الفصلين الثالث والرابع

4658 Words
ليلة الخميس. تأنق مجد ببذلة ذات ماركة عالمية لهذا اليوم المميز، فاليوم سيقدم على خطبة من اختارها قلبه دوناً عن باقي الفتيات، رتب شعره ورشّ عطره الثمين بكثرة، تنفس بعمق وهو يطالع هيئته في المرآة برضا، ثم خرج من غرفته متجهاً إلى شقيقه الذي كان بانتظاره في الأسفل. تقدّم أدهم نحوه و هو يبتسم باتساع، تأمله بسعادة ليربت على كتفه: أتمنى لك السعادة دائما أخي. بادله مجد ابتسامته ليتمتم : أنا سعيدٌ للغاية أدهم. تجهم وجهه لثوان قبل أن يردف: لكن سعادتي ناقصة لعدم حضور ريما. راوده القلق على شقيقه فسأله بتفحص: هل أنت حزين لأنها لم تحضر مجد؟؟ انت تعلم أنها تغيبت مُرغمةً أخي. ابتسم مجد ابتسامة باهتة مجيباً وهو يشير بيده: لا أخي لا، فأنا أعلم أنها أُرغمت على عدم الحضور،وأعلم ايضاً أنها موهوبة في مجالها وأتمنى لها النجاح بالطبع. ربت أدهم على كتفه بدعم وهو يتحدث: لا بأس ، فهي ستحضر حفلة خطبتك بالتأكيد، ومن ثمّ لاتنسى، فهي ستعود بعد العرض لتستقرّ معنا هنا. ثم دفعه بخفة قائلاً: والآن هيا لنذهب قبل أن نتأخر عن موعدنا. ........................................................................... كان الجميع في قصر عائلة الصاوي يعملون على قدمٍ وساق بانتظار الضيوف المُرتقبين، كانت أماليا جالسةً مع والدها في صالة القصر الكبير ،تلبس فستاناً طويلاً ذو أكمام تصل إلى مرفقيها، لونه الأزرق ع** على وجهها وعينيها التي ماثلته زرقةً ليشكل لوحة بهية ندر أن ترى مثلها،رغم أنها لا تحبذ ارتداء الفساتين لكنها اضطرت اليوم تحت إلحاح والدتها وشقيقتها. سمعت جرس الباب فعرفت أن الضيوف قد وصلوا، أطلت عليا من المطبخ لتنادي عليها: أماليا حبيبتي، هل بإمكانك فتح الباب؟؟ فأنا أحضر الضيافة هنا. استقامت من مكانها لتهتف بضيقٍ مصطنع: حاضر ،طبعاً فأنا البواب الخاص بكم هنا. مشت بخطوات ثابتة لتفتح الباب، أطلّ مجد مُبتسماً من خلفه ليهتف: مساء الخير حضرة الطبيبة. فابتسمت له مُرحبةً: أهلا وسهلا بك مجد، تفضل. تنحى مجد للجانب قليلاً لترى الرجل الواقف خلفه، اختفت ابتسامة كليهما عندما تقابلت العيون. كان صوت مجد كالصدى بالنسبة إليها وهو يردّد : أيتها الطبيبة، أريد أن أُعرفك إلى أدهم، شقيقي الأكبر وبمقام والدي. استدار نحو أخيه الواجم متابعاً: أدهم، هذه الطبيبة أماليا الصاوي،شقيقة نور الكبرى. للحظات لم يستطع أن ينطق، بل كان شارداً بها وهي كأنها الكوكب الدريّ الذي سقط من علوّ. انتبه لنفسه بعد هُنيهة، ليرفع يده نحوها بابتسامة مُختلقة لم تصل إلى عينيه، مُردّداً بنبرة بدى التأثر واضحاً فيها: تشرفتُ بلقائك حضرة الطبيبة. رفعت يدها بالمقابل، عاد بها الزمن اثنا عشرة عاماً لحظة التقاء أيديهما بالسلام، ارتسم على وجهه صورةٌ لفتاةٍ مراهقة لم تتجاوز الثمانية عشر عاماً تقف على قارعة الطريق، تراقب ظهر شابٍ يماثلها عمراً ،شعرت بأن نفسها قد انقطع للحظة وكأن يد الشيطان امتدت لتقبض على عنقها فتسحب روحها وتمنعها من الصراخ في وجهه. كانت أيديهما ترتجف للغاية، دام ذلك الاتصال بينهما لثانية واحدة لكنها كانت كافية ليرى مقدار الكراهية في عينيها، بينما هي لم تلحظ الاشتياق البادي في رماديتيه. تنحت للجانب ثم هتفت بابتسامة مقتضبة ونبرة ضعيفة: تفضلوا. مشت أمامهما لترشدهما إلى حيث كان والدها ينتظرهما، تركتهما ليتعرفا إليه ثم هربت إلى المطبخ، حاولت السيطرة على تنفسها السريع وكأنها في سباق لتقول لوالدتها: امي، لقد وصل الضيوف، انا سأصعد إلى غرفتي لأرتاح قليلاً. تعجبت والدتها من تغيرها السريع فهتفت خلفها بتفاجؤ: أماليا!! حبيبتي لا يصحّ أن تتركي والدك وحيداً،على الأقل حتى أُنهي مافي يديّ. كم ودت لو أن بإمكانها الهرب الآن لكن والدتها محقة، هزت رأسها إيجابا بتردد ثم عادت إلى الصالة بوجه واجم ، لتجلس قبالة أدهم الذي ارتبك عندما رآها ثانية لكنه أجاد إخفاء توتره. سأله عمار بغتةً: أخبرني أدهم، هل أنت متزوج؟؟ أجفلت من سؤال والدها برغم أنه سؤال طبيعي ورغم أنها تعرف الإجابة مسبقاً. أجلى صوته بارتباك وهو يجيب محاولاً عدم النظر إليها : في الحقيقة سيد عمار أجل، أنا متزوج لكنّ زوجتي في لندن حالياً، فهي تحضر لعرض الأزياء الخاص بها. هزّ عمار رأسه متفهما ،في هذا الوقت حضرت عليا تتبعها نور التي حملت في يدها القهوة لتقدمها للضيوف، كانت تمشي بارتباك عظيم وهي تحاول أن توازن نفسها لئلا تنسكب القهوة منها. رفع مجد عيناه لتقعا عليها، ابتسم باتساع وهو يرى وجهها الذي تخضب بحمرة الخجل، مُتماشياً مع فستانها الأحمر الناري ذو الأكتاف الساقطة لكن دون ابتذال، وكان فستانها يصل لما بعد ركبتيها . صافحتهما عليا ثم عادا ليجلسا مكانهما، تقدمت نور نحوهما لتقدم لهما القهوة، وحينما وصلت إلى مجد لم تستطع رفع عيناها إليه، فهمس لها وهو يمدّ يده ليأخذ كوبه: أحبك. اتسعت ابتسامتها وكاد محياها أن ينفجر من فرط تدفق الدماء فيه، لينقلب كأنه حبة طماطم. جلست إلى جانب شقيقتها ،وضع أدهم كوبه على الطاولة أمامه ثم تحدث بجدية: سيد عمار نحن.... قاطعه عمار بابتسامة بشوشة وهو يرفع يده: لا داعي للرسميات بيننا بني، فقريباً سنغدو عائلة واحدة. أخفض رأسه لثانية ثم رفعه قائلاً: بالطبع، وأنا يسعدني ويشرفني أن أطلب يد الآنسة نور لشقيقي مجد. تن*د عمار بخفة مجيباً: أنا لا مانع لديّ ياولدي، ولأكون صادقاً معك فقد سبق وسألت عنك وعن شقيقك، ولم اسمع عنكما إلا مايسرني ،لكن يجب أن نسمع رأي نور. توجهت الأنظار إلى نور التي أخفضت أنظارها خجلاً وهي تتمتم بصوت خفيض: كما تشاء أبي. ضحكت عليا بخفة وهي تقول مازحةً: يبدو أن نور غير موافقة. رفعت رأسها بغتةً، وضعت يدها على خصرها لتقول بصوت جهوري وقد ذاب خجلها: ومن أخبرك بهذا؟؟ موافقة طبعاً. قهقه الجميع عليها فانتبهت لنفسها، فعادت وأخفضت نظرها بحرجٍ كبير ، كانت أماليا تبتسم مُجاملةً إياهم وأدهم الذي كان ي**ق النظرات إليها على غفلةٍ من الجميع. تحدث عمار: على بركة الله، فلنقرأ الفاتحة. رفع الجميع أيديهم وشرعوا في تلاوة سورة الفاتحة، فيما أماليا كانت كالجالس على صفيحٍ من نار، ماإن فرغ الجميع من القراءة حتى وقفت بعجالة وهي تتحدث بتوتر واضح: اسمحوا لي. استدارت لتمشي خطوتين قبل أن يصدح صوت والدها خلفها مُتعجباً: إلى أين تذهبين ياابنتي؟؟؟ وقفت لثانية تفكر في كذبة سريعة، التفتت إلى والدها لتخبره: لقد تذكرتُ أنّ لديّ مناوبة في المشفى الليلة أبي. عقد حاجبيه باستغراب، لكنها لم تنتظر أكثر، تحركت هاربةً من أمامهم بشكلٍ مثير للتعجب، وحده أدهم من فهم أنها تهربُ من مكانٍ يجمعهما سوياً. ................................... لا تعرفُ فعلاً كيف صعدت إلى غرفتها وبدلت ثيابها بسرعة، ثم نزلت مرة أخرى وهي تتحاشى النظر إلى الصالة حيث يجلس الجميع، استقلت سيارتها وقادتها لتبتعد عن المنزل، أوقفت السيارة إلى جانب الطريق، ظلّت للحظات شاردة في نقطة في الفراغ وص*رها يعلو ويهبط بسرعة ولا تعلم، أمن فرط الغضب أم من هول المفاجأة؟؟ سمحت لعبراتها بالتحرر أخيراً، أسندت رأسها إلى مقود السيارة، ثم بدأت تض*ب رأسها عليه بض*بات خفيفة،لماذا؟؟ لماذا من بين ذكور الأرض جميعهم يكون هو أخاً لمن سيكون زوجاً لأختها؟؟ رفعت رأسها فجأة وقد خطر لها خاطر، مجد شقيقه أليس كذلك؟؟ فهل يشبهه ياترى؟؟ ربما فهي دماءٌ واحدة تلك التي تسري في عروقهما، هل مجد يحب نور حقاً أم أنه ي**عها كأخيه؟؟ وهل سيأتي ذلك اليوم حين يتركها ويترك لها جرحاً نازفاً في فؤادها؟؟ تسارعت أنفاسها باضطراب بمجرد أن التمعت تلك الخاطرة في ذهنها، لا نور المدللة ذات القلب الرقيق لن تتحمل ، فهي تحب مجد أكثر مما قد تتخيل. رفعت رأسها تناجي الخالق برجاء، لا ياإلهي أرجوك، لا تصدم نور فيمن أحبت مثلي، لا تدع خيبة الأمل تسيطر على حياتها لتحولها إلى اللون الأ**د. ظلت مُتخبطةً في بحر أفكارها، يجرفها موج ذكرى قديمة لتعود موجة الحقيقة وتعيدها إلى شاطئ الواقع، افيقي عزيزتي، هو قد تزوج وأنشأ عائلة ،وبقيت أنتِ البائسة الوحيدة في الحياة. لم تشعر بالوقت الذي تعدّا الثانية ليلاً، فكرت بأن تعود إلى المنزل لكنها عدلت عن تلك الفكرة فلا تريد أن تثير الشكوك حولها، لذا اعتزمت أن تذهب إلى فندقٍ ما لتستأجر لنفسها غرفة تنام فيها حتى الصباح. ........................................................................... أمضت باقي ليلتها تتقلب على السرير المريح في الغرفة التي استأجرتها في الفندق، لم يزرها سلطان النوم وهي تسبح في بحر ذكرياتها، ظلّت تتذكر أول لقاءٍ بينهما، مواقف مضحكة وأخرى حزينة، اول كلمة حب ص*رت عن أحدهما، إحساسها بالغدر عندما تركها بعدما أمطر سماء أحلامها بوعود كاذبة . تباً لك ياقلب، لمَ لم تنساه؟؟ لمَ مازلت تحيا على ذكرى جراحه؟؟ لمَ لمْ تقتلعه منك كما اقتلعك هو من حياته؟؟؟ أتراك خائنٌ ياقلب مثله؟؟ نعم فأنت خائن، كيف لك أن تعلن العصيان عليّ وتتبع خطاه ؟؟ليس وكأنه من ذ*حك وتركك تنزف وحيدا؟؟ افهم ياقلب، ليس لكَ فيه أي أملٍ ،لقد قتلك وخطى بعيداً عنك كأنك لم تكن شيئاً ذا قيمة عنده اساساً. ألا تذكر يا قلب؟؟ كيف تركك تلملم شتات نفسك وآلامك لتقسم بعدها ألا تفتح أبوابك لأي رجلٍ مهما علا شأنه في حياتك؟؟ يكفي ياقلبي ، يكفينا عذاباً وقهراً ونواحاً لأجله ، منذ الآن لن يكون لهذا الخائن أي مكانٍ في حياتنا ولا ذكرياتنا، يكفي اثنا عشرة عاما من الألم والدموع والسؤال الذي لن تجد له إجابة. حرّر ذاتك، لا تحبس نفسك وتحبس روحي معك بين زوايا الذكريات، لن اسمح لك بأن تطحن عمري في انتظار من لا يستحق. تعال معي ياقلب، فلنقفل تلك الصفحات ،سنكون أقوى من تلك الذكريات ولندفنها سوياً ،وسنقيم عليها الحداد الليلة، لإن غداً هو يوم جديد. ................................ لم تكد تغفو حتى انتشلها رنين هاتفها من أحلامها ،جاهدت بفتح عينيها إجباراً لتنظر إلى ساعة يدها ، لم تتعدى الخامسة بعد فرفعت الهاتف لترى اسم المتصل ،عقدت حاجبيها وهي ترى اسم صديقتها هدى، قلقت من سبب اتصالها في هذا المبكر جداً وأيقنت أنّ مكروهاً ما قد حدث. اعتدلت جالسةً على سريرها لتجيب الاتصال بلهفة: الو، نعم هدى؟؟ أتاها صوت بكاء هدى ثم اتبعته بكلمات متقطعه: أرجوكِ أماليا، تعالي بسرعة فأنا بحاجتك. لم تفكر مرتين وهي ترمي الغطاء عن نفسها، أغلقت الهاتف ثم جمعت مُتعلقاتها وخرجت من الفندق بسرعة، استقلت سيارتها لتنطلق بها وهي تشقّ ظلام الفجر ، ماهي إلا عدة دقائق وكانت تركن سيارتها أمام منزل هدى، ترجلت بسرعة وصعدت الدرجات لتصل إلى الباب لتقرع جرسه، ماهي إلا ثوانٍ حتى فتحت هدى، التي ماإن رأتها حتى ألقت نفسها في أحضان صديقتها تبكي بحرقة. زادت دقات قلبها وهي تحاول تخمين ماحدث، ماتعرفه أنّ مازن زوجها قد سافر منذ الأمس، ولم يتبقَ سوى هدى وولديها. ........................... جلست في صالة منزل هدى وهي تحاول تهدأة الأخيرة، زاد قلقها وحيرتها خاصة بعد أن دخلت إلى غرفة الأطفال فوجدتهما يرقدان بسلام، ثم عادت إلى هدى التي استحال لون عينيها إلى الأحمر وقد انتفخت عيناها وذبلتا من كثرة البكاء. مسدت على ظهرها بحنان وهي تحاول استنباط السبب الذي استدعى أن تدخل هدى في هذا الحال، فتسائلت: والآن ،هلّا أخبرتني مالذي حدث لتنخرطي في هذه النوبة الطويلة من البكاء؟؟؟ أجابتها هدى وهي تشهق بخفة من فرط البكاء: مازن يا أماليا، مازن ي**نني. رفعت حاجبيها بدهشة بائنة من كلماتها فهي تعرف كم يعشق مازن زوجته فكيف له أن ي**نها؟؟ حاولت التحدث بعقلانية علّها تعرف كيف علمت: لكن كيف علمتي بأنه ي**نك إن كان مسافراً؟؟ حركت رأسها للجانبين بإنكار وهي تتحدث بنشيج: لقد رأيته يااماليا، رأيته بأم عينيّ. تبسمت بخفة وهي تردف : حسناً هلّا أخبرتني كيف رأيته؟؟ أقصد هل أرسل لكِ أحدهم صورةً ما؟؟ أو ربما مقطعاً مصوراً؟؟ هزت رأسها مجدداً بالنفي وهي ترتجف، فعادت أماليا تسألها بنفاذ صبر: إذاً كيف رأيته وتأكدتي من خيانته؟؟ صاحت هدى باقتناع تام: لقد رأيته في الحلم. جحظت عيناها وهي تهمس بصدمة: في الحلم؟؟!! حركت الأخرى رأسها وهي تضيف بجدية: نعم في الحلم ،لقد رأيته جالساً أمام بحيرةٍ كبيرة ،وإلى جانبه جلست فتاة شقراء،وعلى الجانب الآخر جلست أخرى سمراء ذات شعرٍ مجعد. لم تستوعب بعد حديثها الذي كان ض*باً من الجنون، راقبتها بعينين مُتسعتين بدهشة حقيقية، فيما استفاضت الأخرى بالشرح وهي تشير بيديها: لقد كان يضحك باتساع وسعادته واضحةً على مُحياه،تخيلي؟؟ لقد هاتفته أكثر من مرة دون أن يردّ عليّ ،بالطبع لن يجيب فهو مشغولٌ الآن!! لقد قررت أن اتطلق منه فور عودته هذه المرة ،و.... بترت حديثها المجنون عندما استقامت أماليا وهي تخطو بشرود إلى خارج المنزل، كان وجهها جامداً بلا تعابير ،فقط أرادت الهرب قبل أن ترتكب بها جريمةً ما. ناظرتها هدى باستغراب وهي تراقبها حتى خرجت، قطبت جبينها وهي تتمتم: ما بالها تلك؟؟ حركت كتفيها بلا مبالاة ،ثم تثائبت بنعاسٍ وتوسدت الأريكة لتنام عليها وهي تتمتم مُغمضةً عينيها : سأنام قليلاً بعد ،وبعد استيقاظي سأتعامل معك أيها الخائن. ثم غطت في نوم عميق، كأنها لم تفعل شيئا!!! .......................................................... ظلت تمشي بلا هدى ،حتى انتبهت لشروق الشمس ، فركت جبينها بتعب وهي تشعر بصداعٍ قاتل قد فتك برأسها، نظرت إلى ساعتها لتجدها قد تجاوزت السابعة صباحاً، لم يعد هناك متسعٌ من الوقت للنوم فداومها في المشفى يبدأ عند الثامنة، سحبت هاتفها لتطلب رقم والدتها وتطمئنها عن نفسها فلعلها ستقلق عليها إن استفاقت ولم تجدها في المنزل. تلك السيدة لهي خيرُ مثالٍ على عظمة الأم وعاطفتها الصادقة، ربتها كأنها وُلدت من رحمها حقيقةً ، رغم فارق السن الكبير بين أماليا وشقيقتها، إلا أنها يوماً لم تُفرق بينهما ولم تُفضل إحداهما على الأخرى، وقد كانت دائما ماتُردّد على مسامعها كلمةً حفرتها أماليا بين ثنايا قلبها قبل عقلها: لم تولدي من رحمي، لكنّ بذرة حبكِ قد خُلقت في قلبي. أغلقت الهاتف معها ثم قررت أن تذهب إلى عيادتها الخاصة فهي أقربُ لها من المنزل، حيث احتفظت هناك ببعض الثياب للطوارئ، ثم توجهت إلى المشفى لتبدأ يوماً جديداً، لكنه مختلف. ............................................................................ يتبع. # وصية والد. # علي اليوسفي.. (( الفصل الرابع )) .......... - كانت صدفةً. وهل في الحياة هذا النوع من الصدف؟؟ ابتسم لنفسه ساخراً وهو يسند رأسه إلى سريره مُحدثاً نفسه: لا، إنها فقط صدمة القدر. لم يعرف النوم لجفنيه طريقاً، تطلع إلى نافذة غرفته ،لقد انبلج النهار دون أن ينام للحظة واحدة، قضى ليلته متقلباً يفكر فيها، لم يعتقد أنه سيقا**ها في يومٍ من الأيام، لم يتخيل ولا حتى في أسوأ توقعاته تلك الصدفة العجيبة، بدى الأمر كأنه ض*بٌ من الجنون. لكن هل عرف أحد أفراد عائلتها عنه؟؟ وهل كانت تعرف حقيقة مجد؟؟ هل كانت علاقة مجد ونور صدفةٌ ام مخطط من تدبيرها هي ؟؟ أسئلة تردد صداها داخل عقله مذ رآها في الأمس، لكنه لم يجد سوى إجابةً واحدة، لا مستحيل ، من المؤكد له أن أماليا لم تكن تعرف ان مجد شقيقه هو، لا يصدق بأن الأمر برمته مخطط له ، فنظرات الدهشة التي رآها في عينيها أمس كانت حقيقية لدرجة كبيرة ، هي لم تعرف مجد قبلاً ،ولم تُدبر ولم تخطط لشيء ، ربما هي أيضاً عندما سمعت باسم مجد الكامل لم تربط بينهما، وربما اعتبرته صدفة ،تماما كما حدث معه هو عندما علم باسم نور الكامل . تلك العينان هو أكثر من يجيد قراءتها، لقد ثارت امواجهما عندما رأته، أغمض عينيه وهو يبتسم بألم ، لقد أضحت أجمل من السابق بكثير. فتح عيناه فجأة وهو يطالع سقف غرفته، ما الذي سيحدث الآن بعد أن عرفت بصلة قرابته لمجد؟؟هل ستخبر شقيقتها؟؟ وإن علمت نور بالماضي الذي يجمعهما فهل ستقبل بأن تكمل مع مجد ام أنها ستتركه؟؟ انتفض مُعتدلاً في جلسته عندما التمعت تلك الكلمات في ذهنه، لا مجد لن يتحمل ابتعاد نور عنه، هي الوحيدة التي استطاعت **ر قوقعته التي غلف نفسه بها، وهي الوحيدة التي اقتحمت قائمة معارفه التي اقتصرت قديما على اسمه واسم ريما زوجته، ونور هي الوحيدة أيضاً التي استطاعت أن تحرك في شقيقه شيئاًوكان يظنه قد مات. زمّ فمه بتفكير ثم أنزل قدميه إلى الأرض، لن يسمح بأن يعود أخاه إلى دوامة الأدوية و الأطباء النفسيين مجدداً تحت أي ظرفٍ كان، حتى لو اضطر لمواجهة أماليا بالحقيقة ،عليه أن يتحدث معها سريعاً قبل ان تخرج الأمور عن السيطرة . هذا ماعزم الأمر عليه، استلَّ هاتفه ثم طلب رقم أحد الرجال الذين يعرفهم . ........................... كان بإمكانها أن تأخذ اليوم إجازة، لكن لا جَلد بها للبقاء في المنزل فتتلاقفها أمواج الذكريات بلا رحمة، فقررت المجيء إلى المشفى علّها تنسى قليلاً مامرّت به من مشاعر متضاربة منذ ليلة أمس. مشت في رواق المشفى وهي تمسّد جبينها وتضغط عليه بقوة علّ هذا الصداع الذي كان يعصف برأسها يخفّ قليلاً، لم تذق طعم النوم منذ الأمس. أوقفها صوت رجولي منادياً باسمها: حضرة الطبيبة أماليا. استدارت لترى صاحب النداء الذي لم يكن سوى الطبيب ضياء، خطى صوبها بهرولة حتى وقف أمامها متحدثاً بصوت لاهث: دكتورة أماليا، هل بإمكاني التحدث معك في أمر هام؟؟ عقدت حاجبيها وهي تجيبه بتعب: طبعاً دكتور ضياء،تفضل. ابتسم بتوتر ليجيبها : لا حضرة الطبيبة ،لا أستطيع أن أوصل لك ما اريد هكذا، هل بإمكاني دعوتك لنشرب شيئاً في المقهى المقابل للمشفى؟؟ دلّكت جبينها بتعب وكادت أن ترفض ، ماكادت تنطق الا واستبقها هو بلهفة: لو سمحتي حضرة الطبيبة ، خمس دقائق لا أكثر. طالعته بحاجبين معقودين ثم اشارت له بالموافقة ، تحركت من أمامه ليتبعها هو . جلسا على طاولةٍ تُقابل الواجهة الزجاجية للمقهى ، حضر النادل ليأخذ طلباتهما دون أن تحرك عينيها عن الطريق وهي تتأمل المارّة ، مرّ وقت قصير حتى أحضر النادل طلبهما، طفق كلاً منهما يشرب من قدحه ولم ينبس ببنت شفة، كان ضياء يتأملها عن قرب وهي ساكنةٌ هكذا، تلك المرة الأولى التي يكون بها قريباً منها بهذا الشكل . .................................................................... استفاقت هدى على حركةٍ خفيفة بجانبها، فتحت عيناها بتكاسل لترى زوجها مازن جالسٌ على الكرسي قبالتها وهو يحرك قدمه بحركاتٍ مُتلاحقة، أغمضت عيناها مجدداً وهي تبتسم بخفة لاعتقادها أنها تحلم. انتفضت جالسةً فجأة عندما استوعبت أنه موجودٌ أمامها حقاً، اتسعت عيناها بفرحة ذبلت عندما لاحظت امتعاضه وغضبه، ثنت حاجبيها بريبة وهي تسأله بصوتٍ ناعس: مازن؟؟ مالأمر؟؟ لمَ أنت جالسٌ هكذا؟؟ من ثمّ متى عدت من سفرك؟؟ زفر من أنفه بغضب ولم يجبها، زادت حركة قدمه بعصبية وهو ينظر لها نظرات كادت تحرقها، أصابها القلق فانتفضت واقفةً أمامه تسأله مجدداً بلهفة: ما بكَ مازن؟؟ أجبني ما المشكلة؟؟؟ توقفت قدمه عن الحركة فجأةً، طالعها بنظرةٍ غامضة قبل أن ينتفض واقفاً أمامها مما جعلها تعود للوراء بخوفٍ طبيعي وهو يهدر بها: أنتِ أخبريني هدى ما المشكلة؟؟؟ رفرفت بأهدابها وهي فعلاً لا تعي ماذا يقصد، ازدردت ريقها بتوتر وهي تجيبه بارتجافةٍ واضحة على نبرتها: وما ادراني انا؟؟ أتراني كنتُ مسافرةً معك؟؟ زأر مجدداً في وجهها بصراخ: ثلاثون مكالمةً هدى؟؟ ثلاثون مرة تتصلين بي خلال أقل من ساعة؟؟ بينما أنا في اجتماع اللجنة التنفيذية للشركة مع العملاء الجدد؟؟ قطبت جبينها بقلق ولم تستوعب بعد مقصده، فيما أضاف مازن بغضبٍ حارق: هل لد*كِ فكرة ماذا شعرت عندنا رأيت هذا الكم الهائل من الاتصالات منك؟؟ لم تجبه عندما تابع: لقد شعرت بالهلع هدى، خشيت أن مكروهاً ما قد ألمّ بكِ أو بأحد من الأولاد، طلبتُ أذناً من المدير وتركتُ كل شيء خلفي ،أتعلمين لماذا؟؟؟ ازدردت ريقها بوجل وقد بدأت لمحاتٌ من كابوس أمس يظهر أمامها على شكل لقطات، عقّب مازن وقد هدأت نبرته قليلاً: لأنني اتصلت بكِ مراراً ،وعندما لم تجيبي اتصالي اضطررتُ أن أعود بسيارة الشركة لأطمئن عليكِ . تحولت نبرته إلى التهكم وهو يضيف: لأصل إلى هنا وأراكِ نائمةً بسلام وكأنك لم تفعلي شيئاً. عضت على شفتها السفلى وقد استيقظت تماماً ،لتتذكر ما فعلته ليلة أمس، أغمضت عينيها بقوة وهي تغمغم باعتذار: أنا آسفة مازن،لم أقصد أن أُخيفك. أشاح بجسده عنها وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب، أجلت صوتها بحرج ،ثم عقّبت وهي تستدير لتقا**ه ثم همست بخفوت: أعتذر إليك حبيبي ،صدقاً. لانت ملامحه المُتجهمة، ليقول بنبرة صادقة: هل لد*كِ فكرة عن كم الخيالات التي داهمت عقلي ساعة رأيت عدد اتصالاتك هدى؟؟؟ ضغطت على شفتيها وهي تجفل بعينيها للاسفل، قبل أن تومئ له بالإيجاب ثم أردفت: أعلم أنني أقلقتك عليّ وعلى الاولاد، أعتذر إليك مجدداً. تن*د بقوة وهو يتفحص قسماتها النادمة، لم يكن منه إلا أن ضمها إليه بقوة وهو يغمض عينيه، ليتها تعلم كم خشي عليها وعلى أطفاله عندما لم تجب على هاتفها، كان في اجتماعٍ متأخر لشركته مع عملاء جدد في مدينة أخرى، ومن البديهي أن يضع هاتفه على وضع الصامت، لكن وبعد انتهاء الاجتماع تفحص هاتفه كتقليد اعتيادي فوجد عدداً كبيرا من الاتصالات الواردة منها، حاول الاتصال بها عدة مرات ،سقط قلبه بين قدميه عندما لم تجب ،لم يفكر مرتين وهو يطلب الأذن من مديره للعودة إلى زوجته، المجنونة. ..... ........................... . قررت أخيرا أن تقطع ذلك ال**ت المريب، تن*دت بضيق ثم التفتت صوبه فانتفض بخفة وانتبهت حواسه كلها معها ، وهي تتسائل مُحاولةً عدم إظهار انزعاجها: دكتور ضياء ،بالطبع حضرتك لم تطلب أن نأتي إلى هنا لتجلس شارداً هكذا، لقد طلبت أن نتحدث وها قد مرت ربع ساعة كاملة ولم تخبرني بشيء، فهلّا تكرمت وشرحت لي ماطلبك؟؟؟ أجلى ضياء صوته بشيء من الحرج حاول التحدث بثبات لكن خرج صوته مُتلعثماً رغماً عنه: الحقيقة... حضرة الطبيبة ...انا.... زفرت بنفاذ صبر ثم علّقت باستهجان ساخر : عفواً حضرة الطبيب ، هل جلبتني إلى هنا لأحل كلماتك المُتقاطعة؟؟؟ اكتسبت تعابيرها جدية غريبة وهي تضيف: لو سمحت قلْ ماعندك عليّ العودة إلى المشفى. تنحنح مجدداً ثم تابع: حضرة الطبيبة الحقيقة انا مُحرج قليلاً، والألقاب بيننا تُصعب الأمور عليّ أكثر. زفرت بعصبيه طفيفة ثم حاولت التحدث بلطف وابتسامة مُزيفة: حسناً ،إن كان هذا يريحك فبإمكانك مناداتي أماليا فقط. ابتسم بتوتر وهو يسألها : هل بإمكانك فقط أن تسمعينني لأخر الحديث؟؟ ضغطت على شفتيها بغيظ ثم هتفت بحدة قليله : تفضل أرجوك،. حدتها وأن كانت غير مقصودة لكنها جعلته يرتبك اكثر ، أخذ نفسا عميقا ثم تحدث بتردد: أماليا انا ابنٌ وحيد لوالدتي مع شقيقة اكبر مني بعامين، توفي والدي عندما بلغتُ التسع سنوات، لم يكن لوالدتي أي أقرباء وعائلة والدي تخلت عنا ،بقيتُ وحدي مع امي وشقيقتي نحارب في هذه الحياة ، لكننا استطعنا باجتماعنا ال**ود والتحدي حتى نجحنا ،كنتُ أعمل في الصيف لأصرف على دراستي في الشتاء ، اي أنني اعتمدتُ على نفسي لأبني مستقبلي بيدي ، والدتي مديرة مدرسة تقاعدت مؤخرا و ...... كانت تستمع لثرثرته الغير مفيدة من وجهة نظرها، نفخت بضيق يتعاظم داخلها ولا تعرف السبب، رفعت يدها في وجهه لتقا**ه بابتسامة مُهكمة: لقد فهمتُ دكتور ضياء، أنت إذاً رجلٌ عصامي بنى نفسه بنفسه وما الى ذلك ، لكن ما الذي يهمني فيما قلته؟؟ تغاضى عن سخريتها قاصداً، مدّ يده ليخرج من جيب سترته الطبية علبة زرقاء اللون، قلبها بين يديه لثانية قبل أن يفتحها ليظهر خاتماً الماسيا رقيقاً ، نظر في عمق عينيها الزرقاء ثم تحدث محاولاً تنظيم أنفاسه الثائرة: أماليا أنا أحبك منذ زمنٍ طويل، مذ رأيتك اول مرة في المشفى، لكنك لم تسمحي لي ابداً أن اتقرب منك واخبرك. كانت تراقبه وقد ثنت حاحبيها بدهشة، وقد علمت مايرغب بقوله بمجرد أن رأت الخاتم . ازدرد ريقه بارتباك جليٍ، ثم هتف وص*ره يعلو ويهبط بسرعه: أماليا، هل تتزوجينني ؟؟؟ ....................................................................... تعالت ضحكات مازن بعدما أخبرته هدى مافعلت بعدما رأت ذلك الكابوس، وماأتبعه من اتصالات مُتعاقبه عليه ،ثم لجوئها إلى أماليا بعد أن أيست من إجابته لها. مسح عيناه بعدما سالت دموعه من كثرة الضحك وقد هدأت ضحكته قليلاً، فيما هدى تطالعه بغيظ ثم هتفت: تضحك أليس كذلك؟؟ طبعاً يحقّ لك ،لستَ انت من رأى زوجها ي**نها بأم عينها. أجابها بابتسامة ضاحكة: حبيبتي أنتِ بلهاء ماذنبي انا؟؟؟ رمقته بنظرة مُغتاظة بينما أردف: أفهميني فقط، كيف لكِ انت تصدقي حلماً؟؟؟ اشاحت بوجهها عنه وهي تتمتم: هذا ما حصل. انفجر ضاحكاً من جديد وهو يتوسلها: أرجوكِ أخبريني مجدداً ،ما ردة فعل أماليا عندما أخبرتها؟؟؟ كأنه أضاء لها ماكانت غافلة عنه، أماليا من المؤكد أنها الآن ستودّ اقتلاع شعرها وربما فقأت عيناها ،وفي الحقيقة هي تستحقُ ذلك، وضعت يدها على وجنتها ثم أردفت: لا تذكرني مازن أرجوك، لا أستطيع تخيل ماذا تفكر أن تفعل معي بعدما حصل أمس. طالع قسمات زوجته بتسلية ثم أردف وهو يربت على كتفها بخفة: لاتقلقي حبيبتي، فاماليا تحبك ولا أعتقد أنها ستحقد عليك. تن*دت بتعب وهي تحاول تصديق ماقاله زوجها، توسد مازن الأريكة خلفه ثم أضاف بنبرة ناعسة: والآن أرجوكي، هلّا تركتني انام؟؟ فأنا متعب للغاية. تفاجأت من بروده معها ،فض*بته على كتفه وهي تصيح بغيظ؛ طبعا ،فلستَ انت من ينتظر حكماً بالآعدام من أماليا . لم يجبها بل تعالى صوت شخيره لتعلم أنه متعب للغاية، ابتسمت بخفة قبل تستقيم من مكانها، ثم اتجهت الى غرفته لتتناول منها غطاءَ سميك ،ثم غطت به جسد مازن المسجى أمامها. ....................................................... نظرت إليه بجبين مُقطب ،هذا المجنون الجالس أمامها احقاً يطلبها هي للزواج؟؟ ألم يعلم بأنها قد أغلقت باب قلبها منذ زمن بعيد بسبب تلك ا****ة المسماة حب؟؟؟. ساد ال**ت للحظات قبل أن تنطق ببرود مُستفز: لماذا أنا تحديداً؟؟ نهج ص*ره بشدة وهو يجيبها بصدق: لا أعلم. تسارعت أنفاسه بشكلٍ مُريب لكنها لم تكترث، فأجابته بجمود: لا. كلمة من حرفين، لكنها كانت له سكين ذو حدّين تحزّ قلبه العاشق لها، رفرف بعينيه ليسألها بتأثر واضح وانفاس مُتلاحقة: هل، هل بإمكاني معرفة السبب؟؟ لا تعرف مالذي دهاها ربما بسبب قلة النوم ، ولكن فجأةً ارتسم وجه رجلٍ آخر أمامها ،لم تعد ترَ ضياء بل أُوحيَ إليها أنّ الجالس أمامها الآن هو أدهم ذاك الخائن، فاعتزمت أن تجرحه مُتناسيةً أنّ القابع قبالتها هو إنسانٌ له أحاسيس ومشاعر. أجابته وقد ركّزت النظر في عينيه: لأنك لا تعرفُ عني أي شيء، ولأنك.... قطعت كلماتها بطريقةٍ موحيّة قاصدةً أن تُثير غضبه، لكنه ظلّ بارداً كالجليد،أرادها أن تُكمل حديثها حتى لو كان حديثخا .سيجرحه فسألها وهو يحاول كبح نوبته: لأني ماذا؟؟ ابتسامة لم تصل لعينيها أهدته إياها وهي تجيبه باستخفاف مقصود: لأنكَ لستَ الرجل الذي يستحقُ أن أُمضي حياتي معه. ...................................... كلماتها تلك كانت بمثابة إشارةٍ له للانهيار، سقطت علبة الخاتم من يده ، تعالت أصوات أنفاسه وتحولت إلى لهاث كأنه في سباق عدوّ، أجابها بنبرة مُجهدة بتقطع وصوتٍ ضعيف : شكراً .....شكراً لكِ ....... لأنكِ أعطيتني.... بتر كلماته حين تحوّل لُهاثه إلى شهقات يُحاربُ بها للحصول على الهواء الذي نفذ من رئتيه، بدأت يداه تجوب رداءه الطبي باحثةً عن شيء ما ، عقدت حاجبيها وهي تطالعه باستغراب، لوهلة لم يُسعفها عقلها الطبي بتفسير مايحدث، سألته بقلقٍ صادق: دكتور ضياء ماذا يحصل؟؟ لم تتلقى إجابةً منه سوى شهقاتٍ مُتلاحقة ،وقفت إلى جانبه وقد بدأ قلقها يتعاظم داخلها فهتفت مجدداً وهي تُمسك بإحدى يديه: دكتور ضياء هلّا أخبرتني مالذي ..... فصلت سؤالها عندنا استحضرت ذاكرتها الطبية، لتقول باستغراب: أنت مُصابٌ بالربو؟؟؟ أشار لها برأسه بحركات سريعة مُتلاحقة، ثم سقط مغشياً عليه ،انتبه روّاد ذلك المقهى على صوت صراخها وهي تنادي باسمه بعدما تمدد على الأرض، فسارع الشبان لحمله ونقله إلى المشفى المُقابل، فيما أماليا شعرت بشللٍ قد أصابها وهي تعتقد في قرارة نفسها أنها قد قتلت ضياء. .......د......................................... يتبع. # وصية والد.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD