الفصل الثاني

2041 Words
نظرت له نظرة مليئة بالخوف ويبدو أنها لم تستوعب ما يحدث فأغمض عينيه لثانية بل لجزء من الثانية ثم فتحهما قائلا لها بصوت مرتفع "وقعي" كانت هذه آخر كلمة نطقها وحدث كل شيء بعدها في غمضة عين، توقيعها، مغادرة المأذون ولم يتبقَ إلا هي وهو ووالدها، عندما تأكد من مغادرة الجميع اقترب منها ومال بجسده حتى أصبح وجهه مقابلا لوجهها تماما، تراجعت في مقعدها بخوف لم تشعر به نحوه مسبقا لكن كل ما يحدث حولها يدفعها لذلك ... فنظر لها نظرة شريرة رافعا حاجبه الأيمن ثم وضع يدا وراء ظهرها والأخرى تحت أرجلها وقام بحملها وهي لم تملك أن يص*ر عنها أي رد فعل غير شهقة خافتة، شهقة خوف وخجل واستنكار، فلم يبالِ بأي رد فعل يص*ر عنها….فقط حملها واتجه إلى باب المكتب مغادرا عندما أوقفه صوت رأفت يقول "هاشم بيننا كلام لم ينته يجب أن نتحدث، أنزلْ أسمهان أنت هكذا ترعبها"رد عليه هاشم دون أن يلتفت له "فات أوان الكلام يا رأفت، ليس هناك ما يقال، أنت دون أن تدري أهديتني شيئا حاربت نفسي لعام كامل لكي لا أقترب منه وبعثه الله لي على طبق من ذهب، والآن علم يصلك ويتعداك هذه زوجتي ومن يقترب منها لن يكفيني أن آكل من لحمه وهو حي" ثم تركه وغادر تاركا وراءه أبا خائفا وصديقا مكلوما يخاف الفقد، ضمها إلى ص*ره لا يستوعب كل ما حدث، لا يستوعب أنها بين أحضانه وقد أصبحت زوجته، يا الله كم مرة سجد إلى الله يطلبها منه، كم كانت حلما بعيد المنال، كم مرة فكر فيها كيف يقنع رأفت بض*ب مكاتيب العائلة عرض الحائط، كم مرة كان على وشك أن يفاتح رأفت في الموضوع ويقف الكلام على طرف ل**نه خوفا من أن يفقد صديق عمره وكم مرة أقنع نفسه أنه كبير جدا وهي صغيرة جدا ولكن وجودها الآن بين أحضانه يعزز بداخله شعورا بالأنانية يطغى على كل شيء، إنه يشعر أنها ولدت من أجله وكلها له، فلتحترق أحكام العائلة فماذا أخذ منها سابقا غير جرح غائر سيتعلم من اليوم كيف يداويه لأن أميرته الصغيرة تستحق الأفضل، وصل إلى باب السيارة وقام بفتحه ووضعها على الكرسي المجاور للسائق وعندما تأكد من اعتدالها قام بإغلاقه بإحكام واتجه إلى مكانه وراء عجلة القيادة، نظر لها فوجدها تسبل أهدابها فأغمض عينيه تأثرا واعتدل في مقعده وبدون تفكير انطلق بالسيارة متجها إلى شقته التي اشتراها لتصبح قريبة من الشركة، مر الطريق وال**ت ثالثهما وعندما وصلا أوقف السيارة ونزل منها وأغلق الباب واتجه إلى الباب الآخر وفتحه وقام بحملها مرة أخرى وصعد إلى المبنى الذي توجد به شقته، وهي بين يديه ترتجف كالعصفور المبلل الذي وقع في فخ شائك لصياد شرس، وصل بها حتى باب الشقة فنظر لها بهدوء وقال "أخرجي المفاتيح من جيبي وافتحي باب الشقة بعد إذن سمّوك" نظرت له لا تدري ماذا عليها أن تفعل، تريد أن تطلب منه المساعدة وتخاف من غضبه، أطال النظر إليها يتأمل حسنها وجمالها الطاغي وعندما أطال النظر إليها شعر بها تتململ بين ذراعيه ووجهها الأبيض غزته الحمرة اللذيذة فقرر أن يرحم ارتباكها ونظر بطرف عينه إلى جيب بنطاله المجاور ليدها اليسرى وقال لها "هنا" مدت يدها الرقيقة لتدخلها في جيبه وعندما وجدت المفاتيح قامت بسحبها وحاولت عدة مرات قبل أن تتمكن من فتح الباب، وهو لم يأتِ بأي حركة فقط يراقبها بسكون حتى تمكنت من فتح الباب فدخل بها إلى الشقة وأغلق الباب بقدمه متجها إلى غرفة النوم، ووضعها برقة شديدة على السرير ثم قام بخلع حذائها ووضعه بجانب السرير وجلس بجوارها وخلع حذاءه ووضعه بجانب خاصتها وتأملهما للحظة ثم اتجه بنظراته إلى رأسها وقام بنزع حجابها وهي ترتجف بين يديه كالطفل التائه في طريق مظلم ووضعه على المنضدة المجاورة للسرير، ثم وقف فجأة واتجه إلى الحمام وخرج بعد دقائق وقد غير ثيابه ولبس منامة سوداء فاتجه إليها ووقف أمامها وسألها "جائعة؟" لم يص*ر منها أي رد فعل وكأنها لم تسمعه فنظر إليها نظرة يملؤها الإرهاق وأعاد عليها السؤال مرة أخرى "جائعة؟" فقامت بهز رأسها في علامة نفي وجسدها يهتز فعلم أنها تبكي فسارع بالاقتراب منها وأخذها بين أحضانه يواسيها بيده التي تجري على ظهرها بحنان ثم ساعدها لتتمدد على السرير قائلا لها "نامي يا صغيرة وعندما تستيقظين سيكون كل شيء على ما يرام وأنا سوف أنام لأنني أشعر أنني مستيقظ من زمن بعيد" ظل بجانبها حتى شعر بأنفاسها تستقر فاقترب منها أكثر ليزرعها بين أحضانه وقال لها "سامحيني يا صغيرة فعندما طلبتك من الله لم أفكر سوى بنفسي وبقلبي ونسيت أنك رقيقه جدا وتريدين أن تبدئي حياتك بعيدا عن عواصف قلبي وجروح الماضي فأنت أضعف من أن تواجهيها لكنني لا أعلم متى صرت في حبك أنانيا حتى النخاع وكيف سأكون لأجلك شابا حتى الممات" وكانت هذه آخر كلمات يقولها قبل أن يأخذه النوم بسلطانه..... كان راضي في منزله ينتظر وصول ابنه عزيز كي يذهبا للشيخ رشيد ويفاتحاه بأمر الزواج في أسرع وقت، يجب أن يسير كل شيء كما خطط له فقد أعد خطته وأحكمها ولم يتبقَ إلا القليل ويعود كل شيء لنصابه الصحيح، دخل إليه أحد رجاله وهو يحمل هاتف المنزل ويخبره أن الرجال المكلفين بمراقبة رأفت وهاشم لديهم أخبار جديدة أخذ الهاتف وأجاب قائلا "ماذا حدث؟……ماذا؟…...يحمل زوجة ابني أنا؟ هذا القذر ……..أين هما الآن؟ ……… اسمعني جيدا سوف نتخلص اليوم من هاشم، جهز كل شيء أنا قادم" أنهى راضي حديثه وخرج من المنزل لا يرى أمامه إلا دماء هاشم العزايزي تسيل فهو لن يدعه يهدم كل شيء، لقد انتهى وقته وهو من تعجّل أجله….. كان يهم بركوب سيارته عندما وجد سيارة عزيز تدخل من بوابة المنزل فاتجه إليه يحمل بداخله غضبا شديدا تجاه ابنه الذي لا يفكر سوى في نزواته فقط ولا يعلم ماذا سيقال عنه عندما تعلم العائلة ما حدث، سيكون أول رجل بالعائلة تتركه الفتاة التي كتبت له لتتزوج من آخر، ستكون و**ة عار له مدى الحياة، تفاجأ عزيز بملامح والده المتجهمة ومن الغضب الشديد الظاهر في حركة جسده وهو يقترب منه صارخا "أين كنت؟ أتعلم ماذا حدث؟ لقد زوّجوا زوجتك، لقد جعلونا أضحوكة العائلة فمن سترضى بك بعد ما حدث؟ ولكن كيف ستعلم وأنت غارق في السكر أربع وعشرون ساعة؟" مد راضي يده يمسك بتلابيب عزيز الذي كانت الصدمة جلية على ملامحه وأكمل صارخا "هيا بنا لنحضر زوجتك قبل أن يصير زواجها فعليا وبعدها سأجعل هاشم يتمنى الموت ولا يجده" سار خلف والده لا يعلم عن أي زوجة يتحدث فزوجته الجميلة اختبارها الأخير غدا ولا بد أنها حاليا غارقة بين الكتب تدرس من أجل اختبارها فهو يعلم أنها متفوقة جدا بل هو يعلم عنها كل شيء وكان قادما اليوم ليتحدث مع والده بشأنها، فماذا حدث؟... سيذهب مع والده وإن كان ما يقوله صحيحا سيأخذها من بين أيديهم طوعا أو كرها فأسمهان بالنسبة له حياة أو موت فهو بها ولن يكون هناك عزيز من دونها. يزرع المكتب ذهابا وإيابا بتوتر وقلبه مقبوض، لقد حاول مهاتفة هاشم أكثر من خمسين مرة ولا مجيب، هذا الع**د لم يترك له فرصة ليشرح له أي شيء، لا يعلم أنه ألقى كل شيء عرض الحائط من أجله هو وابنته فبعد أن قرأ رسالة راضي شعر أن الموت يتربص بهاشم وأن الوقت ليس في صالحهما أبدا وكان عليه الاختيار وأمام هاشم لا يوجد اختيار، قاطع أفكاره دخول أحد رجاله يخبره أن راضي ورجاله يتجهون إلى شقة هاشم فصرخ به "جهز الرجال حالا" وخرج من مكتبه يجري وهو مرعوب من أن يكون قد تأخر على صديقه وابنته، ركب سيارته متجها إلى شقة هاشم التي لم يكن يعلم أنها ستتحول لأرض معركة سيظل أثرها يحاربهما لسنوات..... فتح عينيه وهو يشعر أنه ملك الدنيا بين يديه، يشعر أن قلبه مفتوح وعقله وروحه بل كله مفتوح ويريد أن يزرعها بداخله ويطبق عليها ولا يتركها أبدا، نظر إليها وهي نائمة كالأطفال لا تحمل للحياة هما ومد يده يزيح خصلات شعرها البندقية ويتحسس بشرتها بأصابعه فتململت في نومها ورفرفت بأهدابها لتنظر إليه بنعاس وتبتسم حتى بانت غمازتها الوحيدة والعميقة كعمق حبه لها وقالت بصوت ناعس"عمي هاشم" ودست نفسها بين أحضانه لتكمل نومها فشعر بالحرارة تغزو جسده فهام بها يفكر أنه حقا يريدها كما لم يرد شيئا من قبل، لا يتذكر متى أحبها ومتى تأجج بص*ره لها بركان عشق، لا يتذكر سوى أنه كان يقيم صلاة الليل وحيدا كل ليله ليلهمه الله الصبر على وجعه وذات ليلة عندما سجد لم يرَ سوى صورتها وهي تضحك له فدعا الله وكأن قلبه دعا قبل ل**نه "اللهم ارزقني أسمهان واجعلها دواءً لروحي وجروحي فأنت القادر على كل شيء" وكانت هذه دعوته طوال عام كان يدعو الله وهو يعلم أنه يطلب المستحيل ولكن سبحان من يقول للشيء كن فيكون، شعر بأنفاسها تداعب وجنته فتزيده جنونا على جنونه فاقترب منها كالمغيب يريد أن يتذوق رحيق شفتيها بل يريد تذوقها بأكملها، يقسم أنه يشعر أن قلبه لن يتحمل الغرق بها ويخاف أن تبتعد عنه حتى أنه في لحظة أصبح يخاف العمر ولأول مرة تمتم قلبه يدعو الله أن يطيل بعمره لأجلها، نظر إلى شفتيها واقترب منها ببطء مهلك يترقب النعيم فقاطعه صوت طرق شديد قادم من الخارج تحول إلى صوت ت**ير مفزع، قفز هاشم واقفا وبدون تفكير حملها بسرعة وخوف واتجه بها إلى خزانة الملابس، فانتفضت من نومها مفزوعة لتجد عمها هاشم يحملها ويتوجه بها إلى الخزانة لتسأله بخوف "عمي هاشم ماذا يحدث؟" فتح هاشم الخزانة ومال بها حتى وضعها داخلها قائلا لها "لا تخافي" ثم اقترب منها ينظر إليها بعيون تخشى أن تضيع منه فتبادله نظراته ببراءة ستقتله فهمس لها "لا تنظري لي هكذا فأنا أريد أن ….." وقطع جملته ليرتشف رحيقها فتركها تنظر إليه بفزع وهي تهمس "عمي هاشم" نظر لها بابتسامة وقال لها "لم أعد عمك يا حبيبتي الصغيرة ولكني لا أملك الوقت الكافي لتعليمك اسمي الجديد" وهم بإغلاق الخزانة لكنه فتحها ثانية وغمز لها بعبث قاصدا أن يطمئنها وقال وهو يض*ب بقبضته على ص*ره "لا تخافي أيتها الجميلة لقد أصبحت زوجة الوحش ومن يقترب منك سيكون مصيره الموت" ثم أغلق الخزانة بالمفتاح ووضعه أعلاها وخرج ليخوض حربا ضروسا من أجل الفوز بالأميرة المحبوسة في خزانة ملابسه وداخل قلبه وليس لها منه فرار، خرج ليقود معركة ضد عادات وتقاليد تحكم عائلته منذ زمن فهو سيقف لأجلها ضد التيار ويدعو الله أن يكتب له عمرا يعيشه بها ولأجلها، تركها خلفه في حالة ذهول تفكر متى أصبح عمها هاشم ذلك الشخص الوقح الذي لا تعرفه... خرج من الغرفة بسرعة وتوجه إلى أريكة بجانب الباب يدس بها سلاحا للطوارئ فهو منذ فترة يشعر أنه مراقب وفي نفس اللحظة كان باب شقته قد أعلن الاستسلام وأنه قد حان وقت المواجهة، وقف هاشم ينظر إلى باب الشقة وهو يقع أرضا بصوت مدوي ثم رفع وجهه بملامحه التي احتدت ينظر إلى ضيوفه الغير مرحب بهم إطلاقا فوجد راضي بجواره عزيز ورجاله ويبدو أنه لا ينوي خيرا إطلاقا ...تقدم راضي من هاشم يصرخ بعنف "أين زوجة ابني أيها القذر؟ انطق أين هي؟ انتظر حتى آخذها وسترى ما سأفعله، سوف أجعلك تتمنى الموت ولا تناله، سأسحقك كأنك حشرة علقت بحذائي سأدهسها وأمر" قاطعه صوت عزيز الصارخ "أما زلت تسأله؟ أنا أريد زوجتي حالا" وتقدم آمرا رجال والده "اقتلوه" نظر هاشم إليهم وقال ببرود شديد "هل انتهيتما؟ راضي خذ ابنك وارحل وأنا سأعتبر كل هذا لم يحدث وتجنب غضبي لأني حين أغضب لا أتحكم في أفعالي وأنت في النهاية من سيخسر والتي تريد أخذها أصبحت زوجتي ومن يقترب منها" رفع سلاحه في وجه راضي وقال "سيكون مصيره الموت" جن جنون عزيز عندما سمع كلمة زوجتي وتقدم يدفع هاشم وهو يصرخ مناديا عليها "أسمهان أين أنت؟ ….لا تخافي أنا هنا" وقف هاشم في وجهه كالجبل الذي لن يهتز أمام أي شيء وإن كانت رياح عاتيه مثل هذه وقام برفع سلاحه وض*ب أنف عزيز بظهر السلاح لتنفجر الدماء من أنفه ويقع على الأرض صارخا من شدة الوجع "هذا كفيل بأن ينسيك اسمها مدى الحياة والآن اخرجوا من بيتي حالا" لتنقلب هذه اللحظة لجحيم وقد انطلق صوت راضي بكلمة واحدة جعلت الموت على بعد خطوة من هاشم "اقتلوه" و كالكلاب المطيعة التي تنتظر أمر سيدها أشهروا أسلحتهم يلوحون بها في وجهه وهو لم يهتز بل ارتفع طرف شفتيه بضحكة مخيفة ويا مرحبا بالموت إن كان لأجلها، وماهي إلا لحظات مرت ما بين تبادل إطلاق النار بين هاشم ورجال راضي وحضور رأفت ورجاله لتدور بينهم معركة حامية انتهت حين وصلهم صوت سيارة الشرطة فقد أبلغ الجيران عن صوت إطلاق النيران الذي أفزعهم، فأسرع راضي ورجاله بالانسحاب تاركين وراءهم ثلاثة منهم قد فارقوا الحياة واثنين من رجال رأفت أيضا، بحث رأفت بعينيه عن صديقه ليجده غارقا في دمائه أمام غرفة النوم توقف الزمن ومر شريط ذكرياتهما أمام عينيه، لقد فعل كل شيء لكي لا يمر بهذه اللحظة هو غير مستعد لخسارة صديقه أو ابنته فقال صارخا "هاشم، اطلبوا الإسعاف" واقترب منه يحاول إفاقته ليئن هاشم بألم وهو يقول "أسمهان ….ساعدني لكي أقف" حاول رأفت منعه لكنه أصر أن يتحرك و فتح باب الغرفة وهو يشعر أنه يموت من شدة الألم استند على الحائط حتى وصل إلى الخزانة فمد ذراعه السليم فوق الخزانة ليحضر المفتاح ولكنه لم يستطع كتم آهة ألم انطلقت منه لتنقلب هذه الآهة إلى تأوه عشق وعجب لما يراه داخل الخزانة ....
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD