الفصل الأول والثاني
الأول ))
..................
صباحُ يومٍ هادئ، شمسٌ مشرقةٌ بخجل تتوارى خلف السحاب ونسائمٌ خريفية باردة لكنها مُنعشة، وقفت ( أماليا الصاوي ) الطبيبة الفاتنة، تتأمل الأفق البعيد بعيون مُغلقه من نافذة شرفتها في منزل والدها، تنفست رائحة العشبِ النّدي بعمق، ابتسامة باهتة شقت ثغرها كمن حرّم الابتسام على نفسه، فتحت عينيها ليتضح لونهما الأزرق كبحرٍ هادئ يدفن في جوفه الكثير من الأسرار ، شعرها الأشقر الطويل الذي يتطاير مع نسمات الهواء العليل، تضامن مع بشرتها الصافية لتكتمل تلك اللوحة الإلهية والتي يندر أن رسمَ مثلها رسام.
أتتها طرقاتٌ سريعه متلاحقة على باب غرفتها، صاحت بابتسامة مقتضبة دون أن تلتفت عندما عرفت صاحبتها: ادخلي يا مجنونة.
فُتِح الباب لتظهر من خلفه فتاة هتفت بنبرة طفولية مُتصنعة الحزن: سامحكِ الله أماليا، أهكذا تقدّرين قدومي إليك لألقي تحية الصباح؟؟؟
استدارت أماليا صوبها وتحدثت فيما هي تتجه إلى الداخل لتجلس على كرسيها : أنا وأنت نعلم أنك لم تأتي إليَّ إلا لحاجةٍ أو طلب، وإلا لم أكن لأرى هذه الطلّة البهية منذ الصباح الباكر، أليس كذلك آنسة نور؟؟
ضحكت نور بخفوت وهي تدلف للداخل لتجلس قبالة شقيقتها مُرددةً: حبيبتي يا اختي، دائما تفهمينني بشكلٍ خاطئ.
..............
نور شقيقة أماليا من والدها، امتازت بعينيها البنية الواسعة وبشرتها القمحية، شعرها الأ**د يلامس كتفيها باختصار لا تشبه شقيقتها في شيء ، بلغت الثانية والعشرين عاماً من عمرها مؤخرا وهي تدرس السنة الأخيرة في كلية إدارة الأعمال.
............
تحدثت أماليا وهي تنظر إلى شقيقتها بابتسامة عذبة: إذاً آنسة نور، هلّا أخبرتني ماسبب تشريفك لي في غرفتي؟؟؟
تحدثت نور بابتسامة لطيفة: أولاً صباح الخير على أجمل طبيبة في العالم.
أردفت شقيقتها بنفاذ صبر: اها صباح الخير، وبعد؟؟؟
تنحنحت الأخرى بحرج ثم أضافت: وبعد، أريدكِ أن تخبري والدي عن موضوع مجد.
قطّبت جبينها بعدم فهم لتعقب: لم أفهم، هل تريدين مني إخبار والدي عن قصة حبكما أنتِ ومجد؟؟؟
قهقهت بخفة وهي تخبر شقيقتها: طبعا لا، بل أريدكِ أن تخبريه أن يحدّد موعداً لعائلة مجد ليتقدموا لخطبتي.
رمشت أماليا بتفاجأ ثم صاحت بفرحة: سيتقدم لخطبتك حقاً؟؟
أشارت لها بالإيجاب فمالبثت حتى نهضت من مكانها لتعانق شقيقتها وهي تهمس لها بكلمات التهنئة.
عادت مكانها تتن*د بارتياح هاتفةً: أخيراً نطقها جبلُ الجليد ؟؟
عقدت نور حاجبيها بضيق ثم أردفت: أرجوكِ أماليا، لاتتكلمي عنه بهذه الطريقة.
ابتسمت بخفة وهي تقرص خدها بمزاح: حسنا لن أتكلم عنه هكذا.
ابتعدت عنها لتضيف: المهم، لمَ لا تقومي أنتي بإخبار والدي؟؟
أخفضت نور نظراتها لتهمس: الحقيقة ، أخجل أن أتكلم معه في هذا الموضوع ،وأيضاً أخشى من ردة فعله، تعلمين كم هو والدي حريصٌ علينا.
هزت رأسها بتفهم لتخبرها بابتسامتها المعتادة: لا تقلقي حبيبتي، سأخبره بطريقتي فور أن يستفيق من نومه.
نهضت نور تقبلها على وجنتيها وهي تصيح بسعادة: لا حرمني الله منكِ أماليا.
ثم استدارت لتخرج من فورها ،قبل أن تقف عند الباب هاتفةً: سأنتظر منكِ اتصالاً .
سألتها أماليا باستغراب : إلى أين تذهبين؟؟؟
رفعت كتفيها بلا مبالاة مجيبةً: سأبدل ثيابي لأذهب إلى جامعتي.
خطت خارج الباب لتعود وتؤكد على شقيقتها: كما أخبرتك سأنتظر منكِ اتصالاً لأخبر مجد.
ثم رمت لها قبلةً في الهواء، وسط استغراب أماليا من دخولها وخروجها بهذه السرعة، فصاحت خلفها بمزاح: أتعلمين أنكِ مصلحجيةٌ حقيرة؟؟؟
ردّت عليها نور من الرواق: نعم أعلم، وأعلم أنني أحبك.
ابتسمت على كلمات شقيقتها، تن*دت بسعادة لأجلها ثم اختفت ابتسامتها تدريجياً وهي تقف من جديد ، لتشرد في حياتها.
إنها طبيبةٌ نسائية ناجحة ، تملك عيادةً خاصةً بها وكذلك تعمل في مستشفىً لأحد أصدقاء والدها، والدتها توفيت منذ ولادتها لكن الله عوضها بزوجة والدها عليا، والدة نور، كان الفرق بين أماليا وشقيقتها ثماني سنوات، حياتها مستقرة نسبياً ،تملك عائلةً مُحبّة وصديقة وفيّة تدعى هدى، لكنها لم تتزوج بل وترفض هذه الفكرة من أساسها، دائماً ماتُبرر ذلك بأنها أخطأت مرة وأحبّت ثم غُدِرتْ وجُرِحتْ، ولا تريد إعادة المأساة مرة أخرى.
..........................................................................
في منزلٍ ضخمٍ مؤلف من طابقين، جلس أدهم يقرأ جريدته اليومية مُنتظراً قدوم شقيقه الوحيد مجد.
.............
أدهم شابٌ في بداية الثلاثين من عمره، كان مغترباً في بريطانيا منذ ما يزيد عن اثني عشر عاماً قبل أن يُقرر العودة إلى هنا مع شقيقه منذ أربع سنوات ليفتتحا مصنعاً للاخشاب بجانب مكتب تعهدات لصنع الد*كورات للمكاتب والمنازل بما أنه مهندسُ د*كور أساسا، فيما نقل شقيقه مجد والذي كان يصغره بثماني سنوات تقريبا دراسته الجامعية إلى البلاد، حيث سجل في جامعة إدارة الأعمال وهناك تعرف إلى نور.
امتاز أدهم بطوله الفارع وخصلاته البنية، أما عيناه فقد كانتا رماديتان ليناقض لون عينيّ شقيقه التي كانت بنية واسعة ، كان أدهم متزوجاً من ابنة عمته ريما الرسّام ،والتي بقيت في بريطانيا للاهتمام بمشغلها ،وهي الآن تُحضر لتقديم عرض ازيائها الرابع و المؤجل أكثر من مرة.
..............................
نزل مجد إلى حيث ينتظره أخيه وهو يتمتم بكلمات أغنية مُبهمة ،وقد بدت السعادة على مُحياه هاتفا: صباح الخير شقيقي ابوفارس .
التفت أدهم صوبه وردّ تحيته بابتسامة عريضة: صباحُ الخير مجد، هيا تعال تناول إفطارك قبل أن تتأخر.
سحب مجد نفساً عميقا مُستلذّاً برائحة الطعام وهو يسند سترته الجلدية على الأريكة : اممم، إني اشتّمُّ رائحة خيانة هنا..
ضحك أدهم وهو يضع الجريدة على الطاولة : أنت مُخطئ ، إنها رائحة بيضٍ مقلي بطريقتك المفضلة.
بدأ مجد بتناول طعامه بشهيةٍ كبيرة تحت أنظار شقيقه المُستغربة، هناك سعادةٌ كبيرة تشعّ من عينيه تتجاوز سعادته بطبقه المُفضل، كتف يديه فوق الطاولةو ضيّق عينيه بتفحص ليسأله : ماالأمر مجد؟؟ أراكَ سعيداً للغاية ؟؟
ابتسم له مجد ثم ابتلع مافي فمه مُتحدثاً : نعم أخي، لديّ خبرٌ جميل سيُسعدك أنت أيضاً.
هتف أدهم بتفاجؤ: أسعدني معك إذاً .
التفت مجد نحو أخاه بجسده ليخبره مُبتسماً باتساع: اليوم ستقوم نور بإخبار عائلتها عني، وأيضاً ستأخذ منهم موعداً لنتقدم لخطبتها.
رفع حاجبيه بدهشة صائحاً : حقاً؟؟؟ أسعدتني اخبارك كثيراً مجد.
ربت على كتفه مُضيفاً: أخيراً شقيقي سيتزوج الفتاة التي يحبها.
هزّ مجد رأسه موافقا ليتابع بمرح طفيف: إذاً يجب أن تعرفني إليها أنا أيضاً ، أما آن الآوان؟؟؟
اتسعت ابتسامة مجد اكثر وهو يتمتم: ربما أعرفكَ إليها قريباً ،لكن أولاً أريد أن أسمع منها موافقة عائلتها.
قطّب جبينه بتساؤل: هل من الممكن أن يرفضوا؟؟؟
وضع كوب العصير من يده بعد أن أنهى طعامه ليهتف وهو يستقيم من مكانه: لاأعلم أدهم، فنور لديها أخت أكبر منها لم تتزوج بعد ، وأخشى أن يؤثر ذلك على خطوبتي لها.
وقف أدهم قبالة شقيقه وهو يربت على كتفه بدعم: لا تقلق مجد، لا أعتقد أن موضوع شقيقتها قد يؤثر عليكما.
حرّك مجد رأسه متفهما قبل أن يضيف: المهم يجب أن تخبر ريما ،لنرى متى ستعود لتحضر خطبتي.
رفع أدهم كتفيه قائلاً: سأهاتفها طبعاً، لكنها كما تعلم ريما مشغولة بعرض أزيائها المُرتقب.
تحرك مجد ليتناول سترته ثم تحدث وهو يلبسها : لا أعتقد أنّ هذا سيؤثر على حضورها خطبتي، فما زال الوقت باكراً لعرضها.
ودّع شقيقه أخيراً ليرحل إلى جامعته بسيارته الخاصة، فيما بقي أدهم يفكر فيه، ربّى أدهم شقيقه الوحيد منذ أن بلغ العشر سنوات بعد وفاة والديه، أضافةً إلى والدة ريما قُبيل صدور نتائج الامتحانات الثانوية، فيما كانوا في طريقهم لزيارة أقارب عائلته في إحدى القرى البعيدة.
يومها دخل مجد في حالةٍ نفسية سيئة للغاية، هاجروا عقبها إلى بريطانيا لتبدأ رحلة علاجه والتي استمرّت لسنوات قبل أن تتحسن حاله ،ثم عادوا إلى البلاد بعد إلحاحٍ عظيم من مجد.
زفر بإرهاق وهو يجلس على كرسيه مجدداً، ثم بدأ بتناول إفطاره ليرحل إلى شركته.
..........................................................................
_ دادي،دادي.
هتفت بها الطفلة الصغيرة ذات الخمس سنوات وقد تعلّقت بعنق والدها الذي أجابها بتعب مُصطنع: نعم ريما، ماذا تريدين؟؟
زمّت ريما الصغيرة فمها وهي تقول لوالدها بلهجة عربية غير سليمه: إلى أين تذهب دادي، ألن توصلني إلى المدرسة اليوم أيضاً؟؟
فتح أيمن فمه عندما تذكر وعده لابنته الوحيدة، رمش بعينيه عدة مرات قبل أن يقول بتوترٍ طفيف: حبيبتي، لديّ اليوم موعدٌ مع صديقٍ لي لأنتقي مكتباً واشتريه لأبدأ اعمالي.
ارتخت ذراعا الصغيرة عن عنقه فلاحظ امتعاضها، ابتسم بخفه وهو يمسكها من أنفها ليداعبها قائلاً: حبيبتي لا أريدك أن تحزني.
ثم تابع بحماس طفيف: اسمعي، ستحضر عمّتك إيناس بعد قليل وتوصلك إلى مدرستك مع أولادها، لكن لا تختلقي المشاكل معهم، أوكِ؟؟؟
هزت رأسها بضعف وهي تتمتم: اوكِ.
ثم دخلت إلى غرفتها تجرّ قدميها بحزن، فهذه ليست المرة الأولى التي يعدها والدها فيها بأن يوصلها إلى مدرستها ثم ينكث بعهده.
راقبها أيمن بحزن حتى غابت عن ناظريه، ريما ابنته الوحيدة يتيمة الأم، فقد ماتت والدتها في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عامين، حاول أيمن التعايش مع ذكرى وفاة زوجته لكنه لم يُفلح، فدائماً ماكان يُحمّل نفسه ذنبها وإن لم يكن يحبها ، حتى قرر هذا العام أن يعود إلى مسقط رأسه علّه يبدأ حياةً جديدة برفقة ابنته.
مسح على خصلاته السوداء وهو ينفخ بإحباط جلي، ثم سحب هاتفه ليستعجل شقيقته.
....................... . ...........................................
ولجت أماليا إلى المطبخ لتجد مُدبرة منزل عائلتها أمينة تشرف على عمل العاملات في المنزل الكبير، انتبهت إليها أمينه فابتسمت تلقائياً لرؤويتها صائحة: صباح الخير أمينة، كيف حالك؟؟
قابلتها أمينة بابتسامة لطيفة مُردّدةً: صباح الخير حبيبتي، أنا بخير مادمتِ وعائلتكِ بخير.
- إذاً أمينة أخبريني، أين هم والداي؟؟؟
حملت أمينة حبة برتقال لتقسمها نصفين وهي تتحدث: السيدة عليا ذهبت إلى الشركة، أما السيد عمار فهو في الحديقة.
زمّت أماليا فمها بتفكير ثم تحدثت : أهذا العصير لوالدي؟؟
هزت رأسها إيجابا فأردفت الأخرى : أعطني إياه لأخذه له .
ناولتها أمينة الكأس لتضيف الأولى : وابعثي سارة لتجلب لي حقيبة مُعداتي الطبية.
مشت خطوة واحدة ثم عادت واستدارت نحوها تسألها: هل تناول أبي دواءه؟؟
تن*دت أمينة بتعب مُجيبةً: لا أعتقد ياابنتي، فأنتِ تعرفين السيد عمار كم يكره الأدوية.
نفخت بيأس من أفعال والدها الصبيانية، ثم أخبرتها: إذاً أخبري سارة بأن تجلب حقيبة الأدوية الخاصة به.
خرجت عقبها من المطبخ لتتجه صوب الحديقة حيث يجلس والدها وحيداً، وضعت الكوب على الطاولة أمامه، ثم قبلته على رأسه قائلة بابتسامةٍ جذلى: صباح الخير أبي.
بادلها والدها عمار، ذو الستين عاماً تحيتها هاتفاً: صباح الخير أماليا، كيف حالك حبيبتي؟؟
زمت فمها بمكرٍ طفولي: لستُ بخير أبي، لمَ لم تتناول دوائك اليوم؟؟؟
قلب عمار فمه متحدثاً بنبرة صبيانية: تعرفين أنني أكره الأدوية، خاصة الحبوب ألمُرّة.
رمشت عيناها وهي تخبره: أبي!!!، أنت مريض قلب، أتعلم معنى هذا؟؟
تهدل كتفاه بحزن و قد عقد حاجبيه بجدية: أعلم هذا أماليا لاداعي لأن تذكريني بالأمر.
ربتت ابنته على كتفه لتردف: أبي حبيبي، أرجوك أنا لا اقصد أن أُذكرك لتحزن، بل أُذكرك لتحافظ على نفسك من أجلنا، ليس لنا في هذه الدنيا إلاكَ أبي.
أثرت كلماتها بنفسه فابتسم بخفة واضعاً كفه المُجعد على يد ابنته، حضرت سارة في هذه الأثناء حاملةً بيدها حقيبة المُعدّات الطبية الخاصة بأماليا ،وكيساً بلاستيكياً فيه أدوية عمار، تناولتهم أماليا منها لتضيف: هيا أبي، تناول دواءك لأقيس لك ضغطك.
تن*د بقلة حيلة وهو يضغط على شفتيه كطفلٍ سُرِقتْ حلواه ، فأضافت أماليا بمكر: هيا أبي، فهناك خبرٌ سارّ سأرويه لك.
تحفزت حواسه كلها وكاد أن يسألها قبل أن تقاطعه بحزمٍ رقيق وهي ترفع يدها: لا تحاول ، لن أتحدث حتى تتناول دواءك وتشرب عصيرك، ثم أخبرك بعدها.
.............................................................. .........
جلست نور على إحدى المقاعد الخشبية في الجامعة تنتظر حضور مجد، نفخت بسأمٍ وقد طال انتظارها دون حضوره، استلّت هاتفها لتطلب رقمه لكنها شعرت بمن يحاوط عينيها ثم يهمس بجانب أذنها: من أنا؟؟؟
ابتسمت باتساع مُجيبةً: حبيبي.
فتح عيناه بصدمة وهو يقفز ليستقرّ جالساً بجانبها مُتحدثاً بمشاغبة: لا هناك بعض التطور، حبيبي دفعةً واحدة؟؟؟ أين حياؤك وخجلك يافتاة؟؟؟
ضحكت برقة من مزاحه، فسألها: هل أخبرتي والدك؟؟؟
هزت رأسها بالنفي وهي تقول: لا ، لكن أماليا ستحادثه اليوم.
ض*ب على ص*ره شاهقاً بطريقة مسرحية: أبو علي سيحدث والدك بشأن خطبتنا؟؟
عقدت حاجبيها بضيق : مجد!!
قهقه على تعابيرها المُنزعجة هاتفاً: حبيبتي لا تحزني ، أنا أمزح فقط.
ارتخت تعابيرها وهو يضيف: لكن شقيقتك لو أنها تهتمّ بشكلها ونفسها ستكون من أجمل الفتيات، صدقاً .
ثم أخفض صوته وهو يكمل: لكنها تشبه الرجال .
صاحت به بتحذير وهي ترفع إصبعها أمام وجهه: مجد، إنها شقيقتي لاتنسى هذا.
أمسك اصبعها ليقبله مُردداً: حبيبتي ،أنا أعتذر إليك.
ابتسمت بحنان،سرعان ماتبدلت ملامحها للغضب عندما أضاف: لكن هذا لايمنع كونها تشبه أبو علي رغم جمالها.
كادت أن تغادر غاضبةً قبل أن يمسك مع**ها ليعيدها وتجلس بجانبه ضاحكاً بصوتٍ مسموع، ثم قرصها من خدها متابعاً: أعشق من تغار حتى من اختها.
........................................................................
_ عريس؟؟؟ ولنور؟؟؟
صاح بهما عمار مذهولاً بعدما انتهت أماليا من إخباره بشأن مجد ونور، ردت عليه ابنته: نعم ابي، فما رأيك؟؟
تطلع إليها بحاجبٍ معقود فأضافت: أبي نور لم تعد صغيرة ،وبالطبع سيأتيها من يطلب يدها للزواج.
هز رأسه متفهما قبل أن يسألها: وهل تعرفين هذا الشاب؟؟
رفعت كتفيها لتجيبه بصدق: نعم ابي، لقد قابلته عدة مرات قبلاً، وصدقني إنه يحب نور وهي أيضاً تحبه، ،وبكل الاحوال باستطاعتك أن تسأل عنه .
التزم أباها ال**ت فأردفت بقلق.ٍ طفيف: إذاً أبي لم تخبرني، مارأيك؟؟
زم فمه بتفكير ثم تحدث: إن كان كما تقولين، فلنتوكل على الله، أخبريهم بأن يحضروا يوم الخميس الساعة الثامنه والنصف.
ابتسمت أماليا وهي تدور حول كرسي والدها لتعانق رقبته هاتفةّ: شكرا لك أبي.
قبلته على رأسه قائلة: سأذهب لأخبر نور .
رحلت أخيرا تاركةً والدها خلفها يتن*د بحزن، كم يشعر بالقلق على مستقبل عائلته الصغيرة إن وافته المنية..
، خاصة أماليا التي لم تتزوج بل وترفض الفكرة من أساسها، رفع رأسه للأعلى متوسلاً: ياإلهي طمأني عليهن قبل أن أموت.
...........................................................................
يتبع.
# وصية والد.
# علي اليوسفي.
(( الفصل الثاني ))
........................
أمسكت هاتفها لتطلب رقم شقيقتها في الوقت ذاته الذي اتصلت به نور، أجابت الاتصال هاتفةً: ما هذا الرضا كله آنسة نور؟؟؟. أنت بجلالة قدرك تتصلين بي؟؟؟
ضحكت نور على المقلب الآخر وهي خارجةٌ من محاضرتها: لا ،أنت لاتحلمين حضرة الطبيبة، المهم أخبريني هل أخبرتي والدي؟؟
تن*دت أماليا وهي تجلس على الأريكة خلفها مُجيبةً : نعم أخبرته.
توقفت نور عن المسير في رواق الجامعة الطويل وبلعت ريقها بارتباك وهي تتمتم: و؟؟؟
سكتت أماليا وهي تكاد تجزم أنها تسمع صوت دقات قلبها عبر الهاتف، ابتسمت بمكر وهي تقول بتمهل: أبي موافق.
صرخت نور بفرحة سرعان مااانتبهت لنفسها فوضعت يدها على فمها لتخفي ضحكتها وهي تلتفت حولها بخجل ،ثم أردفت: حقاً أماليا؟؟ أبي موافق؟؟؟
ضحكت الأخرى معها وهي تردد: نعم صدقيني، وأيضاً حدّد الموعد، يوم الخميس في الساعة الثامنة والنصف مساء.
تن*دت نور بسعادة وهي تسرع في خطاها لتخرج إلى حديقة الجامعة وهي تحدث شقيقتها: أشكرك أماليا، حقا انا مُمتنة لك، أراك في المنزل.
_ صاحت أماليا قبل أن تنهي المكالمة: انتظري نور، والدتي في الشركة كالعادة وانا ذاهبة إلى العيادة ولن أعود على وقت الغداء، أعتقد أنكِ فهمتِ مقصدي.
ابتسمت نور لتجيبها بمزاح: نعم أعلم أن والدي لن يتناول طعامه وأدويته إلا بعد سماع محاضرة من إحدانا.
ضحكت شقيقتها من مزحتها فهمست: أجل، تعرفين كيف هو والدي، المهم يجب أن تشرفي بنفسك على طعامه وتتأكدي أنه أخذ الأدوية.
صاحت نور وهي تض*ب على رأسها تحية عسكرية بطريقه مسرحية: امرك سيدي، أية أوامر اخرى؟؟؟
اجابتها أماليا بمزاح: لا أيها الجندي، بإمكانك الانصراف.
أغلقت الهاتف وهي تزفر بسعادة، جلست على مقعدها الخشبي ثم طلبت رقم مجد، مرّت ثوانٍ حتى اتاها رده على الطرف الآخر: حبيبتي، هل اشتقتِ إليّ؟؟
ابتسمت برقة لمشا**ته الدائمة ثم تحدثت: تعلم أنني أشتاق إليك حتى وأنت بجانبي، أخبرني اين انت؟؟
_ أنا الآن أقف أمام القمر.
قالها مجد وهو يقف أمامها بمسافة قريبة ،ضحكت نور وهي تغلق الهاتف ثم سألته: هل أنهيت محاضراتك؟؟
رمى كتبه بجانبه على المقعد وهتف وهو يهمّ بالجلوس: مازال لديّ واحدة، وأنتٍ؟؟
- لقد انتهيت.
التزمت ال**ت لكنه شعر بأن هناك أمراً ما تخفيه فسألها بعينٍ ضيّقة: ما الأمر نور؟؟ أهناك ماتخفينه عني؟؟
ابتسمت باتساع وهي تشير له بالإيجاب ثم همست: والدي ينتظرك يوم الخميس مساء.
رمش بعينيه عدة مرات قبل أن يصيح بسعادة: حقاً؟؟
عانقها بقوة وهو يصرخ: ياألهي نور، كم أحبك،!!
ضحكت بصوت مسموع وهي تبادله عناقه، لكنها تفاجأت بمن يقف أمامهما عاقداً حاجبيه قائلاً بتأنيب: لا يجوز هذا يا اولاد، أنتما في جامعة محترمة.
تركها مجد ليقف قبالة أخيه هاتفاً باستغراب: أدهم!! مالذي تفعله هنا؟؟؟
ربت أدهم على كتف أخيه مُجيباً وهو ينظر إلى نور: أتيتُ لأرى القمر الذي سلب عقل شقيقي.
أخفضت أنظارها خجلاً ،ثم تحدث مجد: نور هذا أدهم شقيقي الكبير.
ألتفت إلى أخيه مُتابعاً: أخي هذه ( نور الصاوي ) حبيبة قلبي.
اختفت ابتسامة أدهم عندما سمع اسمها، هذا الإسم مألوفٌ لديه بل ويحفظه عن ظهر قلب، طالعها بدهشة دامت لثوانٍ ،مالبث ان انتبه لها عندما وقفت قبالته وهي تمدّ يدها مُرحبةً: تشرفتُ بمعرفتك أستاذ أدهم.
تصنع الابتسام وهو يصافحها: تشرفتُ بمعرفتك نور، نادني أدهم فقط.
هزت رأسها إيجابا فسأل أدهم: إذاً، لقد أتيتُ لأدعوكما إلى الغداء لو أنهيتما المحاضرات، فما رأيكما؟؟
نظر مجد إلى نور بتساؤل، ثم أجابه بحرجٍ طفيف: حقيقةً أخي لم أُنهي محاضراتي بعد.
ثم أردف بابتسامة عريضة: لكنني سأقبل بعد الإنتهاء بالطبع لنحتفل، فوالد نور قد حدّد لنا موعداً يوم الخميس القادم.
صاح أدهم بفرحة واضحة وهو ينقل نظره بينهما: حقاً؟؟ هذه الأخبار السارة والتي تستحق الاحتفال.
عانق شقيقه بفرحة عارمة، لكن نور أجلت صوتها بحرج لتعتذر: أنا آسفة لكنني لا أستطيع الحضور.
طالعها كلاهما باستغراب لتضيف بتبرير: يجب أن أتناول الطعام مع والدي في المنزل.
حاول مجد إقناعها لكن أدهم ضغط على كتفه ليفهم إشارته، ثم قال: كما تشائين نور.
تهدل كتفاه بحزن وهو يقول: لا بأس نور، لكننا سنعوضها يوماً، أليس كذلك؟؟
أشارت له موافقة، ثم حملت كتبها وحقيبتها واستأذنت منهما لتغادر مبنى الجامعة ، استأذن مجد هو الآخر ليذهب إلى محاضرته ، فيما بقي أدهم وحيداً يفكر في أمر نور ، هل يُعقل أن الأمر فقط تشابه اسماء لا أكثر؟؟
ربما هذا الاحتمال الوحيد، فهي لا تشبهها بأية حال، نفخ بضيق وهو يحاول لملمة مشاعره التي بعثرها مجرد..نطق الإسم أمامه، مشاعرٌ جاهد طويلاً في دفنها داخله.
رحل أخيرا مُقرراً أن يُهاتف زوجته لتحضر خطبة مجد، فهي من ربته معه وكان لها بمثابة الابن الذي لم تنجبه.
..........................................................................
مشت أماليا في رواق المشفى بوجهٍ جامد وملامح جادة، حتى لمحت صديقتها المقربة والوحيدة،هدى ،تقف مع أحد الأطباء في المشفى، هتفت بابتسامة صغيرة عندما وصلت قربهما: صباح الخير.
التفت الطبيب ضياء نحوها ليتأملها بزرقاوتيه التي تفيض عشقاً فيما هتف مُردداً على مسامعها تحية الصباح، تحرّجت من تطلعه بها بهذا الشكل فتحدثت موجهةً كلامها إلى هدى: هل بإمكانك الحضور معي قليلاً؟؟
وجهت حديثها تالياً إليه وهي تسحب هدى : بعد إذنك حضرة الطبيب.
اختفت كلتاهما من أمامه، ومايزال طيفها يداعب مخيلته وهو يتن*د بعشق ثم تحدث: متى سيحنّ حجر قلبك عليّ ؟؟ متى؟؟؟
........... ...............
أدخلت هدى إلى مكتبها الخاص في المشفى فيما تحدثها الأولى بمشاغبة: مابكِ أماليا؟؟ ستمزقين ردائي؟؟؟
ابتسمت أماليا ساخر ةً وهي تلتف حول الطاولة لتجلس على الكرسي :لاتقلقي سأشتري لك واحداً آخر.
عدّلت هدى من هيأتها ثم جلست قبالة صديقتها هاتفةً بلؤم: إذاً، هلّا أخبرتني ماسبب تأخرك إلى هذا الوقت؟؟؟
نظرت لها بطرف عينها ثم عاودت بصرها إلى الأوراق أمامها تجيبها: لا شيء محدد.
رفعت بعض الأوراق من أمامها لتضعها على الجانب وهي تسألها: إذاً، كيف حال مازن والأولاد؟؟ وجابر أما زال بشقاوته؟؟؟
وضعت هدى قدماً فوق الأخرى بأناقة: بخير والحمدلله، كريم وجابر لا مثيل لهما، لكنّ والدهما هو الشقي.
ابتسمت أماليا لتسألها مجددا ساخرةً: مابه مازن؟؟
_ يريد فتاة.
قهقهت بخفة وهي تعبث بحاسوبها المحمول لتردف: أما زال مُ**ماً؟؟؟
تن*دت الأخرى بتعب: نعم.
التمعت عيناها بخبث وهي تقترب بجسدها منها لتهتف بنبرة لعوب: أماليا؟؟
همهمت أماليا ومازالت عيناها ملعقتان بشاشة الحاسوب، لتضيق هدى: أما من طريقةٍ تجعلني أحمل ببنت؟؟؟
رفعت أنظارها إليها لتخبرها بسخط: صدقاً؟؟
تأففت وهي تعود بجسدها للخلف: ماذا أفعل ؟؟ مازن يريد فتاة .
ثم تابعت ببكاء مصطنع: واالا سيطلقني.
دُهشت أماليا مما سمعت، فأجابت: تعلمين؟؟ لقد رأيت أناساً كثر يتطلقون لأنهم لم ينجبوا سوى بنات،لا الع**؟؟
زمت هدى فمها بتبرم ثم سألتها وقد لمعت عيناها بمكر: أماليا، مارأيك بأن تتزوجي مازن؟؟
اتسعت عيناها بصدمة جلية فيما أردفت هدى بسلاسة كأنها ضمنت موافقتها : ا**ب أمرين، الأول أضمن بقاءك بجانبي دائما، والثاني لعلّلك تنجبين له فتاة شقراء وذات عيون زرقاء تشبهك ويتركني لسبيلي.
تسارعت أنفاسها باضطراب من مزاح صديقتها الغير مرغوب فيه من ناحيتها، فتحدثت بهدوء مصطنع: هدى ،لد*كِ ثانيتان لتهربي من أمامي وإلا....
رفعت يديها كعلامة استسلام وهي تهتف بسرعة لتقاطعها قبل أن تكمل تهديدها : حسناً حسناً لا تغضبي.
خرجت من فورها ،لكنها عادت وفتحت الباب لتضيف: لكن فكري في الموضوع.
صفقت الباب بسرعة قبل أن تطالها تلك العلبة الكرتونية الصغيرة التي رمتها أماليا تجاهها وهي تهدر خلفها: اخرسي يا غ*ية.
تعالت ضحكات هدى في الرواق لتصل إلى مسامع أماليا، تلك الحمقاء لا تنفكّ تطلب منها أن تتزوج زوجها، ربما لعلمها بأن أماليا لا تريد الزواج أبدا.
ضحكت بدورها ثم راجعت الملفات أمامها بعجالة، لتغادر عقبها إلى عيادتها الخاصة.
................................،..............................
وصل أدهم إلى مكتبه في معمل الأخشاب الخاص به وهو يحمل هاتفه المحمول، طلب أحد الأرقام الدولية على خاصيّة برنامج( الواتساب فيديو) وماهي إلا ثوان حتى ظهرت على الشاشة زوجة أدهم، ريما الرسّام.
كانت آيةً في الجمال،بشرتها الخمرية ناعمة وعينيها التي شابهت بتشكيلها ووسعها عينيّ المها، حدقتاها بلون العسل الرائق ، شعرها بني طويل عقصته على شكل كعكة مبعثرة ، وأكثر ماكان يميزها هو وجود غمازة في منتصف ذقنها، إضافةً إلى شامة تحت عينها اليسار أعلى خدها.
.
هتفت ريما بابتسامة متسعه : أدهم، كيف حالك؟؟
ابتسم أدهم على الطرف الآخر مجيباً: أنا بخير ريما، ماذا تفعلين؟؟
نفخت بسأم وهي ترمي قلمها الرصاصي على الطاولة أمامها: مازلتُ أعمل على العرض،إذاً، كيف حال مجد ؟؟. ماذا يفعل هذه الأيام؟
_ في الحقيقة هذا سبب اتصالي بك، سنخطب لمجد يوم الخميس القادم، وهو يتوقع حضورك قبل هذا اليوم.
فوجئت بالموعد الذي يُصادف بعد الغد،التزمت ال**ت بصدمة، ازدردت ريقها بتوتر وهي تفرك جبينها بيدها، فبدت كمن يخفي شيئاً، فسألها بتفحص: مالأمر ريما؟؟ لمَ أشعر بأنك تخفين عني امرا ؟؟؟
تنحنحت بارتباك وهي تجيبه بتقطع: اسمع أدهم، لن أستطيع الحضور.
ضيق عينيه وهو يسألها: لماذا ريما؟؟؟ فما زال الوقت باكراً جداً للعرض أليس كذلك؟؟؟
أجلت صوتها وهي تشير له بالنفي لتردف: لا أدهم، للأسف موعد العرض يوم السبت القادم.
رفع حاجبيه بدهشة بائنة فأضافت وهي تمطّ شفتيها بأسىً: مُ**م الأزياء الذي كان قد حجز الصالة قبلي قام بإلغاء عرضه، وللأسف قام أصحاب الصالة بتقديم موعد عرضي إلى يوم السبت .
قطب جبينه بجدية فيما تابعت ريما بنبرة دبلوماسية: آسفة أدهم، لكنك تعلم كم تعبتُ حتى استطعت حجز دور للعرض في هذه الصالة، وإن قمتُ بإلغاء العرض فلن أستطيع تقديمه مجدداً لبعد عامٍ كامل، فضلاً عن اللمسات الأخيرة وتجارب الأداء وهذا كله يأخذ وقتاً ومجهوداً.
ضغط على شفتيه متفهماً وابتسم ابتسامةً باهتة: أعلم عزيزتي، سأخبر مجد وأعتقد أنه سيكون متفهماً للأمر.
عقدت حاجبيها بقلق فتحدثت: لكن ، إن لم يرضَ أدهم؟؟؟ هل تعتقد أنه سينت** مجدداً؟؟
هز رأسه بالنفي مجيباً ليطمئنها: لا ريما، لا أعتقد ذلك فالأمر بسيط، وهو أيضاً يعلم كم تعبتِ في الأسابيع الأخيرة.
حركت رأسها بتفهم لتضيف: أرجو ذلك، وأنا سأحادثه أيضاً حتى لاينزعج مني.
..................................
شرد أدهم للحظات بعد أن اغلق المحادثة مع زوجته، هو أيضاً يخشى من انتكاسةٍ جديدة لمجد إن لم تحضر ريما خطبته، لكن هناك جزءاً منه يخبره بأن يطمئن فمجد قد تحسنت حالته بصورة كبيرة، نفخ بضيق وهو يمسح وجهه بيديه ثم قرر الخروج إلى مكتب الد*كور الخاص به ،فلديه موعدٌ مع أحد العملاء الجدد.
دلف ادهم إلى المكتب ليجد هناك شابين بانتظاره وقفا فور دخوله ، دقّق النظر إلى أيمن فشعر أنه يعرفه ،مُقلتيه الخضراوان وبشرته السمراء يكاد يجزم أنه قد رآه قبلاً لكنه لم يتذكر أين.
وقفت مديرة مكتب أدهم لتعرفه إليهما باحترام: السيد رياض صاحب مكتب عقارات، والسيد أيمن خليل اشترى مكتباً ويريد أن يوضبه.
_ رفع حاجبيه بدهشة بائنة عندما سمع الاسم، لابدّ وأن اليوم يوم المفاجآت، اسماءٌ مألوفة له من ماضيه، هل يُعقل أن يكون أيمن هو نفسه من يظنه؟؟
انتبه لنفسه فرفع يده ليصافحهما مُرحباً، ثم دعاهما للجلوس، علم أنّ أيمن قد درس إدارة الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد عاد منذ عهدٍ قريب ليفتتح مكتب تجارته الخاصة.
في هذه الأثناء دخل مجد أيضاً ليجد عملاءً لدى أخيه، جلس ينتظر انتهاء الاجتماع ، فتحدث أدهم مُخاطباً شقيقه: أتعلم مجد أنّ السيد أيمن قد درس إدارة الأعمال مثلك تماماً؟؟
ابتسم أيمن فوجه أنظاره إلى مجد الذي هتف بسعادة: حقاً؟؟
هز أيمن رأسه بالإيجاب مضيفا: نعم صحيح، أخبرني في أي سنةٍ انت الآن؟؟
أجابه مجد : أنا في سنتي الأخيرة.
هزّ أيمن رأسه متفهما ثم تابع: حسنا، بعد أن تتخرج مارأيك لو تتدرب عندي؟؟ وقد تصبح شريكي أيضاً؟؟
ضحك مجد هاتفاً: هذا من دواعي سروري سيد أيمن، أتشرف بمشاركتك.
قاطعهما أدهم صائحا بمزاح: مهلا مهلا، دعونا أولا ننتهي من توضيب المكتب والد*كور، ثم اتفقا بعدها.
......... ................،........ .....
مساءً ،اجتمع أفراد عائلة الصاوي على العشاء منتظرين حضور أماليا، التي نزلت عقب وقتٍ قصير تلبس ثياباً منزلية عادية، ابتسمت وهي تسحب كرسيها لتجلس إلى جانب والدها : لم أتأخر، أليس كذلك؟؟
ابتسم والدها لأمينة التي حضرت وهي تحمل طبقاً من المعكرونة المطبوخة متحدثا: لا عزيزتي أبداً، في وقتكِ تماماً.
وضعت أمينة الطبق على الطاولة،وقبل أن تمتدّ يد عمار ليتناول الطبق بلهفة ازاحته أماليا عندما قرأت أفكار والدها ثم صاحت : أين طبق أبي أمينة؟؟
حضرت سارة تحمل في يدها طبقاً فيه خضارٌ مسلوقة وضعتها أمام عمار الذي زمّ فمه معترضاً بمشاغبة كما الأطفال: لا أريد هذا الطعام.!!
ناولته أماليا شوكة وهي تحدثه: هيا أبي، تناول عشاءك.
نفخ عمار بضيق فردد و هو يتطلع إلى زوجته الجالسة بجانبه،متحدثاً بنبرة طفولية: أيرضيكِ هذا عليا؟؟ هاتان الفتاتان لا تسمحا لي بتناول ما أحبّ ابدا.
قهقهت عليا بخفة لتجيبه وهي ترفع كتفيها بقلة حيلة: وماذنبي انا؟؟ هما ابنتاك فتعامل معهما.
تهدل كتفاه بخيبة وهو يقلب طعامه بعدم شهية، طالعته زوجته بشفقة فأشارت إلى أماليا التي أشارت لها بعينيها أن لا حيلة بيدها، فوالدها مريض قلب ويجب أن يتبع حميةً صارمة تتضمن فقط العصائر والخضار المسلوقة.
...........
شابهت عليا ابنتها نور بدرجة كبيرة، باستثناء لون شعرها الذي اكتسب لوناً خمرياً فأعطاها إلى جانب جمالها هيئة شبابية، رغم أن سنها قد تجاوز الخامسة والأربعين .
هتفت عليا محاولةً التخفيف عن زوجها: ألم أخبرك عمار؟؟
انتبه لحديثه فأضافت: اليوم طلب مدير المصرف رؤيتي بشأن المشاكل المالية التي واجهناها مؤخراً في الشركة.
هز رأسه موافقا لتكمل بابتسامة عريضة: وقد تمّ حلّ جميع الأمور العالقة بيننا.
هتف بسعادة تناقض حاله منذ قليل: أي أننا قد تخلصنا من الديون العالقة كلها؟؟؟
أشارت له بالإيجاب فرفع كفها إليه ليقبله هامساً: حبيبتي، كنتُ واثقاً بأنك ستنجحين من دوني.
ابتسمت برقة فهتف عمار مضيفاً: بالمناسبة، لدينا ضيوف ليلة الخميس.
غصّت نور بلقمتها فناولتها والدتها كوب الماء وهي تربت على ظهرها بخفة، ثم أضاف عمار مازحاً: أرأيتي نور، هكذا هو الحب يا ابنتي يجعلك تختنقين حتى بطعامك.
طالعته عليا بدهشة ليشير لها بالإيجاب: نعم عزيزتي، هناك عريسٌ سيأتي لخطبة نور بعد غد.
التفتت عليا صوب ابنته التي ابتلعت ريقها بارتباك وهي تتمتم بصوت خفيض : لقد شبعت.
ثم هربت بخطوات راكضة من أمامهم، فيما بقي والداها وشقيقتها يضحكون عليها، استدارت عليا نحو أماليا لتهتف بنبرة ذات مغزى : آملُ أن نفرح بكِ قريباً أماليا.
اختفت ابتسامتها السعيدة لتحلّ محلها أخرى ساخرة، وضعت ملعقتها على الطاولة لتهتف هي أيضاً بضعف: وأنا ايضاً شبعت، تصبحون على خير.
راقبها والدها حتى صعدت الدرج ،تن*د بحزنٍ على تعاسة ابنته وإن لم تظهرها له ،فهو خير من يشعر بها، تطلع إلى زوجته التي تصنعت الابتسام وهي تربت على ذراعه المسنود على الطاولة: لا بأس حبيبي، أكمل طعامك لتأخذ دواءك.
........................................................................
# وصية والد.
# علي اليوسفي.