دلوقت انها اتحرمت منها وعشان كدة هي كانت بتروح للدكتور عشان تتعالج والعلاج بدأ يجيب نتيجة أسرع بعد ظهور دي دي. فلو كانت حست انها ممكن تخسرها هي كمان فربنا وحده هو اللي يعلم ايه اللي كان ممكن يحصلها؟ ثم **ت قليلا ليرى تأثير كلماته على ملامح ابنه الذي بدا أنه لم يقتنع تماما, مما جعل محمود يستطرد قائلا بصوت مبحوح: شوف أنا عارف إن كل دة مش مبرر للغلطة اللي عملناها وعارف كمان إن ربنا أكيد هيعاقبنا عليها بس اللي مخليني مستريح شوية إن من جوايا فأنا عملت اللي عملته عشان أريح والدتك من جهة وأحافظ على الطفلة من جهة تانية, دة غير إني معترف إن البنت مش بنتي هي بس أمانة عندي لحد ما ييجي أهلها وياخدوها, سامعني يا مازن, دي أمانة. فاهم يعني ايه أمانة؟ فهز مازن رأسة دليلا على استيعابه للمعنى العظيم للكلمة, وقد أكمل والده وهو يضع يده على كتفه برفق: مازن! انت دلوقت بقيت راجل وأد المسئولية وتقدر تفهم اللي انا هقولهولك دلوقت, أنا ومامتك كتبنالك كل حاجة باسمك من نصيبنا في الورشة والشقة وكمان الفلوس اللي في البنك لأن لو جرالي حاجة بالوضع دة يبقا قانونا دارين ليها حق انها تورث معاك عشان كدة احنا كتبنالك كل حاجة, بس لو مت وصيتي ليك انك تخلي بالك منها هي دلوقت ملهاش حد غيرنا بعد ربنا, وافتكر دايما انها أمانة في رقبتك ولازم تحافظ عليها, ماشي يا مازن؟ فأومأ مازن برأسه موافقا وشعور غريب يخترقه جراء كلام والده لا يعلم ماهيته, ولكنه لم يكن مريحا على الاطلاق. ******************************* وتمر الأيام وتقترب السنة الدراسية الجديدة لتدق جميع الأبواب المصرية وتبدأ الاستعدادات لها بشتى الطرق, وبالفعل التحقت دارين بالمدرسة الابتدائية القريبة من الحي مع غادة ابنة فؤاد صديق محمود وجاره في الوقت نفسه, وقد اهتمت عفاف بكل تفاصيل ذلك الأمر كما أرادت هي, وفي أحد الأيام اتفقت مع جارتها سميرة زوجة فؤاد أن يخرجا سويا لشراء الزي الرسمي لبناتهما حيث كان لدى سميرة ابنة اخرى أكبر من غادة بحوالي خمس سنوات وأخذتا تتنقلان بين المحلات حتى عثرتا على ما تبغيانه وقامتا بشرائه, وبينهما وهما في طريقهما للعودة وتتقدمهما الصغيرات فرحات بما تحمل كل منهم من ثياب جديدة, وقالت سميرة معلقة على ذلك: شايفة البنات فرحانين ازاي بلبس المدرسة. اللي يشوفهم دلوقت ما يشوفهمش أول يوم دراسة هتلاقيهم بيعيطوا بالدموع. عفاف مبتسمة: وهما بيعيطوا عشان داخلين المدرسة بردو يا سميرة؟ دول بيعيطوا عشان هيسيبوا حضن أمهم ويدخلوا دنيا تانية مش بيبقوا عارفين فيها حاجة. ثم أكملت بفخر: بس تعرفي انا ابني مازن ما عيطش ولا حاجة. هو أصلا من يومه ما بيحبش حد يشوف دموعه. سميرة مؤيدة: أمال ايه؟ بسم الله ما شاء الله عليه, طول عمره راجل في تصرفاته. ربنا يخليهولك. فقالت عفاف بنظرات لائمة وكأنها تذكرها: ويخليلي أخته دارين يا سميرة. **تت سميرة قليلا لا تعلم ماذا تقول؟ ولكنها تهربت من نظرات عفاف والتي أشعرتها بالحرج وقالت مغيرة الموضوع: يختي, يعني ما لقتيش غير اسم دارين دة؟ ما عندك الأسماء كتير. عفاف بنبرة حزينة: كنت عاوزة أسميها هدى عشان يفضل دلعها دي دي بس محمود ما رضيش عشان ما تفكرنيش بهدى الله يرحمها. ثم أكملت والدموع تتلألأ في عينيها: قال يعني كنت نسيتها, ففكرت في اسم تاني ممكن يكون دلعه دي دي, لحد ما لقيت اسم دارين ودة معناه الغزال الشارد . ثم أكملت بابتسامة هادئة: وكأن الاسم اتخلق عشانها. ************************* جاء أول يوم في الدراسة ليستيقظ الجميع مبكرا وقد ارتدى مازن زيه المدرسي وساعدت عفاف دارين على ارتداء ثيابها ثم مشطت لها شعرها لتصبح مستعدة للانطلاق إلى عالم جديد مفتوح يخشاه معظم الأطفال في البداية ولم تكن دارين أفضل حالا من مثيلاتها. فحتى قبل أن تغادر المنزل بدت قلقة ومتوترة وهادئة فوق العادة وهي تمسك بيد عفاف بشدة وكأنها تخشى أن تتركها وترحل, فركع مازن على ركبتيه ليصبح في مستواها , وقال لها مبتسما: حبيبة قلبي دي دي انتي خايفة؟ ظلت دارين صامتة وكان **تها تعبيرا كافيا عما تشعر به, فظلت الابتسامة تزين شفتيه وهو يقول لها: طيب هو انتي عاوزة تبقي بنت شاطرة؟ فأومأت برأسها دون أن تتفوه, فاستمر يقول: طيب ما هو البنات الشاطرة لازم يروحو المدرسة , شوفتي انا شاطر ازاي وهروح المدرسة بردو؟ فأسرعت دارين تقول بلهفة: أنا هروح معاك؟ اتسعت ابتسامته وهو يقول: يا خبر أبيض! انتي عاوزة تنطي على ثانوي مرة واحدة؟ فتبسم كل من عفاف ومحمود دون أن يحاول أي منهما أن يتدخل في الحوار, أما دارين فقد اعتلت وجهها تكشيرة وبدت مستاءة كثيرا, فداعب مازن أنفها بسبابته وقرب فمه من أذنها وكأنه سيخبرها سرا, ثم قال لها بصوت خافت: تعرفي لو روحتي المدرسة النهاردة وسمعتي كلام المس أنا هجيبلك معايا شيوكلاته وأنا جاي وبابا هيجيبلك واحدة زي كل يوم وكدة يبقا معاكي كام؟ فنظرت إلى أصابعها لتعد عليهم كما علمها سابقا وهي تقول: واحدة و واحدة, يبقوا اتنين. مازن مستحسنا تصرفها: برافو عليكي, يعني بعد ما تيجي من المدرسة هيبقا معاكي اتنين شيكولاته, ماشي؟ دارين بخضوع: ماشي. ********************** تقابل مازن مع صديقيه في المكان الذي اتفقوا عليه ثم توجهوا سويا إلى المدرسة وقد التحقوا بنفس الفصل حيث اختاروا نفس القسم وهو علمي رياضيات المادة التي تميز فيها كل منهم على حد سواء, وبالطبع فقد جلسوا في نفس المقعد وهو ما أثار تساؤل الكثيرون الذين تعجبوا من مازن ذلك الطالب الذي كان يؤثر العزلة, ها هو قد وجد له صديقان شخصية كل منهما مختلفة عن الآخر ولكن يبدو عليهم الانسجام, ودخل المدرس الفصل وبعد أن حياهم وتمنى لهم عاما دراسيا سعيدا بدأ يقول: شوفوا يا ولاد, طبعا كل واحد فينا بيكون ليه هدف في الحياة لازم يسعى عشان يحققه, والمفروض انكم خلاص حددتوا هدفكم بدخولكم القسم دة أكيد جوة كل واحد فيكم نفسه يدخل كلية الهندسة مهما اختلفت الأقسام طبعا, لكن مش دة الهدف الأساسي اللي عنده نهاية المطاف, بالع** المفروض انه يكون مجرد وسيلة مش هدف, وسيلة لهدف أكبر و أسمى, وعشان كدة لازم كل واحد فيكم يسأل نفسه هو ليه عاوز يدخل الكلية دي بالذات؟ والإجابة على السؤال هي اللي هتحددلك الهدف اللي احنا بنتكلم عنه, واللي ساعات لو فكرت أكتر هتلاقي إنك ممكن توصله بوسائل تانية مش شرط كلية الهندسة لو لا قدر الله ما قدرتش تدخلها, فاهمين يا ولاد؟ فأجاب الجميع في صوت واحد: فاهمين يا أستاذ. ثم شرع المدرس في شرح الدرس و انتبهت إليه جميع الحواس, وقد نسي الجميع تقريبا ما قاله منذ قليل ماعدا مازن الذي ظلت كلمات المدرس تتردد في عقله لبعض الوقت. ******************************* وفي الناحية الأخرى بالمدرسة الابتدائية, كانت دارين تجلس بجوار غادة في نفس المقعد وهي تقول لها بسعادة: لما أروح بابا هيجيبلي واحدة شيكولاته ومازن هيجيبلي واحدة وكدة هيبقا معايا اتنين شيكولاته. فارتسم الحزن على ملامح غادة وهي تسألها: ومش هتديني واحدة يا دارين؟ ف**تت دارين للحظات تفكر و غادة تنظر إليها في ترقب إلى أن قالت دارين في نهاية الأمر: ماشي, هبقا أد*كي الواحدة بتاع بابا. ******************************** عاد الجميع إلى المنزل وكالعادة حكى كل واحد منهم للآخرين كيف مر يومه, ودارين أخذت تسترسل في الحديث وظلت تحكي لهم عن زميلاتها ومدرسيها بطريقتها الطفولية الجذابة وبعض الجمل الغير مترابطة مما جعلهم يغرقون في الضحك دون توقف. وفي المساء جلست الأسرة أمام التلفاز يشاهدون "كرتون توم و جيري" الذي طالبت به دارين وفجأة كان سؤال مازن المباغت: بابا ! ماما! هو انتم ممكن تزعلوا لو ما دخلتش كلية الهندسة؟ فصدمهم السؤال كثيرا لأنه كان غير متوقع بالنسبة لأي منهما, فتقريبا منذ أن عرفا أن عفاف حامل في ذكر تمنيا أن يصبح مهندسا وحتى الآن فهما يؤهلانه ويؤهلان نفسيهما لتلك اللحظة التي ستتحقق فيها أمنيتهما, و كان محمود هو أول من فاق من صدمته فسأل مازن: انت ليه بتقول كدة يا مازن؟ هو فيه حاجة حصلت النهاردة في المدرسة؟ مازن نافيا: لا يا بابا مفيش حاجة. دة كان مجرد سؤال خطر على بالي. أخذ محمود نفسا عميقا قبل أن يقول لابنه في حنان: شوف يا مازن, سواء طلعت مهندس أو لا, فأنت في كل الحالات ابننا ومش الكلية هي اللي ممكن تغير الحقيقة دي أو تبدل حبنا ليك, ولازم تعرف إن موضوع المستقبل دة محدش فينا ليه أي يد فيه, المستقبل بايد ربنا وحده بس طبعا احنا لازم نعمل اللي علينا وربنا قال"إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا", ويا حبيبي انت لو مش شايف نفسك هترتاح في دراسة الهندسة وشايف إن ميولك في حاجة تانية قولنا, واحنا ما عندناش أي مانع إنك تدرس حاجة تانية المهم تكون حاببها, ولازم تكون متأكد إننا في الاول وفي الأخر مش هيهمنا غير مصلحتك, ماشي يا بطل؟ مازن مبتسما في ارتياحية: ماشي يا بابا. محمود: قولي بقا انت عاوز تحول من علمي رياضة؟ مازن بابتسامة راضية: لا يا بابا, أنا عاجبني القسم وناوي ان شاء الله أكمل فيه. محمود: بالتوفيق ان شاء الله يابني, ياللا قوم بقا عشان تنام لان عندك مدرسة بدري. مازن: حاضر, تصبحو على خير. وقبل يد أبويه ثم وجنة دارين وذهب, وعندما تأكدت عفاف من رحيله سألت زوجها لائمة: إيه الكلام اللي انت قولته للواد دة يا محمود؟ دة بدل ما تشجعه تيجي تقوله يحول؟ محمود: يا عفاف افهمي, ابنك دلوقت كبر ويقدر يحدد مستقبله بنفسه, ما بقاش خلاص عيل تقوليله اعمل دة يعمله وما تعملش دة يقولك حاضر من غير تفكير, ابنك وصل لمرحلة مش ممكن يعمل أي حاجة من غير ما يكون مقتنع بيها, شوفتي ازاي في الآخر انه اقتنع وكان راضي عن قراره؟ عفاف بتذمر: بس أنا بردو عاوزة ابني يبقا مهندس. فابتسم محمود: قولي إن شاء الله يا عفاف, واللي ربنا عاوزه هو اللي هيكون, وياللا قومي بقا ودي البنت أوضتها عشان شكلها هتنام. بالفعل كانت دارين تتثاءب في تلك اللحظة فأخذت عفاف بيدها لتدخلها حجرتها. بينما جلس محمود بمفرده ينظر إلى الفراغ, فمنذ فترة يشعر بهم يثقل فؤاده ولا يعلم له سببا إلا أنه كان يدعو الله دائما أن يزيل همه ويبدد حزنه . :محمود! محمود !مالك؟ أفاق محمود من شروده على صوتها: فيه ايه يا عفاف؟ فجلست عفاف بجواره على الأريكة ثم وضعت كفا على كتفه وقد بدا عليها القلق من رؤية زوجها على تلك الحال, سألته: انت أديلك فترة مش بعادتك يعني, وعلى طول سرحان و مهموم, مالك يا محمود؟ فيه ايه حصل؟ عندك مشاكل في الشغل لا قدر الله؟ محمود: لا يا عفاف. الشغل الحمد لله ماشي كويس وكل حاجة فيه تمام. عفاف باصرار: امال فيه ايه بقا؟ محمود: خايف يا عفاف. عفاف بخضة: خايف؟ من ايه؟ محمود: خايف على مازن, لسة صغير أوي على شيل الهم. عفاف وقد بدأ القلق يتسرب إليها: يا ساتر يارب. هم ايه بس اللي هيشيله يا محمود؟ ماحنا معاه أهو وانت حسك بالدنيا, وطول مانت موجود مفيش هموم هيشيلها ان شاء الله. محمود: وهو أنا هفضل عايشله طول العمر يا عفاف؟ عفاف: يا محمود ما تقولش كدة, ربنا يخليك لينا ويطول في عمرك. **ت برهة قبل أن يقول: أنا يومين كدة وأسافر البلد. عفاف مستفسرة: بلد ايه؟ محمود: الشرقية يا عفاف. عفاف: الشرقية! وانت ايه اللي فكرك بالشرقية دلوقت يا محمود؟ دة انت أديلك ييجي أكتر من عشر سنين ما روحتش هناك. محمود وقد بدا عليه الارهاق الشديد: يمكن يكون خلاص جه الوقت اللي مازن يبدأ يتعرف فيه على اعمامه وولاد اعمامه بقا.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD