الوظيفة الجديدة

902 Words
عادت إيرين إلى الملجأ لتجد أمّها جالسةً على حافة السرير، عيناها محمرّتان من البكاء. "أين كنتِ؟ ظننتُ أن شيئاً سيئاً قد حدث لكِ!" انفجرت مي-سون بالبكاء بينما احتضنت ابنتها بقوة. "كل شيء بخير يا أمي"، همست إيرين وهي تمسح دموعها، "كنت أبحث عن عمل أفضل لنا". لم تستطع النظر إلى عيني أمها وهي تكذب عليها، لكنها شعرت أن هذه الكذبة ضرورية لحمايتها. في صباح اليوم التالي، بينما كانت أمها وأخوها لا يزالون نائمين، انسلّت إيرين خارجاً متجهةً إلى مكتب ليون. ضوء النهار كان لطيفاً على عينيها المتعبتين، لكن قلبها كان ينبض بسرعة غير طبيعية. المكتب بدا مختلفاً اليوم – أكثر إشراقاً، وكأنه يع** الحماس الذي رأته في عيني ليون عندما فتح لها الباب. "تعالي، لدينا الكثير لنعمله"، قال وهو يرشدها إلى غرفة جانبية. على الطاولة، كان هناك ملفٌ بني اللون. فتحه ليون بحركة واحدة، وكشف عن مجموعة من الأوراق. "هذه هويتك الجديدة. إيرين بارك، يتيمة من بوسان، تبحث عن عمل في مجال الخدمة المنزلية". أشار إلى صورة جديدة لها، إلى شهادة مزورة، وحتى مراجع عمل وهمية. "لكنكِ احتفظتِ باسمكِ الأول"، أضاف وهو يلاحظ نظرة الاستغراب في عينيها، "دايسيك لن يعرفكِ، فهو لم يركِ من قبل، ولا يعلم شيئاً عنكِ. وهذا في صالحنا". بدأ بشرح الخطة بتفصيل مملّ أحياناً، لكن إيرين كانت تلتقط كل كلمة. "الوظيفة المعلن عنها هي لخادمة في منزله. ستكونين مسؤولة عن ترتيب غرف الضيوف وتقديم المشروبات للزوار". أخذ نفساً عميقاً قبل أن يكمل: "لكن مهمتك الحقيقية هي البحث عن أي وثائق، أي دليل يربط دايسيك بجرائمه. عقود مشبوهة، سجلات مالية، صور، أي شيء". إيرين شعرت بجفاف في حلقها. "وإذا... إذا تمّ اكتشاف أمري؟" أغمض ليون عينيه للحظة، وكأنه يتخيّل السيناريو. "لن يحدث ذلك إذا التزمتِ بالتعليمات. أنتِ مجرد خادمة صغيرة، لا أحد سيلاحظكِ". لكن نظرة الشك في عينيها جعلته يضيف: "لديّ شخص داخل المنزل أيضاً. سيكون عينيكِ عندما لا تستطيعين الرؤية، وسندًا إذا اشتدت الأمور". عندما انتهى من الشرح، مدّ يده فجأة وأمسك بيدها بقوة. "تذكّري، إيرين، هذه ليست لعبة انتقام. هذه عملية استخباراتية. غلطة واحدة صغيرة قد تكلفنا كل شيء". خرجت من المكتب وكأنها في حلم. الشمس كانت ساطعة جداً، والأصوات مرتفعة جداً. كل شيء حولها بدا مختلفاً الآن، وكأنها تنظر إلى العالم من خلال زجاج ملون. في طريق العودة إلى الملجأ، توقفت عند جسر المشاة. نظرت إلى المياه المتدفقة تحتها، وتساءلت: هل ستكون هذه بداية نهاية معاناتهم؟ أم أنها ستجرّهم إلى هاوية أعمق؟ لكن عندما تذكّرت أوراق مصادرة منزلهم، توقيع رجل لم تعرفه أبدًا لكنه غيّر مصير حياتهم، عادت إليها النار التي تعرفها جيداً. نار الكراهية التي ستساعدها على الاستمرار. "سأفعلها"، همست لنفسها بينما كانت تقبض على الملف في حقيبتها. "سأحصل على العدالة التي يستحقها أبي". عندما عادت إيرين إلى الملجأ في ذلك المساء، لم تتوقع أن تجد أمها في حالةٍ كهذه. مي-سون كانت ترتب الأغراض القليلة في حقيبتين كبيرتين، وعيناها فيهما لمعة لم ترها منذ سنوات. "لقد حدث شيءٌ رائع!" قالت وهي تمسك بيد ابنتها المرتجفة من التعب، "جاءت إلينا جمعية خيرية ووفرت لنا منزلاً صغيراً... مكان دافئ، نظيف، وسيوفرون لنا رعاية صحية وطعاماً شهياً!" تطلّع داي-هيون من زاويته، يحتضن دبدوبه المهترئ ويقفز من الحماس. "هل سيكون لدينا سريرٌ حقيقي؟" سأل بعفوية، وعيناه تشعان أملاً. لم تستطع إيرين منع دموعها، لكنها مسحتها بسرعة قبل أن يراها أحد. ليون... لقد وفى بوعده. في صباح اليوم التالي، انتقلوا إلى الشقة الجديدة. لم تكن كبيرة، لكنها بدت كقصرٍ مقارنةً بما اعتادوا عليه. النوافذ تسمح بدخول ضوء الشمس، رائحة النظافة تعبق في الأجواء، والطعام يملأ الثلاجة. كانت هناك ملابس جديدة وأل**ب صغيرة على رفٍ خشبي. إيرين تمنّت لو تستطيع البقاء، لو تستطيع الجلوس قليلاً وتعيش لحظة الأمان هذه. لكنها لم تأتِ لهذا الهدف فقط. بعد أن تأكدت من راحة أمها وأخيها، غادرت بهدوء متجهةً إلى مقابلة العمل في منزل دايسيك. الطريق إلى القصر كان يبدو أطول من المعتاد، والقلق في ص*رها يثقل خطواتها. أمام القصر، وجدت طابوراً طويلاً من الفتيات، جميعهن يرتدين ملابس مرتبة ووجوههن مزينة بابتسامات متوترة. بدت إيرين أقلّهن تميزاً، لكنها كانت تعرف شيئاً لا يعرفنه: هي لم تأتِ لتعمل فقط... بل لتكشف الحقيقة. عندما جاء دورها، دخلت غرفة استقبال فخمة، حيث جلست كبيرة الخدم ذات الملامح الجامدة، وخلفها وقفت زوجة دايسيك، شيناي، بجمال بارد وفستان حريري أخضر يع** الضوء بنعومة. "إيرين بارك، أليس كذلك؟" "نعم، سيدتي." أجابت بنبرة واثقة، رغم أن يدها كانت ترتجف خفية خلف ظهرها. بدأت الأسئلة تنهال، تماماً كما تدربت عليها مع ليون. كانت إجاباتها دقيقة، نبرتها متزنة، وحركاتها مدروسة. بدا الأمر كأنها ولدت في هذا الدور. شيناي التي كانت تراقب بصمت تقدّمت خطوة، وعيناها الحادتان تتفحّصان إيرين: "لماذا تريدين العمل هنا؟" أجابت إيرين بابتسامة صغيرة، وكأنها تستحضر جزءاً من ماضٍ مزيف صُنع بعناية: "لأنني أؤمن أن المنزل النظيف والخدمة الجيدة هي أساس الراحة. وأريد أن أكون جزءاً من مكانٍ يقدّر ذلك." مرّت لحظة صمت. ثم تبادلت شيناي وكبيرة الخدم نظرة قصيرة، قبل أن تقول الأخيرة: "ستبدئين العمل غداً. ستكونين مسؤولة عن غرف الضيوف وتقديم المشروبات. لا أخطاء، مفهوم؟" "مفهوم تماماً، سيدتي." عندما خرجت من القصر، شعرت أن ساقيها بالكاد تحملانها. جلست على مقعد خشبي في حديقة قريبة، فتحت الهاتف القديم الذي أعطاها إياه ليون، وكتبت بصمت: > "تم القبول. أبدأ غدًا." وصل الرد بعد دقائق قليلة: > "ممتاز. تذكري – لا تتصرفي باندفاع. أنتِ مجرد خادمة بالنسبة لهم. سنتواصل عندما يحين الوقت." أغلقت الهاتف، وحدّقت في السماء الرمادية. اللعبة قد بدأت... والعدالة أصبحت أقرب من أي وقت مضى. ما لم تكن تعرفه، أن هناك من كان يراقبها من الطابق العلوي. كوان وو ، بملامحه الهادئة التي لا تشي بشيء، كان يقف خلف زجاج النافذة، عينيه الضيقتان تتابعان تحركاتها بدقة. ابتسم ابتسامة خفيفة، شبه ساخرة، ثم انسحب إلى الظل بصمت. وكأنّه عرف أن هناك شيئاً مختلفاً في تلك الفتاة... شيئاً لن يمرّ دون أثر.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD