أَمَّا رُوفَانِ بَعْدَ اتِّصَالَاتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ أَيْنَ ذَهَبَتْ حَبيبَتُهُ الاولَى وَلانَهُ فَقَدَها مِنْ قِبَلُ لَحِقَ بِهَا مُحَاوِلًا " الوُقوفَ بِجانِبِها وَمُسَاعَدَتِهَا .وَاسْتَوْعَبَتْ مَارِيَا الواقِعَةَ وَحُفِرَتْ فِي قَلْبِها حُزْنَها وَاسْتِغْرابَها وَخَوْفَها
وَبارَكَتْ شَهامَةُ زَوْجِها وَشَجَّعتْهُ عَلَى ذَلِكَ .
والِدَةُ رُونَا فِي المُسْتَشْفَى تَتَلَقَّى عِلاجَها وَسَطَ فُقْدانِ الأَمَلِ بِحَيَاةٍ طَويلَةٍ وَروفانْ يَهْتَمُّ بِهَا يُسَانِدُهَا وَيُتَابِعُ حَالَتَهَا . .
يَعْمَلُ مِنْ وَراءِ الشّاشَةِ وَيُنْجِزُ مَشَارِيعَهُ وَيُكَلِّمُ ابْنَهُ وَزَوْجَتَهُ وَوالِدَتَهُ يَوْمِيًّا " وَيُطَمْئِنُّ عَلَى أَحْوالِهِمْ .
أَمَّا رُونَا فَلَمْ تَسْتَغْرِبْ وُجودَها فِي مَنْزِلِ رُوفَانِ هِيَ الطِّفْلَةُ اَلَّتِي اعْتَادَتْ عَلَى اَنْ تودِعُها اِمَّها عِنْدَ اصِّحابِها مِنْ وَقْتِ الَّى آخَرَ .
يَسْتَرْجِعُ لَحَظاتٍ رائِعَةٌ مَعَهَا وَيَسْتَذْكِرُ لِقاءاتِهِمَا الحَميميَّةَ تُعْجِبُهُ وَقَضَى سَنَوَاتٍ يَبْحَثُ عَنْ سِرٍّ خَبَأَتِهِ وَكَنْزَ خَبَأَتْهُ وَراءَ مَلامِحَ عَميقَةٍ تُخْبِرُ عَنْ اِنْسانَةِ حَياتِها لُغْزٌ وَعَشِقُهَا سِحْرٌ . .
أَسَرَتْ لَهُ بِالْحَقِيقَةِ وَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ رُونًا هِيَ ابْنَتُهُ وَأَسْمَتْهَا اسْمًا " يَعْنِي القوَّةَ بِاللُّغَةِ العِبْريَّةِ .
قَائِلًا " لَهَا زَوْجَتِي مِنْ حُبِّها الشَّديدِ لِشَخْصِي أَسْمَتْ ابْني رُوفَانِ
- هَلْ هوَ اسْمٌ عَرَبيٌّ
- نَعَمْ بِالتَّأْكِيدِ
- وَالِدَتِي شَرْقيَّةٌ عَرَبيَّةٌ وَوَالِدِي طَبيبٌ وَمُسْتَشْرِقٌ لَهُ مُؤَلَّفاتٌ عَديدَةٌ عَنْ الشَّرْقِ السّاحِرِ
يَعْنِي رُونَا شَقيقَةَ رُوفَانِ
هِيَ كَذَلِكَ وَهِيَ ابْنَتُكِ وَتَكَادُ تَكونُ تَوْأَمٌ مَعَ رُوفَانِ
- يَا لِغَرابَةِ الأَيّامِ لِمَاذَا تَرْكَتُنِي يَا حَبِيبَتِي
- وَلِمَاذَا صَدَقَتْ أَنْتَ أَنَّنِي كَرِهتُكَ
لَقَدْ فَاتَ الوَقْتُ وَتَزَوَّجَتْ وَليُّ عَائِلَتِي
وَأَنْتَ
لَمْ أَتَزَوَّجْ لَقَدْ عِشُتْ خَديعَةُ الاَمِ العازِبَةُ
وَاُبْتُليُتْ بِالْمَرَضِ العُضالِ واِقَّضي عُمْري فِي المَشافي وَفِي السَّرِيرِ وَصَغيرَتِي اعْتَادَتْ عَلَى عيشَةِ التَّنَقُّلِ مِنْ مَنْزِلِ الَّى مَنْزِلٍ وَمِن عائِلَةِ الَّى أُخْرَى
هَلْ سَتَحْتَضِنُهَا اذًا مَا رَحَلَتْ عَنْ هَذَا العالَمِ
الوَضْعُ صَعْبٌ وَلَكِنْ أَقْدَرُ رَجاحَةَ عَقْلِ زَوْجَتِي وَسَأُحَاوِلُ جَاهِدًا " اظِّهارَ هويَّةٍ لِابْنَتِي مُنْذُ رَأَيْتِها شَعَرُتْ أَنَّهَا قِطْعَةٌ مِنِّي .
عِنْدَمَا تَتَعَافِينَ سَنَجْتَمِعُ كُلَّنا وَنُخْبِرُهُمْ عَنْ الحَقيقَةِ واللَّهُ المُسْتَعَانُ المُهِمُّ أَنْ تَخَرُّجِي بِصِحَّةٍ وَعافيَةٍ . .
تَدَهْوَرَتْ صِحَّةُ والِدَةِ رُونَا وَحَبيبَةُ رُوفَانِ الأَبُ الأُولَى طَلَبَتْ مُشاهَدَةَ ابْنَتِها . . .
وَكَانَ لَهَا ذَلِكَ.
تُعانِقُها وَتَضُمُّها الَّى صَدْرَها وَتَهْمِسُ فِي أُذُنَيهَا عائِلَتُكَ هِيَ عائِلَةُ رُوفَانِ وَهُوَ أَخُوكَ لَا تَحْزَنِي فَقَطْ انْتِظَرِينِي فِي حُلْمِكَ كَيْ أَطْمَئِنَّ عَلَيْكَ وَلَفْظُتْ أَنْفاسَها . . .
أَمَّا رُوفَانِ الكَبيرُ لَقَدْ كَانَ يَسْتَعِيدُ شَريطَ ذِكْرَيَاتِهِ مَعَ حَبيبَتِهِ والِدَةَ رُونَا
أَحَبَّها كَثِيرًا " وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بالِهِ يَوْمًا " أَنْ تُغادِرَهُ بِدُونِ وَداعٍ لِغايَةِ اللَّحْظَةِ لَمْ يَفُكْ رُموزَ فِراقِها وَلَمْ يَعْلَمْ لِمَاذَا فَضَّتْ عَلاقَتُها بِهِ .
مَعَ أَنَّهَا هِيَ مِنْ أَلْقَتْ عَلَيْهُ اعِّجابُها وَأَتْقَنَتْ الحُبَّ لِأَجْلِهِ وَلَكِنَّها كَانَتْ دَائِمًا " تَقولُ لَهُ اَنَتُ مِنْ كَوْكَبٍ لَا يُشْبِهُ الأَرْضَ اَمّا لِأَنَّهُ تَلَقَّى تَرْبيَةً واهْتِمامَ أَمْ شَرْقيَّةً روتَهُ مِنْ مُعَيَّنِ القُرْآنِ والْاحاديثِ وَعَلَّمَتْهُ كَيْفَ يَعْشَقُ الحَياةَ وَكَيْفَ يَكونُ مُحِبًّا " لِكُلِّ النّاسِ مَعَ التَّحَفُّظِ فِي الدُّعاءِ لِلْمُسْلِمِينَ قَبْلَ العالَمينَ مِم أَثَارَ حَفيظَةَ حَبيبَتِهِ اليَهوديَّةِ وَالَّتِي خافِتْ عَلَى حَبيبِها وَعَلَى نَفْسِها مِنْ عَلاقَةٍ لَا تورِثُ اَلَا البُغْضَ والْكَراهيَةَ .
وَلَمْ تَتَجَرَّأْ عَلَى اعْطَاءِ رُونَا لِوالِدِها لَوْ لَمْ تَكُنْ واثِقَةً مِنْ أَنَّ ابْنَتَها سَوْفَ تَلَقَّى العِنايَةَ التّامَّةَ والِاهْتِمامَ اللّازِمَ .
اسْتَعَادَ لِقاءاتِهِمَا أَحاديثَهُمَا وَعُرِفَ لِلتَّوِّ أَنَّهَا تَعْشَقُ التُّرابَ اَلَّذِي يَمْشي عَلَيْهُ وَأَنَّهَا حارَبَتْ نَاسَهَا وَأَهْلَها وَارْتَضَتْ التَّعَبَ والارِّهاقَ عَلَى النِّعَمِ والرَّفاهيَةِ مِنْ أَجْلِ أُمومَتِها وَمِن أَجْلِ وَليدَتِها اَلَّتِي هِيَ مِنْ صُلْبِ حَبيبٍ تَزَوَّجَ وَنَسِيَهَا وَلَمْ يُحَاوِلْ أَنْ يُتَمَسَّكَ بِهَا .
حَمْلَ ضَميرُهُ مَوْتَها وَمَرَضَها وَلَكِنَّ رُؤْيَتَهُ لِابْنَتِهِ مَحَتْ كُلَّ الحَنَقِ والْغَضَبِ وَحِضْنَ رُوفَانِ رُونَا وَتَرْكَ وَرَاءَهُ جَسَدَ تَهالَكَ وَفاتِحًا " عَلَيْهُ أَبْوابُ التَّساؤُلاتِ وَكُلُّ الِارْتِباكِ هوَ مُتَرَدِّدٌ هَلْ يُخْبِرُ زَوْجَتَهُ وَوالِدَتَهُ الحَقائِقَ أَمْ يَكْتَفي بِخَبَرِ وَفاةِ والِدَةِ رُونَا وَبانَهُ سَوْفَ يَقومُ بِاجْرَاءَاتِ تَبَنّيها أَوْ حَضانَتِها . . .
لَمْ يَتَوَصَّلْ الَّى قَرارٌ نَامْ لَيْلَتَها وَشَياطينُ اَلْانْسِ والْجانِّ تَأْخُذُهُ مِنْ مَكانِ الَّى مَكانٍ وَفْقَ سينارْيوهاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ . . .
هَلْ يُضَحّي بِعَائِلَتِهِ مِنْ أَجْلِ رُونَا ابْنَتِهِ
هَلْ تَتَقَبَّلُ زَوْجَتُهُ الأَمْرَ
وَروفانْ مَاذَا سَيَقُولُ لَهُ فَعَقْلُهُ الصَّغيرُ المُتّوِقَدُ سَيُسْتَقْبَلُ الخَبَرَ أَمْ لَمْ يَسْتَسيغْهُ
أَسْئِلَةٌ وَاسْتِفْهاماتٌ نَامَتْ مَعَهُ والْأَرَقُ كَانَ سَيِّدُ المَوْقِفِ
. . غَدَاةَ يَوْمِ صَيْفيْ العائِلَةِ فِي بُسْتانٍ والْعُمّالِ يَقْطُفونَ الفَريزَ وَيُعَلِبُونَهُ وَاَلْصَغارُ يَأْكُلُونَهُ وِيْتَرَاشَقُونَهُ وَاَلْوالِدَةُ تَنْظُرُ اَليهم بِعُيُونِ التَّرَقُّبِ والْحَذَرِ
والزَّوْجَةُ تَتَحَاشَى الكَلامَ وَتُسَاعِدُ العُمّالَ وَتُعْطِيهم التَّوْجيهاتُ وَروفانَ يُحَاوِلُ أَنْ يُخْبِرَها بِالْأَمْرِ وَلَمْ تَتْرُكْ لَهُ المَجالَ
ذَهَبَ رُوفَانِ الَّى المَدينَةِ لِيَبيعَ المَحْصولَ والْعائِلَةَ رَجَعَتْ الَّى المَنْزِلِ
الزَّوْجَةُ تَحْضُرُ الحَلْوَى اَلْلَذيذَةَ والْجَدَّةُ تُساعِدُها وَحَتَّى رُوفَانَ الصَّغيرُ وَرُونَا يَقُومَانِ بِواجِبِ التَّحْضيرِ بِانْتِظَارِ رُجوعِ الوالِدِ وَمَوْعِدِ العِشاءِ .
حَوْلَ المَائِدَةِ وَوَسَطِ أَجْواءٍ هادِئَةٍ تَنَاوَلُوا الطَّعامَ وَالحَلْوَى وَشَرِبُوا العَصِيرَ وَضَحِكوا وَتَنَافَسُوا عَلَى انْهَائِهِ كُلِّهِ . . .
فِي حِينِ الصِّغارِ ذَهَبُوا الَّى النَّوْمِ مَعَ جَدَّتِهِمْ لِتَقْرَأَ لَهُما قِصَّةً قَبْلَ النَّوْمِ
اسْتَفْرَدَ رُوفَانِ الأَبُ بِزَوْجَتِهِ لَمْ يَشْرَحْ لَهَا شَيْئًا " فَقَطْ قَالَ لَهَا هَلْ تَسَامِحِينَنِي وَهَلْ تَتَقَبَّلينُ رُونًا ابْنَتِي أَخْتَاطَ لروْفانَ وابْنَةٍ لَكَ وَغَمْرَها بَاكِيًا " وَشاكِرًا " لَقَدْ كُنْتَ دَائِمًا " زَوْجَتِي وَصَديقَتِي وَحَبيبَتِي وَرَفِيقُتِيِ وَلَمْ تُخَيِّبِي ظَنِّي .
وَأَكْثَرُ مِنْ الحُبِّ وَأَعْظَمُ مِنْ الِاحْتِرامِ أكُنَهُ لَكَ يَا امْرَأَةً احْتَضَنَتْ أَخْطَائِي وَغُفِرُتْ زَلّاتِي وَأَحْبَتْنِي وانْجَبَتْ لِي أَجْمَلُ الأَطْفالِ رُوفَانْ الصَّغيرُ .
بَدَأَتْ تَظْهَرُ عَوارِضُ المَرَضِ وَفُقْدانَ الذّاكِرَةِ عَلَى الجَدَّةِ أُمْ رُوفَانِ الكَبيرِ .
وَأَبَتْ مَارِيَا اَنْ تَضَعُهَا فِي مَصَحٍ لِرِعَايَةِ الكِبارِ فِي السِّنِّ وَقَامَتْ هِيَ عَلَى رِعايَتِها الأَوْلادُ كَبِّروا وَهِيَ تُعَتِّرُها والِدَتُها لَا بَلْ سَنَدُها فِي كُلِّ مَشاكِلِها اَلَّتِي عَاشَتْهَا مَعَ زَوْجِها .
وَكَانَتْ لَهَا فِي عَزِّها مَدْرَسَةً وَأُمٌّ وَمَرْجِعٌ فِي كُلِّ الأُمورِ وَآنَ الأَوانُ كَيْ تُرَدَّ لَهَا جَميلُها وَمَعْروفُها . .
مَزَّقَتْ أَوْراقُ دُخولِها الَّى المَرْكَزَ وَطَلَبَتْ مِنْ رُوفَانِ أَنْ يَنْسَى الأَمْرُ هِيَ سَوْفَ تَقومُ بِرِعايَتِها عَسَى اللَّهُ بِرِضَاهَا يوَفَّقُ لَهَا وَلَدَيْهَا . . .
سُرَّ رُوفَان بِالْأَمْرِ وَجَلْبَ لَهَا مُساعِدَةً
كَيْ تُخَفِّفَ عَنْهَا العَمَلُ المَنْزِلِيُّ وَرِعايَةُ الأَطْفالِ وَوالِدَتَهُ . . .
وَتَفَرَّدَ وَحْدَهُ لِلْعَمَلِ فِي المَزْرَعَةِ والْأَرْضِ .
كُلٌّ مِنْهُمَا يُجَاهِدُ بِطَرِيقَتِهِ هِيَ فِي المَنْزِلِ وَهُوَ خارِجَ المَنْزِلِ . .
وَفِي الواقِعِ كَانَتْ لَهُمْ عائِلَةٌ جَميلَةٌ وَطِفْلَانِ رائِعانِ قارَبَا سِنَّ المُراهَقَةِ وَباتَا أَنْضَجَ مِم يَتَوَجَّبُ فِي عُمْرِهِمَا وَكَانَا مُتَفَوِّقانِ فِي الدِّراسَةِ وَمُمَيَّزانِ بَيْنَ رِفاقِهِمَا .
رُونَا الأُولَى فِي اَلْجُمْبازِ وَروفانْ البَطَلُ فِي السِّباحَةِ وَكِلاّهمَا مُتَفَوِّقٌ فِي الصُّفوفِ وَفِي الدُّروسِ .
وَفِي انْتِظارِ النُّطْقِ بِالْحُكْمِ وَقَفُوا احْتِرَامًا " لِلْقَرَارِ وَفِي قُلوبِهِمْ وَجَعٌ وَخَوْفٌ وانْتِظارٌ ، وَبَعْدَ القِسْمِ نَطَقَتْ القاضيَةُ الحُكْمَ قَائِلَةً تَبْقَى رُونًا مَعَ والِدِها رَيْثَمَا تُكَمِّلُ دِراسَتَها حَتَّى لَا تَتَأَثَّرَ مَسيرَتُها العِلْميَّةُ وَحَتَّى بُلوغِها الثّامِنَةَ عَشْرَةَ يَبْقَى لَهَا القَرارُ والِاخْتيارُ فِي البَقاءِ مَعَ والِدِها أَوْ فِي الذَّهابِ الَّى جَدَّتِها لِأُمِّها عَلَى اَنْ تَتَواصَلُ رُونًا مَعَ جَدَّتِها فِي اجَازَاتِهَا وَبَيْنَ الحِينِ والْآخَرِ .
فَرَحُ الجَميعِ وَدَعوْا جَدَّتَها لِأُمِّها لِتَشْريفِهِمْ فِي المَزْرَعَةِ والْبَقاءِ بِصُحْبَةِ حَفيدَتِها وَقْتٍ تَشَاءُ وَمَتَى تُرِيدُ .
وَبِالْفِعْلِ ذَهَبَتْ جُدَّةُ رُونَا لَامَهَا مَعَهُمْ والتَقَّ الجَميعُ فِي المَزْرَعَةِ فِي اِجازَةٍ طَويلَةٍ مُتَمَتِّعينَ بِأَجْواءِ الرِّيفِ وَبِبَقاءِ رُونَا مَعَهُمْ .