الفصل الاول

3207 Words
انفجارُ عشقٍ وحبٌّ من دمار لا اختيار ولا انتظار الحكم صادر منذ زمن وفي حبنا اتُخِذَ القرار إما امتلاك أو هلاك والحب يرقص على الأوتار ويقرع أجراس الخطر وليس لنا منه فرار أوقفتُ سيارتي أمام المكان الوحيد الذي أجد فيه راحتي وقد غادرني الهدوء منذ زمن، نزلت من السيارة وسرت بضع خطوات ثم توقفت أنظر لهذا المنزل وأسأل نفس السؤال الذي يتكرر داخلي منذ عشرة سنوات دون توقف، رغم أنني أعلم الإجابة وأعلم أنها جارحة للغاية إلا أنني أظل أردد هذا السؤال بداخلي لأتذكر الحقيقة الوحيدة الباقية بحياتي وأواجهها ….فأنا رجل لا يمكنه أن يكوّن عائلة، لا يمكنه أن يكون أبا، لا يمكنه أن يحيا حياة طبيعية...أنا بكل شبابي وعزي لا يمكنني أن أكوّن بيتا دافئا مثل هذا، هذا ما ظللت أردده لنفسي لعشرة سنوات طوال وكلما أخذني الحنين لدفء أو راحة وهدوء كان هذا ملاذي و مكاني الوحيد ومع مرور الوقت أصبح التأقلم أمرا اعتدتُ عليه، هذا لأنني أعلم جيدا أنني لست حمل جرح آخر حتى عندما علمت أن نتائج آخر فحوصات أجريتها أكدت أنني تعافيت وأضحى هناك أمل بأن أكوّن أسرة وأن أعيش بعد رحلة عذاب دامت خمسة عشر عاما ... يا الله كم مر وكم مضى من عمري! لقد بلغت الأربعين وها أنا ذا أرمل فأي حياة هذه التي سأبدؤها؟ من التي سوف تجازف وتبدأ معي رحلة قد تكون نهايتها بعد أعوام معدودة؟ غريبة جدا هذه الحياة لقد انتظرت هذا الخبر عمرا بأكمله وحين جاء أتاني متأخرا للغاية، كنت أتمنى أن أسمع هذا الخبر حين كانت زوجتي بين أحضاني، حين كانت في عيني أجمل نساء العالم، حين كنت متيما في عشقها وأريد أن نعيش في سعادة إلى الأبد. لم أنسَ قط حين علمت بعقمي والتغير الذي أصابها وكأنها تحولت من فراشة رقيقة إلى كائن مخيف ذي مخالب حادة ملامحه مطموسة بل تحولت إلى شيء غير محدد الهوية، شيء تشبّع بالطمع والجشع، شيء أصابني بالذهول و الصدمة، شيء يجيد الجرح ويتفنن في جعل الجروح غائرة وشديدة التقيح، كم كانت صدمتي عميقة وكأن عالمي يُدك دكا من حولي حين وجدتها تساومني على نصيبي في الشركة التي أسستها أنا وابن عمي رأفت بعد أن أخذنا قرار الاستقلال بأعمالنا بعيدا عن العائلة فبذلنا الكثير والكثير حتى استطعنا إثبات وجودنا في سوق العمل وهذا مقابل تكتمها على خبر عقمي وادعائها أمام الناس أنها سبب تأخر الحمل وأنها تواجه بعض المشاكل التي تحتاج إلى علاج طويل الأمد، فأظهر أنا أمام العائلة أنني المضحي الذي لن يتخلى عن زوجته في محنتها لأنه من المؤكد لا أريد للعائلة أن تعلم أني نصف رجل. كم كرهت نفسي حينها، كم أصبحت الحياة في نظري طريقا شائكا، طريقا خلق لامتحان البشر بكل الوسائل، لماذا أتى الجرح منها هي؟ لماذا كانت في حياتي ملكة البدايات….. بداية الأحلام، بداية الحب... وبداية الجرح …. وبداية الفراق. لا أتذكر ليلتها سوى أنني تركتها وغادرت مغلقا خلفي باب منزلي وظللت أجري كالبائس وأبكي كالطفل الذي تيتم فلم يعد يملك في الحياة أحدا وعند شروق الشمس وجدت نفسي نائما في مكتبي في العا**ة، لا أتذكر كيف وصلت أو متى غلبني النوم حتى وصل إلى أذني صوت طرق شديد على باب المكتب الخارجي فتذكرت أنني قمت بإغلاقه من الداخل ومن المؤكد لم يتمكن أحد من فتحه، تحركت من مكاني على مضض أشعر بالألم يجري بدمائي وعظامي ورأسي، كنت أتألم نيابة عن كل البشر في هذه اللحظة وقد أدركت أخيرا المعنى الحقيقي للوجع ولكنني لم أعلم حينها أن كل هذا ما هو إلا البداية فقط وأن ألمي الأعظم يطرق باب مكتبي في صورة خبر يحمله رأفت الذي كان يقف أمامي حينها متسخ الثياب تفوح منه رائحة الحريق المنفرة كأنما تفوح منه رائحة الموت ... كان هذا إحساسي حين رفع رأفت رأسه المحني ليجدني أقف أمامه فظل ينظر لي لدقيقة كاملة ليتأكد فيها أنني بخير ولم أشعر بنفسي إلا وأنا بين أحضانه يضع رأسه على كتفي ليبدأ في البكاء، صوت بكائه رج أعماقي حاولت أن أهدئه لأفهم ماذا حدث وعندما بدأ يتكلم اكتشفت أنني أنا من يحتاج إلى أن يهدأ. بركان من غضب، من ألم، من وجع ومن فقد، أصبحت بركانا على وشك الانفجار كيف أحزن أكثر من حزني هذا؟ تمنيت في هذه اللحظة لو أنني أعرف للبكاء طريقا لأسلكه ولكن يبدو أني فقدت كل الطرق. مشيت بجانب عضدي وسندي وعندما وصلنا إلى أرض العزايزة وقفت أمام منزلي لأجد النار قد أكلت كل شيء وكأنها البارحة تركت قلبي حين غافلني النوم وعادت إلى هنا لتنتقم ومن حينها لم أصبح بكامل وعيي وكأن الصدمات كانت كالمطارق تدق رأسي فأصابني شيء غير مفهوم هو أشبه بحالة نكران لكل ما يحدث وأن كل هذا حلم سيرحل ويمر مرور الكرام، وسوف أستيقظ منه لأجد نفسي بين أحضان زوجتي الجميلة تخبرني أنها سعيدة لأنها تحمل طفلي وأننا سنعيش العمر سويا أنا وهي و صغارنا لينتهي هذا الحلم بل الكابوس الذي لا أرى به حاليا سوى أناس تأتي وأناس تذهب وأنا جالس لتلقي عزاء أحدهم. أفقت من أفكاري على يد رأفت الذي لم يتركني لحظة واحدة منذ ثلاثة أيام وهو من قام بكل شيء نظرت له كالغريق ليس لي سواه ليس لي أخ فهو أخي، هو شريكي وصديقي، هو كل الباقي والمتبقي لي ليأخذني بين أحضانه الواسعة ويخبرني أنني لست وحيدا وأنه دوما موجود وأن لي عائلة جميلة تنتظرني في قلق وتوتر وخوف منذ ثلاثة أيام وهذه الأسرة تتكون من زوجته منال وأبنائه وخصوصا الجميلة أسمهان والتي أسماها على اسم أسمهان هذا الصوت العريق الذي يذوب كلما سمعه، أتذكر أني بعد انتهاء العزاء عدت معه إلى هذا المنزل لأجد الجميع بانتظاري منال مع أسمهان وأحمد وسالم ومحسن أبناء رأفت ….حين دخلت لم أشعر إلا بجسدين صغيرين يندسان في أحضاني وصوت أسمهان الصغيرة تخبرني ألا أحزن و أنها لن تتركني أبدا ولأول مره منذ أن سمعت خبر وفاة زوجتي تنزل دمعة واحدة على خد واحد لتسرع هذه الصغيرة لتمسحها وتخبرني بصوت منخفض أن الرجال لا يبكون أبدا وأنها سوف تروي لي الحكايات كل ليلة معللة للجميع أن سبب بكائي أني أخشى النوم بمفردي وكان لها ما أرادت .... هذه الطفلة ذات السبعة أعوام أصبحت تعاملني كالطفل، تمسكت بيدي حتى وصلت بي إلى غرفة الضيوف التي أقضي بها الليل كلما أتيت إلى هنا لتخيرني بينها وبين غرفتها المليئة بالأل**ب الجميلة كأنها تغريني بالولوج إلى عالمها الوردي وأيضا كان لها ما أرادت وهناك ظلت طوال الليل تحكي لي القصص بصوتها الطفولي الذي عزلني عن كل شيء.. حتى أنها أعادت قصة سندريلا أكثر من خمس مرات لأنها المفضلة لديها إلى أن أخذها النوم بسلطانه...... عاد من بئر ذكرياته السحيق على صوت جميل...صوتها الأسمهاني، نعم لقد وهبها الله صوتا رائعا فأصبحت اسما على مسمى، تأمل ملامحها الجميلة جدا القريبة من قلبه وحجابها الذي زادها فوق البهاء بهاءً، كم هو فخور بها لقد أتمت عامها السابع عشر منذ أيام و....كان سيسترسل في أفكاره عندما قاطعه صوتها "عمي هاشم لماذا تقف هكذا؟ إلى أين تظن نفسك ذاهبا؟ إن كنت لا تنوي الدخول أخبرني لآتي معك فلم أخرج منذ أن بدأت اختباراتي، أبي يفرض عليّ الحبس الانفرادي حين أعود إلى المنزل من أجل مذاكرتي وهذا كثير على فتاة في مقتبل العمر مثلي، أنا أريد أن أعيش" ثم أمسكت يده بتهور وقالت: "هيا بنا" حاولت جذبه باتجاه السيارة لكنه لم يتحرك وأوقفها قائلا: "ألن تكبري أبدا وتتركي عادتك هذه؟" ثم تراجع للخلف بضع خطوات ونظر لها مدققا في ملامحها وقال لها "آنسة أسمهان رأفت العزايزي، من منا الكبير ومن الصغير؟ لأني أشك في تقديرك للأمور فأنت تظنين أنك أكبر مني شخصيا"نظرت له بملل إنه نفس الحوار كلما تقابلا "عمي هاشم ألن تمل أبدا؟ كلما التقينا تسألني نفس السؤال ودائما ستجد مني نفس الإجابة كيف أكون صغيرة وقد ظللت لسنوات أحكي لك قصص قبل النوم ولكني أبقي الأمر سرا لكيلا تهتز هيبتك أمام الناس و............." قاطع كلامهم صوتا يقترب جعل وجه الصغيرة يتلون بكل الألوان، إنه صوت أخيها أحمد.. ها هي جولتها خارج الحصار الإجباري ذهبت أدراج الرياح…. توجهت إلى المنزل وهي تتحسر أنها لم تكن سريعة البديهة وتتصرف بسرعة أكبر لعلها كانت الآن في أحد محال المثلجات. سار خلفها ينظر لها بحنان يتابع بعينه حركاتها الغاضبة. يعلم أن رأفت شديد في تربيته لأبنائه وأنه يفرض عليها هي بالذات حصارا من نار، عزايزي أصيل لكن لتمر فقط فترة الاختبارات وسيكون له مع رأفت حديث آخر، دلفت إلى البيت وهو خلفها وكان أحمد في استقبالهما برجولة تسبق سنه بمراحل، رجولة متأصلة في كل رجال العزايزة أو أن هذا ما كان يظنه إلى أن اكتشف أن للعائلة فرع مائل و لابد من التصرف معه في أسرع وقت قبل أن تصيب العائلة ن**ة تضع اسمها في الوحل، رفع رأسه لتستقبله منال بابتسامتها البشوشة وترحيبها القريب من القلب فهي كما يقولون صاحبة واجب من الدرجة الاولى، وجدها تخبره أن رافت ينتظره في غرفة المكتب وأن عليهما إنهاء العمل سريعا فخلال نصف ساعة سيكون الغداء جاهزا فتركها هو أيضا بابتسامة لبقة وتوجه إلى غرفة المكتب وهو يتساءل لماذا يريده رأفت؟ هل علم بما يحدث؟ هل علم أنهما تورطا في مصيبة وأن الأيام القادمة لا تبشر بالخير إطلاقا؟ لقد وقعا فريسة سهلة لثعلب مكار وعليهما التحرك بسرعة وإلا لا سبيل لهما بالنجاة….. ولكن أين الدليل وكيف يحصلان عليه؟ إنهما يغوصان في الوحل بسرعة رهيبة والعائلة لن تقف في صفهما إلا لو جاءا بالدليل القاطع ويبدو أن هذا ليس بالأمر الهين أبدا …. فور دخوله غرفة المكتب وجد إجابة سؤاله حين سمع صوت صديقه يحدث أحدهم على الهاتف بعصبية مفرطة...رفع رأفت عينيه لينظر إلى أخيه نعم بل إنه أكثر من ذلك وحين ينظر إليه يشعر أنه ليس وحيدا وأنه مهما حدث له سيواجهه ولن يخاف من شيء طالما هو في ظهره يحميه من نكبات القدر التي من الواضح أنها اقتربت منهما، تأمل رأفت صديقه كما لم يفعل منذ زمن، تأمل مظهره الملفت وحضوره الطاغي فمن يرى هاشم للوهلة الأولى لا يمكن أن يظن أنه رجل أعمال، أي رجل أعمال هذا الذي يشبه المصارعين بضخامة جسمه وطوله الفارع والذي هو ميزة في جميع رجال العائلة! لم يكن هاشم بتلك الضخامة منذ عشرة سنوات ولكن منذ وفاة زوجته أصبح مدمنا للرياضة كأنها المتنفس الوحيد لشيء بداخله، ألم تكفِه جاذبيته المفرطة ليكتفي بها؟ يعترف أنه في بداية حياته العملية كان يستغل حضور هاشم وهدوءه للتأثير على العملاء وخصوصا لو كانوا من النساء فهو يعترف أن لهذا الرجل جاذبية ساحقه تجذب النساء له بطريقة غير طبيعية وقد كانت دائما مثار حسد له من الجميع حتى منه هو شخصيا، انتبه للصوت الذي يحدثه على الهاتف يقول"الأمر غريب وأنتما متورطان به، يجب أن تتحرك قبل أن تقع الفأس بالرأس وليس هناك ما يثبت براءتكما، أنا لن أستطيع مساعدتكما أكثر من هذا، مهما حدث راضي العزايزي ابن عم لكما وهذا يدخل الأمر تحت طائلة العائلة، أتعلم ماذا تعني هذه الكلمة يا رأفت؟ أنت تعلم أن العائلة دائما مشاكلها تُحل داخل العائلة" رد رأفت عليه بعصبية: "وكيف تحل وأنا لم أتمكن من إيجاد دليل واحد ضده؟" رد عليه محدثه قائلا "من الواضح أنه بارع فيما يفعل و يمارسه منذ سنوات لذلك لا نستطيع أن نجد دليلا ضده" ثم أكمل بنوع من السخرية "يوجد في العزايزة مجرم من الدرجة الأولى، إنه عقلية إجرامية فذة تستحق الاحترام والتقدير" وأكمل حديثه بجدية كأنه آخر "أمامك يومان لإنقاذ ابنتك أعلم أنها بحكم مكاتيب العائلة مكتوبة لعزيز بن راضي منذ الصغر لذلك يريد منك أن تترك شراكة هاشم لتكون شريكا له، لقد كشف لك أوراقه ليس لأنه يريدك أن تختار بل لأنه قرر أن تكونا شريكين حتى لو أن هذا يعني أن يتخلص من الطرف الثالث فهاشم هو ال*قبة الوحيدة لديه الآن وقد قالها بوضوح لك إن لم تقم بفض هذه الشراكة سيقوم بفضها بنفسه" ثم أغلق الهاتف وترك محدثه بين المطرقة والسندان يصارع خوفا من نوع آخر، خوفا جحيميا على أغلى ما يملك ابنته وصديق عمره. جالس على سريره ينفث دخان السيجارة التي بيده وباليد الأخرى يحمل كأسا ويتأمل منظر الغرفة التي انقلبت وكأن عاصفة قد ض*بتها، شعر بها تتحرك بجانبه فارتسمت على شفتيه ضحكة خبيثة ونظر لها برغبة لا تتركه أبدا فهو لا يمكنه أن يعيش دون نساء، إنهن بالنسبة إليه متعته الأولى لا يمكنه أن يرى أنثى جميلة ويحرم نفسه من التمتع بها حتى أنه أوشك مرة على ا****ب فتاة أعلنت رفضها له. من هذه لترفض عزيز العزايزي؟ هو من يرفض ومن يريد وهو من يعلم أن علته الأولى والأخيرة النساء، ذهبت أفكاره إليها ست الحسن والجمال عروسه المبجلة من كتبت له في مكاتيب العائلة منذ زمن، زوجته المستقبلية التي كلما رآها شعر أنها جزء من أملاكه يملكها وتمتلكه، نعم يحبها بكل ما للكلمة من معنى، أسمهانه الفاتنة يعلم أنها لن تتقبل حياته ولن تستطيع ببراءتها التأقلم مع نزواته التي يدرك أنه لن يستطيع البعد عنها لكنه سوف يحكم سيطرته عليها ويملك فيها كل شيء لكي لا تستطيع الابتعاد عنه حتى وإن كانت أعند من أن تستسلم فستظل له بحكم العائلة…. فمكاتيب العائلة للزواج والطلاق بها من المحرمات..... تقوم بمراجعة أسئلة الامتحان للمرة التي لا تعلم عددها، خائفة جدا من أي انخفاض في معدل درجاتها فحينها والدها لن يرحمها لا تعلم هذه المرة ما الذي سيحرمها منه، فهي تتذكر آخر عقاب له كانت يومها في البيت الكبير واجتمعت مع الفتيات وبدأن بالضحك والمزاح وحين ألقت إحداهن مزحة لم تستطع حينها التحكم في ضحكتها فانطلقت تضحك وحتى الآن لا تعلم من أخبر أباها فهو لا يمكن أن يكون قد سمعها وهو بمجلس الرجال، وكان عقابها أنها م***عة لشهرين من الذهاب إلى البيت الكبير التي لا تذهب لمكان سواه فهي تأمل خيرا أن يستطيع عمها هاشم إقناع والدها بجعلها تذهب الى الرحلة الصيفية مثل باقي فتيات العائلة... انتبهت أسمهان لصوت يناديها من بعيد فوجدت زميلة لها تقترب منها وهي تقول بحماس "أسمهاااااان ماذا تفعلين هنا يا فتاة؟ كيف طاوعك قلبك أن تظلي هنا وتتركي هذا المدمر على باب المدرسة يعبث بقلوب الفتيات؟" ردت عليها أسمهان بهدوئها المعتاد "عمن تتحدثين؟" ردت عليها بصوت هائم "أتكلم عن ذلك الضخم ذو اللحية والشارب، مفرط الجاذبية سارق قلوب العذارى" اتسعت عيون أسمهان وهي تستوعب هوية الواقف على باب المدرسة فتركت زميلتها وأخذت الطريق إلى البوابة وهي تجري حتى وصلت إليه تلهث قائلة "عمي هاشم، ماذا حدث؟ والدي بخير؟ أخبرني أرجووووك" تفاجأ بها تقف وراءه تتنفس بصعوبة ومن الواضح أنها مصدومة لرؤيته، إنها المرة الأولى التي يأتي ليقلها من المدرسة، نظر إليها فوجد وجهها الأبيض غزته الحمرة الجميلة وشفتاها مضمومتان كالأطفال وهي تنطق أرجووووك خاصتها، ارتسمت على شفتيه ابتسامة وقورة، وقار نابع من داخله وحاول طمأنتها "أهلا وسهلا آنسة أسمهان ليس هناك أي شيء مخيف سوى أن والدك يريدنا أنا وأنت في مكتبه الآن وعلى وجه السرعة ... ماذا فعلت يا فتاة ليص*ر لك أمر ضبط وإحضار؟" ردت عليه بصوت مرتجف "عمي أقسم لك لم أفعل شيئا أبدا أبدا" ثم سكتت قليلا ونظرت إليه بانفعال قالت "أتظن أنه علم أنني اشتريت ثوبا قصيرا لأحضر به حفل حناء صديقتي رغم تحذيره لي من عدم كشف شعري حتى؟" نظر لها لثوان ثم انطلقت منه ضحكة ذات صوت تلاعب بنبض المراهقات من حوله فجعلتهما محط أنظار المدرسة بأكملها ثم تحرك باتجاه السيارة وهي تسير بتوتر خلفه ولم تكن تعلم أن القدر قال في مصيرها الكلمة الأخيرة….. يجلس على مكتبه مستمتعا وهو يراهما كالفئران يصارعان من أجل الخروج من القفص الذي أحكمه عليهما ولا حل أمامهما إلا الاستسلام، رأفت العزايزي صديق الطفولة وإن كان يكبره بأعوام لكنه كان الأقرب إليه حتى دخل المعادلة هاشم حينها بدأ رأفت بالابتعاد عنه وتركه وراءه كأنه لم يكن، وبين يوم وليلة أصبح بينه وبين هاشم صداقه أقرب إلى الأخوة كأنّ كليهما وجد في الآخر رفيق الدرب وأصبحا واحدا وبينهما وبينه خط أحمر وهذا ما أجج الحقد بداخله وجعله يدخلهما في دائرة أحكمت عليهما من أجل أن يعيد كل شيء إلى نصابه الصحيح ويعيد رأفت إلى جانبه ليكون شريكه ونسيبه وللأمانة لرأفت عقلية لا يستهان بها في سوق الأعمال وهذا ما يحتاجه تماما …. عقلية فذة لإنسان مخلص يعينه على عمله الذي يتوسع …. أما بالنسبة لهاشم هو لن يدعه يعيش سواء فض رأفت الشراكة وخضع له أو عارضه ورغم أنه تمنى أن يراه أمامه مذلولا ورأفت يلقي به خارج حياته ويلقي في وجهه عشرة الأعوام كما فعل معه من قبل لكن عمله وضعه في مأزق حقيقي وقد تقدم موعد عملية مهمة ووجود رأفت ودعمه سيكون أكبر عامل في نجاحها، مد راضي يده إلى سطح المكتب وسحب ورقة وكتب رسالة مضمونها "نحن على موعد لنقف جنبا إلى جنب في فرح أبنائنا نتقبل التهاني ثم في عزاء صديقك نأخذ العزاء..." وصل هاشم إلى المكتب وبجواره تمشي الصغيرة خائفة جدا يكاد يشعر بها ترتجف ولكنه ليس بيده شيء فهو لا يعلم ماذا يحدث سوى أن صديقه طلب منه المرور إلى منزله وإحضار كافة أوراق ابنته الثبوتية وجواز سفرها ثم المرور بالمدرسة وإحضارها إلى مكتبه على وجه السرعة، دلف إلى المكتب وهي وراءه فوجد رأفت يقف شاردا أمام نافذة مكتبه ويمسك بيده حقيبة تعرف عليها جيدا إنها حقيبة أوراقه والتي تحتوي على جواز سفره، ماذا يحدث؟ ومن هؤلاء؟ التفت رأفت لصديقه عندما شعر بحضوره وقال له "لماذا تأخرت يا هاشم؟ ننتظرك منذ فترة" التفت هاشم ينظر إلى الحضور، كانوا ثلاثة رجال أحدهم يمسك دفترا كبيرا ويهم بفتحه قائلا له "هل أحضرت أوراق العروس؟" عروس من؟ لا يوجد أنثى سواها هنا التفت لها وجدها تقف مصدومة مما يحدث فأصبح كالوحش على وشك الانقضاض على رأفت الذي أصابه الجنون يريد تزويج ابنته لرجل ليس من العزايزة وبهذه الطريقة! يعلم أنها مكتوبة في مكاتيب العائلة لعزيز العزايزي وهذا في حد ذاته كارثة لكن ليس هذا الحل أبدا، لم يحدث قط أن تزوجت إحدى بناتهم من خارج العائلة ولم يجرؤ أحد قط على طرق أبوابهم لأن الجميع يعلم أن بنات العزايزة لشبابها بمكاتيب توثق منذ ولادتهم، فإن كان رأفت فقد عقله تماما فمن عريس الغفلة الذي تعدى على قوانين العائلة فلم يشعر بنفسه إلا وهو يقف أمامها يحجبها عن أعينهم ويهتف بحرقة "من عريس الغفلة؟" نظر له صديقه نظرة لم يفهم معناها ونطق بكلمه واحده كانت كالإعصار المدمر"أنت". نفس والثاني فالثالث، نظرة وأخرى هو لن يتحكم بنفسه فالأمر يفوق قدرته على التحمل، كان يتمنى ألا تراه هكذا أبدا لكنه فقط لا يستطيع، وكان أول شيء فعله أن التفت إليها وقام بدفعها بكل ما أوتي من قوة لتبتعد عمّا سيحدث، لتبتعد عن هذا الجنون، وفي اللحظة التالية كان المكتب مدمرا بالكامل ويبدو أن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد، وبسرعة بديهية يحسد عليها رأفت اتجه إلى ابنته الملقاة على الأرض وأمر الشهود والمأذون بالخروج، وعند خروجه من غرفة المكتب أجلس ابنته على كرسي مكتب المساعد الخاص به وتأكد من خروج الآخرين ثم أسرع ليغلق باب الغرفة على هاشم فهو يعلم أنه الحل الوحيد فتدخله الآن لن يزيد الأمر إلا سوءا، سوف يتركه يٌخرج كل طاقة الغضب التي بداخله فهو قد تعود على نوبات غضب هاشم التي لازمته منذ وفاة زوجته ولا يعلم لها سببا حتى الآن ولكنه يدعو الله أن ينتهي الأمر سريعا لأنهم لا يملكون الوقت فمن اليوم أصبح الوقت رفاهية غير متاحة، ولم ينتبه لحظه من بين أفكاره إلى تلك التي تدعو الله أن يكون كل هذا حلم وتستيقظ مبكرا من أجل اختبارها الأخير فقامت بإغلاق عينيها تدعو الله أن يكون رحيما بها وتستيقظ لتجد نفسها في الفراش ويكون هذا مجرد حلم وسينتهي. بعد مرور نصف ساعة خرج هاشم من غرفة المكتب وكلا يديه تنزفان دما فوجد رأفت يقف أمامه حاملا علبة الإسعافات الأولية ووراءه يجلس المأذون والشهود وهي تجلس على كرسي المكتب من**ة الرأس، رفعت رأسها عندما سمعت صوت الباب فاصطدمت عيناها بعينيه ونظر لها نظرة غريبة فازداد ارتجافها فهي لا تفقه أي شيء في لغة العيون، فن**ت رأسها مجددا مقنعة نفسها أنها سوف تنتظر انتهاء هذا الحلم وعادت إلى سكونها تنتظر لحظه الف*ج، أما رأفت فقد سحب هاشم من يده وأجلسه على الأريكة المقابلة لأريكة المأذون وبدأ بتعقيم جروح يده قائلا "أكمل الإجراءات يا شيخ" بدأ الشيخ إجراء عقد القران وبعد دقائق معدودة كان هاشم يضع يده في يد رأفت وعيناه في عينيه، كلٌّ منهما ينظر إلى الآخر بسكون ودار حديث العيون وكأن بينهما شيئا من توارد الأفكار، فكان أحدهما يلوم والآخر يعتذر، أحدهما يبرر أسبابه والآخر مغلق أي باب للتفاهم حتى أفاق الاثنان على صوت المأذون وهو يقول "بالرفاه والبنين إن شاء الله" وقع الشهود وباركوا هذا الزواج الغريب ثم قام رأفت بوضع توقيعه وأخيرا هاشم الذي قام بحمل الدفتر بعد انتهائه من التوقيع ووقف أمامها، نظر لها وهو يقرّب الدفتر منها وقال لها "وقعي" نظرت له نظرة مليئة بالخوف ويبدو أنها لم تستوعب ما يحدث فأغمض عينيه لثانية بل لجزء من الثانية ثم فتحهما قائلا لها بصوت مرتفع "وقعي"
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD